أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - باترونة - الجزء الأول















المزيد.....

باترونة - الجزء الأول


حسام الدين مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 01:25
المحور: الادب والفن
    


(عن قصة بيت من لحم للراحل يوسف إدريس)


(1)

البداية كان الفضول.
حب استطلاع قاتل، فاتك رهيب. تصاعد في جنون دافع للمشاركة، يتجاهل السن والخوف والمعتقدات.
ثم كانت الرغبة والشيطان، جاءا معا، عاشا معا. تعاظمت الرغبة، وتضاءل الشيطان.
علاقة عكسية غريبة يقف أعتى علماء الفيزياء أمامها حائرا. يبحث ويقلب في دفاتر معادلاته، دون أن يصل إلى نتيجة مرضية. وقد تصيبه لوثة عقلية، أو نوبة قلبية مباغتة، عندما يصطدم بالاندماج.
امتزاج مفاجئ بين الرغبة والشيطان، ليصبحا كيانا واحدا، صنوان لا يفترقان.
أكان لابد يا بسمة أن تثمر؟ أكان لابد أن تنمو داخلك بذرة لم تجد خصبا لدي أمك أو شقيقتك؟ ما الذي أودى بك إلى هذا المصير؟ فجأة أصبحت الوحيدة صاحبة الخطيئة، وأصبح الجميع أطهار أنقياء، راحوا يرجمونك بالأحجار، وكأنهم يطهرون بها أنفسهم قبل أن يطهروك.
حتى أمك و شقيقتيك اللاتي ارتوين بما شربت، و شاءت لهن الأقدار ألا يحملن وزر الخطيئة التي حملتها وحدك، اشتركن في زوبعة أحجار التطهر.
وذلك الأعمى، زوج أمك، القارئ، المبتهل، العارف بالدين، صاحب الكرامات، ذلك النهر الذي كان يطفئ فيكن جميعا نار الرغبة، ولوعة الشوق، يشعركن بأنكن ما تزلن إناثا، وما يزال بكن ما يغري الرجال. ذلك الذي أثمرت داخلك بذرته، تبرأ منها، وقاد حملة التطهر منك، ومن أمثالك من العصاة.
كموج البحر الثائر، يضرب شاطئا صخريا، ارتطمت بجدران عقلها تلك الأفكار والأسئلة، وهي تقف أمام "الباش سجانة"، التي تقوم بتسليمها عهدتها في آخر أيامها بسجن النساء. بنطلون جينز أزرق أمريكي، "بلوزة " كانت حمراء اللون منذ ستة أشهر، ولم يكن بها ثقوب "للعثة"، قبل أن تدخل السجن. "انسيال" رفيع، خاتم ذهبي، لكزة في الكتف الأيمن، ودفعه من السجانة إلى غرفة تغيير الملابس.
انتهت كل إجراءات الإفراج، دون تفاصيل أو تعقيدات. لم تخسر سوى "الانسيال" الذي أهداه لها طالب الجامعة الأمريكية، مقابل الادعاء أمام صديقاته أنه أبرع من عرفت من الرجال على الفراش. كان كل هدفه من هذا، أن لا تعلم تلك الفتيات أنه يرتوي من ابن البواب كل ليلة.



(2)

ابتسامة رقيقة كملامحها، حفرت نقشها على وجه "بسمة "، وهي تتصور الدهشة التي يمكن أن تصيب هذا الطالب لو علم أنها أهدت هديته إلى شرطي في مديرية الأمن، طلب منها قبلة نظير إنهاء إجراءاتها، ولكنها فضلت التنازل عن الانسيال بعد أن اشمأزت من شاربه القذر.
عدلت جلستها فوق الكرسي الرخامي بميدان التحرير، وهي ترقب بعين شاردة، الحركة الدائبة في الميدان أسفل الإعلان عن حفل بداية الألفية الجديدة. كان الناس يتحدثون عن أن التجهيزات لهذا الحفل تحت سفح الأهرام غير مسبوقة.
رفعت عينيها تنظر إلى الشمس في تحد، وهي تتجاهل نظرة نهمة اعتادتها، أطلت عليها من عينين، عسليتين، خلف نظارة شمسية، تنزلق قليلا على أنف طويل لشاب قمحي اللون، طويل الوجه والقامة، وقف يتطلع إليها.
أول تحد خاضته في حياتها لم يكن على سرير أمها، بل كان هناك في حارة ضيقة بالهرم، حيث تسكن "داية" أخذت منها مائة جنيه، نظير إجهاضها. كانت يدها ثقيلة، سببت لها آلاما فظيعة لا تحتمل، ولكنها تحدتها، واحتملتها دون أن تفقد الوعي لثانية واحدة. ودهشت " الداية " وأثنت على شجاعتها وهي تأخذ منها الجنيهات المائة. أما ذلك الذي كان على سرير أمها فلم يكن تحدي وإنما كان انقيادا.كانت..
- مساء الخير
كرصاصة مدوية، اقتحمت هذه العبارة أفكارها وصاحب النظرة النهمة المختبئة خلف النظارة الشمسية، يجلس بجوارها وهو يتابع :
- ممكن اقعد هنا
- ما أنت فعلا قعدت
- أنا وليد..وأنتي اسمك إيه
كادت تقول له اسمها الحقيقي " بسمة " ولكنها في اللحظة الأخيرة ردت :
- منى
- شايفه الشيروكي اللي واقفة هناك دي..عربيتي إيه رأيك نتفسح شويه.
لم تكن أول سيارة تركبها "بسمة" ولم تكن أول جولة، تمتد فيها الأيدي بلمسات غير بريئة إلى فتحات البنطال والبلوزه ومشدات الصدر.لقد اعتادت هذا وملته بعد أن كرهت كل الرجال.كرهتهم جميعا منذ أحبت عبد الصمد.منذ عملت " باترونة " في مصر الجديدة.حتى عملها هذا زاد كرهها لكل الرجال.
هروبها من المنزل كان السبب، أو النتيجة، لا تدري، لأنها جلست على أول محطة أوتوبيس صادفتها من التعب.لم تدركم جلست، ولكنها فوجئت بيد حانية ترتبت على كتفها.كانت مدمرة نفسيا، لم تكن تتصور أن أمها التي فتحت أمامها كل ضروب الشبع وفنونه، هي التي ركلت مؤخرتها أمام الناس وهي تصفها بأنها " بنت زواني ".
لم تشعر بشفتي وليد، وهي تنساب على شفتيها ورقبتها، وصدرها النافر العاري.لم تكن تشعر حتى بجسدها الممدد على السرير، ووليد يبدأ طقوسه المحمومة، متصورا أنه ملكها، وراح يعيث في جسدها كما يشاء. كانت هناك بعقلها وقلبها، في تلك الغرفة الصغيرة الضيقة، أسفل سلم عمارة بمدينة نصر، بعد أن توفي والدها تاركا ثلاث بنات هي صغراهن، وتسبقها " عليه " و " إحسان " وكلهن يعشن عن النقود التي تحصلها أمهن من مسح السلالم.
كانت في الرابعة عشرة عندما دخل عبد الصمد منزلهن كزوج لأمها. ورغم سنها وبلوغها لم تكن تفهم سر التأوهات التي تطلقها أمها وهي نائمة إلى جواره.
لم تكن تحب هذا المدعو عبد الصمد، كانت تشمئز من منظر عينيه المغلقتين على الدوام. كرهته أكثر عندما لاحظت بعض التصرفات الغريبة لإحسان معه. شاهدتها تقبله في شفتيه ذات مرة أسفل السلم. وعندما أدركت إحسان أن بسمة شاهدتها، فجرت في وجهها قنابل مدوية.

لم تصدق تلك الطفلة حديثة النضج ما سمعت إلا عندما شاهدت الأعمى جاثما على صدر علية يتناوله. تصورت أنه قتلها، كادت تصرخ لولا أن سمعت صوت ضحكتها الخافتة التي كتمتها قبلة من شفتيه. عندها أدركت أن أوان النضج قد حان، وعلمت أن أمهن لا تدرك ما يحدث، ولا يعنيها أن ابنتيها الكبيرتين، وصلن إلى سن العنوسة، ولم يطرق أحد بابهن.
غريب هو فضول النساء منظر عليه أسفل عبد الصمد لم يفارق خيالها لحظة. ما المتعة في أن تحمل على صدرها تلك الكتلة العملاقة المسماة عبد الصمد ؟ تجرأت ذات مرة و سألتها هذا السؤال فأجابتها :
-ها تعرفي لما تجربي
أثارت هذه الإجابة جنون فضولها أكثر وأكثر،لماذا لا تجرب كي تعرف. هي لا تحب عبد الصمد. تكره عينيه المقززتين وشاربه الكثيف ولحيته النامية، تكره صوته وهو يقرأ قرآن الجمعة في المسجد، ولكنها تشعر بالقشعريرة تعتريها عندما تقع يدها على مكمن رجولته. يتصورها عليه أو إحسان لأن أمها لا تكتفي باللمس.
ذات نهار خلت الغرفة عليهما. كانت الأم قد قررت أن تلحق بناتها بخدمة عدد من أثرياء العرب. فتركت بسمة مع عبد الصمد الأعمى الممدد على السرير، لتقوم على خدمته. عندها قررت أن تعرف، صعدت سرير أمها وجلست بجواره. فتحت فمها لتحدثه، ولكنها فوجئت بذراعه الطويل يلتف حول وسطها. وقبل أن تدرك ما يحدث كانت بدأت لأول مرة في حياتها طقوس اللذة والألم.
وفي هذا اليوم الشديد الحرارة من شهر أغسطس لم تكن ترتدي ما يصعب التجرد منه وهي ممدة على السرير. لحظتها فهمت معنى الاقتحام.
مشاعر غريبة عبثت بجسدها. الآم لذيذة لم تذق مثلها، انسياب ناعم لزج، اهتزاز وتأرجح، تأوهات خافته تكتمها قبلات محمومة. أنفاس ترتطم بوجهها، شعيرات تحتك ببشرتها الرقيقة، لتزيد من حرارة المعركة. لم تكن تدري هل يفعل عبد الصمد كل هذا مع أمها وشقيقتيها؟ ولكنها انتبهت في هذه اللحظة قبل أن يغرق عقلها في غيابات من دماء فوارة، أن رأس عبد الصمد لم يكن يهتز كما يفعل رأس وليد.
كان عبد الصمد محترفا بكل المقاييس، أحست بعد هذا اليوم نحوه بحنان غريب، وحب تدفق في جسدها على مدار خمس سنوات، رأت فيه كل الرجال، كانت تشعر أنه يراها دون عيون، كما تشعر أن وليد أعمى رغم عينيه الواسعتين.
ثم إنه لم يكن يسقط منهكا من فوقها كما فعل وليد في هذه اللحظة.كان يلهث بشدة عهدتها مع كل من عرفتهم من الرجال، عدا ذلك الأعمى عبد الصمد.
فجأة ودون مقدمات علمت أمها بحملها من عبد الصمد، وانفجرت في وجهها الأحداث. طردتها أمها من المنزل، عايرتها شقيقتيها و وصفنها بالخاطئة، أقسم عبد الصمد بكل عزيز لديه و غال، لو أنها لم تترك المنطقة كاملة ليرسلن إلى أسرتها في الصعيد، ليغسلوا عارهم بأيديهم. تحولت فجأة إلى قبلة للسباب والشتائم وكل الصفات القذرة. لم تجد أمامها سوى محطة الأوتوبيس،تريح عليها جسدها المكدود. حتى انشقت الأرض عن الهانم.



#حسام_الدين_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابن المبروكة )قصة حياة هداف(
- 11 سبتمبر
- أسئلة جسدية !!
- أوهام النبوة
- كائن افتراضي


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - باترونة - الجزء الأول