أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم صبرى جندى . - الادب و النبوة - مقال عن رواية - كلمات يونس الأخيرة - للكاتب يوسف نبيل .















المزيد.....


الادب و النبوة - مقال عن رواية - كلمات يونس الأخيرة - للكاتب يوسف نبيل .


مريم صبرى جندى .

الحوار المتمدن-العدد: 5591 - 2017 / 7 / 25 - 05:04
المحور: الادب والفن
    


لا أستطيع الكتابة عن "كلمات يونس الأخيرة " الرواية السادسة ليوسف نبيل بمعزل عن الأخريات، فعندما استعرض رحلته القصيرة نسبيًا لا يسعني سوى أن أضعها فى صورة محطات متتابعة داخل إطار واحد، ما إن ننظر وندقق فى تفاصيله حتى ندرك سريعًا أن تلك الأخيرة كان لابد و أن تأتى لتكلل السابق و تبرزه و تفسره و تمنحه مزيدًا من المعنى و الأهمية، أولتبرز وتفسر ما أظن أن روحه كانت وماتزال تصبو اليه.
عندما قمت بسؤال يوسف يومًا عن المراد بمقولته أن "الكتابة نبوة" أدركت أن المقصود بها أن الكاتب كثيرًا ما يكون له دور النبى - إن أراد - فى إلهام البشر و تصحيح مساراتهم وردهم عن غيهم، أدركت أن ذلك يُفسر بالضرورة و لو بشكل جزئى خطوات يوسف فى عالم الكتابة ولا سيما الخطوة الأخيرة. لا يمكنني إغفال "يوسف صالح" و "يوسف سليم"، بطلي "كسر الإيقاع"، الطبيب النفسى والكاتب، من هجرا عالمهما المعتاد فى سبيل الكشف والبحث عن الحقيقة وفى سبيل الهرب من عالم عاتي فى قبحه، وكذلك "مياه الروح" التى تؤرخ لفشل ثورة يناير المرير من خلال شخوص تعاني من الإنهزام والزيف الروحي فى ظل تماهيها مع مظاهر الزيف المحيطة بها ومحاولتها صنع آخر أكثر تقوى، ثم العالم على جسدى الرواية التى كتبها بالإشتراك مع " زينب محمد " و التى لمست عبر أجزاءها الإنسان بمختلف تجلياته وصوره ، يتدرج من طبقة وعي لأخرى لينقطع حبله السرى وينضج عبر انصهاره و آلمه ليصل فى النهاية لكوة النور التى ينتظرها كل منا، لندرك أن هناك عنصر مشترك بين كافة أعماله، هونبذ لوعي و زيف ما قديم و تجدد و إشراق و اعتناق آخرجديد يصاحبه رغبة فى الإصلاح على المستوى الشخصي وأيضا المجتمعي والتبشير بهذا، لينجو الانسان من حالة الإغتراب التي يعيشها، وهذا ما تم تصويره بدقة وعزيمة وروح تبشيرية هائلة فى كلمات يونس الأخيرة بصورة فاقت كل أعماله السابقة، فلا يكتفي هنا بطرح الفكرة والمبدأ وإنما يقوم بإطلاق مشروع فكري كامل لمقاومة الزيف و الإستبداد ومن ثم تحقيق النمو الكامل للفرد للوصول لما يمكن تسميته باليوتوبيا.
يونس.. .مشروع وحلم العدل والكمال، يونس من يعيد خلق نفسه من جديد من خلال معرفتها ليتحول من يونس المستعبد ليونس النبى، من يقاتل ليخلص نفسه ومن حوله من براثن الشر ليصل لتلك اليوتوبيا المأمولة. تنطلق الرواية من الوعى بوسط مستبد يمارس الإستبداد بكافة صوره و أشكاله، بشكل واع وغير واع، حلقات متصلة من الإستبداد المتعمد تارة والجاهل تارة أخرى، فهناك السلطة المستبدة والأسرة المستبدة والمدرسة والكنيسة المستبدة و الجامع المستبد ...الخ، حلقة تسلم الأخرى و هكذا دواليك ليصبح الإعتياد والجهل والرضا بالردىء سمة عامة تميزنا كأنصاف بشر نحيا أنصاف حيوات فى ظل أنصاف حقائق، فاتتنا فرصة الحياة كواحد كامل صحيح، نعايش الاستبداد السياسي و الديني والتعليمي والتربوي ومن ثم القبح و الموت كنتاج طبيعى لهم، نقولب و يتم الإشراف على قولبتنا بمنتهى الرضا والحب من أقرب المقربين، يراهم كالنحاتين الفشلة يداومون ويجتهدون، بل و يلهثون بغباء فى صنعنا؛ فى صنع تلك الدمى الممسوخة التى يتم تصويرها فى الرواية بأسلوب بديع من خلال حلم يونس عن انمساخه لحجر جامد بفعل كل من أحاط به و اعتقد أنه يفعل الصواب أو ربما لميوعته و فقدان الشجاعة على فعل الصواب: "أخذت أحدِّق إليه في رعبٍ بعد أن تحول إلى قطعة حجرٍ جامدةٍ. لم تمرَّ لحظاتٍ حتى اقترب منه أبواي.. أخذا يعملان معًا حتى كوَّنا ذلك التمثال" ص 22
وهم لا يجرؤون، بل ويرتعبون من محاولة كشف زيفهم الروحي فى المقام الأول وتخبطهم بلا نور يضىء ظلمات نفوسهم ويجعل من نحت روح أحدهم مسؤولية تماثل الصلاة فى قدسيتها، ليصيب العطن روح يونس و يتجلى الزيف الدينى والأخلاقى فى حياته.العمل يعلن عن نفسه وماهيته من الغلاف الخارجى المقتطع من درة الرواية جزءها الأول، ذلك المقطع الذى يعبر بقوة عن لحظة الزيف العظمى فى حياة يونس حينما انتهر طفلا لتلك الحقيقة القابعة داخل نفسه حول حب الله و الخوف منه، لتصاب تلقائيته وبداهة الأشياء لديه في مقتل، و لنستطع التنبؤ بكيفية سريان الأمور من بعدها، فها هو بعد عديد السنوات تحل به كما أراد الكاتب تسميتها لعنة الوعى، فروحه باتت لا تطيق العادى و المعتاد، يلمس ويشعر بكل كذب وعهر وشر وزيف فى كل تفصيلة مما يحيط به، يستسلم ليتذكر بألم مبرح يدق روحه و جسده كل ما اتحد ليصنع منه ذلك التمثال الحجرى الذى تصارع معه فى حلمه وليتذكر معه ما أسماه بالخيانات، خيانه نفسه أولا، وخيانة كل ما يعد حقيقيًا و صادقًا، لنلمس زيف يونس الشخصي الذى ما هو إلا جزء من زيف مجتمع بأكمله، فقد تنوعت خياناته ما بين الروحية والإنسانية؛الأولى كانت عبر وأد شكوكه الدينية بانغماسه فى الممارسات الصوفية بعد تأكده أن الأمر سوف يستغرق منه الكثير ليقوم بدراسة الأديان دراسة حقة ووافية تنجيه من تلك الشكوك و تحسمها، وكان قد وصف خيانته بالأزمة الروحية بينما هى فى الحقيقة أزمة الإعتياد و الخوف من كسر الآمن و المألوف و التوجس من الآخر و اضطهاده.
" ونظر النور يخترق قلبه ويزيل شكوكه اليقينية. البكاء والانهماك في الذكر والتدريبات الروحية أقنعته بأنه تجاوز أزمته. نعم... لقد تجاوزها إلى درجة أنه نسيها تقريبًا. من الممكن أن ننسى كلَّ شيءٍ. من الممكن أن نظلَّ على انحيازاتنا، والسبب بسيط. لا نودُّ بذل المجهود أو دفع ذلك الثمن." ص27 .
وتتوالى الخيبات من بعدها،فيمضى الكاتب ليسرد لا ما يدينه فقط أو ما يعد سقطات شخصية، وإنما ما يدين نظام بأكمله، فتستره على حادث القتل الخطأ أثناء تأديته خدمته كضابط احتياط وهربه من حادث اعتداء شرس على قاطني إحدى القرى من الشيعة من شيوخ السنة و تابعيهم ليس سوى فضح لمظاهر العفن والفساد النافذة حتى الجذور، بل يجاورها و يوازيها بلقطات ذكية و حساسة تضعه هو والآخرين من حوله بشكل أو بآخر في نفس المأزق، مأزق العبث واللامعقول، فها هو يرصد تفاصيل الموت والقبح المتفشية من حولنا " ما زال صوت قارئ القرآن ينهمر بالبكاء، بينما يشعر يونس برغبة في التقيُّؤ. يخفُّ أثر الصداع قليلًا ويبدأ يونس في استنشاق الهواء. العرق غزير، والأقمصة مبلَّلة والرائحة عطنة والعطش يعذِّب الجميع في شهر رمضان. التفت برأسه إلى السائق وقلَّب نظره في الوجوه شاعرً في ومضةٍ واحدةٍ بأن هناك علاقة بين كلِّ ما يحدث؛ قارئ القرآن وغلاء الأسعار والعرق الغزير". ص32
لا يكتفى بهذا بل يمضى ليؤكد ما بدأه من قبل، فيشير لعملية الانمساخ التيبدأت منذ طفولته و تعرت مع حادثة سكر والده و تلفظه بما يتناقض وحقيقة إيمانه و تقواه، والتي بات معها زيفه واضحًا جليًا، وباتت معها أيضا حقيقة انتهاك روح يونس واضحة لا تقبل الشك، فراح يحطم تلك الحقيقة عبر هزيمة خوفه و انكبابه على موسوعة الأديان ليعوض خسارته الأولى ليكشف زيفه ويعرف نفسه معرفة حقة، لتبدو الأمور لأول مرة حادة وصريحة، فما صار واثقًا منه عن حقيقة إيمانه لم يزعجه، ما أراده حقا و اهتم به هو أن يحيا كإنسان، أن يساهم فى كسر وتحطيم تلك الدوائر الشريرة من الإستبداد، أن يضمن عدم صنع المزيد من التماثيل الحجرية التى لا تلبث أن تنقلب على ذواتها لتحطم الجميع، أن لا تقتل الأسئلة و تكبت الحريات وتُشوَّه الحقائق ويتفشى الفساد و استغلال السلطة ... " الآن عليه الانتقال إلى الواقع المرير. مع كل حرف يقرأه كان ينظر إلى البذاءة من حوله. ينظر إلى الاستبداد ومؤسساته. التبعية والفقر يظللان الحياة، والأكذوبة الكبرى تذاع يوميًّا على كل أجهزة الإعلام. انكبَّ على القراءة مرة أخرى. ازداد ألمًا ووميض أزرق يلمع أمام عينه مع جمل عدة. الجميع يتكلمون عن الأفكار ونقد الأفكار، لكن أين كل هذا على أرض الواقع؟" ص56
و لكن كيف له أن يحقق ذلك؟ يتم تقديم الإجابة عبر الأجزاء التالية ففي الجزء الثانى والثالث تتسع الدوائر وتتشابك لنمضى فى رحلة لاستعراض تجليات الاستبداد و توابعه، وما نتج عنه من زيف دينى وما أطلق عليه "لاأخلاقية نسباوية"، قدمها يوسف فى مختلف صورها عبر حكايات "حازم" و "يوحنا" رفقاء يونس فى حلم التغيير، و أجمل ما فى تلك الحكايات أنها منتزعة من واقع عشناه ونعيشه، فهى صادقة حال اتفقت او اختلفت مع كل ما تم تقديمه فيها، فهو مجتمع مريض لا يحكمه عقل أو منطق، وإنما يفرض فيه الهوى حينًا والجبن حينًا آخر هيمنته بشكل لا يخطئه أى عاقل، فتبعية رجال الدين فى مختلف مواقفهم الشريف منها والفاسد مرض، اضطهاد الآخر لاختلافه و ازدواجية معايير الحكم مرض، تواطؤ السلطة الدينية مع السلطة السياسية بشكله المعلن و الفاضح و صمت الكثيرين عنه مرض و خيانة، تمويه الحقائق و تمويعها وفرض اللون الرمادي على الأشياء و طمس الابيض والأسود مرض، ويستمر فى عرض وفضح مواقف الخيانة والعمالة من بعد الثورة سواء للسلطة العسكريةأو فصيل الاخوان، ويمزج العام بالخاص، فهو لا يتحدث بالطبع فقط عن الخيانات العظمى من دهس الدولة لمواطنيها، ولا تواطؤ الكنيسة معها عبر ضغطها على أهالى الضحايا لسحب قضاياهم ضد السلطة وعدم قيام السلطةبأى خطوة جدية لمحاسبة المسؤولين، أو خيانات الاخوان المتعددة قبل حكمهم وبعده، أو العفن المستشري والضارب في جذور المؤسسات، وانما يقوم أيضًا بطرح تفاصيل حياتية بسيطة تدلل على الوضع العام والخيانات الصغرى اليومية،فيسعى الناس للاستمرار وسط لامبالاة وسلبية تدفعك للجنون، بالتنازل عن الحق تارة، والتماهى مع الهوى والزيف بوصفه الحق تارة أخرى، فهو يطرح نماذج تجسد العبث بأشكال مختلفة، فهناك من لا يجد تعارض بين ايمانه برحمة ومحبة الله وبين انتقامه بقسوة من بعضهم لنصرة البعض الآخر و تعويضه " ص86 " ، وهناك من لا يجد تعارض بين الانتقام و تسوية الحسابات بطرق غير شريفة وبين ممارسة الطقوس الدينية التى تعلن عن تقواه .." ص90 " ....الخ .
يعلن أبطال الرواية وصولهم لحافة الجنون ومع ذلك ضرورة صنع اليوتوبيا الخاصة بهم والتبشير بها كرسالة سماوية ... " الحق الحق اقول لكم ...." ص112.
يمضى الكاتب من نهايات الجزء الثاني وعبر الجزء الثالث و الأخير فى تأسيس هيكل فريد من التمرد يختلف عما فطرنا عليه من أشكال تقليدية للثورة حاسمة وسريعة و أحيانا عنيفة، فقد علم أن لا نجاة أوأمل فى أى محاولة اعتيادية للرفض والاعتراض، فذلك مصيره إما الموت او الاختفاء او الاحتجاز، و مع الامتناع النهائى للجموع الحالمة لتأكدهم من ذلك ومن ثم فقدانهم الأمل وتوقفهم عن المحاولة، والأهم عدم اهتمام الغالبية بما يدور خارج عالمهم ومصالحهم الشخصية، بات الحلم بنوع جديد من الثورة لا بديل له؛ ثورة طويلة المدى تقوم في الاساس على عملية تغيير فى العقول والأرواح لقطاعات ضخمة من الشعب ليغدو قادرًا على الحلم بالأفضل واأاسمى ولا يعد ذلك قاصرًا على فئة المثقفين والحالمين؛ عملية إحداث نمو معرفي وروحي ومادي واقتصادي وأخلاقى ليتم بعث المجتمع الفاضل من خلال النمو الكامل للانسان وذلك عبر كيانات تقوم بذلك العمل ببطء وتدرج ونظام للعمل على خلخلة البناء بحذر من أسفل دون صدام مباشر مع المؤسسات حتى يحين الوقت المناسب لزعزعة النظام الذى يقاوم النهضة من أى نوع . يقدم الكاتب مشروع متكامل؛ شبكة تضرب بجذورها و تمتد لأكثر من جهة لتحاصر الفساد والاستبداد من كافة نواحيه بشكل منظم ومنطقي، فهو لا يُقدم عمل أدبى قد يطرح حالة ما وحسب؛ لكنه يقدم ما يأمل أن يتحقق من حوله وفقا لرؤية و قناعة شخصية.
يبدأ التوجه الأول بتكوين كيان يتمتع بمنهج معرفي حقيقى يقاوم الاستبداد بكافة أشكاله السياسية و الدينية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وذلك عبر دراسات جادة ومتكاملة في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع و التاريخ، الإضافة لدراسة مشاريع حضارية هامة نجحت فى النهوض بالأفراد و هزيمة الاستبداد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى عبر التوكيد على معيارية العقل ونفي النسبية المطلقة التى يمكن من خلالها تبرير الكثير من جرائم الفساد و تجاوزاته من قهر ودم وغيره، ثم محاولة نشر تلك الثقافة و التوجهات على أرض الواقع من خلال ما يشبه الكورسات و المحاضرات المجانية، ومع ذلك بالتوازي توفير معلومات حول الأوضاع السياسية والاقتصادية و البيئية المحلية الحالية ليتم تطوير المناهج المعطاه وفقا لها، ليتم نشر قناعة أن هناك بديل يمكن التطلع له، فالتغيير يبدأ من العقل وقناعاته.
بينما يتمثل التوجه الثانى فى محاولة تشبيك تلك المجموعات بمصالح اقتصادية مشتركة لتوفير الدعم المادى من ناحية وتحقيق ما يدعون له بشكل نظري على أرض الواقع من ناحية أخرى، تنتشر تلك المجموعات على حد تعبيره كالخلايا السرطانية فى الجسد العليل لحين هدمه، فهم يحاولون تطبيق تلك النظريات فى صورة مجتمعات صغيرة فاضلة موازية من خلال كيانات ومشاريع اقتصادية صغيرة يتمتع أفرادها بحرية اقتصادية، ومن ثم حرية أخلاقية وروحية لحين استطاعتهم تطبيقها على كافة المستويات داخل كل القطاعات بعد هزيمة الاستبداد المتمثل فى النظام القائم .خصائص تلك الكيانات أوردها بالتفصيل من خلال نموذج حقيقى و هام و ملهم داخل النص و إن كان يمكن تلخيصها فى نقاط بسيطة كافية لتوضيح الرؤية و القناعة:
1- الملكية الجماعية والتمتع بثمرة العمل بالكامل و بالتالى تحقق الحرية الاقتصادية.
2- اتباع منظومة قيمية وأخلاقية عامة يتم وضعها بالاتفاق الجماعى.
3- المشاركة بفاعلية فى اتخاذ القرارات .
4 - إتاحة نشاط معرفى أو ثقافى حيث تكون بيئة العمل بالاضافة لما سبق وسيلة من وسائل تحقق النمو الكامل للإنسان و جعله ممكنا ليتمتع بالحرية الاقتصادية والفكرية واأ خلاقية.
يحاول الأبطال تحقيق ذلك ومعايشته لسنوات فالوقت و الجهد اللازمين لصمود مثل تلك الكيانات المعرفية والاقتصادية ليسا بالهينين، فتمضى و تستمر عمليه الجدل و التشبيك حتى يحين الوقت المناسب لنشر الأمر على نطاق اوسع و يحين معه أمر العصيان الأكبر، كابحين جماح أنفسهم التى ترغب فى إعلان التمرد سريعا فى سبيل ضمان نجاحهم، فكل من يونس و حازم و يوحنا يواصلون تغذية كياناتهم المعرفية و الاقتصادية ، ثم يقررون أخيرًا الانتقال للتوجه الثالث والأخيروهو استهداف فئتى الطلبة والعمال من خلال شن حرب معلوماتية يتم فيها محاولة إعلامهمبالبدائل الممكنة لواقعهم المعيشي/ فذلك هو السؤال المعتاد حول عدم جدوى أى شىء لعدم وجود بديل، أما فى حال وجوده فسوف يختلف الامر، فيتم اختيار عينات عشوائية من العمال لتعليمهم عن ثورات العمال والطلبة و تجارب احتلال المصانع حول العالم و نجاحها وأيضًا تغيير ظروف العمل بالكامل لتدور حول فكرة الملكية لجماعية على المدى الطويل وتحديد حصص من الربح .. الخ، ليتأكدوا أن عدوهم الأول هو النظام المقاوم لأى فكر مغاير، والأمر ذاته مع الطلبة، يتم تقديم مشروعات لتحسين مستوى التعليم و الدراسة بطرق غير مكلفة و لا تحتاج لتمويلات ضخمة لتقرر الفئتان أنه لا سبيل سوى الإضراب والعصيان للوصول للافضل.
لم يقتصر الامر على ذلك بل كان هناك توجه منفصل يصاحب السابق، ذلك الذى يقاوم الاستبداد فى حلته الدينية، أشار له الكاتب بعنصريه المسلم و المسيحى، ولكن نظرا لخلفيته المسيحية فقد طبَّق تصوره عن تلك المقاومة من خلال النموذج الكنسى المسيحى.أراد أيضًا أن يخلق تلك المدينة الفاضلة ربما فى المكان الذى كان من الأجدر به أن يكون هو المدينة الفاضلة لكنه بقى مكانًا على الأرض تصبغه بخيرها و شرها على السواء. بينما كان حازم ويونس يجاهدون فى سبلهما، كان يوحنا يجاهد فى مشروعه الخاص المعرفي والسياسي داخل المجتمع الكنسي، فقد حارب فى أكثر من جهة، الجهة الأولى كانت تقاوم الاستبداد فى صورته المعرفية، أى الاعتياد والقولبة وغياب الحس النقدي فى تفسير النصوص بالإضافة للرجوع للتقاليد والتعاليم الآبائية وأصول القوانين والممارسات الحالية لتصويبها أو تغيير بعضها وتطبيق ذلك على أرض الواقع من خلال تسيير أمور الكنيسة ماليًا وإداريًا، أو إدارتها من خلال ما يسمى بمجلس الكنيسة الذي علمت للمرة الأولى من خلال النص إنه تكون في الأساس من أفراد الشعب قبل أن يقوم البابا شنودة بتعيين الكهنة به ليتحول بشكل تدريجى لمنصة لتحكم الكنيسة فى النهاية بالكامل من قبل الاكليروس. رأى الكاتب فى مجلس الكنيسة المكون من أفراد الشعب بالانتخاب السبيل لإقامة العدل وتصحيح الأوضاع الفاسدة من إهدار أموال فى غير مواضعها أو خيانة للحق من خلال التواطؤ مع السلطة ورفض التواطؤ السياسى لتحقيق مصالح طائفية أو شخصية، ليرفض الاستبداد داخل الكنيسة بأشكاله المعرفية و الاجتماعية و السياسية.
هذه هي الخطوط الرئيسية للرؤية التى قام بطرحها وغذتها تفاصيل من الخيال داخل النص ساهمت فى نجاحها.
أخيرا .. لا استطيع نسيان أو تجاوز ذلك التساؤل الذى طرحه الكاتب عن فكرة العدالة والمحبة، تحقيق العدالة بما قد تحمله من أذى أو عنف أم الحب بما يحمله من مثالية؟ أى "أحبوا أعدائكم" أم "اعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم و اتقوا الله" ؟؟
يطرح الرؤيتين من خلال حازم و يوحنا المسلم و المسيحى بما يحمله كلاهما من عقيدة، تساؤل قوي و جوهري ورئيسي ودعوة للتفكير تُبيِّن ما قد يصيب المرء من ألم وحيرة جراء خبرة أو تجربة قد تطيح بما قد ظنه من الثوابت لا يتغير... حرب طاحنة على حد تعبيره داخل النص.
فى النهاية .. هل تحمل الرواية نقاط ضعف؟
يتعلق أولها فى رأيى بحيلة خطف الناقد، فملاحظاته النقدية كانت أحيانًا موفقة وأخرى لم يكن هناك حاجة إليها، كما ان مسألة خطفه لم تكن مقنعة بالشكل الكافى.
يتعلق ثانيها بكيفية حكي أو سرد بعض الوقائع، ولا أتحدث هنا عن الجانب التوثيقى فيها، فربما كان غير مألوف وصادم فى القراءة الأولى ولكن مع القراءة الثانية تدرك أن هذا من عوامل تفرد الرواية و صدقها ووجوده لا ينتقص منها على الإطلاق، وإنما أشير للابتعاد أحيانا أو عدم الاهتمام بالأسلوب الأدبى والإثراء اللغوى مما يُعكِّر أحيانا من صفوها.
تلك كانت بشارة يونس ...رفضه و صرخته الشخصية ضد الظلم و الفناء، نبوته التى سعى لتحقيقها وإن دفع حياته ثمنا، و ذلك يوسف نبيل، فى حالة تقواها و نقاءها و آفاق حلمها وما تبثه من اطمئنان وأمل في وجود من يهتم على هذه الأرض و يأمل على أرض الواقع فى صورة روائية جيدة و مشوقة و حقيقية جدًا.أرجو لكلماته أن تتحقق وتغير من عالمنا، فلا تعود كلمات يونس الأخيرة نصًا روائيًا وحسب بل أمل نبت فى نفسه و إحاله لواقع نعيشه جميعا.
غرق يونس في العرق وأغمض عينه قليلا.. رأى إضرابات ومظاهرات واحتلال مصانع وتسيير ذاتي واستيلاء على مصالح الكهرباء وقطعها على مصالح معينة ضمان استمراره للسكان، وإضراب نقل يتحول إلى سيطرة جزئية ليُنقل المواطنين لأماكن الإضرابات.. رأى نيران تتفجر وماء غزير يغمر المكان لينظفه أو يغرقه.. رأى رصاصًا يمزقه.. رأى أنه قد وصل إلى المحطة الأخيرة.. رأى أن اللحظة الأخيرة التي كان ينتظرها طوال أعوام قد أتت.. سيبدأ كل شيء أو ينتهي.. لم يعد يسيطر الآن على شيء.. أغمض عينه وغرق في تأملاته وتمتم كلماته الأخيرة:
- لنبدأ العصيان!



#مريم_صبرى_جندى_. (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الادب و النبوة - مقال عن رواية - كلمات يونس الأخيرة - للكاتب ...


المزيد.....




- أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مريم صبرى جندى . - الادب و النبوة - مقال عن رواية - كلمات يونس الأخيرة - للكاتب يوسف نبيل .