أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - رجل في محطات















المزيد.....



رجل في محطات


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 5591 - 2017 / 7 / 25 - 13:48
المحور: الادب والفن
    


رجل في محطات سهر العامري

في ليلة من ليالي شهر شباط الباردة هجمت مجموعة من شرطة المدينة على دار مسلم النجار ، ومن دون سابق إنذار ، ولا معرفة بسبب هذا الهجوم المباغت الذي أرعب أفراد العائلة جمعاء ، الصغير منها والكبير ، وصار الواحد منهم يلوذ بالآخر فزعين مبهوتين ، لا يعرف أي واحد منهم كيف يتصرف ، وكيف يرد على هذا الهجوم الذي سلب عقولهم ، وحال كل واحد منهم الى قطعة من خوف ، يرتعش كلما جاءت أصوات الشرطة العالية التي تطالبهم بالوقوف جميعا في باحة دارهم القديمة التي مر على بنائها العشرات من السنين ، والتي أشادها مسلم النجار في طرف من أطراف مدينة كربلاء القريب من مركز المدينة ، وكان ذلك حين استطاع من تجميع قدر من المال من عمله في مهنة النجارة ، وكذلك من بعض معارفه الذين أقرضوه جزءً يسيرا من المال نفسه .
لم تكن تلك الدار تختلف كثيرا عن الدور المجاورة لها ، فهي متواضعة في طريقة بنائها ، وعدد حجراتها ، وصغر باحتها ، وضيق بابها الذي يطل على زقاق ضيق ، يتوسط أرضه مجرى للمياه الآسنة المتدفقة من تلك البيوت المتلاصقة ، هذا المجرى الذي كان يضايق أطفال تلك البيوت ، ويحرمهم أحيانا من اللعب بكرة يتقاذفونها فيما بينهم ، وذلك حين تسقط تلك الكرة في ذلك المجرى فتتلوث به ، ويصبح من الصعب على أولئك الأطفال من حملها واللعب بها ثانية .
كان سرحان واحدا من هؤلاء الأطفال ، وهو الابن الصغير من أبناء مسلم النجار الخمسة ، وقد شب وفيه نوع من الغباء ، ولكنه كثيرا ما كان يظهر للآخرين بأنه هو الأقوى ، ليس في القوة الجسدية وحسب ، وإنما بالقوة العقلية ، وخاصة حين يدخل في نقاش سياسي مع الآخرين عن مسألة معينة تهم الوطن أو الناس ، أو عن حدث وقع في بلد قريب أو بعيد رغم أنه لم يتمتع بمستوى ثقافي مقبول ، أو تحصيل دراسي عال ٍ ، ومع ذلك ظل في هذه الساعات واقفا ، ينتظر ما يصدر لهم من أوامر تعدها الشرطة التي اقتحمت الدار عليهم قبل فترة من الزمن .
- هاتوا وثائقكم العراقية ، ليسلم كل واحد منكم هويته الشخصية وشهادة جنسية العراقية ، وأية وثيقة عراقية أخرى . قال ذلك قائد المجموعة المهاجمة .
لم ينبس أحد منهم بكلمة ردا على طلب قائد المجموعة ، كما لم يسأل آخر عن سبب تسليم وثائقهم العراقية ، وبدلا عن ذلك سلم الجميع ما لديهم من وثائق عراقية ، وراح قائد المجموعة ، وبعض من أفرادها يدققون بتلك الوثائق للتأكد من صحتها .
- هيا ! لتخرجوا أمامنا من الدار الواحد بعد الآخر ، ولا نريد لأي واحد منكم أن يلتفت يمينا أو يسارا ، الكل يجب أن يسير الى الأمام ، وبدون تردد ، هيا اسرعوا !
سار الجميع واحدا بعد الآخر ، وحين خرجوا من عنق ذاك الزقاق ، وجدوا في الشارع العريض سيارة كبيرة بانتظارهم ، يحيط بها أفراد من الشرطة مدججين بالأسلحة .
- اركبوا ! هيا اركبوا من هنا ! صاح بهم شرطي كان واقفا أمام الباب الأمامي لتلك السيارة .
لم يتخلف أي واحد منهم ، ركب الجميع واحدا بعد الآخر امتثالا لأوامر الشرطة ، ثم ركبت معهم مجموعة مسلحة من الشرطة ذاتها .
سارت السيارة في ظلام دامس ، لا يمكن للأسرة أن تتبين الاتجاه الذي تسير به تلك السيارة ، ولا المكان الذي تقصده ، وبعد مسيرة أكثر من ساعة توقف السيارة أمام بناية محصنة ، ومحروسة من قبل حراس كان كل واحد منهم يحمل بندقية كلاشنكوف ، ولم تمر سوى دقائق معدودة حتى فتح أولئك الحراس بابا في تلك البناية فتدفقت منه مجموعة من الرجال والنساء والأطفال سرعان ما صعد أفرادها الى السيارة التي كانت تقل من قبل مسلم النجار وأسرته .
تحركت السيارة من جديد ، وفي اتجاه غير معلوم ، وبعد مرور ساعات توقفت السيارة عند ربية عسكرية ، وصاح واحد من أفراد الشرطة المرافقين بصوت عال ٍ:
- هيا نزلوا ! اسرعوا !
تدافع الجميع نحو باب السيارة ، وهم في حالة من خوف شديد بعد أن شعروا أنهم سينزلون في أرض مفتوحة لا يقوم فيها بناء سوى تلك الربية العسكرية ، ولكن بعضهم عرف أنهم أصبحوا قبالة الحدود الايرانية .
- سيروا جميعا على أقدام ، وبعد مدة زمنية قصيرة ستجدون الخميني في استقبالكم في الجانب الآخر من الحدود . قال أحد شرطة ثم أطلق ضحكة عالية نمت عن فرح مصطنع ملأ تقاسيم وجهه ، بدا ذلك واضحا لبعض المسفرين الى إيران ، فقد تصاعدت في الأفق تباشير صباح كئيب ، لم يروا صباحا مثله من قبل .
ساروا بخطى مثقلة ، وقلوب محملة بالحزن ، ونفوس حائرة ينتظرها مجهول من الأيام ، تصوروا أنهم يسيرون على أرض لا يمكنهم أن يعودوا لها ثانية ، وربما ستكون قبورهم في أرض أخرى لم تسقط عليها رؤوسهم ، واعتقد البعض منهم أنه لن يستطيع الوصل سالما الى الجانب الآخر من الحدود ، فلربما تعجز قدماه عن حمله لها ، وربما يتعرضون لهجوم من حيوانات مفترسة ، أو من قطاع طرق ولصوص ، حتى أن البعض منهم خاف على النقود القليلة التي يحملها معه ، فراح يدسها بين ثنايا ما يحمله من متاع .
لكنهم رغم هذه المخاوف قد غذوا السير حتى لاحت لهم من بعيد بعض المفارز العسكرية الايرانية المنتشرة على الحدود ، فالحرب الاعلامية كانت مستعرة بين النظامين في العراق وفي إيران ، وكل واحد منهما يتوعد الآخر بالويل والثبور ، والكثيرون صاروا على قناعة أكيدة أن الحرب ستنشب بين النظامين بين يوم وآخر ، والمسألة مسألة وقت لا أكثر ولا أقل .
عند إحدى المفارز العسكرية الإيرانية توقف الجميع ، وكان من حسن حظهم أنهم لم يكونوا المجموعة الأولى التي تمر عبر هذا الطريق ، وهذا ما سهل عليهم الدخول الى إيران بعد أن تعرضوا الى تفتيش قام به حرس الحدود من الجنود الإيرانيين ، وبعد وقت قصير حملتهم سيارة كبيرة لمعسكر الى معسكرات اللاجئين التي أعدت من قبل .
كان سرحان الابن الأكبر لمسلم النجار قد وقعت عينه على فتاة وسيمة تقطن مع أسرتها في ذات المعسكر الذي سكنوا فيه ، وقد سمع أمها تناديها بشادية حين خرجت هي من كرفانة يسكنونها ، وذلك من أجل أن تتطلع الى القادمين الجديد ، فقد اعتقدت أن بعضا من معارفها قد وصلوا معهم ، وبدلا من هؤلاء فقد التقت عيناها بعيني سرحان الذي صار يحدق فيها ، وكأنه يعرفها منذ سنوات طويلة خلت ، فقد دب في نفسه شيء من سحر عينيها الناعستين الجميلتين ، وقد شده هذا السحر شدا قويا لها ، فكان يوزع نظراته بين الطريق مرة ، وبينها مرة أخرى .
من تلك الساعات صارت شادية الحلم الوحيد الذي يراوده دوما ، فقد ملأت صورتها عقله ، وشغلت باله ، وصارت تأوي معه الى الفراش كلما وضع رأسه على الوسادة ، يحضنها أحيانا بكلتا يديه ، يضمها الى صدره ، يستاف عبير صدرها ، وأحيانا يمتص شفتيها بقبلة طويلة يسري خمرها بكل مفصل من مفاصله ، حتى أنه بعدها لا يقوى على النهوض من فراشه .
كثير ما كان يردد مع نفسه كيف أصل لها ، وبأية وسيلة استطيع أن أبادها أطراف الحديث ، حتى لو كان هذا الحديث قصيرا جدا ، ولكنه خيرا دارت في رأسه فكرة يستطيع من خلالها تحقيق أمنيته تلك ، وهي أن يحمل وعاء الماء بنفسه بدلا من أخته ، ويذهب به الى الحنفية التي تشترك بمائها عدد من العوائل من بينها عائلة شادية التي اعتادت هي أن تجلب الماء لأسرتها من الحنفية ذاتها ، وبذلك تهيأت لسرحان فرصة سانحة يستطيع من خلالها اللقاء بنادية ، وتحدث لها طوال المدة الزمنية التي تملأ الحنفية الواقفة الماء في الإناء الذي تأتي به هي .
على هذا الحال صارا يلتقيان في اليوم الواحد أكثر من مرة ، وكان كل واحد منهما يتمنى أن تحل حاجة أسريتيهما الى الماء كل ساعة ، فقد كان هو متلهف لهذا اللقاء ، مثلما كانت هي كذلك ، فلطالما حدثته عن مصاعب الطريق في تلك الرحلة الشاقة التي حملتها من محافظة بابل في العراق ، والى أطراف مدينة كرمنشاه في إيران حيث المعسكر الذي يعيشان فيه سوية الآن ، لكنه كان يلقي في مسامعها خلال هذا الحديث جملة غرامية تعبر عن حبه لها ، وهيامه بها ، وغالبا ما كانت ترد عليه بابتسامة مشرقة تزيح شيئا من ظلمة الهوم التي تخيم على نفسه ، فهو يفكر بالرحيل من إيران ، ولا يريد البقاء بها مطلقا ، وبصريح العبارة كان يكره الحياة والعيش فيها رغم أنه يجيد لغة أهلها ، وأن جذور الأسرية تمتد لهذه المجتمع الذي أرغم على العيش فيه .
لم يكن حبه لشادية يمنعه عن الرحيل من هذه الأرض التي لم يشعر برابط يشده لها ، ولهذا صار يراسل أصدقاءً له في طهران ويطلب منهم أن يجدوا له طريقا يأخذه الى بلد عربي مثل سورية ، أو أي بلد عربي آخر ، وحين حانت هذه الفرصة شد الرحال على عجل ، وتوجه الى طهران ، وهناك التقى بصديقه عدنان الذي أعد مخطط الخروج لهما من إيران ، فقد استطاع عدنان التعرف على شخص يبيع جوازات سفر مزور في زقاق من أزقت طهران يسمى : كوجه مروي ، وهو زقاق تصطف على جانبين حوانيت قديمة البناء متهالك استأجر بعضها بعض العراقيين المرحلين والمهاجرين الى إيران ، وكان عدنان قد جمعته صداقة مع واحد من هؤلاء كان يعمل في بيع الوثائق العراقية المزورة .
لقد حمل سرحان بعض المال معه من العراق ، مثلما حمل عدنان مثله دنانير عراقية ساعدتهما على شراء جوازين عراقيين مزورين .
كان الطيران الايراني المدني قد توقف بشكل شبه تام بسبب من سيطرة الطيران الحربي العراقي على الأجواء الإيرانية ، ولم تبق إلا الطائرة الإيرانية التي تقوم برحلات ما بين طهران ودمشق ، وكذلك الطائرة السورية ، وقد كانت كلتا الطائرتين يتجنبان المرور قريبا من العراق ، فهما يتجهان شمالا صوب الأجواء التركية ، ومن هناك يدخلان في الأجواء السورية ، والعكس صحيح كذلك .
ظلت مسألة حصولهما على تذكرة سفر تؤرق كل من سرحان وعدنان ، ليس فقط بسبب ثمنها المكلف بالنسبة لهما ، ولكن بالحصول على تاريخ حجز قريب على الطائرة الإيرانية التي كانت أكبر حجما من الطائرة السورية ، يضاف الى ذلك كثرة المسافرين الى دمشق الذين تزداد أعدادهم يوما بعد يوم ، وبسبب من أن الكثير من العراقيين يريدون الخروج من إيران التي كانوا يلاقون فيها ظروف عيش صعبة ، ومعاملة احتقار من قبل السلطات الإيرانية ، وحتى من بعض المواطنين العادين الذين كانوا ناقمين على العراقيين بشتى توجهاتهم السياسية ، وحتى العراقيون الذين باعوا أنفسهم للمخابرات الإيرانية ، وتعاونوا معها ضد بلدهم ، هؤلاء النفر الذين كان عدنان يزدريهم بشدة رغم أنه كان من معارضي النظام في العراق ، وكثيرا ما كان يطلق قولة الزعيم الالماني هتلر على مثل هؤلاء حين يقول ( أحقر الناس هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال بلدانهم )
تذكر عدنان أنه يعرف شخصا مسفرا مع أسرته منذ السبعينيات ، وهذا الشخص يعمل في مطار طهران ، وله علاقات عمل مع الموظفين العاملين في المطار ، فرأى من الأفضل له أن يتصل به ، ويعرض عليه أمر حصولهما على تذكرتي سفر مع حجز مؤكد الى دمشق ، حتى لو طلب رشوة منهما ، ولهذا قرر عدنان ومعه سرحان الذهاب الى حسين وهذا هو اسمه ، والذي يجلس مساءً في محل تجاري يقع في شارع لاله زار في القلب من العاصمة طهران .
مثلما توقع عدنان فقد وجد حسين جالسا في المحل ، وحينما شاهدهما حسين توقع أن رزق ما سينزل عليه ، فقد كان هو يمضي ساعتين في هذا المحل منتظرا الناس الذين يودون السفر الى الدول الأخرى ، وقد اعتاد البعض من معارفه على وجوده في المكان هذا ، حيث يتم عقد صفقات بيع التذاكر والحصول على حجوزات السفر على قارعة الشارع المذكور ، وذلك بعد أن يوقع حسين ذلك العقد بنداء : يا حسين ! ويقصد بهذا النداء الحسين بن علي .
ودع حسين كلا من عدنان وسرحان بعد أن وقع عقد الصفقة معهم ، وطالبهم بالحضور مبكرين غدا صباحا الى مطار طهران ، فغدا ستطير طائرة إيرانية كبيرة الى دمشق ، ويتوقع حسين بخبرته وجود مقاعد سفر شاغرة فيها ، اعتادت مكتب الخطوط الجوية الإيرانية أن يتركها شاغرة ، حتى ينتفع من بيعها بعض الموظفين العاملين في تلك الخطوط ، ومقابل رشى مختلفة السعر ، وهذه الحقيقة يعرفها حسين معرفة جيدة في قد أمضى سنوات طويلة بالعمل في المطار المذكور ، ومر بدربه الكثير من المسافرين الذين كانوا لا يحصلون على تذاكر سفر من مكاتب الخطوط الجوية المنتشرة في شوارع العاصمة طهران ، خاصة مكتبها الرئيس في شارع طالقاني من العاصمة والذي اعتاد المسافرون أن يتجمعوا بالمئات في بابه ومنذ الساعات الأولى للصباح ، وقبل أن يفتح أبوابه بساعتين أو أكثر وحين يباشر العمل يصطف المسافرون في طوابير طويلة انتظارا للدقائق التي سيقفون بها أمام باعة التذاكر الجالسين أمام طاولة طويلة ، يحاول كل واحد منهم أن ينجز عمله في بيع التذاكر للواقفين أمامه في ذلك الطابور ، والذي قد يمتد وقت وصول احد المسافرين لأحد الباعة من الساعة الثامنة صباحا والى الساعة السادسة مساءً .
في صباح اليوم التالي ، وفي ساعة مبكرة التقى عدنان وسرحان بحسين الذي كان ينتظرهما في الباب الخارجي لمطار طهران الدولي ، ثم اصطحبهما الى داخل المطار ، وطلب منهما الجلوس في القاعة الواسعة التي اعتاد المسافرون الجلوس بها قبل انجاز اجراءات سفرهم ، وبعد انجازهم لتلك الاجراءات يتحولون الى قاعدة المغادرة ، وبعد أن أتم حسين جميع اجراءات سفر عدنان وسرحان اصطحبهما الى قاعة صغيرة ، وهناك وجدا وجبات الأكل بانتظارهما ، وبعد أن تناولا وجبتين شهيتين صحبهما حسين الى داخل الطائرة المغادرة الى دمشق قبل صعود المسافرين لها ، ومن دون أن يمرا على عسكري أو حاجز في المطار مثلما اعتاد المسافرون المرور بهما .
لقد أدى لهما حسين عملا كبيرا ، لا يمكن نسيانه أبدا ، عملا يفوق كثيرا ما قدما له من مبلغ زهيد ، فالخروج من ايران بالنسبة لهما هو خروج من سجن رهيب تحيط به أسوار من الظلم واضطهاد الناس ولا فرق في ذلك بين انسان زائر أو مواطن إيراني ، فعدنان لازال يتذكر صورة رجل الدين العراقي الذي طارت عمامته من على رأسه حين ضربها رجل إيراني بقوة عندما رفع يده ، وكان الرجل هذا يخوض غمار زحام من المسافرين في واحد من مكاتب الخطوط الجوية الإيرانية ، فقد رأى عدنان صورة رجل الدين ذلك بجبته ، وهو فارع الرأس ، ويصرخ بصوت عالٍ : عند من نشتكي ؟ الى أين أذهب ؟ من يعيد لي عمامتي ، لقد أخذتها أرجل هذا الطوفان العاتي من البشر !
لقد استغرق عدنان وقتها في ضحك مسموع ، وهو يشاهد رجل الدين فارع الرأس ، منزوع العمامة ، ويكرر بين الحين والآخر : أريد مغادرة هذا البلد ! أريد الذهاب الى بلد الكفر ! لقد حصلت على تأشيرة دخول الى كندا ، ولكن كيف لي أن أصل لها ، وقد سلب هذا البلد مني حتى عمامتي .
- انظر لي ! أأنت عراقي ؟
- نعم . رد عدنان . ومثلك أريد السفر ، ولكن ليس الى كندا ، إنما أريد الذهاب الى سورية ، ومن هناك سأفكر بالبلد الذي أتوجه له .
- يا أخي ! أنا الان تركت الحصول على تذكرت السفر ، أريد فقط عمامتي ، ماذا أقول لزوجتي حين تسألني عنها ، هل تعتقد أنها ستصدقني حين أقول لها إن عمامتي طارت من على رأسي ، عندها ستسألني سؤالا آخر ، وتقول لي : أين حطت ؟ فكل طائر لا بد له أن يحط !
كان منظر رجل الدين ، وهو منزوع العمامة يثير الضحك والشفقة في نفس عدنان في وقت واحد ، حتى خيل إليه أنه لا يستطيع الخروج من هذا البلد بهذه الطريقة ، وهي الوقوف كل يوم مع هذه الطوابير من البشر التي لا نهاية لها ، ولهذا تيقن أن هناك طريقا آخر سيستطيع من خلاله أن يغادر إيران دون رجعة ، والى الأبد . ولهذا عثر على حسين الذي أنجز له اجراءات سفره ، وهو بانتظار اقلاع الطائرة .
أقلعت الطائرة الايرانية بعد أن اكتمل صعود ركابها ، وهي تحلق في الجو شاهد بعض الركاب من بعيد طائرتين حربيتين عراقيتين حينما اقتربت الطائرة من الأجواء التركية ، فقد كان الطيران العراقي قد فرض سيطرته على الاجواء الايرانية ، وكان الايرانيون في العاصمة طهران يهتفوا كلما حلقت الطائرات الحربية العراقية بأجواء مدينتهم : جاء صدام ! حتى صار هذا لديهم منظرا مألوفا يمكن مشاهدته على حين غرة ، ومن دون وقت محدد .
حين أعلن قائد الطائرة مطالبا الركاب بشد الأحزم ، وأن الطائرة تتهيأ للهبوط بمطار دمشق ، غمر الفرح نفس عدنان وبذات القدر ملأ الفرح نفس سرحان الذي لم يكن يحلم في يوم ما أنه سيغادر معسكر اللاجئين البائس في مدينة كرمنشاه الايرانية ، والقريبة من الحدود العراقية . فقد تصور هو أنه لم يكن بمقدور أن يخرج من إيران في يوم ما ، ولولا صديقه عدنان الذي قدم له مساعدة سخية لما نزلت قدما على أرض مطار دمشق الذي نزل مرة واحدة فيه قبل هذه المرة قادما له من مطار بغداد حين كان يعيش في العراق ، وهو على ذلك لن ينسى فضل عدنان عليه طوال حياته ، كيف لا ؟ وهو الذي سهل عليه الوصول الى أرض هي شبيهة بأرض العراق ، والى شعب لا يختلف عن الشعب العراقي مثلما يعتقد هو ، حتى أنه لا يشعر بغربة أبدا حين يكون بين أوساط السوريين .
لقد كان سرحان يعرف دمشق من قبل ، ويعرف الكثير من مناطقها ، فساحة المرجة ليست غريبة عليه ، ولطالما سار في سوق الحميدية ، أو سوق البزورية المجاور له ، مثلما أمضى بعض الأماسي في مصايف فيجا ، وسكن في ضاحية السيدة زينب التي توجه لها هو عدنان بعد خروجهما من مطار دمشق مباشرة ، تلك الضاحية التي وجدا فيها الكثير من العراقيين ، خاصة من أبناء مدينتهم كربلاء في العراق ، ومن الساعات الاولى لوصولها تلك الضاحية صادفا صديقا قديما لهما يدعى علي الذي اصطحبهما الى مقهى الروضة القريبة من ضريح السيدة زينب ، وهناك وجدا حسين السراج عاملا في المقهى يقدم الشاي لروادها ، فحسين السراج هو الآخر قد هُجر الى إيران ، لكنه لم يتحمل البقاء فيها ، واستطاع أن يغادرها الى دمشق على عجل ، فإيران على حد قوله : ملة لا يمكن العيش معها ، وربما هو في قوله هذا قد قرأ بيتا للشاعر المتنبي قاله في زياره له الى إيران ( ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان ِ )
رحب بهما حسين السراج ترحيبا حارا ، وهنأهما من كل قلبه على سلامة الوصول ، وخروجهم من ظلمات بئر عميق مثلما يدعي ، وفي الوقت نفسه طلب منه علي أن يجلب لهم ثلاثة أقداح من الشاي الذي كان يصنعه حسين السراج بنفسه رغم أنه ليس مالك المقهى ، فمالكها رجل سوري يدعى أبو عادل الذي يعمل لديه حسين السراج بأجر يومي هو عشر ليرات سورية فقط ، ولكن أبا عادل يشركه معهم بوجبة الغداء التي يحملها ابنه عادل من دارهم والى المقهى .
لقد كان حسين السراج مع قلة الأجر سعيدا جدا ، فهو يعيش بين بشر طالما عاش معهم ، وطالما بادلهم نفس المشاعر والأحاسيس ، فاغلب القاطنين في ضاحية السيدة ، هم من أبناء مدينة كربلاء في العراق ، تلك المدينة التي ولد فيها ، وتعلم في مدارسها ، ثم مارس العمل بها بعد أن أسس فرن خبز في أحد أحيائها ، وبنى دارا له فيها .
باشر كل من عدنان وسرحان في البحث عن عمل يستطيعان من خلال توفير لقمة الخبز لهما ، وادخار القليل منه لرحلات قادمة تحملهما الى البلدان الاوربية بعد أن يوفرا مستلزمات السفر لرحلاتهم تلك التي ستبدأ في أقرب الأوقات ، فهما لا يريدان البقاء في دمشق .
المشكلة التي توجههما هي كيف يحصلان على عمل يوفر لهم سداد ايجار الغرفة التي أجرها لهم صديقهم علي ، وبنفس البيت الذي يسكن فيه ، والواقع في مفرق حجيرة القريب من ضريح السيدة ، ثم كيف لهما أن يوفرا لهما مبلغا من المال يستطيعان من خلال شراء جواز سفر عراقي لكل واحد منهما من أجل أن يحصلا على تأشيرة سفر لدولة ألمانيا الشرقية مثلا ، تلك الدولة التي وصل لها بعض العراقيين ومنها عبروا الى ألمانيا الغربية ، فكل هذه الأفكار التي تدور برأسيهما تحتاج الى مبلغ كبير من الليرات السورية حتى يمكن لكل واحد منهما أن يحول تلك الأفكار الى واقع ملموس .
- مستحيل نصل الى ألمانيا الشرقية حتى لو حصلنا على تأشيرتها ! قال عدنان ذلك وهو يعد وجبة فطور صباحي على مصدر حراري متهالك أعاره لهما علي الذي يسكن في غرفة مجاورة لهما ، مع صديق له كذلك .
لقد انتبه عدنان حين شاهد غرفة علي الى ما موجود فيها من أثاث ثمينة ، تكلف آلاف الليرات ، فهناك تلفزيون ملون ، وثلاجة صغيرة خضراء اللون ، وطباخ يعمل على الغاز ، وفراش وثير يمتد على حصير من النايلون ، والحصير ممدود على أرض الغرفة الاسمنتية . هذه الأثاث هي التي أجبرت عدنان على أن يسأل علي عن الكيفية التي استطاع من خلالها أن يوفر أثمان تلك المقتنيات التي يعادل ثمن الواحدة منها إجرة سفر الى ألمانيا الشرقية .
- وفرت أنا أثمانها من عملي هنا في السيدة زينب !
- هل تملك أنت محلا تجاريا هنا ؟ سأل عدنان.
- لا . لا أملك أنا محلا ، ولكن لدي محل طائر ربما ستتعرف على عنوانه في القادم من الأيام .
- ولماذا لا أعرف عنوانه الآن ، وأنت تعلم أنني ثقة لا يمكن لي أن أضرك في يوم من الأيام .
ضحك علي ضحكة عالية من جواب دار في رأسه فجأة ، ثم قال : يا أخي عليك أن تدبر لك مئتين وخمسين دولار لتشتري بها جوازا من الحجاج صولاغ ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هنا في سورية .
- عجيب ! رد عدنان باستغراب ، وهل ممثل المجلس يبيع جوازات سفر ؟
- كل الأحزاب الدينية الموجودة في سيدة زينب ، ومن دون استثناء تبيع جوازات سفر عراقية مزورة ، ووثائق عراقية أخرى ، من هوية الأحوال المدنية العراقية ، وحتى أعلى شهادة من الجامعات العراقية ، فأنا نفسي اشتريت منهم !
- ماذا اشتريت ؟
- اشتريت جوازا عراقيا ، وشهادة جامعية صادرة من كلية الآداب – جامعة بغداد – قسم التاريخ ، فأنا أحب التاريخ كثيرا ، وربما سأسافر الى الجزائر للعمل بها هناك كمدرس .
- ومن أين اشتريت كل هذا ؟ سال عدنان عليا ، فهو لم يعرف عن ذلك شيئا رغم أنه كان قد سمع عن بيع بعض الوثائق المزورة في احدى الأزقة الضيقة من طهران العاصمة ، بالإضافة الى حسين الذي أنجز لهما اجراءات السفر الى دمشق ، تلك الاجراءات التي لا يعرف عنها شيئا .
- اشتريتها من دكاكين الأحزاب الدينية في السيدة زينب ! قال علي ذلك ضاحكا ثم أضاف : سترى يا عدنان العجاب هنا ، كل شيء هنا يمكن أن يباع وأن يشترى ، حتى البشر !
- كيف حتى البشر ؟
- ما زلت يا عدنان لا تعرف كيف يباع البشر ، لكنك ستعرف هذا عما قريب .
بهت عدنان وغاب قليلا عن علي الذي تشاغل باخراج علبة سجاير مالبورو ، خرج واحدة وقدمها لعدنان ولكن عدنان رفضها شاكرا ، فهو لم يعتد على التدخين ، ولا يريد أن يدخن ، فما كان من علي إلا أن رد السيجارة الى فمه ، ثم أوقدها بقداحة كتب اسمه عليها .
- قل لي يا علي كيف سيكون العراق لو قدر لهؤلاء أن يحكموا العراق ؟
ضحك علي من أعماقه ثم قال : وهل تعتقد أن هؤلاء سيحكمون العراق في يوم ما ؟ فأنا لا أعتقد بذلك أبدا ، لكن ربما تحملهم قوى دولية للحكم في العراق ، وفي حالة مثل هذه الحالة سينقلون ثقافتهم في التزوير وبيع الجوازات والوثائق معهم الى العراق ، فهؤلاء اعتادوا على التزوير والاحتيال والسرقة والتهريب ، حتى انهم اصبحوا يهربون البشر الى خارج سورية .
- الى أين يهربونهم ؟
- الى لبنان مثلا حيث يجد بعض العراقيين عملا فيه بعد أن عجزوا عن إيجاد فرصة عمل لهم هنا في سورية .
- ومن ذا الذي يقوم بتهريبهم ؟
- سيارة الحزب موجودة ، وأبو حريجة موجود هو الآخر ، وما عليك إلا أن تدفع لتصل خلال ساعتين الى بيروت عن طريق الخط الخاص .
- أنا نفسي اريد الخروج من سورية ، هل بإمكانك أن تعرفني بأبو حريجة هذا المهرب الذي تتحدث عنه . قال ذلك عدنان .
- دعك من أبو حريجة ، هناك عمل مثمر ينتظرك ، ستعملان معي ، وستجمعان مبلغا مهما من المال يساعدكما في الوصول الى البلدان الأوربية .
- هذا حلم ! قال سرحان ذلك ، ثم عاد الى حالة السكون التي كان قد عاش فيها طوال الحديث بين علي وعدنان .
- ليس حلما ! رد علي بامتعاض ، ثم أضاف : غدا ستخرجان معي ، وستباشران العمل فورا ، وستحصلان على أجر كبير .
- ما طبيعة العمل الذي ينتظرنا ، نريد أن نعرف شيئا عنه قبل المباشرة فيه .
- ستعملان بالتجارة ، ومن دون رأسمال !
- كيف تكون التجارة من دون رأسمال ؟ سأل سرحان .
- الكثيرون هنا يتمنون مثل هذا العمل المربح ، ولكنهم لم يحصلوا عليه ، فهم لا يعرفون كيف يصلون له مثلما وصلت أنا إليه ، ناموا الآن وغدا سننهض الساعة السادسة صباحا ، وسنتوجه جميعا الى مكان العمل وهناك ستعرفان كل شيء عنه.
قبيل الساعة السادسة صباحا نهض علي ، وتوجه الى الغرفة المجاورة ، وقام بإيقاظ عدنان وسرحان ، وفي تمام الساعة السادسة صباحا توقفت سيارة متوسط الحجم في الشارع الرئيس لضاحية السيدة زينب ، وأما حسينية الزينبية ، وحين شاهدها علي توجه هو وصديقاها نحوها ، وصاح علي محييا سائق السيارة بصوت عالٍ : صباح الخير أبو غوار !
- أهلين وسهلين أبو حسين ! شو اليوم معك أصحابك ، بدهم يعملوا معنا !
- نعم يا أبو غوار ! السوق نشطة هذه الأيام والكثير من الناس أعجبتهم كثيرا بضاعة ابو غوار الورد !
ضحك أبو غوار على كلمة الورد ثم سأل علي قائلا : أكلوا الشباب شيئا ؟
- لا لم يأكل أي أحد منهم .
- هيا ! عند باب ضريح السيدة زينب سنتناول بعضا من الخبز ، مع كأس ساخن من الحليب .
تحركت السيارة بالجميع الى باب ضريح السيدة زينب القريب ، فهناك تجلس بعض النسوة على الرصيف المجاور للضريح مباشرة ، وتضع كل واحدة منهن قدرا متوسط الحجم فيه كمية من الحليب تغلي فوق مصدر حراري ، والى جانبهن يقف باعة الخبز . هذا الطقس الصباحي يتكرر كل يوم ، ويستمر لمدة ساعتين تقريبا ، ثم يتغيير مشهد الرصيف من نساء وحليب وباعة خبز الى باعة الملابس ، والأقمشة ، والأحذية وغيرها .
هذا المشهدان تشكلا من دون سابق تخطيط ، ولا يعلم أحد متى تشكلا ، ولكن الأكيد إنهما تشكلا منذ مدة قصيرة ، أو منذ أن سكنت السيدة زينب أعداد غفيرة من المهجرين والمهاجرين العراقيين الذين اضطرهم النظام في العراق على ترك وطنهم ، والرحيل الى البلدان الأخرى حفاظا على أرواحهم ، فالحكم في العراق لم يترك أمامهم فرصة سوى الموت أو الرحيل بظروف قاسية حيث تكون الغربة التي تحملها الكثير من العراقيين بصبر ، وقوة عزيمة ، وابداع في العمل .
سيارة السيارة بعد ذلك باتجاه قرية الزبداني على طريق دمشق وبيروت ، ومن هناك انحرفت الى طريق فرعي ، ونحو قرية تقع قرب الحدود السورية اللبنانية ، ويبدو أن الأمر كان ملتبسا على عدنان وسرحان ، فهما لا يعرفان هذا الطريق ، ولا هذه القرية ، ولم يمرا عليها من قبل على العكس من علي الذي ظهر لهما على أنه يعرفها جيدا ، حيث كان يسير ماشيا أمامهما دون أن يلتفت الى شيء ، ومن دون أن يسأل أبو غوار عن المكان الذي يتجهون له .
طرق أبو غوار باب بيت ريفي متداع ِ ، صائحا بصوت مسموع دونما تردد : هون أبو الزبد ؟
- نعم هون ، من بدو ؟
فتح أبو الزبد الباب بقوة ، ثم أخرج رأسه منه دون بقية جسده ، وحين لمح أبو غوار أمامه صاح : أهلين أبو الغور ، وين غبت ؟ انتظرتك أمس ولم تأت ِ ، يا عيب الشوم يا ابو غوار ثم أطلق ضحكة عالية حين شاهد أبو غوار وهو يخرج من كيس معه حزمة من الليرات السورية تعد بالآلاف .
- خذ يا أبو زبد ! هذا حق الوجبة السابقة .
- عاشت الأيادي ، رد أبو الزبد على أبو غوار شاكرا إياه بحرارة .
- ولو تكرم يا أبو زبد ، أنت حبيبنا !
دار هذا الشريط التمثيلي أمام أعين عدنان وسرحان ، وهما لا يعلمان عن تفاصيله شيئا ، ولكنهما استغربا من حجم المبلغ الكبير الذي سلمه أبو غوار لأبو زبد ، فهما لا يبدوان من الرجال الأغنياء ، فالغنى بعيد عنهما جدا ، وربما لم يمر بهما أبدا ، فمن أين جاءت لهم هذه الأموال الطائلة .
- شو أبو غوار كملت بناء بيتك الجديد ؟
- ويش بدك من هذا السؤال ! قل لي هل لديك حاجة سخن للشباب الجدد هؤلاء ؟
- تكرم أنت والشباب ، على عيني ورأسي ، أيش ما بدك موجود ولو !
- مثلا ، سأل أبو غوار .
- أيش بدك ؟
- عندك ملون صغير الحجم ؟
- تكرم ، كم واحد بدك ؟
- عشرون ، ثلاثون .
- خذ أربعين ، والرزق على الله .
- مثل ما بدك يا أبو زبد ! أربعين أربعين !
- الشباب يمشوا معنا ، سأل أبو زبد .
- نعم . هم معنا .
- من وين هم ؟
- عراقية !
- أهلين وسهلين قال أبو زبد مرحبا بعدنان ، وسرحان ، وقد استثنى علي فهو قد تعرف عليه قبل هذا الوقت .
بعد ذلك طلب أبو زبد من الجميع مرافقته الى بيت آخر مهجور ، وحين فتح الباب اندفع الجميع داخل البيت ، ثم الى غرفة من غرفه القريبة من الباب ، بينما كان أبو زبد قد ترك سيارة حمل واقفة في باب البيت نفسه ، وهي السيارة التي طلب أبو غوار من علي وعدنان وسرحان حمل الصناديق الكارتونية التي يحمل كل واحد منها تلفزيونا ملونا ، ثم بعد أن فرغوا من حمل هذه الصناديق عادوا الى غرفة أخرى ونقلوا منها الى السيارة ذاتها صناديق كارتونية أصغر حجما يحمل كل واحد منها طباخا ، وحين تمت عملية النقل ركبوا جميعا السيارة التي حملتهم الى ضاحية السيدة زينب من القرية التي يسكنها أبو زبد ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى وصلوا الى تلك الضاحية ، وخلف ضريح السيدة زينب توقفت السيارة عند باب بيت صغير ، وسارع جميعهم الى نقل البضاعة الى داخلة .
لقد كان هذا اليوم هو اليوم الأول الذي يمارس به عدنان وسرحان عملا من هذا النوع ، ومن دون أن يعرفا طبيعته ، ولا المخاطر التي تترتب عليه . ولكن بعض الخوف الذي تسرب الى نفس عدنان وسرحان قد زال عنهما حين أخرج أبو غوار محفظة من جيبه ، وسلم كل واحد منهما الف ليرة ، قائلا لهما أن أجرهما سيزداد بزيادة البضاعة التي سينقلانها من القرى السورية الحدودية مع لبنان ، والى ضاحية السيدة زينب التي يعيشان فيها.
لم يصدق عدنان ولا سرحان كلام علي حين قال لهما إنكما ستعملان بالتجارة ، ومن دون رأس مال ، كما أنهما قد اعتقدا أن أجر الواحد منها سوف لن يزيد عن خمسين ليرة لليوم الواحد فقد عرفا أن أجر حسين السراج في مقهى الروضة هو عشر ليرات لليوم الواحد ، ولكن علي قد أخبرهما لاحقا أن طبيعة عملهما تختلف عن طبيعة عمل رجل يعمل في مقهى ، وقد أذاع لهما سرا ما كان يعرفانه عنه من قبل ، وذلك حين أخبرهما بأنه استطاع شراء بيت بنفس الضاحية من عمل سنة أمضاها مع أبو غوار في هذا العمل المربح .
لقد اختار ابو غوار عليا للعمل معه لكون علي عراقي الجنسية ، وهو يحتاجه بتصريف بضاعته على العراقيين الساكنين في دمشق أو خارجها ، فالكثير منهم بحاجة الى تلفزيون ملون رخيص السعر ، مثلما هم كذلك بحاجة الى طباخ صغير ، أو ثلاجة صغير ، فعند علي سيجدون كل ذلك ، وبأسعار رخيصة قياسا بالأسعار التي عليها هذه السلع في أسواق دمشق .
واصل عدنان وسرحان عملاهما بمثابرة ، وجمعا منه مبلغا مهما يستطيعان به شراء جواز سفر عراقي مزور لا يختلف في طباعته واخراجه عن الجواز العراقي الرسمي ، وقال البعض إن الجواز هذا يطبع في لبنان لجهة سورية مهمة ، ثم تقوم الأحزاب الدينية العراقية ببيعه على العراقيين .
- من أي حزب سنشتري جوازا لكل واحد منا . سأل عدنان عليا هذا السؤال بعد أن توفر مبلغ شراء الجواز عند كل واحد منهما ، وعلى اعتبار من أن علي يعيش منذ مدة في ضاحية السيدة زينب .
- كل الأحزاب في السيدة تبيع وثائق عراقية خاصة الجوازات . رد علي .
- كم سعر الجواز ؟
- ثلاثمئة دولار ! عند جماعة الدعوة ، وجماعة حركة المجاهدين العراقيين ، ولكن يقال أن صولاغ ممثل المجلس يبيع بمئتين وخمسين دولارا ، وعني أنا فقد اشتريت جوازا لي من حركة المجاهدين العراقيين بثلاثمئة دولار ، لأن هؤلاء يسلمونك الجواز بوقت أقصر من وقت بقية الأحزاب .
- هل تعرف أحدا يساعدنا على شراء الجواز ؟
- نعم . أعرف ، لكن هذا الوسيط يريد خمسة وعشرين دولارا عن الجواز الواحد .
الآن صارت قناعة راسخة لدى عدنان أن هذه الأحزاب التي تبيع الجوازات العراقية ستبيع العراق للأجانب بشرط أن يكفل لها هذا الأجنبي مصلحتها الخاصة ، ولهذا خيم حزن ثقيل على نفسه ، وصار ينظر الى مستقبل العراق في ظل حكم هؤلاء الذين سينهبون خيرات الوطن ، ويبيعون ثروته النفطية ، ويشيعون الفساد في كل حدب وصوب من العراق ، فهؤلاء الحكام يكرهون العمل ، يحبون الجلوس في الحسينيات والجوامع ، فكيف يرجى من هؤلاء تقدما للعراق ؟ كيف يرجى وهم يكرهون العمل ، ويعشقون الجلوس ، بينما تجد أعلب العراقيين يعملون طوال اليوم من أجل توفير لقمة عيشهم ، ففي سورية لا تتوفر فرص عمل كثيرة لهم ، وإذا ما توفرت فهي قليلة المردود .
لقد فضل عدنان أن يشتري جوازا له من حركة المجاهدين العراقيين ، وبثلامئة دولار بدلا من صولاغ ممثل المجلس الذي يبيع الجواز الواحد بمئتين وخمسين دولار ، والسبب أن حركة المجاهدين تنجز الجواز وتسلمه بسرعة ، وعلى العكس من صولاغ الذي يظل يماطل طويلا بالرغم من أنه يستلم ثمن الجواز نقدا ، وبالدولار الأمريكي .
لم تمض ِ أيام كثير حتى حصل عدنان وسرحان على جوازين جديدين لا يختلفان اطلاقا عن الجواز الرسمي العراقي الذي تصدره الحكومة في العراقي ، ثم باشرا مراجعة السفارات فورا للحصول على تأشيرة سفر لكل واحد منها ، فقد حصلا أولا على تأشيرة ألمانيا الشرقية ، ثم على تأشيرة تركية ، وصار بإمكانهما السفر الى تركيا وبالسيارة من دون عائق ، ولهذا سارع سرحان بكتابة رسالة الى صديقته شادية التي سكنت الآن في مدينة اصفهان ، وذلك بعد أن استطاعت هي وأسرتها الخروج من معسكر اللاجئين في مدينة كرمنشاه حيث كانا يعيشان متجاورين .
شادية نفسها كانت تمني نفسها بالخروج من إيران ، فهي مثل الكثيرات من البنات يرغبن بالعيش في الدول الأوربية حيث تتوفر لهن حرية القرار في كل أمر من أمور حياتهن الخاصة والعامة ، وكانت تتمنى أن يحل سرحان في بلد أوربي كي تلتحق به حين يستقر هو في هذا البلد ، ولهذا فقد ملأ نفسها فرح غامر حين استلمت الرسالة الأخيرة منه ، والتي حملت لها خبر نيته بالتوجه الى جمهورية ألمانيا الشرقية ، ومنها الى دولة أوربية أخرى .
كانت شادية تسمع أخبارا سعيدة عن البنات اللائي سبقنها في الذهاب الى الدول الأوربية ، وعن الطرق التي يتم وصلولهن بها الى تلك الدول ، وكيف يقوم الرجل المقيم بتلك الدول بطلب يد الفتات من أهلها في إيران ثم يتزوجها ، وبعد ذلك يجري معاملة جمع شمل لها في سفارة تلك الدولة بطهران ، وفي دوائر الدولة المختصة بجمع الشمل . وبذا ستكون هي عما قريب واحدة من هؤلاء البنات ، وذلك حين يعود لها سرحان بجواز سفر أوربي ، ثم يعقد عليها بشكل رسمي في إيران ، حتى أنها صارت تعيش في حلم جميل ، تارة تجد نفسها فيه في أحضان سرحان ، وأخرى تجلس الى جنبه في طائرة تشق الغيوم ، وتحلق بهما في سموات من السعادة الأبدية .

بعد رحلة شاقة ومتعبة انتقل فيها عدنان وسرحان من سيارة الى أخرى وصلا أخيرا الى مدينة اسطنبول التركية ، وبعد يومين من مكوثهما في فندق يقع بمنطقة أكسراي قطعا تذاكر سفر باتجاه ألمانيا الشرقية ، ومن هناك تحولا الى ألمانيا الغربية ، وتوجه عدنان الى صديق له يعيش في برلين الغربية يدعى سمير الذي كان يراسله منذ أن كان عدنان يعيش في طهران ، وسمير نفسه هو الذي رسم له هذا الطريق الذي أوصلهما الى ألمانيا ، لكن لا عدنان ولا سرحان يريد البقاء في ألمانيا ، فعدنان يريد الالتحاق بأخ له يعيش في الدنمارك ، بينما يريد سرحان الالتحاق بابن عم له يعيش في مدينة مالمو السويدية التي تقابل كوبنهاجن العاصمة الدنماراكية من الضفة الثانية لبحر الشمال ، والتي ترتبط معها بجسر طويل وعال ٍتمر السيارات والقطارات من فوقه .
وصل كل واحد منهما الى مبغاه ، وقدما طلب لجوء لكل واحد منهما ، وبعد مرور ثلاثة أشهر على تقديم سرحان لطلبه تمت الموافقة على منحه الإقامة الدائمة في السويد ، مع جواز سفر خاصة باللاجئين الجدد يستطيع بواسطته السفر الى أية دولة يريد .
استقر سرحال بعد أن نزل في أكثر من منطقة في مدينة مالمو في شقة صغيرة تقع على مقربة من ساحة الملك كوستاف ، وصار يذهب الى أحد المراكز التعليمية لكي يتعلم اللغة السويدية ، ولكنه كان مشغول البال بأمر التحاق شادية به ، ولهذا قرر السفر الى أيران ثانية ، فقام بحجزة تذكرة سفر على الخطوط الجوية النمساوية التي تقلع طائرتها من مطار كوبنهاجن في الدنمارك ، وكان هو قد أخبر شادية وأسرته التي تقيم في اصفهان كذلك من أنه سيصل لهم في غضون ثلاثة أيام .
عاش شادية تعد الساعات والدقائق ، تتطلع للحظة التي سينزل بها سرحان مدينة اصفهان التي تود الخروج منها دون العودة لها مطلقا ، فهي تعيش في أجواء يخيم عليها الحزن والكآبة ، وتفرض الحياة عليها فيها قيودا لا تطاق ، ثم أنها صارت مهيأة للزواج من رجل تعرفه ويعرفها ، وتود الرحيل معه الى أرض أخرى ، يحترم فيها الناس ، وتقدر فيها المرأة ، فهي قد سمعت من كثيرين أن السويد دولة تديرها النساء ، فالمرأة السويدية متواجدة في كل مكان ومجال من أمكنة العمل ومجالاته ، فهي وزيرة ، ومدرسة ، وطبيبة ، وسائقة قطار مثلما هي سائق تكسي ، وبائعة في محل ، ومهندس تعتمر خوذة العمل في البناء والتشييد.
حضر سرحان في الموعد الذي قرره هو بنفسه ، وكان موضع ترحاب كبير من قبل أسرته ، وجيرانها ، فقد أحاطوا بهم جميعا وانهالت عليه الاسئلة من أفواه الجميع ، بينما كان الجميع يصغي باهتمام لكل ما يقوله ، وكان أكثر الصاغين إليه هي شادية التي كانت لديها أسئلة كثيرة رغبت أن تطرحها عليه ، لكن منعها من ذلك الحياء الذي ستولى عليها ، وعقد لسانها ، ولكنها أجلت تلك الأسئلة للساعة التي ستكون هي في حضنه ، وقتها ستطلق كل أسئلتها عليه ، وتريد منه أجوبة عن الحياة في السويد ، وخاصة حياة النساء فيها ، وهل من المعقول أن المرأة في السويد تقود دراجة هوائية حين تريد الذهاب الى العمل ، أو الى سوق من الأسواق الملآى بالبضاعة والمواد الغذائية ، وهل من المعقول أن مطابخ البيوت لا تعرف رائحة الغاز الكريهة ، فكل مصادر الطبخ تعتمد على الطاقة الكهربائية النظيفة ؟
بعد يومين من وصول سرحان بادر الى خطبة شادية من أهلها الذين وافقوا مرحبين ، ثم تم عقد القران بعد الخطبة ، وبعدها اصطحب شادية معه لمراجعة السفارة السويدية في العاصمة طهران ، وذلك من أجل البدء باجراءات التحاق شادية به .
بعد تقديم كل الأوراق المطلوبة حددت الموظفة المسؤولة موعدا لمقابلة شادية ، تلك المقابلة التي ستتم في السفارة نفسها ، وبعد شهرين من تقديم طلب جمع الشمل ، وحين تجرى تلك المقابلة سترسل أورقها الى دائرة الهجرة في السويد ، تلك الدائرة التي ستصدر القرار بالقبول أو الرفض ، ولهذا السبب قرر سرحان العودة الى السويد ، انتظارا لصدور ذلك القرار ، ومن ثمة سيرسل تذكرة السفر الى شادية لكي تلتحق به ، هذا في الوقت الذي راح يفكر في المنطقة التي سينتقل لها بعد وصولها ، وكذلك في سعة البيت الذي سيسكنان فيه سوية .
حال وصول سرحال الى السويد صارت تستولي على عقله بعض المشاعر الغريبة ، وراح يفكر بطريقة عيشه مع شادية ، وهل سيكون ناجحا في زواجه منها ، خاصة وهو قد عرف أن زواج أكثر من عراقي واحد انتهى الى الفشل ، ولأسباب تبدو تافهة عند بعض الناس ، وهم سبب من بين هذه الأسباب هو لمن من الزوجين تكون المالية الشهرية المتحققة من المساعدات الشهرية التي تقدمها الدولة السويدية للاجئين الجدد القادمين للسويد ، فالرجل يريدها له ، بينما المرأة في السويد من حقها الحصول على المساعدة الخاصة بها ، وبالأطفال ، وفي هذه الحال يرفض الزوج ذلك ، مما يؤدي السبب هذا الى الطلاق ، والى أن يعيش كل واحد منهم بعيدا عن الآخر ، وعندها سيزداد راتب الواحد منهما ، فراتب الرجل الأعزب أكثر من راتب الرجل المتزوج ، ويزيد عليه بألفين كرونة سويدية تقريبا ، ولكن هناك بعض اللاجئين فضلا الطلاق الكاذب بالمحاكم السويد من أجل أن يحصل الزوج وكذلك الزوجة على راتب أكثر ، وعلى اعتبار أن الدولة السويدية دولة كافرة ، مثلما يعتقد هؤلاء ، والطلاق في محاكمها لا قيمة له ما داموا هم مسلمون ، ولكن بعض النساء والرجال استغلوا هذا النوع من الطلاق ، وحولوه الى طلاق دائم ، ثم تزوجوا من جديد ، وهذا التصرف يحق لهم وفقا للقانون السويدي مادام هم قد انفصلوا بإرادتهم في المحاكم السويدية .
لقد سار سرحان على ذات النهج الذي سلكه قبله بعض من المتزوجين المتدينين ، وبسبب من أن السويد دولة كافرة ، لا يعتد بطلاق محاكمها ، ولابد أن يقع الطلاق الرسمي في محكمة بدولة اسلامية ، وبهذه الطريقة يمكن للمسلم أن ينفصل في المحكمة السويد ، ويظل زواجه قائما على الرغم من أن الزوج والزوجة سيعيش كل واحد منهما في دار خاصة به ، ولكنهما سيحصلان على دخل أكثر ، فالمتزوج يحصل على دخل أقل من الرجل أو المرأة الغير متزوجين أو منفصلين ، وهذا هو الدافع الأساسي لهذا الطلاق الذي تم بين سرحان وزوجته شادية ، وبعد سنوات جمعتهم في دار واحدة ، وصار لديهم أربعة من الأبناء ، ولكن في يوم ما ، وحين كان سرحان منفصلا عن زوجته انفصالا كاذبا وردت له من صديقه ابراهيم الذي يعيش معه في نفس المدينة مكالمة هاتفية يخبره فيها أن ابن اخته قد وصل المدينة قادما لها من تركيا ، ويطلب منه القدوم الى داره ليصطحبه معه ، فقد كان ابراهيم قد التقى بابن اخته بالقطار العابر من العاصمة كوبنهاجن الى مدينة مالمو السويد .
رغب سرحان أن ينزل ابن اخته سميح مع أبنائه ، فسميح لازال فتى يافعا ، لم يتجاوز عمره العشرين سنة، ولهذا السبب على ما يبدو تعلقت به شادية ، وصارت تتقرب منه ، وأحيانا صارت تحضنه ، وتضمه الى صدرها ، ثم بعد ذلك صارت تقاسمه الفراش ، ولم تقف عند هذا الحد بل اصطحبته ذات صباح الى محكمة سويدية وعقدت عليه على أنه زوج جديد لها . فالقانون السويدي يبيح لها الزواج من رجل آخر مادامت هي مسجلة في السجل المدني السويدي على أنها امرأة مطلقة ، أما سرحان فلم يقدر أن يفعل شيئا مقابل ما فعلته زوجته ، فالطلاق الكاذب الذي أراد من ورائه أن يحصل على بعض المال تحول الى طلاق حقيقي ، ولهذا ظل يعيش هو في دوامة من الحيرة والندم .



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع الشاعر وضد عار السواعد
- في مثل هذا اليوم
- امرأة لم تولد بعد
- مع الفنان وليم موريس
- ابن زيدون
- المالكي والتهديد بصولة خرفان جديدة !
- كاسترو !
- ملك الحمام
- ترامب ابن أمين للبراغماتية !
- رحلة في السياسية والأدب ( 11 )
- رحلة في السياسية والأدب ( 10 )
- رحلة في السياسة والأدب (9)
- رحلة في السياسة والأدب ( 8 )
- رسالة الرئيس
- العبور الى أيثاكا
- الهجرة الى دول الكفر !
- مرضان مستبدان في العراق : أمريكا وإيران
- الدين والحكم (2)
- الدين والحكم (1)
- لا وجود لدولة اسلامية أبدا !


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - رجل في محطات