أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العَلمانية: انتفاضة الراهب (5/3)















المزيد.....

العَلمانية: انتفاضة الراهب (5/3)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 23:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(العلمانية: النشأة والمسيرة)
(ملحوظة هامة: تعرض هذه المقالة لأحداث تاريخية ولا تنطوي على أي اسقاطات على واقعنا المعاصر على الرغم من وجود بعض أوجه الشبه. فقد يرى بعض القراء ان تحريض بعض الدعاة لشباب المؤمنين على القيام بأعمال عنف ضد غير المؤمنين وأنهم ان نفذوها سيدخلون الجنة هي احدى صور "صكوك الغفران". وهي الصكوك التي كانت الكنيسة الكاثوليكية تصدرها في القرن السادس عشر وتضمن لمشتريها غفران خطاياه ودخول جنات النعيم. وقد يرى البعض الآخر ان تكفير المؤسسة الدينية كل من يأتي برأي مغاير لرأيها شبيه لموقف نفس الكنيسة تجاه كل من يخالفها في الرأي. وأخيرا وليس آخرا قد يرى آخرون ان ازدهار صناعة الفتوى يعني احتكار المؤسسة الدينية لتفسير النصوص الدينية وتقليص مجال عمل عقل الانسان وهو موقف شبيه بممارسات الكنيسة الكاثوليكية قبل حركة الاصلاح. وهي اسقاطات لا دخل فيها لكاتب المقال بل تقع مسئوليتها على عاتق القراء)

قد يتساءل البعض، وهو محق في تساؤله، عن العلاقة بين حركة الإصلاح الديني التي شهدتها أوروبا في القرن السادس عشر وبين نشأة وتطور مفهوم العلمانية. ومحاولة الإجابة عن هذا السؤال هي موضوع هذا المقال. ومشهد البداية كان يوم الأربعاء الموافق 31 أكتوبر سنة 1517 في مدينة فيتنبرج Wittenberg الألمانية. ففي صباح هذا اليوم ذهب أحد الرهبان الى كنيسة كل القديسين وعلق على بابها منشور سيكون له شأن عظيم. وكان الراهب هو مارتن لوثر أستاذ اللاهوت بجامعة وتنبرج Wittenberg الالمانية الذي لم يتجاوز عمره حينها 36عاما. أما المنشور فكان رسالته التي تتضمن خمس وتسعين أطروحة تشكل رؤيته الناقدة لفكر الكنيسة الكاثوليكية. ويعتبر الكثيرون ان هذه الواقعة هي نقطة البداية لحركة الإصلاح الديني. ولم تكن حركة "الاصلاح الديني (أو الإصلاح البروتستانتي)" الا حركة هدفت، في جوهرها، تحرير تفسير النصوص الدينية من قبضة رجال الدين التقليديين وتسليم مهمة التفسير هذه لعموم المؤمنين.

ولم تكن هذه الحركة بنت اللحظة فهي كانت نتيجة تراكمات لممارسات الكنيسة لعدة قرون. الا ان القشة التي قصمت ظهر البعير كانت "صكوك الغفران" التي كانت احدى مظاهر تغول سلطات رجال الدين. اذ لم يكتفي هؤلاء بسلطاتهم التي يمارسونها على البشر في حياتهم الدنيا بل توسعوا فيها لتشمل ايضا حياتهم الاخرة فأصدروا هذه الصكوك التي ادعوا أنها تغفر لمن يشتريها ما ارتكبه من ذنوب. ولم تكن "صكوك الغفران" الا واحدة من مجموعة الأسباب التي أسهمت في ظهور حركة الإصلاح الديني. وهي أسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية ودينية. فعلى الصعيد الاجتماعي نجد "الحركة الإنسانية" التي اكدت على حق الانسان الأصيل في تقرير مصيره بنفسه. ونجد أيضا مطبعة جوتنبرج التي خفضت من تكلفة انتاج الكتب مما جعلها في متناول قطاعات جديدة من قطاعات المجتمع. انها "ديموقراطية الاقتناء" التي أخرجت الكتب والمخطوطات من مكتبات الأديرة بروادها من الرهبان الى الأماكن العامة بروادها من عموم الناس. وهو الامر الذي ساعد على سرعة انتشار الأفكار الجديدة. وعلى الصعيد السياسي رأينا تحدي الطبقة الحاكمة، امراء وملوك الدول الأوروبية، للكنيسة ولبابا روما، وعدم ارتياحهم لثروة الكنيسة المتزايدة وعدم رضاهم على ما يدفعونه من ضرائب لها وذلك على الصعيد الاقتصادي. وأخيرا نصل الى الأسباب المتعلقة بالمؤسسة الدينية نفسها وفساد أعضاءها. وهو فساد متعدد الأوجه بدءا بيع المناصب الكهنوتية وتغيب رجال الدين عن مواقع عملهم وانتهاءا بالمحسوبية والجهل بالأمور العقيدية.

كان هذا عرض موجز لأحوال الكنيسة التي دفعت لوثر لكتابة وثيقته ذات الخمس وتسعين أطروحة التي تخالف تماما ما تؤمن به كنيسة روما الكاثوليكية، والتي من أهمها: حق أي مؤمن في تفسير ما جاء في الكتاب المقدس والعمل طبقا لفهمه لآياته. وبهذا لم يعد هذا الحق مقصورا على الكهنوت. أو بعبارة أخرى أصبح "المؤمن هو كاهن لنفسه"Priesthood of all believers ولا ضرورة لخدمات رجل الدين.

ولقد كان لحركة الإصلاح الديني هذه آثار بعيدة المدى. فهي في البداية أحدثت انقساما جديدا في الكنيسة بعد انقسامها الأول الذي حدث في القرن الخامس (451 م) عقب مجمع خلقيدونيا وأسفر عن ظهور كنيستين هما الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية. والانقسام الثاني هو ذلك الذي تمثل في ظهور الكنيسة البروتستانتية ككنيسة جديدة لها أفكارها التي لا تتفق مع ما تؤمن به الكنيسة الكاثوليكية. ولم تسلم الكنيسة الوليدة هي الأخرى من مرض الانقسام فرأينا على سبيل المثال ظهور الكلفانيين Calvinists (اتباع كلفين) وهم الطائفة التي ستلعب دورا هاما في الحروب الدينية التي عانت منها الدول الاوربية. ومن المثير للاهتمام ان يكون الدافع لهذه الانقسامات هو المفهوم نادى به المصلحون وهو "المؤمن هو كاهن لنفسه". الا ان المفهوم نفسه قد أصل لمبدأ "المساواة" عندما ساوى بين رجل الدين والمؤمن.

ويبقى السؤال عن مدى اسهام حركة الإصلاح الديني في دعم ونشر مفهوم العلمانية كما نعرفها اليوم. وهو سؤال سنحاول الإجابة عنه من منظور أبعاد العلمانية الثلاث، التي ذكرناها في مقال سابق وهي (*): "الإنسانية" بمعنى ان الإنسان هو من يقرر مصيره و"العقلانية" بمعنى الاعلاء من شأن العقل و"اللا دينية" بمعنى الفصل بين أمور الدنيا وامور الدين.

وبالنسبة للبعد الأول يمكن النظر الى حركة الإصلاح الديني بوصفها احدى تجليات الحركة الإنسانية (#). وإذا كانت الأخيرة حررت الانسان من اي وصاية خارجية على وجه العموم فإن حركة الإصلاح حررت الانسان من وصاية الكنيسة على وجه الخصوص. فلقد حطمت هذه الحركة جدار الخوف والرهبة الذي بنته الكنيسة الكاثوليكية حول نفسها بوسائل عديدة منها اعتماد اللغة اللاتينية، لغة النخبة، بوصفها لغة الكنيسة المعتمدة، واحتكارها لتفسير النصوص الدينية فأي تفسير مخالف لها هو "بدعة (او هرطقة)" يستحق صاحبها اشد أنواع العقاب. وهنا جاءت الحركة بمبدأها "الانسان هو كاهن لنفسه" لتشجع طائفة المؤمنين على اعادة النظر بأنفسهم في تفسيرات النصوص الدينية التي توارثتها الاجيال واضفت عليها صفة القداسة. أما بالنسبة للبعد الثاني، "العقلانية"، فإن تحرير الانسان من الوصاية الخارجية ليتحمل مسئولية نفسه يقتضي استخدامه لإمكانياته الذاتية متمثلة العقل.

وأخيرا رفضت حركة الإصلاح صورة العالم التي كانت تتبناها الكنيسة الكاثوليكية بما فيها من ملائكة وشياطين وقديسين وسحرة يلعب كل منها دورا في حياة البشر. وفي المقابل اعترفت بوجود عالمين مختلفين لكل منهما قوانينه الخاصة التي تحكمه وهما "عالم الغيب" غير المنظور و"عالم الشهادة" الذي نحياه ويمكننا اكتشاف قوانينه. وبهذا تكون حركة الإصلاح الديني عبدت الطريق أمام الثورة العلمية أوشكت على الظهور.

المراجع
(*) السيد نصر الدين السيد 2017. العلمانية: عصر الظلمات (1/5). الحوار المتمدن، 5594 (7 أغسطس 217)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=566798

(#) السيد نصر الدين السيد 2017. العلمانية: الانسان أولا (5/2). الحوار المتمدن،5599(2 أغسطس 2017):
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=567436.

(+) Richard Tranas, The Passion of the Western Mind, The Random House Publishing Group, Toronto, Canada, 1991.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلمانية: الانسان أولا (5/2)
- العلمانية: عصر الظلمات (1/5)
- استفتي عقلك
- حكاية الجزيرتين
- فرض عين
- عبء الاختيار
- جبر التنوير
- الفتوحات المدنية لابن الانسان
- والمثقفون يتبعهم الغاوون (عن المثقفون وعن أدوارهم)
- سلاح الغلابة
- مرافعة لم يطلبها أحد
- مذبحة الروبوتات
- جامعة المستقبل: الرؤية والرسالة
- نظرية ورقة النشاف
- المادة المضادة ومأساة انسان العقل المُغَيب
- الديموقراطية وجودتها المنشودة
- القيراط الخامس والعشرين
- أسطورة تجديد الخطاب
- أمة في أزمة
- حاوريني يا طيطة


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - العَلمانية: انتفاضة الراهب (5/3)