يوسف حمك
الحوار المتمدن-العدد: 5608 - 2017 / 8 / 13 - 19:18
المحور:
الادب والفن
الزمن غدر به ، و تلاعب بأشرعة قواربه ، و قصقص جناحيه ، ليولي وجهته شطر هؤلاء ، فيحتاطون به ، ليضغطوا عليه ، و يضيقوا الخناق على نفسه ، فلم يجد بداً إلا ليفتح صدره لي ( فش خلق ) كما يقال .
قال لي : إنه مع هذه الفئات يعتريه غيظٌ كظومٌ ، ثم تبتلعه الأرض بعد انشقاقها .
يكره الكذب كثيراً ، و يمقت التملق إلى حدٍ لا يطاق .
لا يقابل الإساءة بالإساءة ، و لا يليق به الاستعباط .
لا تبرحه الدهشة كلما رأى شخصاً يحسبه مستنير الفكر ، ثم يفاجئه بسلوكٍ مليءٍ بالجهل ، أو يباغته باعتقادٍ تبتلعه الخرافة في جوفها ،
فيسقط في عينيه بعد شموخٍ كاذبٍ .
و كأنه يرى هذا النموذج من البشر لأول مرةٍ .
يرفض التسليم لأي أمرٍ يخرج من سيطرة العقل ، أو يأبى الخضوع لمنظومة المنطق .
يمتلئه الغيظ من رؤية المولع بإثارة الضجيج لكسب الأضواء دون الحاجة لها .
يعتريه الغضب العاصف لمن يخاطب العواطف ، و يداعب المشاعر لا العقول ، كي يملأ الذهون بمقولاتٍ لا تتقبلها القرون الوسطى ، فيلفظها العصر الراهن قبل أن يلوكها .
ظامئٌ جداً للوصول إلى كنه الأشياء و حقيقتها ، متجنباً التهاب المشاعر ، أو انشغاله بأمورٍ يضخم ذات الآخر و تمجيده .
ينأى بنفسه عن ارتكاب فعلٍ ينخفض به رأسه أمام الملأ .
و لا يستسيغه رؤية من يضع نفسه في مرتفعٍ أخلاقيٍ ، و هو في الدرك الأسفل غارقٌ في مستنقع الرذيلة إلى شحمة أذنيه .
و يصغر في عينيه من يضع نفسه في علوٍ ثقافيٍ و علميٍ ، و هو في المدارج الأدنى من السلم ، فلا يصل إلى كعبٍ المثقفين و العلماء .
انهال بلعناته رشاً ، لا دراكاً على من يتبؤ منصباً ، وهو من مؤهلاته يعاني خلواً رهيباً .
أما الذين يصطادون في المياه العكرة ، فطبائعهم في أزمةٍ خانقةٍ ،
و يعانون من شحٍ في الفضيلة . بئس السلوك سلوكهم ، بلوغهم في المعالي مؤقتةٌ ، و فلاحهم لا يطول ، و سقوطهم حتميةٌ مدويةٌ .
تنهد طويلاً لانشراح صدره ، وتنفس الصعداء بعد سرده لما يعتصره ألماً ، و نفخ مديداً مندهشاً .
ثم غادرني مودعاً على أن يكرر اللقاء في الأيام المقبلة .
#يوسف_حمك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟