أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم القحطاني - كيف تعود بعد الحب إلى نفسك














المزيد.....

كيف تعود بعد الحب إلى نفسك


مريم القحطاني

الحوار المتمدن-العدد: 5603 - 2017 / 8 / 7 - 04:17
المحور: الادب والفن
    


ألست أنت؟ أنت من يحترف الفراق ما يكفي لأن تقف على رأس النهايات بلا أوجاعٍ تذكر، تشهد الدمع في عيني من أحبك، وتطبع قبلة الوداع الأخيرة ببراعة رومانسيي الأبيض والأسود. قلبك مغامر، لا يرى أبداً محطات الفراق، ولا حتى الهجر. لا دم يجري في عروقك ليريقه الحب أو غيره، لا فراغ في أيٍ منك قابلٌ لأي شيء، فخيبة حبّك الأولى لم تبق في قلبك ما يُكسَر، ولن ينال فراق حبيبٍ بعدها، أياً كان، من قلبك ما نال الحزن منك في هزيمتك الكبرى. أنت... إنك خير من أعلن حلول النهاية، حين ضعف الحبيب فهان قلبه عليك.

ظننت أنّ الحبّ ما هو إلا للحبيب الأولي، وقد صدق ظنك. لكنه لم يسعفك بـ”لكن”… ليقول لك أن الحب الأول لا يتعدى كونه حباً أول، نوعٌ من البذخ الوجداني. لكن الحب الثاني ضرورة وجودية، إن مات فلن يفتك بقلبك أو يمسسه بسوء، لكنه سيفتك بكيانك ويبعثر ما تبقى من “أنت”. لأن حباً ثانياً، إن أتى، يأتي متأخراً لكن محملاً ببشارة أهليتك لأن تُحِب وتُحَب، كما لو كنت أنت قبل كل ذلك. يأتي نافياً كل شكوك، منقذاً لذاتك من ازدرائك لها بعد فشلها الذي ما زلت تمحو آثاره من على وجهك كلما التقيت ما يشبه حبيبة جديدة. فإن مات هـذا الحب المنقذ، تركك تغرق في نفسك، باحثاً عما تبقى فيك من حطام، وما إذا كان هـذا الحطام يستحق حب أحدهم.

وستتربص بك بداية الـحكاية في كل مكان، فيجب أن لا تسْلم من ضريبة حبٍ باهظ كذاك، غمرك بالسعادة ما يكفي لأن تبقى مديناً للدنيا رغم كل نذالتها معك الآن. وسيندس عطر الحبيبة في شوارع ستبقى حبيسها كما يحتم الفقر والقهر وقلة كل شيء، وسترف ضحكاتها على أغنية تفضلها ستلعنها كثيراً، تعيد نفسها عليك كل يومٍ عبر الإذاعة المحلية وأنت في طريقك الى حبيبة أخرى طارئة، تنتشلك من مأزق الاتحاد بالوحدة وما بعد الحكاية معاً. لأن الحبيب لا يمحوه إلا حبيب أخر، في أقرب وقت ممكن. هذا حتى لا تصدأ في عزلتك. حتى لا تنقض عليك الصور والمشاهد عندما ترى خيال الحبيبة مازال عالقاً بالأريكة حيث كنتما تحتسيان الحب قبلاً ودمعاً وعشقاً، وأنت وحيد تقلبك ساعات الليل على سواد لا نهائي، لا يبكي عليك أحد.

وبعدها، يجب عليك أن تكتشف أو تبتكر طريق العودة إليك. إليك كما كنت قبل المسّ الثاني. إليك قبل أن تنقلب الأشياء عليك. طبعاً...ستتخذ أقصر طرق الهروب وتنام، لتستيقظ علك كنت تحلم. ستحقن نفسك بأخبار إقتتال العالم اللانهائي، ستبحث في كوارث أخرى لا تفهمها، شرط أن تكون طبيعية، وحوادث من لا تعرفهم لتدرك كم هو سخيف هذا الوجع الذي أنت فيه، وكم هو طبيعيٌ الدمار. ستبحث عن قضية إنسانية، رغم كرهك للإنسان، لتشغل هذا الرجل الأصلع الغبي الذي يقف في منتصف عمره ليبكي رحيل فتاة بحروف مختصرة وقلب افتراضي على رسالة هاتفية. – الآن ترى كيف أن حكمة جدك "من شاف مصايب غيره تهون عليه مصيبته" خدعة لا غير. ستتذكر أحاديثاً لأشخاصٍ بلا وجوه مرّوا عليك، كالذي قاله ذاك الرجل الواثق ذات ضياع: "بلا حب بلا كلام فارغ!" ...

ستشكك في كونك قد أحببت أصلاً، فلربما اختلفت عليك المشاعر، ونسيت هذا الذي يتكالبون عليه: الحب. ستقوم بتخديرك بأكبر قدر ممكن من المنطقية، فأنت رجل ناضج وفاهم الآن. ستكون أعقل من نفسك، وأكثر فلسفية، وأكثر استسلاماً لقدرية الأشياء، وأكثر حرصاً على عدم منازلة الألم. فهو القادر المنتصر، وأنت تحترم المنتصر خاصة عندما يكون قاتلك. ستمنحه منك ما يشاء. وطبعاً لن تفسر كيف وقعت في فخ الغرام ثانية، لأن التحليل والتفسير ماهو الا انتقام منك، وأنت حزين لدرجة الطيبة. حتى مع نفسك. ستخفي خبر وقوع خسارة حبك مرة أخرى، عن كل من بارك لك بـ “مش قلت لك؟ تنساها وتنسي أبوها كمان!” فلا تستطيع أن ترى حجم الفرحة والفاجعة على وجوههم في وقت قياسي. وستخفيكَ عن أعين المتطامعين على قلبك الذين لا يستحقون حتى حطامك: أخت زوجة أخيك العانس جاسرة العظام، الجميلة اللطيفة التي يتداولها المعجبون، وتلك التي تصلح للزواج ولا تصلح لتفاصيله، والأخرى التي تمنطق كل شيء وتسبق طموحاتها طموحاتك، ورفيقة مازلتَ لا تعرف إن كنتَ تحبها أو تستقوي بها على الوحدة، وطبعاً تلك التي كسرت قلبك أول مرة.

للأسف، رغم كل حكمتك، جمعت أكبر قدرٍ ممكن من الضعف، أو ما يسمونه ذكريات. دون أن تدرك أن الذكريات ذاتها ستصبح يوماً لعنةً ترقص حولك، وتلصق نفسها بكل ما هو لك. تعود الى منزلك، تطل من على الشرفة، ولا تعرف أتطل على يومك أو أمسك. تحتسي نبيذاً يهديء أعصابك التي ينقصها كل شيء إلا الهدوء. إنه النبيذ الذي أحبته فقط وهو ينبعث من فمك، ولكنها لم تقربه رغم أنها لا تؤمن لا بجنة ولا نار. تسكبه في كأس رائعٍ يصلح للإحتفاء.اشترته وكأنها كانت تهيء طقوس خسارتك وحيداً. تنظر إلى زهرة الأوركيد وقد سلمتها الشمس موتاً جافاً. كم مرة يجب عليها أن تقول لك ألا تترك الأوركيد عارياً؟ لكي يعيش الأوركيد، يجب أن يكون بعيداً عن جرأة الشمس. أتركه خلف زجاج أو خلف ستار، ليرى الشمس دون التماس. -- ربما لهذا تركتك؟

عندما مات حبك الأول فقدت جزءاً منك، لكنك عندما فقدت حبك الثاني فقدت ما تبقى منك. فأيهما أعنف وأكثر تنكيلاً؟ أنت لم ترتكب خطأً عندما استسلمت لغواية الرومانسي في زحمة المدينة البادرة التي لا يحبك فيها أحد. ولم تخطيء عندما صدقت أن بإمكانك أن تنسى من نسيك بشخص لن ينساك. ولم تخطيء عندما عثرت على قلبك في يد إحداهن، وهي تلهو به ظناً منها أنه عبثُ رجل. ولكنك أخطأت عندما زجرت صديقك الممحون بحبيبة لا تعرفه. أخطأت وأنت تلملم دموع أختك، وهي تتشبث بحبيب لخصتَ نهايته بـ”هذا ما يناسبنا.” وأخطأت عندما تركت للكبرياء متسعاً بينك وبين حبيبتك الأولى، فلم توضح: إنه قلبي ذاك الذي تلهين به.



* مريم القحطاني كاتبة يمنية أميركية

@Mqahtanite



#مريم_القحطاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُزلة
- اليمن: رقصة الشرح البيضانية
- في الطريق الى صنعاء / قصة قصيرة
- صلاح وفرويد والمرأة الشبح!
- -جَعلُّه الساحق والماحق! / قصة قصيرة
- لماذا لم يربح عمار العزكي في أراب أيدول؟
- حظ ناقص


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم القحطاني - كيف تعود بعد الحب إلى نفسك