أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - بوح في جدليات - 22 – بعضُ خواطري.















المزيد.....

بوح في جدليات - 22 – بعضُ خواطري.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 5584 - 2017 / 7 / 18 - 14:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



بوح في جدليات - 22 – بعضُ خواطري.


1
الجنس البشري مبني على مبدأ حب ُّ اللذة و الهرب من الألم، هذا معروف ٌ منذ القدم، قاله الفلاسفة قبلي و لم أخترعه، لكني أفهمه بعمق حينما أراقب سلوك البشر. كل ما حولي يقول أن الإنسان سيفعل أي شئ حتى يحصل على ما يريد، حتى: يحقق غايته و يُشبع حاجته و يستجيب لرغبتهِ، ثم بعد ذلك سيجد العذر أو السبب، أو سيخترع، أو سيعيد قراءة مبادئه و يعطيها معانيا ً جديدة.

سيجد ُ سببا ً لإغراق شخص ٍ ما بالحب ِّ و العناية، و حُجَّةً لإيقاع الأذى بشخص آخر، مع أن الأول ربما لا يكون مُستحقاً لهذا الحب بينما الثاني في أغلب الأحيان ِ لم يصنع ما يستوجبُ معاملته بالسوء، إلا أنّها طبيعتنا البشرية، التي تتحرك بالكيمياء و التفاعلات البيولوجية داخل العقل.

في البداية كانت الحاجة ثم ولدت سببها المُعلن، و الحاجةُ في حقيقتها سبب، إلا أنها تختفي تحت سبب ٍ آخر، فهي لا تُحبُّ الظهور، لأن الظهور افتضاح، و الافتضاح فحص، و الفحص تفكيك و تشريح، و كلاهما تمهيد للتغير، و التغير ُ جديد ٌ بعد فناء القديم، و الفناء بالذات هو ضد ما بُنيت عليه طبيعة البشر من سعي نحو البقاء، مع أن الأول حتمي بينما الثاني أمنيات، و بهذا نعلم أن الإنسان لا يعيش الواقع أبداً إنما يعيشُ الأمنيات.


2
العدالة و المساواة: وهم
إنهما وجهان لجوهر ٍ افتراضي واحد، هو عجزُ المنادي بهما عن تحقيق و بلوغ ما يملكه من يستهدفه المنادي. نداء العدالة و المساواة هو اعتراف ٌ بقسوة ِ الطبيعة، و بطبيعة ِ الحياة، بأنَّ هناك من يستطيع و من يملك، و من لا يستطيع و من لا يملك. لكنَّه اعتراف ٌ بشئ ٍ آخر ربما أكثر عمقا ً و هو غريزة الطموح لدى الكائن البشري: تلك الغريزة التي بواسطتها يريد ما يملكه الآخر، إنه الحسد الذي لا بد منه للحياة، للوجود، نعم إنه حسد غريزي يحفظ الحياة، و يعمل ضمن إطار القوانين الطبيعية ذاتها.

ليست المشكلة في النداء ذاته، في طلب المساواة و العدالة، لكنها في التراخي العقلي الذي يصاحب النداء، أي في التسليم بحق ِّ المُنادي، في قبول ِ مشروعية ِ ندائه، و في منحه ما يطلب، هنا تحديداً الخلل، هنا مكمن مخالفة ِ الطبيعة ِ البشرية، و طبيعة ِ الحياة ِ نفسها، إننا هنا بهذا المنح نُكرِّس الكسل و نحرمُ المُجتهد و نساوي بين القادر الفاعل، و القادر الكسول، و العاجز الراغب في الفعل، و العاجز الراغب عن الفعل، و هم لا يتساوون لا عقلا ً و لا منطقا ً و لا فعلا ً على الأرض.

ليست المشكلة في أن نطلب العدالة و المساواة، إنما المشكلة أن يصير الطلب مُقدِّمة ً للسقوط من أعالي الوعي إلى سفوحُ الانحطاط و الضعف، لكي تصير قطعان الرعاع ِ و الجهلة ِ و الرجعين و المُغيبين و بدائي النظرة إلى الحياة و همجي الفعل مساويةً في مقدار التأثير لنُخبة المفكرين و العلماء و صفوة الفاعلين البانين للحضارة و مُسيِّري التاريخ.

إن فحص التاريخ و دراسة عوامل التأثير تعلمنا أن الصفوة من أصحاب الفكر، و شجعان الإرادة، و أصحاب الرؤى هم من يقدِّم الكاتالوج الهندسي، و الإطار التنفيذي، و التفصيل العملي الدقيق، لنهضة الأمم و تقدُّم المجتمعات. هؤلاء ِ كيف يتساوونَ مع الباقين؟ بل كيف َ نأمل ُ أن يتطوَّر َ أيُّ مُجتمع ٍ إذا كان قدر هؤلاء ِ تأثيرا ً كقدرِ من لا يرى أمامه سوى رغيف الخبزِ و كأس الخمر و نفس الأرجيلة و رجل الدين و النص المقدس و الملكوت و العذاب الأبديين، دع أولئك لرغيفهم و كأسهم و أرجيلتهم و رجال دينهم و نصوصهم و أبدياتهم لا تزعجهم، و اعط ِ للنخبة ِ فضاء َ التخطيط و أرض الفعل، و ستجد أن الجميع سيكون ُ سعيداً، و المجتمع َ سيمضي نحو الأفضل. لكن الويل ثم الويل إن أعطيت َ جماعة الرغيف و الكأس و النفس و الدين ناصية المجتمع، لأنهم عندها سيدمرون أنفسهم أولاً و مجتمعاتهم تبعا ً و سيكبحون النخبة و الصفوة ثالثاً، لأنهم مشوا عكس الطبيعة، فالطبيعة تحبُّ النخبة و تعشق ُ الصفوة و إليهم تسلَّم مهمة َ كشف ِ نفسها.

أقول ُ: أعطِ، لكن من سيعطي النخبة؟ النخبة لا تحتاجُ من يُعطيها، إنها تأنفُ من العطاء، لأن قبول العطاء عجزٌ عن التحقيق حين يُمكن و لا يتم، لذلك فهي تصنع، فتأخذُ بيدها ما صنعت. إذاً: أعطِ هو لفظُ مجاز.

3
فساد النخبة هو أشدُّ أنواع الفساد، فالنخبة التي يجب أن تفكِّر و تُدبِّر و تُفصِّل َ و تضع الأطر و التعليمات، نحو تحقيق الأهداف و النهوض بالمجتمع، إذا رفعت من عقولها مسؤوليتها الرئيسية و هي الارتقاء بالجنس البشري، و جعلت بدلا ً منها مبدأ لذتها الخاصة، وصل مجتمعهُا بالضرورة إلى فسادٍ شامل،و انتكاس ٍ نحو حالات بدائية من الوعي و السلوك، و كبح ٍ كامل للطاقات الفردية الكامنة في عامّة الشعب الذين لن يملكوا أدوات استخراجها و توظيفها، ومنه سيتجه المجتمع لا محالة إلى الهبوط بنفسه دون كوابح أوموانع أو رواصد أو أجراس تنبيه إلى قاع ِ سلم الحضارة، و ربما إلى الفناء، إلى الاستهلاك فقط، إلى الشراء، إلى مولات المُنتجات و سدنة النصوص.

الرقيب على النخبة يجب ُ أن يكون َ النخبةَ نفسها. من داخلها من طبيعتها من تميزها من وعيها السامي ينشأُ جهاز الرقابة و يعمل ُ جهاز ُ الاستدامة، و يُصقلُ كبرياءُ الكينونة الذي يعشقُ كل َّ ما هو: صحِّي طازج جميل قادر واعي مُستنير شجاع ثائر مُغيِّر مُبدع، و يكره كراهيةً شديدة و يأنف أنفة ً لا تهادن من: الفساد و العطن و البشاعة و العجز و البدائية و الظلام و الخوف و الخنوع و الثابت و المُبتذَل.

النُخبة تدرك بالفطرة بالغريزة أنها ليست جزءا ً من القطيع، و أن القطيع َ لا يمكنُ أن يُصبح منها، أو يصعد َ إليها، أو تنزل َ إليه، و أن قدرها البيولوجي الإنساني الحتمي أن تقودَ و تمضي و ترتقي و تصنع و تُنشِأ. لذلك فهي تمتنع ُ عن الجدال ِ و الحوار و الخوض و الابتذال و الانحناء و الالتقاء في منتصفات الطرق، إنها تُدرك بفطرتها أن كل َّ هذه التفاعلات مع القطيع هي أعراض ٌ للانحطاط و الفساد و التنازل عن الممكنِ تحقيقُه بل عن المُستوجِب ِ تحقيقُه بل عن طبيعتها نفسها كقادرة و واجبة بذاتها.


4
الصعود من القطيع نحو النخبة وهم
الانحدار من النخبة نحو القطيع وهم
يُولد الإنسان إما من القطيع أو من النخبة. فردُ القطيع من الرعاع ِ بعقله و إمكانياته، و فردُ النخبة كذلك. إنهما على ضفتين متقابلتين بينهما هُوَّة ٌ سحيقة لا قعر لها، و تبعدانِ عن بعضهما مساحة ً لا يمكنُ قطعها، أو القفزُ أو الطيرانُ فوقها، إنها مساحة ٌ بدون سقف، بدون ِ فضاء، مساحة ٌ ذاتُ بعدٍ واحد هو المساحة ُ ذاتُها، و بدون اتجاهات.

فردُ القطيع قد يكونُ من الأغنياء أو الفقراء لا فرق، عقلُه هو ذاته في الحالتين: عاجز، فارغ، ضعيف، مُخدّر.
فردُ النُخبة كذلك من أي ِّ طبقة لا فرق: عقلُهُ: قادر، ملئ، قوي، واعي يقظ.

تعتملُ في عقل ِ فرد ِ النُّخبة عواطفُ و إرادات ٌ متصارعة، فهو لا يهدأ و لا يكنِّ، إنما يعلم و يعي و يُحس و يريد، تمهيدا ً لكي يصنع. إنه يثورُ على كلِّ ما قيل َ أنَّه قانون ٌ و نظام ٌ و مُسلَّمٌ و معروف ٌ و ثابت ٌ وواجِب ٌ و مُقدَّس، يفحصُه فيُقرِّهُ إن كان َ عذبا ً طازجاً مُفيداً مُرتقيا ً، و ينفيه ِ و يُفنيهِ إن كان َ فاسدا ً عطنا ً مُضرَّاً.

فردُ النُّخبة يصنع القوانين و الأنظمة و المُسلَّمات و المعروفات و الثوابت و الواجبات و المُقدَّسات، و هو نفسُه يضع لها القانون التالي و يُعلِّق ُ عليها بخطٍّ واضح ٍ كبير ذي لون ٍ أحمرَ داكن ٍ جميل ٍ العلامة التالية: "تحت الفحص ِ و وجوب ِ التغير"، و إنَّما يترُكُ وقتي الفحص و التغير لنفسه و لمن معه و لمن بعده و لجدلية الإنسان مع الواقع و لديناميكية التفاعلات بين هذا الإنسان و ذلك الواقع.

5
قانون النخبة:
الثابت الوحيد هو التغير، و المقدَّس ُ الأول هو الإنسان.

و الطريقة ُ الوحيدة للتغير و القداسة، تأتي بواسطة الإنسان، حين يريد، إنها الإرادة أولا ً، و الإرادة في الوسط، و الإرادة أخيراً، و النخبة ُ نخبة لأنها تدرك هذا و تفهمه جيداً و تعيش ُ بحسبه. إنها تتلقى الوحي من ذاتها، و تُرسل ُ ذاتَها، و تقرأ ُ لنفسها: ذاتَها كتابا ً، و يشهدُ الذات لديها على صدق وحيه و رسالته و كتابه، و على حكمتِها.

إنها تعيش بقوَّتها الذاتية.



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في الفكر الأبوكاليبتي – 11 – ما قبل المسيحية – 6.
- قراءة في الجسد كأداة تعبير– يارا قاسم نموذجا ً.
- بوح في جدليات - 21 - صوتُ صارخ ٍ في البشرية.
- قراءة في العلمانية – 5 – المنظومة الأخلاقية – 3 – القيم الذا ...
- قراءة في العلمانية – 4 – المنظومة الأخلاقية – 2.
- قراءة في العلمانية – 3 – المنظومة الأخلاقية.
- عن فاطمة عفيف.
- قراءة في العلمانية – 2- المنظومة الشاملة.
- بوح في جدليات - 20 – دجاجاتٌ على عشاء.
- لن يسكت هؤلاء – و ستبقى الحجارة تصرخ!
- قراءة في الوجود – 9– عن الوعي، الإرادة و أصل الأفعال.
- قراءة في الوجود – 8– عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 2
- قراءة في الوجود – 7 – عن الوعي، الإرادة و المسؤولية – 1
- للمرأة في يوم عيدها - تحية المحبة و الإنسانية.
- شكرا ً أبا أفنان و لنا لقاء ٌ في موعد ٍ مناسب.
- عن اللغة العربية و دورها في: بناء الهوية و التعبير عن الثقاف ...
- اعتذار للأستاذ نعيم إيليا - دين ٌ قديم حان َ وقت ُ سداده.
- قراءة في مشهد ذبح الأب جاك هامل.
- قراءة في اللادينية – 9 – القتل بين: الحتمية بدافع الحاجة و ا ...
- إلى إدارة موقع الحوار المتمدن.


المزيد.....




- تحقيق لـCNN.. قوات الدعم السريع تطلق العنان لحملة إرهاب وترو ...
- ستتم إعادتهم لغزة.. مراسل CNN ينقل معاناة أمهات وأطفالهن الر ...
- أردوغان يريد أن يكمل -ما تبقى من أعمال في سوريا-
- استسلام مجموعة جديدة من جنود كييف للجيش الروسي (فيديو)
- عودوا إلى الواقع! لن نستطيع التخلص من النفط والغاز
- اللقاء بين ترامب وماسك - مجرد وجبة إفطار!
- -غباء مستفحل أو صفاقة-.. مدفيديف يفسر دوافع تصريحات باريس وب ...
- باشينيان ينضم إلى مهنئي بوتين
- صحة غزة: ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 31819 قتيلا ...
- هل مات الملك تشارلز الثالث؟ إشاعة كاذبة مصدرها وسائل إعلام ر ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال الربضي - بوح في جدليات - 22 – بعضُ خواطري.