أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك















المزيد.....

حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5598 - 2017 / 8 / 1 - 11:45
المحور: الادب والفن
    


لم يشكِّل فوز القاص السوداني بُشرى الفاضل بجائزة كين للأدب الأفريقي لعام 2017 مفاجأة لمتابعي تجربته القصصية التي ترسخت في أواخر السبعينات من القرن الماضي، وتحديدًا حينما نشر قصته الثانية في مجلة الثقافة السودانية عام 1979 وكانت تحمل عنوان "حكاية البنت التي طارت عصافيرها"، وهي ذات القصة التي ترجمها الأستاذ ماكس شموكلر ورشّحها إلى هذه الجائزة الرفيعة التي تُكنّى بــ "البوكر الأفريقية" في الأوساط الأدبية وتنافست مع 148 قصة تمثل 22 بلدًا لتُتوَّج في نهاية المطاف بالجائزة الأولى التي تبلغ قميتها 10.000جنيه إسترليني تُمنح 7.000 آلاف منها للقاص الفائز بينما تُعطى الثلاثة آلاف المتبقية إلى المترجم. جدير ذكره بأن القائمة القصيرة ضمّت أربعة أسماء أخرى إلى جانب القاص السوداني بُشرى الفاضل وهم ليزلي نيكا آريما، وتشيكوديلي إميلومادو، وآرينز آيفكاندو من نيجيريا و موغوغودي مافالا ماكين من جنوب أفريقيا، وهذه ليست المرة الأولى التي يفوز بها كاتب سوداني بهذه الجائزة المرموقة فقد سبق أن فازت بها القاصة والروائية السودانية ليلى أبو العلا في الدورة الأولى للجائزة عام 2000 عن قصتها الموسومة "المتحف" المُستلة من مجموعتها القصصصية "أضواء ملونة".
على الرغم من كثرة الكتابات النقدية التي تشيد بموهبة القاص بُشرى الفاضل وتؤازر تجربته الإبداعية عمومًا إلاّ أن البعض يعتبره "كاتب نُكتة، وليس كاتب قصة" وهذا رأي مُجحف، وغير دقيق، ولا ينمّ عن دراية بفن القصة القصيرة شكلاً ومضمونًا وتقنيات خاصة وأن الكاتب ينتمي إلى مرحلة التحولات الحداثية التي يحصرها النقاد السودانيون بين أواسط الستينات وأواسط الثمانينات من القرن العشرين، وهي الحقبة التي تعرّفنا فيها على بعض الأسماء القصصية السودانية البارزة مثل حسن الجزولي، وعيسى الحلو، ومختار عجوبة وغيرهم من القصاصين الذين يمتلكون تجارب مغايرة تختلف عن المشهد السردي السائد آنذاك. ولعل تجربة القاص بُشرى الفاضل هي الأكثر تميّزًا من حيث رمزيتها، وسرياليتها، ونَفَسها العبثي الذي يُذكِّر بأدب اللامعقول الذي تألق فيه صموئيل بيكيت، وفرانز كافكا، ويوجين يونسكو، وجان جينيه، وفرناندو آرابال. أما من حيث التقنية فقد استعمل بُشرى الفاضل أسلوب التهكم، والسخرية السوداء التي يجتمع فيها الجد والهزْل، والمأساة والملهاة في آنٍ معا. ويبدو أن أنه أفادَ كثيرًا من دراسته للأدب الروسي وتأثره بتشيخوف وغيره من كُتّاب القصة الذين يخففون وطأة هذا العالم الثقيل بالسخرية، والفكاهة والدعابة الأدبية.
أصدر الفاضل مجموعته القصصية الأولى "حكاية البنت التي طارت عصافيرها" عام 1990 وهي تضم اثنتي عشرة قصة قصيرة مختلفة في ثيماتها، وتقنياتها، وطرائق سردها وقد كتب عنها كثيرون من بينهم فضيلي جماع، خالد الكد، علي المك،أمير تاج السر، ومأمون التلب وسواهم من الأدباء والنقاد السودانيين الذين أثنوا على موهبة بُشرى الفاضل القصصية تمامًا مثلما أشادت لجنة جائزة كين بلغته السلسة، وبنائه القصصي المتماسك، وتصويره للمخاطر التي تواجهها الحريات الشخصية في المجتمع السوداني. وبما أنّ "حكاية البنت. ." هي القصة الفائزة في المسابقة فسوف نوليها أهمية خاصة في القراءة والتحليل النقديين قبل أن نعرّج على بعض النماذج الأخرى في هذه المجموعة القصصية المميزة.
تتمحور ثيمة هذه القصة على المعاكسة والتحرّش الجنسي الذي تواجهه النساء في السودان، وقد يأخذ هذا التحرّش أشكالاً متعددة بحسب طبيعة الرجال الذين "يطاردون النساء بالعيون والأيدي والأجساد، ومن لم تسعفه الحركة يطارد بالاستجابة المباشرة الحسيّة، أو حلم اليقظة"(ص57). غير أن فكرة التحرّش تنمو وتتطور لتأخذ شكل الغزل والمداعبة حتى وإن كانت بهدف الإثارة والإغراء، فهذه البنت التي طارت عصافيرها جميلة، ومثقفة، وقادرة على التلاعب بأمزجة الناس. وكما يذهب الراوي:"ألف مرة أجيئها غاضباً وأخرج من عندها هاشاً باشاً كأن لديها مصنعاً للفرح". ولا غرابة في أن يضفي عليها مسحة فنتازية حينما يقول:"خرجتُ في ذات يوم من لدنها مليئاً بها حتى غازلني الناس في الشوارع"(ص60). إذن، نحن أمام امرأة جذابة بكل المقاييس فهي قمحية اللون، فارعة الطول، أخذت من الناس ألبابهم، يرونها فلا يشبعون منها. وحتى الراوي الذي أسميناه "متحرشًا" كان مُعجبًا بها من طرف واحد ولا يريد سوى أن يراها، ويغنّي لها، ويحلم بها، لكن هذا الانجذاب من طرف واحد سوف يتحول إلى صداقة تستمر لمدة شهر واحد من دون أن يلامس أغوارها السحيقة على الرغم من أنه شاعر مُرهف الحسّ. فجأة يتغيّر مناخ القصة حينما يرى الراوي طابورًا طويلاً من الناس يفضي إلى مستشفى وعندها نفهم أن البنت وشقيقتها الصغرى مضرجتان بالدم دون أن نعرف هُوية القاتل، وسبب القتل، وأداة الجريمة. تُذكّرنا هذه النهاية المبهمة بأدب العبث واللامعقول الذي يحضّ القارئ التفكير والمشاركة في صناعة الحدث أو التفاعل الشديد معه في أقل تقدير.
تجمع قصة "حملة عبد القيّوم" بين الواقعية الصارمة وأدب اللامعقول حيث نتعرّف في القسم الأول منها على شاب قروي اسمه عبد القيّوم ينتمي إلى أسرة فقيرة ويحلم بأن يصبح سائق عربة. وما إن يتعلم السياقة ويبدأ بالعمل في الخرطوم حتى تدهسه سيارة فارهة ويواجه مصيره المحتوم لكنه لن يغيب عنا طويلاً. فعندما يقترب سائق بلدوزر من مقبرة وينتهك من دون قصد قبرًا يُفاجأ بحركة جمجمة "عبد القيّوم" تتلفت يمنة ويسرة ثم تعيد رأسها إلى القبر بهدوء. وبحركة سريالية مُتقنة تنسل الجمجمة متبوعة بهيكلها العظمي لتجلس خلف مقود البلدوزر وتبدأ بدهس الناس، وهرس السيارات، وتهديم المنازل، فـ "هذا البلدوزر العجيب لا توقفه المتاريس، ولا طلقات البندقيات ولا الدبابات ولم ينضب بتروله"، بينما ظل عبد القيّوم يردد بغضب: "أولاد الكلب تقتلوني؟ وهو أنا شفت حاجة في الدنيا؟(ص18). ثم يتفاقم حقده فيزيد من سرعة البلدوزر ليجرف كل البيوت والعمارات التي كانت تقف في طريقه قبل أن يصل إلى النيل ويطفئ نار غضبه في مياهه الباردة.
لا تختلف ثيمة قصة "الغازات" عن سابقتها في النَفَس السريالي، فثمةرُكّاب يتكدسون في أحد الباصات، ونتيجة لارتفاع درجة الحرارة يتحولون إلى غازات تتصاعد عبر النوافذ، وما إن تبرد هذه الغازات المتبخرة حتى تستحيل إلى مسوخ مشوهة، مطموسة المعالم تحيلنا بالتأكيد إلى صرصار كافكا، وخرتيت يونسكو وسواهما من القصص والروايات والمسرحيات العبثية المعروفة.
تنطوي القصص التسع الباقيات على أجواء مختلفة تحتفي بالموضوعات المحلية لكنها لا تخلو هي الأخرى من التهكم والسخرية مثل "ذيل هاهينا مخزن أحزان"، و"الطفابيع" و "هاء السكت" وغيرها من قصص المجموعة لكننا ارتأينا أن نتوقف عند القصص الثلاث لانفتاحها على المدارس والتيارات الأوروبية الحديثة التي انتعشت بعد الحرب العالمية الثانية ووجدت ضالتها في الموضوعات العبثية اللامعقولة التي استطاعت أن تجيب على الأسئلة التي كانت تؤرق الكائن البشري آنذاك.
جدير ذكره أن القاص بُشرى الفاضل قد نال أيضًا جائزة الطيب صالح للإبداع الكتابي عام 2011 عن قصته الموسومة "فوق سماء البندر"، كما أصدر مجموعتين قصصيتين وهما "أزرق اليمامة" و "فزيولوجيا الطفابيع"، وقد حققت له هذه المجموعات القصصية الثلاث التي صدرت مؤخرًا في مجلد واحد جمهورًا واسعًا من القرّاء السودانيين والعرب على حدٍ سواء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رازقي . . رواية جريئة تفتقر إلى الثيمة الرئيسة
- اللاجئ العراقي وثنائية الهجرة والحنين إلى الوطن
- الشخصية المُناهضة للحرب في رواية السبيليات
- تيت غاليري بلندن يحتفي بالفنانة التركية فخر النساء زيد
- أديب كمال الدين . . . الشاعرُ المُتعبِّد في صومعة الحرف ومحر ...
- ديفيد هوكني في معرضة الاستعادي الثاني في غاليري Tate Britain ...
- السنة المفقودة. . . سيرة ذاتية مُصوَّرة
- بيضاء كالثلج. . البحث عن آصرة الأخوّة المُفتَرضة
- عاشقات سعد علي يمرحنَ في فردوسهِ المُتخيَّل
- انتظار السَمَرْمَرْ: رواية متماسكة وليست محْكيات مشتّتة
- -بطنها المأوى- لدُنى غالي. . . نموذخ صادم لأدب المنفى والسجو ...
- سلامًا للغربة . . وداعًا للوطن: المبدعون يصنعون شخصية الأمة
- شخصيات جاكومَتي الخيطية ترحل من الوجود إلى العدم
- إشكالية الإقحام و الفبركة في رواية بهار
- فيلم الكَنّاوي: ساجر النار: أصداء التاريخ وسؤال الحرية المطل ...
- تواشج الأشكال والمضامين في رواية -العدد صفر- لأُمبرتو إيكو
- قُصاصة ورق . . نص سردي يعرّي قسوة السلطة السورية
- لمَسات ورّاق فرنسي الهوى: توحش اللغة الإنكَليزية ودموية ثقاف ...
- الفنان التعبيري ستار كاووش ينهل ثيماته من كتاب الحُب
- التفكير بالعين: مقاربة نقدية تفتقر للإجابات الشافية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - حكاية البنت التي طارت عصافيرها: لغة سلسة وبناء قصصي متماسك