أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - بوح في جدليات – 27 - بعضُ خواطري -6.















المزيد.....

بوح في جدليات – 27 - بعضُ خواطري -6.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 5615 - 2017 / 8 / 20 - 19:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بوح في جدليات – 27 - بعضُ خواطري -6.

17
جُنون ٌ ما في الطبيعة ِ البشرية. ثمّـَـة َ قُوَّة ٌ عمياء في قاع ِ الوعي الإنساني، تركة ٌ و ميراث من الحيوان ِ السلف الذي يعيش في الجينات و يجري في الدم. سلاسة ٌ غريبة يمضي فيها الفعل ُ غير ُ المُحتكِم ِ إلى العقل حتى يبلغ تمامه، ثم يعقبُهُ فجأة ً ذُعر ٌ شديد، حين يستيقظ ُ العقل على وعي الاحتساب الذي يفرضُه الفعل. بين السلاسة ِ و الذُّعر يكمنُ مفتاحُ فهم الإنسان.

من السلاسة نتعلَّمُ انسجام الإنسان مع فعله، على اعتبار نشوئه عن الطبيعة، نتاجا ً مباشرا ً منها و تمثيلا ً لها. من الذُّعر نتعلم أن الأحكام و القوانين و الأخلاق هي نتاجٌ عن العقل البشري الذي يتعارضُ مع الطبيعة، حتى مع كونه هو نتاجا ً بيولوجيا ً لها. هنا علينا أن نتوقف مليَّـاً لنفحصَ كيفَ يُمكن ُ أن ينتجَ شئ ٌ ثانٍ عن شئ ٍ أوَّل، بحيث يعارُض الثاني الأوَّل. هل هذا مُمكن؟

إن َّ الفحص الدقيق لأحكام العقل على الأفعال التلقائية، و إدراك تعارضها مع تلك الأفعال سيقودنا بالضرورة لإدراك المقدرة العقلية على اتخاذ الأحكام (و في هذا انسجام ٌ مع الطبيعة كون تلك المقدرة ناشئة عن صفة الوعي الدماغية)، ثم لإدراك أن تلك الأحكام في جوهرها ما هي إلا تلبية لمنفعة ٍ ما (حفظ نظام مجتمع، حفظ تماسك مجموعة، استدامة عقيدة، استدامة أيديولوجيا، التمكين لمجموعة بشرية حتى لو كانت عدوَّة ً لصاحب الحكم أو مُتحكِّمة ً به)،،،

،،، هي (أي المنفعة) في حدِّ ذاتها مُنسجمة مع غريزة البقاء لشخص أو مجموعة.

ننظر ُ هنا إذا ً و بكل ِّ اطمئنان إلى انسجام ٍ للبشريِّ مع عقله و حيوانيته بتصالح ٍ غريب، أشبه بخليط وعي لا معادلة رياضية أو تجربة كيميائية لاتحاد عناصر و جُزئيات.

يا تُرى هل نستطيعُ في غمرة ٍ من اندفاعِ عقل ٍ يريدُ أن يلجم العاطفة أو الاندفاع اللاشعوي (على تعارضهما شكلا ً و التقائهما مضموناً) أن نرى امتلاكا ً كاملا ً للإنسان العاقل من قِبلِ إرادة ٍ ما، للمضيِّ في طريق ٍ مرسوم بعناية، و بحسب ِ مُخطَّط ٍ دقيقٍ للوصول إلى أهداف ٍ على مراحل، يتمثَّلُ في نهايتها الإنسان ككائنٍ سامٍ فوق الغريزة التي يُتركُ لها فقط و ضمن ضوابط َ لا على إطلاقها أمورٌ كالأكل و الشرب ِ و المُتعةِ و التكاثر؟

إن َّ الوهم الذي ابتناه النظام الأخلاقي العام، و الذي يُراد له أن يرسم للفرد و المجموعة حياة ً أخلاقية ً ما، تضمنُ للقائمين عليهما (أي الفرد و المجموعة) سيطرة ً تحفظ النظام و القانون، و تستديم سيادتهم (أي القائمين) على قطعان ٍ منهكمة بالمأكل و المشرب و الملبس و المحيا، لسوف يقودنا بالضرورة إلى أن نعتقد بوجود: الحرِّية ِ المُطلقة و المسؤولية ِ التَّامة، عن الأفعال، و بالتالي لننطلق َ نحو الإدانة ِ الضميرية ثم القانونية للجُناة بكل ِّ ثقة ٍ و راحة ٍ و اندفاع، على اعتبارِ استحقاقِهم لما ينتج ُ عن أفعالهم من أنواع ِ العقاب ِ و الإقصاء.

هذا الضمير الذي تمَّ اختراعُه، تحديدا ً من أجل إبرازِ: جُناة، هو الأداة القاتمة التي ما فتـِـئَـت تنخرُ في عقول ُ أفراد القطيع لكي تمنع عنهم أي َّ انفتاح ٍ على مقدرتهم العقلية التي كانت ستقرعُ بشدَّة ٍ طالبة ً حقَّها في تحديد ِ ما هو صائبٌ لها بحسب طبيعتها البشرية، و بحسب ِ ما تُحسُّ أنها قادرة عليه، بل وواجب ٌ عليها، من جهة ِ أنَّهُ حقُّها بالولادة، بالطبيعة، بالجينات، بالإنسانية، بما هو ماهيَّتُها،،،

،،، لكن قبل أن يتمَّ تغريبُها لصالح منظومةِ: ضمير *.

18
معادلة التشويه الأعظم للوعي:
منظومة أخلاق و قوانين + طاعة تامة + لا تساؤل = إنسان فاضل + رضى إلهي + حياة أبدية في ملكوت و جِنان.


19
صناعة الإنسان الواعي **:
عين فاحصة جريئة + يد مُفكِّكة + إرادة اقتدار = الإنسان الأعلى.

20
"سمعتُ صوتك َ في الجنَّة فخشيت، لأني عريانٌ فاختبأت"
(آدم التوراني يبرر اختباءه من الرب، للرب، سفر التكوين الفصل الثالث الآية: 10)

بدايةُ الموت ِ الإنساني، في الإحساس بالذنب و العار، حين انكشاف ِ الحقيقة أمام عينيه، و استسلامِه إلى حتمية الاختباء من المفارق الألهي كوسيلة لرفض الواقع و العيش ضمن منظومة أحكام مُفارقة و مُتعارضة بالضرورة مع طبيعته. الاختباء من الُعري، بعد انكشافه، هو إصرارُ عين ِ البصيرة على إغلاق ِ جفنها عن الضوء بعد صعودها من الكهف المُظلم إلى الحديقة الجميلة. العُريُّ هنا هو عار، يُتَّخذ كحكم و مُبرِّر للاختباء عن الواقع، في حيلة ٍ تسلكُ بحسبها النفس تجعل ُ من الواقع (العُريِّ) سببا ً ضد َّ قبول ِ نفسه، لأنَّها لا تستطيع ُ أن تتعامل مع الغمرِ العارمِ لانكشاف ِ الحقيقة، و استحقاقاتها على منظومة القيم و الأحكام ِ الموروثة.

غيابُ الكبرياء الإنساني، انعدامُ قبول ِ الذات، عدمية ُ الاعتزاز ِ بالإمكانِ العام، الجهلُ بالمستطاع ِ الأعظم للكينونة البشرية، الهربُ من استحقاق ِ تفاعُل ِ الجندرين، تضيِعُ زخم ِ فعل المعرفة للجندرين، الهروبُ من مسؤولية الانكشاف، الجُبن أمام َ ذُعرِ الانكشاف ِ المبدئي و الهربُ منه بإلقاء ِ المسؤولية على الجندر الآخر،،،

،،، بواعثٌ للفشل المُتجسِّد في الجملة الآدمية: "المرأة ُ التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة ِ فأكلت" (سفر التكوين ف 3 آ 12)

الخوف من الأصالة ِ الأنثوية، الرضوخُ المذعور لإرادة الرجل، فقدانُ مُستحقَّات الانكشاف، تتمثَّلُ في تنكُّر ِ المرأة ِ لإنجازها، و انتكاسها نحو الطبيعة ِ البشرية على مستواها البوهيمي الغريزي في شكل الحيَّة، نسمعُ هنا صدى انهزامها أمام شريكها الخائفِ "الحيَّـة غرَّتني فأكلت" (سفر التكوين ف 3 آ 13)

أنهزامُ الرجل و المرأة أمام نفسيهما، و خوف ُ كل ٍّ منهما من استتباعات فعل ِ المعرفة، كان لا بُدَّ أن يأتي بالنتيجة ِ الحتمية التي ردَّد الإله التوراني لعنتها عليهما: "بعرق جبينك تأكل خبزك حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها"(سفر التكوين ف 3 آ 19)


الخوف منعهما من الأكل من شجرة الحياة التي كانت في ذات ِ البُستان و قريبة ً من شجرة ِ المعرفة، و إلا كانا سيحييان ِ للأبد (أية 22)، و كان الرب ُّ التوراتي سيُفسحُ لهما مكانا ً على مائدته راضيا ً أو ساخطا ً يرضى حينما يُسقط في يده، أو كانا سيهجرانه ليعيشا دون الاعتماد عليه.

اسأل نفسك: إذا شاهدت نفسك َ عارياً هل ستركضُ لتختبئ؟ أم ستأكلُ من شجرة ِ الحياة؟

----------------------------------
* يُراجع في موضوع الضمير كتاب: في جنيالوجيا الأخلاق، لفريدريك نيتشه، الترجمة العربية: فتحي المسكيني، مراجعة: محمد محجوب، منشورات دار سناترا – المركز الوطني للترجمة - تونس، للعام 2010، نسخة إلكترونية:
http://www.sooqukaz.com/index.php/فكر-وفلسفـة/الفلسفة-الغربية/نيتشه/4271-نيتشه-في-جنيالوجيا-الأخلاق/download


** روح و مُلخَّص فكر نيتشه.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في اللادينية – 10– أصل الدين - فيورباخ.
- بوح في جدليات – 26 - بعضُ خواطري -5.
- بوح في جدليات - 25 – بعضُ خواطري -4.
- بوح في جدليات - 24 – بعضُ خواطري -3
- أين مصباحي يا صبحا؟
- بوح في جدليات - 23 – بعضُ خواطري -2
- بوح في جدليات - 22 – بعضُ خواطري.
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 11 – ما قبل المسيحية – 6.
- قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.
- بوح في جدليات - 21 - صوتُ صارخ ٍ في البشرية.
- قراءة في العلمانية – 5 – المنظومة الأخلاقية – 3 – القيم الذا ...
- قراءة في العلمانية – 4 – المنظومة الأخلاقية – 2.
- قراءة في العلمانية – 3 – المنظومة الأخلاقية.
- عن فاطمة عفيف.
- قراءة في العلمانية – 2- المنظومة الشاملة.
- بوح في جدليات - 20 – دجاجاتٌ على عشاء.
- لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!
- قراءة في الوجود – 9– عن الوعي، الإرادة و أصل الأفعال.
- قراءة في الوجود – 8– عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 2
- قراءة في الوجود – 7 – عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 1


المزيد.....




- إنقاذ سلحفاة مائية ابتعدت عن البحر في السعودية (فيديو)
- القيادة الأمريكية الوسطى تعلن تدمير 7 صواريخ و3 طائرات مسيرة ...
- دراسة جدلية: لا وجود للمادة المظلمة في الكون
- المشاط مهنئا بوتين: فوزكم في الانتخابات الرئاسية يعتبر هزيمة ...
- ترامب: إن تم انتخابي -سأجمع الرئيسين الروسي الأوكراني وأخبر ...
- سيناتور أمريكي لنظام كييف: قريبا ستحصلون على سلاح فعال لتدمي ...
- 3 مشروبات شائعة تجعل بشرتك تبدو أكبر سنا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /19.03.2024/ ...
- إفطارات الشوارع في الخرطوم عادة رمضانية تتحدى الحرب
- أكوام القمامة تهدد نازحي الخيام في رفح بالأوبئة


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - بوح في جدليات – 27 - بعضُ خواطري -6.