أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - السمندل …...... قصة قصيرة















المزيد.....

السمندل …...... قصة قصيرة


محمد مهاجر

الحوار المتمدن-العدد: 5584 - 2017 / 7 / 18 - 08:53
المحور: الادب والفن
    



فى نفس هذا المكان وقبل عام بالضبط التقينا وجلسنا على نفس هذه الصخرة. واليوم ارى ان الاشياء قد بدلت اثوابها فى فترة غيابى فبدت لى كمغارات مهجورة ومخيفة ومحيرة, شاطئ البحر المدهش العريض تبدل والصخور الصلبة التى عودتنى على قوة شكيمتها وثباتها على المبادئ والخيشوم الوردى الانيق الذى ظللت ممسكا به برفق شديد, كلها لم تنجح فى اختبار الصمود. وبالامس البعيد عقدنا الاتفاق التاريخى واوفيت بما عاهدت عليه لكن صاحبى اوعدنى وذهب وغاص فى العمق المثير المذهل ثم اختفى

اخبرنى انه ساذج زهيد العلم ومحدود التجربة فقمت بتدريبه تدريبا جيدا حتى توفرت لديه المهارات اللازمة والقدرات المطلوبة. وكنت فى ذلك الوقت اطعمه واقوم بتوفير كل المعينات اللازمة للتدريب. وبعد ان اطمأن قلبى على انه استوعب كل تفاصيل الخطة, زودته بكل المعلومات والمعدات. وقبل ان ينقطع اتصاله بى كنت امده باستمرار بالمعلومات اللوجستية

فى ذلك اليوم وقبل ان يقذف بجسمه الى البحر استدار ببطء شديد وحدق مليا فى جبينى. وكانت نظرته مريبة جدا ومثيرة للقلق ارغمتنى على ان ابادره بالسؤال

ما بك
لا شئ لا شئ, لكن البحر عميق جدا وعريض
نعم. وما الجديد فى هذا؟
انه لا يتوقف عن انتاج المفاجات
ويحك لماذا تتحدث بالالغاز. افصح يا صاحبى

ولم يعر حديثى الصارم ادنى اهتمام بل تبسم وتبسم ثم قهقه عاليا ثم قفز وادار نصف جسمه الاعلى وغاص فى اللجة الزرقاء. ومنذ ذلك الحين ظللت احدث اصدقائى بقصته واعيد الحكاية واحاول اقناعهم بانه زين لى الامر كانه صفقة رابحة ثم تعهد لى واكد على تمسكه بان يوفى بما عاهد عليه ثم اختفى. وقد يظن البعض اننى اتوهم شيئا لا اساس له او اننى ادس بعض الفقرات من خيالاتى بين طيات الاحداث التى وقعت فعلا, لكن لا شئ من هذه الظنون صادق

نعم اعتبرها حالة اختفاء مقصودة, برغم اراء الاصدقاء التى تخالفنى فى هذا, لان هذه ليست الاولى بل المرة الثالثة التى اجلس فيها على الصخرة الملساء وامضى الساعات الطوال منتظرا وصوله الذى اسميته اخيرا بالمستحيل. وانا الان امسك بالخيشوم كما يمسك العاشق بوردة يانعة غضة يريد ان يقدمها لمحبوبته المدللة التى حيرته بمواعيد حضورها المتذبذبة لكنه ابدا لم يفقد الامل فى مجيئها. وفى المرة السابقة حذرنى من ان اترك الخيشوم يتسرب من بين يدى فى حين غفلة او سهو لانه صك مفرد قادر بذاته على ان يدلنى عليه

المكان هو نفس المكان لكن الحيوان الجديد الذى برز لى قبل قليل من بين ثنايا الموج البعيد هو مختلف جدا عن الاول. وتكنت سريعا جدا من ان ابرم اتفاقا مع الثانى بان اوفر له ما يحتاج اليه على ان يستخرج لى اللؤلؤة النادرة من قاع البحر, وهو يشبه كثيرا اتفاقى مع الاول. ان هذا الكائن الجديد الماثل امام ناظرى يشبه صاحبى الاول فى طريقة العوم المتخبط وحركة اعينه التى تشبه مصابيح سيارة الاوستن الكلاسيكية والاشارات المريبة التى يكثر من تكرارها والصوت الذى يحاكى على استحياء صفارة الانذار. لكن الفرق بينهما هو اللون, ان لون الثانى هو اخضر غامق وهذه هى السمة الفارقة. وهى حاسمة جدا لذلك سهلت على عملية التعرف لان الاول, صاحب الوعد, هو حليبى البشرة تزين راسه خياشيم تشبه الورود. اما الحيوان الثانى فجسمه املس وبه بقع ذهبية نضرة كثيرة منتشرة بانتظام, وهو اكبر حجما من الاول واشد صرامة وجه

حين وصل الحيوان الثانى اعطيته الخيشوم فسخر منى وقهقه عاليا ثم استدار وسبح برشاقة ملفتة واختفى بين طيات الماء. وحين خرج من جديد وقف بالقرب منى وحدق مليا فى وجهى. ولمحت علامات التعاطف الظاهرة على وجهه. واطرق مفكرا ثم قال

ان الصبى من قبيلتنا يا صاحبى هو فقط من تنمو على راسه الخياشيم, انها خياشيم تشبه الورود اذا اردت الدقة. وصمت برهة انتظارا لردى الذى لم ير النور. ورسم ابتسامة خبيثة ظلت مطبوعة لعدة دقائق على صفحة وجهه ثم استدار وقفز وغاص

ولما عاد الحيوان مرة اخرى اعطانى اصدافا نادرة مختلفة الالوان والاشكال واوصانى ان اتوخى الحذر وان اذهب الى خلف الجبل حتى اذا اطمأن قلبى الى خلو المكان من اللصوص والخونة, ابدا بفتح الاصداف. وقبل ان يبدأ بسرد بنود الاتفاق المقترح اقسم لى ان صدفة واحدة على الاقل توجد بداخلها لؤلؤة

نصحنى اصدقائى بالا اوكل البتة عملا لصبى غر زهيد التجربة لكن اعجبى حسن العرض والدفاع عن خطط العمل التى قال انها ستنفذ بدقة متناهية حتى يتم تسليمى اللؤلؤ. انها نفس المراوغة ووعد البرق الخلب الذى اختفى بعده صاحبى الاول وانتظرته كثيرا فلم اجن سوى السراب. والان يريد الشاب الجديد ان اصدقه

ان العهد هو اتفاق اخلاقى وقانونى يلزم المبرمين له ان يوفوا به. ان الوفاء بالعهد اسهل من الوفاء بالنذر لان الاول هو اتفاق بين طرفين لكل منهما مصلحة حقيقية فى تنفيذه لذلك يسعى كل من الطرفين لانجاح الاتفاق, اما الثانى فهو اتفاق بين المرء ونفسه لذلك فالايمان بالمبادئ والاخلاق والقيم هو الضامن الوحيد لتنفيذه

قبل ان يصل الى هنا تمرغ السمندل الاخضر فى الوحل تمرغا مزعجا ومريبا لا يمكن تفسيره الا بتحليل عادة ولعه الخرافى بالعبث بالطين. وبعد ان قضى منه وطره عاد الى الماء فغسل بشرته اللماعة ثم توجه صوب الصخرة. وانا اعلم انه سمندل راشد رغم حبه للهو وفوق ذلك فهو مجرب وعنيد ومثابر لا يخشى الصعاب. ولكن ان اضعه محل ثقة كاملة فهذا بلا شك من المحال. وفى خضم سعيه لعقد اتفاق معى حكى لى انه لا يخشى خوض النار من اجل ان يحصل على الذهب الرابض بين ثنايا بركان الجبل الفوار لان النار لا تاثير لها الا على صفحات جلده الذى يحترق لكن لا يفنى بل ينمو من جديد ويرمم نفسه بنفسه. وادرت وجهى عنوة فشهدت الموج العاتى ينتفض ويستعد لردع الحيوان العابث لما سمع ادعاءه الباطل

ان الذهب الخالص لا يخرج الا من جوف اللظى الفوار الرهيب, هذه حقيقة لكن ادعاء السمندل بامكان خروجه سليما من النار لا يعدو ان يكون حيلة رخيصة مكشوفة. والنار تخمد بعد ثورتها الحمراء لكن يبقى الذهب. والدخان يطير ويهرب وينكشف زيفه لكن يبقى الذهب لانه اصيل ووفى وواثق من نفسه وثابت على المبادئ. لقد صدقت السمندل الاول الذى اختفى فى جوف البحر العميق وما زال حكمى عليه معلقا برغم الشكوك الكثيرة. اما السمندل الثانى فهو حاضر امامى وسيسمع حكمى عليه



#محمد_مهاجر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلكلة ...... قصة قصيرة
- فتاة من عشيرة الطل ….. قصة قصيرة
- فيم يستخدم البشير ذهب السودان
- امر بالقبض ..... شعر
- العودة ... قصة قصيرة
- المشرد ..... قصة قصيرة
- هل ستؤدى المفاوضات الى سلام دائم فى السودان؟
- فى السودان يخلى سبيل سارق الملايين وتجلد من تلبس البنطال
- رئيس افريقيا .... قصة قصيرة
- صباحي ..... قصة قصيرة
- ميت ....... قصة قصيرة
- التغيير ...... ... قصة قصيرة
- سلحفاة ... قصة قصيرة
- إجراءات جديدة للتضييق على الاقليات في السودان
- وعل وبجعة
- كشف القناع .... قصة قصيرة
- حروبات القبائل ..... مأساة أخرى للحرب الأهلية في السودان
- شهاب ..... قصة قصيرة
- ليس لدى البشير ما يفتخر به
- لمياء .... قصة قصيرة


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد مهاجر - السمندل …...... قصة قصيرة