أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل عبد الرزاق أحمد - مشهدية الذاكرة الإشكالية في (هناك في فج الريح)















المزيد.....

مشهدية الذاكرة الإشكالية في (هناك في فج الريح)


هديل عبد الرزاق أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5612 - 2017 / 8 / 17 - 13:41
المحور: الادب والفن
    


هناك في فج الريح، هي إحدى روايات الكاتب العراقي الكبير عبد الرحمن مجيد الربيعي، الصادرة في العام 2011 عن دار نقوش عربية. وللوهلة الأولى وقبل ولوج عوالمها يصادفنا عنوانها، فلماذا اختار الكاتب مكان (فج الريح) عنواناً لروايته؟ وأي سمات يمكن أن يوحي بها هذا العنوان؟
يشي عنوان الرواية بمكنونات المسكوت عنه، والمتعلقة بالشخصيات، وأزمة طريقها الطويل النائي، مستشرفاً خواءه في نهاية المطاف، ومعبراً عن الروح المجدبة لهذه الشخصيات، وأحلامها التي توأد قبل ولادتها "الفج مفرد وجمعه فجاج، والفج هو الطريق الواسع بين جبلين، لكن انظري، هناك مجموعة من الجبال، ولذا يصح أن نقول عن المكان فجاج الرياح... والفج هو غير الناضج من الفاكهة" (الرواية: 112).
وتنطوي الرواية على ثيمات متعددة تتنازع سلطة الحضور في النص، وأبرز هذه الثيمات وأكثرها حضوراً هي (هاجس الاغتراب الإنساني) بشتى تجلياته. فالإحساس بالغربة في داخل المجتمع، والعجز عن التأثير فيه، وتلاشي شخصية الفرد، وإحساسه بالهامشية داخل متاهة الحياة، تتسيد المشهد العام لعالم هذه الرواية، وتبرز بشكل واضح عبر شخصية (حسان الزيدي) الرسام العراقي المقيم في تونس بجواز سفر وإقامة فلسطينية، لعمله مع أعضاء مكتب اتحاد عمال فلسطين، مصمماً لمجلة تابعة للاتحاد الذي انتقل إلى تونس بعد غزو بيروت 1982.
ويعمد الكاتب إلى جعل (حسان) محور الرواية ومركزها، فمنه وبه تتجسد معالم الشخصية الإشكالية، وتشع تجليات واقع الإنسان العراقي وإشكالية وجوده وتشظي هويته وضياعها في خضم الصراعات السياسية الداخلية والدولية، وكما يبدو واضحاً في حديثه مع فاتن "إنني أتساءل الآن: أية أقدار تربطني بهذه المدينة؟ بهذا البلد؟ أغادره ثم أجدني وقد عدت إليه؟ وهذه المرة لا أعرف إلى متى سأبقى فيه؟ بعده إلى أين سأتجه؟ هل إلى عراق محاصر وقبضة صارمة من نظام ثقيل؟ إلى أهل لم يتركوا شيئاً إلا وباعوه من أجل أن يأكلوا كفاف يومهم... إنني الآن فلسطيني، هكذا تقول أوراقي لدى وزارة الداخلية وما هو مدون في بطاقة إقامتي، كيف وأنا العراقي جداً؟" (الرواية: 114).
وتتآزر تقنيات السرد التي يلجأ إليها الكاتب لتسلط الضوء بشكل تام على حسان، لتبرز مديات إشكاليته وتأزم واقعه ومعاناته، وعلى الرغم من حضور أكثر من أسلوب سردي في عرض الأحداث وتقديمها؛ بيد أنها لا تصب إلا في مجال الكشف عن شخصية حسان. إذ يقتسم سرد فصول الرواية الراوي ذي المعرفة الكلية الانتقائي (بحسب تصنيفات نورمان فريدمان) مع فاتن عبد العزيز (عبر أسلوب السرد الذاتي بضمير المتكلم) ليكونا أداة للكشف عن وعيه الداخلي وأفكاره المتخبطة بوصفه شخصية إشكالية مهزومة تحمل كماً من المتضادات في عالم لم يمنحه سوى الخيبة.
ويأتي اختيار الراوي (ذي المعرفة الكلية الانتقائي) بذكاء من الكاتب، ذلك أن هذا النوع من الرواة يستبطن وعي الشخصية ويكشفها أمامنا بكل تضاداتها وصراعاتها الداخلية وإيماءاتها ومشاهداتها، وهو ما يحقق لنا جانباً مشهدياً ودرامياً مهماً يهيمن على البنية العامة للرواية، فيخلق لنا صورة متكاملة عن الشخصية، فلا نسمعها فحسب بل نراها أيضاً، ما يوفر أيضاً عنصر الإيهام بواقعية الشخصية. فالحكاية تقدم مباشرة كما تعاش من طرف حسان وكما تنعكس في وعيه، وتقدّم الأفكار والرؤى والمشاعر كما تتكون بالتدريج، فتبدو الرواية كأنها بلا راوٍ، كما في هذا النص على سبيل المثال "بدأ حسان يسترد نثاره متجاوزاً ركام أحزانه الحبلى، كان يقطع شارع رابعة العدوية ذهاباً وإياباً وغالباً ما يسهو فيوقه صوت منبهات السيارات الطائرة وكأنها في حمأة سباق. كان أحياناً يحرك راعيه ليتنفس بعمق فهو في فج الريح، فج لا يهدأ، وكم من مرة ردد في سره أن الذاكرة الشعبية اخترعت ها الاسم في توصيف عجيب للمكان إذ إن المرء لا يعرف غالباً من أين تهب الريح؟ كأنها تهب من كل الجهات، تتصادم ثم تتفرق، وبعد ذلك تتجمع... لطمته رياح الفج فتطاير معها شعر رأسه، وكان يحاول أن يجمعه فتأخذه الريح التي تعبئ عينيه بغبار ثقيل كأنه ذرات حصى مطحون، هو غير غبار العراق ذلك الآتي من الصحاري وكان الناس يسمونه (الطوز)" (الرواية: 180) فالراوي هنا جعل المتلقي يتابع تطور أحداث النص عبر وعي حسان، حين صب تركيزه على مكامن العالم الداخلي له، مفصحاً عن أفكاره، ومتبنياً رؤيته ومشاهداته، ومتماهياً معه.
إن هذا النوع من السرد ساهم بشكل مباشر في التوثيق المشهدي لانثيالات ذاكرة (حسان) المتخمة بالخراب الذي خلفته الحروب والتحولات السياسية والانقلابات الدموية والصراع السلطوي في العراق، وموقفه الإشكالي من كل هذا، فحسان شخصية إشكالية بامتياز، فهو متردد بين عالمي (الذات) و(الواقع)، إذ تكمن في ذاته قيم أصيلة وأحلام وأهداف يسعى لها لكنه يصطدم بواقع منحط يجعله ينهزم أمام شراسته وتحدياته، فيعجز عن تغيير ما يحيطه من مآسٍ لم تبقِ من بلده شيئاً "لقد انتهى كل شيء، العراق دمروه، وضربوه بحقد دفين، وبدأت وقدة الحماس في الخفوت، في مشرق الأرض العربية ومغربها، والخدوش التي لحقت بالضمائر ستشفى بالتناسي... لقد خرج تاركاً لهم الجمل بما حمل رغم أن الجمال التي بقيت حية لا أحمال عليها... أعادت الحرب الأرض والناس للقرون الوسطى... لم يتركوا شيئاً إلاّ وقصفوه، كأن بينهم وبين العراق ثارات متراكمة، لم يكن حسان هناك عندما حصل كل هذا ولكنه عندما يرى صور القصف يحس وكأن القصف يقع على جسده رغم أنه بعيد" (الرواية: 30).
ويهيمن اللا تكافؤ الذي يستشعره حسان بينه وبين محيطه، مولداً في نفسه الإحساس المطلق بالعجز التام إزاء المتغيرات، وبلا جدوى كل شيء، بدءاً من الفن الذي قامت الدولة بأدلجته لصالح أفكارها، مروراً بالحب (علاقته بفاتن)، والجنس (علاقته الجسدية براضية)، وصولاً إلى العمل الحزبي، والإيمان بأيديولوجيا معينة، كالشيوعية التي آمن بها وتركها كسيراً بعد أن أحس بصراعات أفرادها وخياناتهم لبعض.
يمكن القول إن الرواية قد وثقت عبر وعي الشخصية الإشكالية وذاكرتها، مشاهد الخراب النفسي للفرد والمجتمع، وللوطن المبتلى بالحروب والقمع السلطوي، فكانت مرآة لرصد جدليات الصراع والفصام بين (الوعي والممارسة)، فهناك (وعي) تام بالأزمة، يقابله عجز مطلق عن (ممارسة) إنهائها.



#هديل_عبد_الرزاق_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسئلة الأخيلة وأجوبة الرماد.. متضادات تتوحد عبر الكلمات... ق ...
- إياك أن تعتنق أحلامك
- بمناسبة صدور كتابها الجديد (الأجنبية)، عالية ممدوح تؤكد أنها ...
- كلنا أيتام أوطاننا
- صور نضال المرأة في أدب عالية ممدوح الروائي
- الجولة الأخيرة
- تمثّلات حضور الآخر في القصة العربية الحديثة
- رحلة البحث في الذات والوجود عند ذي الرمة... قراءة في إحدى قص ...
- انزلاق
- تمظهرات الخطاب الاستشراقي، في إطار نزعة القوة، والفوقية، وال ...
- تجليات حضور الآخر في أدب ميسلون هادي القصصي
- أضغاث ذاكرة .. قصة قصيرة
- خلل المنهج النقدي في موازنة الآمدي ... قضية (السرقات الشعرية ...
- مضيق الحناء.. البنية الغرائبية... دلالة جمالية للتعبير عن مس ...
- كل الأشياء - قصة قصيرة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هديل عبد الرزاق أحمد - مشهدية الذاكرة الإشكالية في (هناك في فج الريح)