|
أطفال الكواكب وأطفال المفارق
شوقية عروق منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5604 - 2017 / 8 / 8 - 21:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أطفال الكواكب وأطفال المفارق شوقية عروق منصور لا أتذكر اسم المناضل الايرلندي الذي قال ( ضحكات أطفالنا في المستقبل هي ثأرنا الكبير ) ولكن أذكر أنني وقفت أمام العبارة عدة مرات ، لأنها تلخص سنوات وأعمار الأطفال العرب الذين كبروا ويكبروا وهم يتوقون الى الضحكات والثأر ممن يذلهم ويبعثر طفولتهم التي يبست حتى أصبحت أقسى من الصخر . طفل في التاسعة من عمرة يدعى " جاك ديفيس " أرسل رسالة الى وكالة ناسا الفضائية يريد أن يكون حارساً للكواكب في الوكالة ، فهو يعشق الفضاء ويريد أن يحمي الكواكب من التلوث البيولوجي ومنع مخلوقات فضائية من الاقتراب من الأرض وباقي الكواكب التي من المحتمل أن يستعمرها الانسان مستقبلاً . المدهش أن رئيس وكالة ناسا أجاب على رسالة الطفل واهتم بها وقد أكد له أن مستقبلاً سيكون ضمن الموظفين والعاملين في الوكالة وسيهتم بفكرته . قد تكون أحلام هذا الطفل مأخوذة من عالم الأفلام الفضائية ، من وحي خياله الطفولي الجامح ، لكن مجرد التفكير في المستقبل ووضع أصابعه على حالة فضائية تهم البشرية والتوق الى اختراق الفضاء والسباحة في عالم المجهول ، هذا بذاته يدل على التفكير الذي يحيا به الطفل الذي أصبح الفضاء عنوانه . على وقع هذه الرسالة الطفولية ، التقطت صور الطفل العربي المسكين ، لا نجاة من الشعور بالوجع والألم ، لا نجاة من عضات الخوف التي تنهش واقعنا المظلم ، فالكتابة عن الطفل العربي أشبه الآن بمن يجلس على غصن ويبدأ بنشر الغصن الجالس عليه ، حيث يسقط على أرض التساؤلات محطماً الغصن ومكسراً عظامه . حال الطفولة العربية التي تحيا وتعيش في الساحات الخلفية للقهر العربي لا تفتش عن الأضواء ، لأن المجتمعات العربية التي تحيا على غبار الحروب والدمار والفقر والعوز والبطالة والضعف والصراع والفساد لا تهتم بمصير هؤلاء الأطفال ما دامت عناقيد عنبها تٌعصر نبيذاً للطبقة الحاكمة . قد يقول قائل ان الأطفال والكبار في العالم العربي لا يتناولون النبيذ بل يأكلون الحصرم الملطخ بالموت اليومي نتيجة الخلافات والصراع وشن الحروب ، وان لا اختلاف بين الأطفال والكبار فجميعهم يعيشون نزيف الخوف والدم والقتل ، لكن في الوقت الذي يستطيع الكبار التنهد والصراخ والرفض ، الصغار يغرقون في البكاء ويعيشون بين منافي الحرمان والاحزان واللجوء والطرد ، حيث يكبرون أكبر من سنواتهم وأعمارهم . أمام هول الصور والأفلام التي تغزو الفضائيات عن حال الطفولة العربية المؤلمة ، نراها وهي هاربة من أوطانها عبر البحار والبراري أو تتسول أو تعمل في الأعمال السوداء أو تٌستغل من قبل العصابات - ومؤخراً أصبح الأطفال هدفاً لعصابات سرقة الأعضاء – أو عبر فرض قوانين تحمي طفولتهم ، لا أحد يحاول سكب الماء البارد على وجه الحاكم العربي كي يصحو من نومه وتخديره ، ويحترم مستقبل اطفاله الذي هو وزمرته قاموا بسرقته والعبث فيه. لا أحد يجد الحلول المطلوبة للتخلص من اهمال الاطفال العرب ، فقط نشعر أن بعد الصور والأفلام التي تبث عن الأطفال في يوم الطفولة ، هناك حفلات كوكتيل وتدليك لخلايا الغرور للجمعيات التي تُعنى بالطفولة ، وتوزيع الابتسامات في الولائم التي تُقام من أجل رعاية الطفولة ، في ذات الوقت نرى الطفل العربي على محك الحقائق يبتلع سكاكين المعاناة يومياً . لا يوجد برامج عربية وميزانيات تحمي طفولة الأطفال العرب ، واذا وجدت بعض البرامج تؤكد جميعها العناوين المحسوبة على عقارات وأملاك الرئيس والزعيم والقائد وجلالة الملك . السؤال كيف يركض الطفل وراء القائد الذي نسي أن هذا الطفل هو رجل الغد ، واذا لم تقدم له الرعاية والأمان والعيش المحترم والتعليم وتوفير الكرامة له لن يكون رجلاً نافعاً في المستقبل وأباً صالحاً ومنتجاً يدفع مجتمعه الى الأمام والرقي . ماذا نتوقع من الطفل العربي صاحب القلب العاري من الدف ، المستوطن على الرصيف ، حيث يندفع كلما رأى سيارة كي يتسول أو بيع بضاعته البسيطة من قداحات ومحارم ورقية وغيرها ، ماذا نتوقع من طفل خائف وجائع ؟ اذا حصرنا خريطة الطفولة الشقية في الطفل الفلسطيني ، لماذا لا تراقب السلطة الفلسطينية هؤلاء الأطفال الذين يتسولون ويقفون على المفارق وأمام الإشارات الضوئية تحت الشمس الحارقة والمطر المنهمر ، يركضون معرضين حياتهم للموت ، أو يدقون الأبواب لبيع بعض البضائع البسيطة وينامون على الأرصفة وفي كل زاوية ، هذا يقبلهم وذاك يطردهم . لم نسمع عن خطط لمواجهة فقر الطفولة وتوفير المدارس والجمعيات لهم ومحاربة ظاهرة التسول العلني بشكلها البشع المهين . لم نسمع عن وضع برامج لمحاصرة الشقاء الطفولي وتوفير الميزانيات للطفل الفلسطيني ، لأن المجتمع غداً بحاجة اليه ، فالطفل وحده من يرفع شأن مجتمعه . أطفال يحلمون في الفضاء وأطفال يحلمون بالرغيف ، وبين الفضاء والرغيف دول تصمم على احترام الأطفال أو فرض قوانين النسيان .
#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نقسم بشرف الأمة أنك مظلومة ولكن
-
عند البطون تضيع الذهون
-
مغارة 5 حزيران
-
قالت ايفانكا ترامب : نحن لا نزرع الشوك
-
كل يوم هناك نكبة
-
فطوم وعصر الحيص بيص
-
ليلة مع الأسرى في زنازينهم
-
مسمار صدىء في يوم الاستقلال
-
بلفور يغتصب الفتاة اللبنانية
-
الحب والمرأة الكاتبة في الزمن اليمني
-
الأرض في جيب شلومو
-
الفندق المعزول المحاط بالأسوار
-
المرأة الفلسطينية لا تعرف الثامن من آذار
-
المرأة التي تتكلم بالاشارة والمرأة التي تكتب بحبر بولها
-
من مجنون فلسطين الى ترامب اللعين
-
الطبخة ما زالت في الدست الاسرائيلي
-
القرد في ليبيا وشقيقه هنا .. شكراً لإسرائيل
-
ايها الرئيس رأسك تحت رحمتي
-
الاقي زيك فين يا علي
-
رسائل الحب في زمن الجفاف
المزيد.....
-
مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك
...
-
السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع
...
-
الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف
...
-
انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع
...
-
انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
-
محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
-
هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ
...
-
مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا
...
-
الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ
...
-
ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|