أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - مالك الحزن















المزيد.....

مالك الحزن


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 1452 - 2006 / 2 / 5 - 10:02
المحور: الادب والفن
    


يسافر في السراب، يعانق الألم صديقه الوفي ،ويستورد لكنة غامضة ليطاوع بها ذاتا اكتشف مؤخرا أنها غرقت في حب سيجارة كازا التي ألف تدخينها منذ 10 سنوات.
ومنذ ذلك الوقت يومه يشبه ليله ....
يتأمل سفر الزمان ،هاهو اليوم في المدينة ،وأي مدينة ،فوضعه لايميز بين المدينة والقرية ،لايرى شارعا مكتظا بالسيارات ،ولايبتسم لشجرة حكوا له أنها تتراءى من شرفة الطابق الرابع الذي يقطن به ،والذي رهنه من الأملاك التي باع في القرية ،لايخرج ليتفسح كغيره جانب البحر الذي يذهب له كل أفراد العائلة كل أحد .
إنه وحيد داخل وحدته ،فقد حرم من نعمة البصر التي طالما أبصر بها الحمام الزاجل،وتأمل خضرة المراعي ،وانتبه للذئاب التي تغير أحيانا على قطيعه الضعيف ،وحدد به فريسته من الأرانب التي كان بارعا في اصطيادها وسط حقوله الخضراء التي كد من أجل شرائها من لاشئ .
هاهو يعيش يومه كليله في فضاء كله ليل خاص يتشح بنغمة السواد، والحزن من نواحي عدة ،يقاوم سفر المكان وسط نهار لامنتهي من النهار .لكنه مازال يميز بين لحظات الزوال والصباح الباكر التي ألف فيها أداء صلاة الفجر.
مازال يتذكر، بحسرة كيف أنه مرض من ألم في عينيه جاء نتيجة تطاير شظايا زرع إبان موسم الحصاد الوفير ،حاول بكل الطرق التقليدية نزعها، لكن دون جدوى ،وعندما اتجه للمستوصف الذي أحدث للتو بجماعته والذي لايفتح إلا صباح الثلاثاء حيث يزوره القائم مقام الممرض ،لم يجد الطبيب أو حتى الممرض فهم "أنفون "لايرضون بالعيش جنا لجنب هذا "الرعاع "ومع هذه القرية التي لن يجدوا فيها رشاوي اعتادوها في صحة البشر ،لكنهم أسوة بالقائد والخليفة الذي يترك عمله في القرية ويسكن في القرية، إنه تقريب الإدارة من المواطنين .
إذن لم يجد حلا سوى أن يطلب من الذي وجده وياليته ماوجده سوى أن يعالجه ،وبعد لحظات عدة نفذت الجريمة وسط صرخة كبيرة سمعها البعض من منازلهم التي تجاور المستوصف .
لم يكن الدواء إلا شيئا آخر غير الدواء الذي لا اسم له بل له لون أحمر، ،حتى القائم لايعرف، فاكتفى بالقول له أن الدواء صعب التحمل دائما وإلا لما سمي الدواء .
رجع المسكين إلى منزله وهو لايدري أنه يغمض عينيه للمرة الأخيرة ،نام أياما لعل العلاج يؤدي دوره لكن دون جدوى ،وعندما اقترح عليه آخرون زيارة طبيب مختص في المدينة التي تبعد ب70كل كان الجواب الصادم والعصي على التقبل :عظم الله أجرك في بصرك ،الخطأ طبي من القائم الذي عالجك.
لم يدري ماذا يعمل ،استسلم لقدره المر كما تستسلم الضحية لفريستها ،لم يجد قوتا يعيل به أفراد أسرته ،لذلك اقترحت عليه الزوجة الذهاب للمدينة. فالشغل هناك متوفر ،لم يتحمل صدمة مغادرة قريته التي أحبها منذ زمان وكان جوابه اعملوا ماشئتم الرأي رأيكم .
بيعت أملاك العائلة التي تركها جده المقاوم والتي عززها بحقلين آخرين ،وقع على عقد البيع والقلب ينزف آلاما لايحس بعمقها سوى المكتوي بها بل لم يتحمل آخر وجبة للغداء في البيت العتيق حزنا على أملاك بيعت منه على حين غرة .
في شقة بسيطة بالطابق الرابع من عمارة أخد موقعه القار كمنبر المسجد، الأبناء والبنات كلهم للعمل والزوجة خادمة لدى إحدى العائلات الميسورة.
مر الزمان سريعا،كبر الولدان وطال شعر البنتان ،كانتا أعز مالديه،ودرءا لمصائب الزمان اتفق مع زوجته على تنظيم الأسرة والإكتفاء بالابنين والبنتين .
لقد أصبح له مذياع هو مؤنسه الوحيد دائم الإستماع لبرامج مختلفة بشكل منتظم .
في بداية الحياة بهذا البيت الجديد الذي لم يره مطلقا كان يسأل عن الأحوال،لكنه بعد زمن استسلم لقدره فالسؤال قد لايجد منه سوى جوابا حزينا ،ولا داعي لحزن ينضاف لأحزان آخر في زمن الكآبة هذا الذي يواصل مصارعته ولو بالإرادة القوية ،طبعا يدرك ألا حيلة أمامه أمام مايرى ويسمع.
لكن مالعمل؟حتى البكاء هجره بعد أن كان خبزه اليومي من وضع لايمتلك أزرار التحكم فيه .
وكالشجرة التي احترقت لتنير الآخرين ،مازال يرقد في رماد خاص يزيده "الجحود" المفاجئ والإهمال الذي بدأ يظهر من الذرية ثقلا خاصا ،لقد أصبح ينظر إليه كالضيف الثقيل وكمعوق للتنمية المنزلية لما يكلف الميزانية من مصاريف إضافية خاصة في الدواء وحاجيات أخرى يطلبها ليختبر مدى أبوته ووزنه في البيت.
تمر لحظات عديدة يبقى وحده في البيت إلا من صوت المذياع دون رفيق أو من يرافقه للمرحاض ،أما الماء فقد وضعت رهن إشارته قنينة بلاستيكية لاتفارق جانب سريره .
حاول مرارا السؤال عن سر الغياب الواسع لكن جواب الزوجة كان مقتضبا فظروف البيت تحتم على الجميع العمل كل لحظة وحين والكد لمقاومة الزمن القاسي والفظيع.
كان يقنع نفسه ويرضى بهذا المبرر فالعمل شريف كما يقولون لكن أحداثا عدة تقع بين لحظة وأخرى تجعله يقطع أشواط خاصة نحو الفناء.
في إحدى الأيام اقتحمت الشرطة المنزل ليبحثوا عن آلة غسيل اتهم أحد أبنائه بسرقتها من السوق ،وحين استفسره بعد أيام كان الجواب الصادم من الإبن :وإذا لم أسرق فبماذا سنعيش؟
كمدها في قلبه كقطعة ثلج باردة في شتاء قارس . لقد طالت به الأيام حتى أصبح يأكل من مال الحرام بعدما كان يفتخر في القرية أنه يعيش من كد يده ولا يعيش على أموال حرام أو تسول .
في يوم آخر تساءل عن ابنته ليلا.قالوا له أنها مدعوة لحفل عشاء عند إحدى صديقاتها ،طال الزمان حتى نام أو لعله تظاهر بذلك ليسمع ابنته الأخرى تحكي لأمها أنها على موعد اليوم مع سائح فرنسي ، لم ينم تلك الليلة ،كانت نارا خاصة حارقة تشتعل في قلبه ولم يعبر عنها ،ولم يدري ما يفعل ،هل سيصرخ ؟ومالجدوى من احتجاجه والشخص الذي قاوم أباه في الخمسينات يبعث أحدا من قومه ليلعب في أحشاء ابنته .
هذا ما أدركه بالصدفة. طبعا سيقول في نفسه وماخفي أعظم ،وهل الأمر اليوم أم هو سلوك يومي .
لم ينم تلك الليلة وثلاث ليال أخرى،كان يبكي بحرارة ،توسل إليه الجميع لمعرفة السبب، لكنه لم يجبهم فماذا سيقول لهم لو أراد الجواب.
لقد أصبحت الكآبة قوته اليومي والحزن صديقه المخلص الوحيد.
وتمر الأيام ويبقى ينتظر المجهول صائحا في خفية :ياأيها الموت مرحى بك وألف مرحى ؟؟؟؟



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقرير العام للمنتدى الأول للشباب
- شارون والعرب ومعضلة النسيان
- مارسيل خليفة :التراث الخالد
- أنا أو الطوفان
- ملاحظات حول الحركات الإسلامية بالمغرب
- المثقف في زمن اللامعنى
- كل عام ..............ونحن...........
- الطفلة الكائن المقهور
- الثرات الغنائي بواحات وادي درعة
- صرخة أخرى :لماذا يمنعوني ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
- ناجي العلي :الشهيد الحاضر/الغائب


المزيد.....




- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...
- الجامعة العربية تشهد انطلاق مؤتمر الثقافة الإعلامية والمعلوم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - مالك الحزن