أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - عالم ما بعد الدين .... عالم ما بعد المعرفة















المزيد.....

عالم ما بعد الدين .... عالم ما بعد المعرفة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5586 - 2017 / 7 / 20 - 03:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لعل القضية الأساسية التي تكمن في إرادة الله من قضية الدين هي البحث عن السعادة البشرية التي يصورها الدين في أطار ما يسمى بالمستقلات العقلية في الوجود، لكن بعد إعادة ترتيب بنائها وترتيب أولوياتها وفقا للعلم الرباني فيها، هذا هو مختصر الخطاب الرباني وجوهر الفكرة الدينية، فحتى ما يفرضه الله من أحكام وصورة من الألزام والنهي لا تتعدى هذه الهدفية ولا تعتدي على الواقع إذا كان مسايرا لما هو طبيعي مماهي لنظرية العقل السليم بمعناه العقل الذي لا يقبل بالتحريف والتزييف والخداع.
لذا خاطب الله تعالى نبيه الكريم بهذا النص الذي سيبقى دوما نصا مرشدا ودلاليا في تفسير علاقة الدين بالإنسان(وما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، البعض يتصور أن محمول هذا النص ليس عاما ولا مبدأ كامل حتى يكون دلاليا، وإنما هو من جملة المبادئ التشجيعية التي وردت في الكتاب لغرض تشجيع الرسول في المضي في رسالته والتخفيف من أحزانه جراء الهجر والتحدي الذي لقيه من خصومه والعناد والتمرد الذي لحقه من بعض أنصاره، هذه النظرة القاصرة لا يمكن تبنيهابهذه السهولة خاصة مع متابعة سياق الآية والسورة قصديا.
الدين أداة تغيير معرفية ومنهج من العقليات التي تخاطب الإنسان على أنه كائن قادر بالقوة للأمتثال للفضائل الكونية والخير بمعزل عن الروافد المؤسسة، فهو كائن أجتماعي معرفي متعقل ينظر لمجمل وجوده وعلاقاته بالذات ومع الأخر من منظار واقعي، وصحيح أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون مثاليا بالغالب ولكن الحس المثالي المتمثل بالجانب الروحي يبقى عنصرا أساسيا في تعامله اليومي والتفصيلي مع الحياة، لذا فالدين يحرض الإنسان على تبني الخيارات الأخلاقية والمثالية جنبا إلى جنب مع الجانب المادي فيه وبذات الطريقة التي يتعامل بها مع العنصر الأخير.
من جانب أخر ومن خلال النظر التأريخي لدور الدين في الحياة العامة للإنسان، نرى أنه ساهم وبشكل أخر في تبلور جوانب مهمة من التحولات الكونية التي قادته لأن يكون كما هو اليوم كائن عابر حتى للعقل، بدخوله بما يسمى (بعالم ما بعد العلم والمعرفة)،عالم ما بعد العلم وتحريره من الوهم والخرافة، فأنتج بمسيرته عشرات المدارس الفلسفية والفكرية وقاد نفسه بنفسه إلى مرحلة عبور الذات إلى محاولته الدؤوبة لأختراق مادية الوجود والتعمق في إدراك الكثير من التفصيلات التي لا يتصور البعض قبل قرون وعقود من الزمن أنها ستكون من ضمن الإرث العلمي والمعرفي له.
هذا التحول الجوهري هو واحد من نتائج حضور الدين وخاصة دعوته للقرأءة وطلب العلم والتفكر والتدبير فيما حوله، لا يمكن لعاقل مثلا أن يتصور لمجرد التصور أن المعرفة الدينية والخوض في تفاصيلها هي فقط إرضاء لإرادة الرب وخضوع لتعاليمه الخاصة بالعبادة فقط، هذا ظلم حقيقي عندما ننكر دور أي معرفة في حياة الإنسان وخاصة إذا كانت تعتمد في تبنيها على تحريك العقل وزجه في معنرك الوجود من أجل الخير بمعناه العام.
لو نظرنا جزئيا إلى حالات المجتمع الديني في كل التجارب التي تدخل فيها الدين وأجرينا مقارنة علمية بمنهج محايد ومتجرد مع النتائج التي أحدثها وساهم في صيرورتها، نشهد أن الإنسان كان الهدف الأساس للتغيرات والتحولات، كما أنه كان أيضا الوسيلة والأداة التي أحدثت وجسدت التغيرات والتحولات، وبذلك ساهم الدين من جانبه أن يستعيد الإنسان وعيه وأن يمارس هذا الوعي واقعيا دون أن يكون لهذا الدين مصلحة خارج الهدف هذا، لذا يمكننا القول دوما أن الدين والرسل من ضمن المسخرات له في طريقه نحو الكمالات البشرية.
أما القصور والتقصير في متابعة هذه التحولات والأستمرار بها على ذات النسق والمنهاج فهي دوما تعود لعجز الإنسان وتكاسله وفتور الإرادة في المواصلة، وهذه الأمور مع كون الإنسان ذاته كائن جدلي لا يستقر دوما على منهج ولا يخضع في كل مرة إلى الأستجابة له جعله يبتعد شيئا فشيئا عن القوة المحركة تأريخيا، أما لأنشغاله بالصراعات البينية التي تنتج من طبيعة علاقة الإنسان مع الأخر أو نتيجة تراكم الوعي الجمعي في أتجاهات مغايرة لروح الرسالات، وهكذا نشأ التراجع والتغيير والتحريف بناء على قوة الفاعل المستفيد من المصالح الخاصة والفئوية أما للسلطة بمعناها الكلي، أو نتيجة تطور المعرفة وأختلاطها بالمسميات المقارنة أو المقاربة للفكر الديني نتيجة المنافسة أو تجاوز حدود اليقين.
كانت قضايا الملكية والعبودية البشرية ونظام التعاملات المالية ونظام الأسرة وحقوق المرأة وعلاقة الإنسان مجملة مع الأخر المماثل والمنافس أو الضد، ومسائل الحث على التعلم وأكتساب المعرفة وبسط العدل كمفهومن مفاهيم المستقلات العقلية الطبيعية التي عرفها الإنسان سابقا من ضمن المنظومة الأخلاقية الأجتماعية، وتباين النظرة حول كل ذلك وأختلاف التجارب فيها من ضمن أساسيات التحول وأهداف التغيير الذي لعبه الدين في كيفية التعامل معها مركز فيها على الجانب التعليمي والتطوري تحت عنوان المصلحة الشمولية للمجتمع.
فلا الدين تدخل مثلا فيها لمصلحة الديان ولا ورد مفهوم واحد يؤكد الحاجة الفعلية لذلك، لكن المؤكد أنه جاء لرفع الشقاء عن الإنسان وتوكيد حقيقة أن الإنسان لا بد أن يعيش في حد أدنى من النظام والمعرفة المؤسسة التي لا تخترق برغبات فردية متمردة أو مراعاة لمصلحة خاصة قد لا تتوافق مع مفهوم الحرية الطبيعية له كون الكائن الإنساني في ذاته يبلغ ويسعى للصلاح والإصلاح صيانة لوجوده المحدود فرديا أو جماعيا{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}هود88.
الإنسان من حيث هو طاقة محدودة بدنيا أيضا هو كائن بلا حدود من الناحية العقلية لأنه يملك القدرة على تطويع المادة وتحويلها إلى طاقة، هذه الخصيصة هي التي جعلت منه كيانا مزدوجا يشعر بتناقض المنط التكويني له ولكنه لا يفهمه من جهة أخرى، الدين جاء في أحد جوانبه لتفسير هذه الإشكالية وحلها وفقا لحقيقة كل من المادة والعقل، المادة التي تكتنز بداخلها أسباب القوة وتجعلها ممكنة وواقعية بتفعيل النظام العقلي وخطاب الدين خطاب لهذا المكمن الخطير وتحريكا له في محاولة أستكشاف الوجود الحولي.
الذين ينظرون بتطرف للجانب المشرق من الأنجاز الحضاري للدين وتعامله مع مشكلات الإنسان وقضاياه متطرفون بالشعور أنهم أنحازوا لقضية حتمية هي أن الدين حل كامل وبالتالي منحوا كامل القوة والقدرة له، حتى لو أدى ذلك إلى تعليق فاعلية العقل في الإنجاز والعمل، في حين نجد النصف الأخر الذين ينظرون للجانب المظلم من التجربة الدينية ليس من مؤدى الفكرة والنص، ولكن من المحصلة العملية التأريخية التي عبرها بها الإنسان عن فهمه، كونها تجربة تخضع للأجتهاد والتأويل والإسقاط البشري السيكولوجي، يرون أن الدين كان العنصر المخرب والضار في بناء عالم الإنسان الخالي من الحرية وحقه الطبيعي.
هذا التناقض والتضاد في رؤية النتائج ليس بالأمر الهين لمن يريد أن يمارس الدين دوره الطبيعي كرافد من روافد المعرفة البشريه، ويساهم في كينونته الإصلاحية بتغيير خط عمل الدين وإعادة ترتيب أولوياته تجاه الإنسان وفقا للمرادات القصدية التي تتكلم عن الإصلاح وأعمار الوجود بكل ما هو ينتهي في غائية الخير، حقيقي أننا اليوم نواجه فوبيا العودة إلى المثالية الأخلاقية الدينية ونحن نواجه سيل من التهم والحوادث والفكر التخريبي الذي تركته تجربة الفكر الديني على الواقع، ولا ننكر أيضا أن موضوع الدفاع عن هذا التأريخ المشوش والمحرف ليس من العقلانية بشيء ولا يمكن حتى التسليم بأن كل ذلك حدث خارجا عن أثر الدين وجوديا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمامة الدينية ومستلزمات الصراع البيني في المجتمع الديني ال ...
- في مسائل توظيف الوعي لبناء المعرفة وتنمية الميل العقلاني للن ...
- أسئلة مأزومة قبل الأنتحار
- معيار التفريق بين التفسير والتأويل وحقيقة التدبر في فهم النص ...
- راهنية النص ومشكلات القراءة المتتالية زمنا وحالا
- بسط مفهوم الكفر ومفهوم الإيمان
- حقيقة المحكم والمتشابه في النص الديني، تفريق المفهوم أم توفي ...
- المجتمع العلماني وحلم الإنسانية بالسلام
- الجبر والأختيار والحرية في التكليف
- الإسلام التاريخي ونظرية الحكم
- المشروعية ومصدر الإرادة
- سعدي يوسف ومحاولة الظهور على سطح الموت
- قيمة التجربة التأريخية
- جدلية الفرد والجماعة
- إسلام ومسلمون
- محاولة في الأنتصار على الذات
- منهج الأنتصار
- التقليد والأجتهاد
- المسلم والأخر الغيري
- أزمة المسلمين وأفاق المستقبل


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - عالم ما بعد الدين .... عالم ما بعد المعرفة