أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير الفارس العفيشات - الوحي في المخيال الاسلامي - ج1















المزيد.....

الوحي في المخيال الاسلامي - ج1


تيسير الفارس العفيشات

الحوار المتمدن-العدد: 5603 - 2017 / 8 / 7 - 13:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن المكانة اللاهوتية لما يدعوه المؤمنون بالوحي كانت على مدى قرون المصدر الأعلى لحياتهم، وكانت في الوقت ذاته موضوعا للمناقشات والتفسيرات والتحليلات المختلفة، وقد خاض المسلمون فيما بينهم عندما حاول المعتزلة أن يفرضوا نظريتهم الشهيره حول كلام الله المخلوق، ثم إندلع الصراع بين المسلمين حول هذه المسألة، ووصل ذروته عندما حصلت المحنة أو ما راح يعرف فيما بعد بمحنة إبن حنبل، ينبغي الإعتراف هنا أن منهجية المعتزلة كانت من الخطورة بمكان بحيث لو قدر لها أن تستمر لشهدنا تحولا كاملا في مجرى التاريخ الأسلامي، واليوم نلاحظ الموقف السني الذي دافع عنه الإعتقاد القادري ليس سائدا ومهيمنا فقط، وإنما أغلق المناقشة حول هذه المسألة، ولم يستطع أي مفكر مسلم الى الآن إعادة فتح هذه المناقشة على رغم مرور وقت طويل عليها، وهي التي أغلقت بقرار سياسي، نقول ذلك على الرغم من أن المبدأ اللاهوتي الذي استخدمه الحنابلة ضد المحنة التي فرضها المأمون والواثق، كان يقول بأن المناظرة تظل مفتوحة بين علماء الدين ممن يملأون الشروط الضرورية لممارسة الإجتهاد، وحتى التحليل الألسني والنقد الأدبي المطبقان على الخطاب القرآني كانا قد أدينا مؤخرا بصفتهما كفرا وزندقة وعدوانا على المكانة الإسلامية الراسخة لكيفية فهم وتصور الوحي، وهناك فرائض شعائرية دقيقة ينبغي على كل مسلم أن يلتزم بها قبل أن يمسك المصحف بيديه وينبغي أن أي قراءة لأي آية منه عبارة قال الله تعالى وينهيها بعبارة صدق الله العظيم .
إن هدفنا هنا لا يكمن في بلورة نظرية لاهوتية حديثة للوحي بحيث يمكن للمثقفين المؤمنين من إقامة التوافق والإنسجام بين إيمانهم وبين أزمة المعنى التي نشهدها حليا، كنت أتمنى أن أفعل ذلك لو أن الفكر الإسلامي مثلا كان قد هيأ منذ القرن التاسع عشر الشروط العلمية الكفيلة بتحقيق مثل هذه المهمة الصعبة، لدي في الواقع طموح نحو تحقيق هذه المهمة إنطلاقا من مفهوم مثال الإسلام، وهو المثال الذي كان يهمل من قبل المسار اللاهوتي السائد في الأديان الكتابية الأخرى، وهذا ما سوف نعمل على السير فيه ما أممكننا ذلك ، المهمة هنا تكمن في فتح مشاريع للبحث وفتح ورش للحفر المعرفي، وهي مهمة تعقع على عاتق جيل كامل من المسلمين عليه أن يعيد اكتشاف الأسس القديمة التي شكلت تصوراته وبلورة طريقة حياته .
سوف أبتدئ بالتحليل الظاهراتي للوحي، أي كيف تجلى الوحي كظاهرة في الحياة، ظاهرة ليست معاشة فقط وإنما تشكل الرؤية القادمة للتاريخ، والوحي كما كان قد أستقبل من قبل جميع المسلمين، ثم من أجل هدف أعمق وهو أشكلة الوحي والكشف عن تاريخيته..
التعريف التبسيطي للوحي في الثقافة الإسلامية يقدم من خلال عبارتين شعائريتين تستخدمان على نحو عام من قبل اي مسلم يستشهد بأي مقطع من القرآن.. فهو يبتدئ كلامه قائلا : قال الله تعالى. وينهيه بقوله صدق الله العظيم.
لا توجد اية مناقشة حول التأليف وحول المؤلف حول النص وقائلة أو الناطق به وحول النص كيف تجلى وكيف ضغط على الفكر أو أستلب هذا الفكر، أو حول المكانة الإلهية لمضمون النص المستشهد به أو حول تناسب الإستشهاد مع الموضوع أو مع الظرف الذي إستشهدوا به من أجله، كل ذلك يتم السكوت عنه تماما لصالح سيادة وعي ممكن قد تأسس وأنتج الحقيقة النهائية .
كان الله قد بلّغ مشيئته للجنس البشري عبر الأنبياء ولكي يفعل ذلك فإنه استخدم اللغات البشرية التي يمكن للبشر المعني أن يفهمها. ولكنه في حالة أخرى تجلّ الوحي عبر النبي محمد، الذي بّين كلمتهُ أي الوحي بلغة خاصة بالذات، وبنحوه وبلاغته ومعجمه اللفظي، وكانت مهمة النبي تكمن فقط في التلفُّظ بالخطاب الموحى إليه من الله كجزء من كلام الله الأزلي اللانهائي غير المخلوق، لقد كرس التراث جهوده على تأكيد دور الملاك جبريل بصفتته الأداة أو صلة الوصل بين الله والنبي، وهذا الوحي الذي قدم في القرآن كان آخر وحي سماوي، وهو يكمل الوحي السابق كما أنه يصحح الخطأ والتحريف الذي حصل في التوراة والأنجيل، وهو يشتمل على كافة الأجوبة والتعليمات والمعايير التي يحتاجها البشر من أجل تدبير حياتهم الأرضية وتنظيمها وهدايتها ضمن منظور الحياة الأبدية، من خلال الشعائر والطقوس والمعايير الأخلاقية والشرعية والمعرفة الصحيحة ..الخ.
وهنا يبدو وحي القرآن شامل وكلي ويلبي كل حاجات المؤمن ويجيب على كافة تساؤلاته، وهذا الوحي لا يستنفذ كلمات الله كلها، وهو محفوظ في اللوح في أم الكتاب .. ينبغي أن نعلم أن مفهوم الكتاب السماوي المعروض بقوة شديدة في القرآن، هو في الواقع أحد الرموز القديمة للمخيال الديني المشترك الذي كان شائعا في الشرق القديم وسوف نعود الى هذه النقطة بتفصيل أكثر لأنها مركزية .
إن جمع القرآن في نسخة مكتوبة ومحفوظة ماديا بين دفتي كتاب المصحف يمثل عملية دقيقة وحرجة . وهي تلك التي ابتدأت مع أيام النبي محمد ثم أنجزت بضبط شديد في ظل الخلفاء الراشدين وخاصة عثمان. وبالتالي فالقرآن المحفوظ عن ظهر قلب ولمتلو والمقرؤ والمشروح من قبل المسلمين منذ أن انتشر مصحف عثمان هو النسحة الكاملة والموثوقة .
ثم أن هذا الوحي يمثل الشرع الذي أمر الله المؤمنين باتباعه بحذافيره، واتباعه يمثل علامة بالغة الدلالة على الإعتراف بمديونية المعنى تجاه الله ورسول الله الذين رفعا المخلوق البشري الى مستوى الكرامة الشخصية عن طريق إئتمانه على الوحي، أي وضع وديعة الوحي لديه، فالأحكام والمعايير السياسية ، والأخلاقية والقانونية والتشريعة مشتقة من الشرع الإلهي عن طريق الجهد الفكري والروحي الذي يقوم به العلماء المجتهدون، ولا يمكن لأي كائن بشري أن يغير النظام السياسي والأجتماعي المبني على هذه الأحكام.
والتوتر القائم بين المكانة الإلهية للوحي وغايتها البشرية، وبين التصور الحديث للقانون الوضعي وللنظام الإجتماعي والسياسي قد وصل الى ذروته منذ أن كانت أنظمة ما بعد الاستعمار قد فرضت الإسلام كدين للدولة، ثم أعطت في الوقت ذاته مكانة متسعة للتشريع العلماني أو الدنيوي، وهذا التناقض غالبا ما يظهر أثناء مناقشة قانون الأحوال الشخصية الذي لا يزال خاضعا لأحكام القرآن. ونحن نعلم أن هناك تزايدا مستمرا في عدد المطالبين بتغير هذا القانون في كافة الدول الإسلامية وإذا ما حدث ذلك في لحظة ما وهو ما نرجح حدوثه فإن مكانة الوحي سوف تتقلص الى أبعادها التاريخية كما حصل في الجبهة المسيحية. إن كل هذه المبادئ هي نتيجة سيرورة تاريخية طويلة ومعقدة ساهم فيها التعليم والتلقين والتغذية، قواعدها الأساسية في القرآن نفسه، وهي التي كما نعلم رفضت تماما من قبل معاصري محمد عندما ابتدأ في تبليغ رسالته في مكة، إن هذه الحقيقة الأجتماعية والسياسية والثقافية قد خُلعت عليها الصبغة اللاهوتية فورا وحوّلت من قبل الخطاب القرآني الى موضوع للمماحكة الجدالية بين فئة المؤمنين الأوائل الصغيرة العدد، وبين الكفار الذين جحدوا الله ومبادرته الكريمة.
على هذا المستوى التاريخي نلاحظ أن الخطاب القرآني قد صيغ أو ركب لغويا بصفته جهدا ذاتيا مبذولا لرفع نفسه الى مستوى كلمة الله الموحى بها، هذا في حين أن المعارضين المكيين كانوا يرفضونه بوصفه كذبا، أو إختراعا شيطانيا يرمي الى تدمير التقاليد والعقائد والنظام الإجتماعي السائد، نحن نقول اليوم بأنه كلام ذو سلطة مشابهة لسلطة العديد من الأقوال الأخرى السابقة التي شهدتها منطقة الشرق، سوف نرى كيف أن هذه البديهة التاريخية المدعمة من قبل التحليل الألسني والسيميائي للخطاب القرآني سوف تقودنا الى صياغة المقترح التالي: أنه ما كان قد عُلم وفُسر وعيش بصفته الوحي في الأديان الثلاث ينبغي أن يدرس بصفته تركيبة إجتماعية لغوية دعمتها العصبيات التاريخية والإحساس بالإنتماء الى تاريخ النجاة المشترك لدى الجميع، ومنذ الآن سوف نفهم لماذا أن هذا المقترح الإستكشافي يعطي الأولوية للمقاربة المنهجية، وهذا يعني أننا سوف نعلق أو نعطل كل الأحكام اللاهوتية التي تقول بأن الخطاب القرآني يتجاوز التاريخ كليا، هذا مع ملاحظة أؤكد عليها هنا أن المؤرخين وعلماء الألسنيات المحدثين يحلّون التفسير الوضعي محل غيره دون أن يدركوا أن النص الديني هو مرجعية وجودية إجبارية بالنسبة للمؤمنين.
المبادئ السابقة التي أثرناها تعني ضمنيا وجود تعايش بين مستويين من مستويات الوحي، وكثيرا ما يخلط بينهما في التعبير الشائع أكثر من غيره: أي كلام الله، نقول ذلك على الرغم من أن القرآن يلّح على وجود كلام إلهي أزلي لانهائي، وعلى وجود وحي منزل الى الأرض بصفته الجزء المتجلي والممكن التعبير عنه لغويا والممكن قراءته .. هذا التمييز الذي نقيمه بين المستوى المتعالي كليا للوحي وبين المستوى المتجلي تاريخيا في لغة بشرية من خلال حروفها وأصواتها ونحوها وصرفها ومجازاتها وبلاغتها أمر بالغ الأهمية، فالمستوى الأول لا يمكن أن يصل له البشر ولا حتى الأنبياء لأنه يمثل أم الكتاب أو اللوح المحفوظ عند الله فقط، وأما المستوى الثاني الذي تجلى للبشر في الأرض فهو ذو بعد تاريخي على الرغم من إستلهامه المستوى الأول، وهو يتجسد في المصحف، إنه يمثل كلام الله المخلوق كما تقول المعتزلة، لكن بما أن أطروحتهم تم وأدها للأسف الشديد وهدمت تاريخيا، فإن المسلمين راحوا يخلطوا بين كلا مستويي الوحي، وراح القرآن يفقد طابعه التاريخي،
إن الفكرة التي تقول أن الوحي قد أعطي كله من قبل الله وأرسل للبشرعبر الأنبياء أصبحت التصور الشغّال أو العضوي لدين الحق . ينبغي القول بأن المسلمين يضيفون الى ذلك الآيات المعبر عنها باللغة العربية تمثل الكلام الأصلي والتركيب النحوي والصرفي لله نفسه، وهو كلام يتحدث عن جميع أنماط المخلوقات، والكائنات البشرية والعوالم والأشياء المتجذرة وجوديا في المبادرة الخلاقة لله، إن هذا التصور يؤثر بشكل صريح أو ضمني على جميع الأبعاد التاريخية والثقافية للممجتمعات التي إعتنقت الإسلام، بهذا المعنى فإن هذه المجتمعات يمكن أن تُدرس وتفُهم بصفتها مجتمعات الكتاب المقدس اي هي مجتمعات مقودة من قبل الله، ومنظمة ومحكومة طبقا لشرع الله الموحى في الكتاب المقدس، وهذا الكتاب محمي من قبل الخليفة أو السلطان، كما أنه مفسر بواسطة اللغة الكهنوتية، في كل تعاليم الإسلام المعيارية يحظر كلام الله على شكل موثوق وفي متناول الناس من خلال لغتهم .
على هذه الأسس سوف نستمر في وصفنا الظاهراتي للحقائق، أيا تكن القناة الأصلية أو الناقل الأصلي للوحي، نلاحظ أن التلفظ الشفهي به كان قد نطق أولا من قبل وسيط. وهذا الوسيط في هو الرسول، وهو الشخص الذي توسط بين بين الله والجنس البشري، ثم سجل هذا هذا الوحي فيما بعد على الرقاق أو الورق، لكي يصبح كتابا عاديا يمكننا أن نقرؤه ونفسره، وهذا الكتاب أصبح من خلال سيرورة تاريخية كتابا مقدسا، أي خلعت عليه أسدال التقديس بواسطة مجموعة من الممارسات الطقسية والشعائرية والتلاعبات الفكرية الإستدلالية، ومناهج التفسير المتعلقة بالكثير من الظروف المحسوسة التي يمكن معرفتها، واقصد بها الظروف السياسية والإجتماعية والثقافية، وهكذا تم تحويل كلام الله المتمثل بنطقه الشخصي ذاته وبصفته أزليا، أبديا وتعاليا لا نهائيا وغير قابل للاستنفاد من قبل أي جهد فردي، الى كتاب عادي مادي نلمسه باليد ونتحسسه ونفتحه ونقرؤه... ولكنه يتمتع في الوقت عينه بمكانة لاهوتيه وشرعا مقدسا وأخلاقا مقدسة ومعرفة متعالية تخلع التعالي على الأشياء، لكن هناك ثمة مشاكل ينطوي عليها مثل هذا التحويل، نحن نرى من خلال هذه المصطلحات اللاهوتية كيف يمكن ان نصل الى المقولات الرمزية الأساسية من مثل .. كلام الله السماوي المنقول عبر شخص بشري أو لغة مختارة، أو توصيل كلام الله الى البشر عبر وسيط، وهي مقولات كانت قد بلورت في سياقات ثقافية مختلفة ومصحوبة بأنظمة لغوية مختلفة للإيحاءات الدلالية .. في العربية والعبرية من جهة ثم الأغريقية واللاتينية من جهة أخرى، وهذه الأنظمة اللغوية هي التي تميز الطوائف عن بعضها البعض عن طريق التمايز في النماذج الدينية وهذا ما يجعلنا نخلص الى التالي: أن الأنظمة اللاهوتية تعمل على إهمال المقولات التاريخية في السياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت قد رسخت فيها الحقائق الإلهية، مما يحولها الى أيديولوجيا هذا مع ما تعمل عليه من تزويد الطوائف الدينية بالثقافة الرمزية الخصبة. بطبيعة الحال الجدران تظل صلبة وقائمة بين الطوائف كالحجاب الحاجز، لأننا لم نبلور بعد الاستراتيجيات المعرفية المناسبة من أجل هدمها، ثم من أجل استكشاف الفضاء المعرفي والفلسفي الحقيقي، أقصد فضاء التفسير للثقافات والتراثات والذي يفسر لنا جميع الأنظمة الرمزية للتصور سواء أكانت موروثة عن الماضي، ام حاضرة، أم مستقبلية، لكن ماذا نلاحظ ؟ إن هذه الجدران التي تمنع التواصل والحوار لن تظل فقط قوية، وإنما تزداد قوة وصلابة، بل يعاد بناؤها إذا جاز لنا التعبير، وذلك تحت عدد من العوامل التي حدثت ولا تزال تحدث الى غاية هذه اللحظة .
بعد أن وصلنا الى هذه النقطة ينبغي أن اوضح للقارئ ما الذي سأفعله الآن بالضبط. سأخرج وأتخلص من نظام فكري قديم من غير أن ابالي بإنعكسات ذلك على تضامناتي التاريخية مع طائفتي الإسلامية. فمشكلة الوحي مهمة جدا، إنه لكي أحللها لا بد من هذا الخروج ولو لحين، أقول ذلك ونحن نعلم أن مفهوم الوحي كان قد بسط وضيق وحط من قدره ثم هجر من قبل العقل المستنير وترك أمره الى مسيري شؤون المقدس، أي رجال الدين، أود أن أزحزح المسائل القديمة في إطار معقوليتها الوضعية الى إطار آخر مختلف تماما وهو بلا شك أوسع بكثير، إنني أزحزحها الى الى إطار الأشكلة التعددية والمتنوعة الوجوه لمفهوم الوحي المعقد جدا والذي لم يفكك بعد. أقصد مفهوم الوحي بصفته مرجعية إجبارية مشتركة لدى الجميع، من المهم أن نبين كيف أن جميع الخطابات المشتقة من كلام الله الهادفة الى تفسير أوامره قد ساهمت في تشكيل البنى المعرفية للمخيال الديني السياسي الاجتماعي، إن تفكيك هذه البنى يقع في الواقع على كاهل المؤرخ القادر على الحفر والتنقيب عن العمليات النفسية والثقافية والسياسية الناتجة عن تأثر الوحي، والمتواصلة عبر التنافس المستمر للبشر في مجالين مترابطين مجال البحث عن المعنى، ومجال إرادة القوة والهيمنة، عندما نقول المخيال فلا أريد في الواقع أن افرغ نموذج العقلانية المستخدمة في كل تراث ديني من وجهة نظر عقلانية، ولكني أريد إدخال مفاهيم اخرى لكي أفسر كيف اتصور الواقع وكل اللغات المستخدمة للدلالة على هذا الواقع، الخيال هو ملكة من ملكات المعرفة، الخيال يساهم في هذه الفاعلية بصفته وعاء من الصور وقوة اجتماعية ضخمة تكمن مهمتها في إعادة تنشيط هذه الصورة بصفتها حقائق وقيما لا تناقش، لكن التحديد المناسب والنقدي والعقلاني للرهانات الحقيقية المنخرطة في التاريخ الفعلي للجماعة تكون قد قُلصت أهميته، إن التجديد المعرفي والقطائعي الذي أقترح هنا ليشمل التراث الإسلامي كان قد طبق سابقا على التراث اليهودي والمسيحي، لكن هذا التجديد لا يزال يؤجل ويرفض بل ويحُرّم عندما يتعلق الأمر بإدراج الوحي نفسه داخل برنامج البحث، قبل أن نواصل حديثنا للتحولا ت المتلاحقة التي طرأت على التراث الإسلامي، دعونا نعمق البحث أكثر حول مفهوم الوحي إنطلاقا من القرآن نفسه، فمما هو معروف أن هذا المفهوم سوف يُتلاعب به لاحقا من قبل أشخاص مأذونين مع الكثير أو القليل من الأسئلة والأدوات والمناهج الملائمة وذلك لتلبية أغراض شتى، لنأخذ المثال المهم التالي وهو سورة العلق ...
( إقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم. الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان مالم يعلم. كلا إن الإنسان ليطغى. إن رآه استغنا. إنّ إلى ربك الرجعى. أرأيت الذي ينهى . عبدا إذا صلى. أرأيت إن كان على الهدى. أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى. ألم يعلم بأن الله يرى. كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية. ناصية كاذبة خاطئة. فليدع ناديه. سندع الزبانية. كلا لاتطعه واسجد واقترب ).
بحسب ما يقول التفسير الاسلامي فإن هذه السورة هي أول وحي نقل الى النبي في غار حراء من قبل جبريل، فقد سأله ثلاث مرات إقرأ بلإسم ربك، والنبي يجيب ما أنا بقارئ، ونمتلك في هذه القصة رواية أدبية عن العملية المستخدمة في نقل الوحي من الله الى الناس عبر محمد، فجبريل يتردد باستمرار بين الله في السماء وبين محمد في الأرض لكي يأتي بالوحي، كما كان يفعل مع بقية الأنبياء وهكذا يضمن الملاك جبريل عن طريق وجوده صحة أو موثوقية الوحي المنقول على طول الخط بدءا من آدم وإنتهاء بمحمد، يوجد في التراث الإسلامي ما يدعى بقصص الأنبياء وهي تحتوي على العديد من القصص، ونخص منها بالذكر تلك التي جمعها يهوديان اعتنقا الاسلام وهما كعب الأحبار ووهب بن منبه، وهذه القصص العديدة تشكل الخلفية الأسطورية التي تفسر لنا سبب نزول كل آية من آيات القرآن، الآية هنا تعني القطعة الشفهية او ما يدعوه علماء الألسنيات بالوحدة النصية، هذه القصص تبين لنا العلاقة القوية بين تفاسير القرآن، وبين ما يدعوه المخيال الديني الذي ساد طيلة القرون الهجرية الثلاث الأولى في منطقة الشرق الأدنى، إن معنى الخارق للعادة بصفته مقولة نفسية ثقافية منتشر في جميع هذه القصص ومنعكس في الخطاب القرآني نفسه، وحتى اليوم نلاحظ أن تصور الوحي لا يزال مُهيمنا عليه من قبل هذا المعنى الخارق للعادة بصفته الأرضية التي ترتكز عليها المعرفة الأسطورية التي يدعوها المؤمنون بالحقيقة الدينية



#تيسير_الفارس_العفيشات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التركيبات المعرفية في القرآن - مقدمة
- الحالة الراهنة للفكر الاسلامي - بين فقه اللغة والتاريخية
- التاريخية هل هي إنتصار لوعي ممكن
- حفريات في الأسس - تاريخية القرآن. 2
- حفريات في الأسس - تاريخية القرآن - 1
- نظام العلامات في القرآن -ج3
- نظام العلامات في القرآن - ج2
- نظام العلامات في القرآن - ج1
- أحمد الحمود شاعر الاختلاف والمغايرة
- تفكيك النص القرآني - مدخل عام -ج3
- كيف تشكل المعنى في الخطاب القرآني
- تفكيك النص القرآني وتحليل البنية الخطابية المقدمة - ج2
- تفكيك النص القرآني - تحليل البنى اللغوية والدلالية - المقدمة ...
- نيوزلندا-- زيارتي إلى جبل ألكوك
- قراءة مواربة في تجربة الشاعر السوري سامي احمد ....
- نيتشه - ومفهوم العدمية
- الشاعر أحمد أبو ردن ....
- نيوزلندا ... زيارتي إلى أوكييا أقدم كنيسة في نيوزلندا
- مع قصيدة سميح وجه في المرآه
- بقايا مدينة وآثار صلاة لم تكتمل


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير الفارس العفيشات - الوحي في المخيال الاسلامي - ج1