أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عمار ديوب - الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية















المزيد.....

الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية


عمار ديوب

الحوار المتمدن-العدد: 1452 - 2006 / 2 / 5 - 09:59
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في كتاب الياس مرقص المذهب الجدلي والمذهب الوضعي

نادراً ما يحفل الفكر العربي ،بدراسات نقدية ،تهز أسسه ،وتعري أفكاره، وتحدد للسياسيين والمثقفين الجدد أو للقراء ،الأزمات والممارسات الخاطئة التي مر بها هذا الفكر ،أو ممثليه، وكذلك نادرة القراءات النقدية لممارسات الحركات السياسية،وأيضاً للتاريخ الذي مر وانقضى ،مما يحصر عدد الكتاب النقديين بأصابع اليد ، وماعدا ذلك يقتصر الفكر السياسي على المراجعات وتسمى" نقدية" ولكنها وبدلاً من النقد تمارس الفعل الأيديولوجي عبر التكرار والتثبيت والمراجعة ، وهذا ما يقوم أصحاب الفكر ذاته ،فيراجع مثقف الحزب ، تاريخ حزبه، وفق رؤية الأمين العام ،أو بمقتضاها، فلا يجد فيه أزمات ،أو أخطاء ، باستثناء بعض الصعوبات ، وهذا ينطبق على مثقفي الأحزاب جميعهم ، فيصير نقد المثقف القومي ، تلخيص وتأريخ وأحياناً تمجيد وتعظيم ،وكذلك تحميل الامبريالية كسبب وحيد الفشل الذريع لمشروعه القومي،ولا يختلف المثقف الحزبي الماركسي والإسلامي عنه،وأما المثقف الليبرالي فإن كل ما يقال إنه ليبرالي ، يرفعه إلى السماء ، ويعظم شأنه ،فيصير ديمقراطياً وشفافاً وضرورياً وخاصة عند المتحولين من اليسار الإيماني إلى الليبرالية الممجدة..
هذا الفعل النادر ،قام به بعض المثقفين ، ومن أهمهم في الحقل الماركسي العربي ،المفكر الياس مرقص ،عبر سلسلة ،من الكتب والبحوث تعود إلى الخمسينات ، ولم يتوقف عن إبداعها طيلة حياته ، ومن أواخر أعماله الهامة الكتاب المقروء الآن..
في هذا الكتاب يبتعد عن التصنيف الستاليني المدرسي الذي ينحكم لفكرة ماهوية أرسطية، حيث الفلسفة المادية مادية بالمطلق ،والفلسفة المثالية مثالية بالمطلق ،فيتخذ درب الفلاسفة الماركسيين وغير الماركسيين النقديين اللذين يؤكدون على التنوع واحتمالات الخطأ ، والتعددية، والديمقراطية والعلمانية،( اقرأ مقدمة كتاب ماركس "المسألة اليهودية" الطبعة الجديدة 2006 للكاتب سلامة كيلة ) وينطلق من أن الفلسفة المادية الماركسية تحتمل عناصر مثالية بداخلها ،بل إنها اعتمدت عل الفلسفة الحديثة باتجاهاتها المختلفة،وكذلك على فلسفة عصر الأنوار ،وبالضد تحتمل الفلسفة المثالية عناصر مادية وهكذا ، وبالتالي فلا نقاء لشيء ،والتلوث بالمعنى المعرفي يجتاح كل أشكال الفكر ،وهذا ما يفترض حركة النقد وإعادة التأسيس بصورة مستمرة وعدم الارتهان لثوابت محددة..

يفتتح المفكر الياس مرقص كتابه بتحديد قضيته ،والقضية الأساسية في الفكر العربي ولا سيما التقدمي والماركسي فيقول أن خيارات هذا الفكر إما أن يكون مع المذهب الوضعي أو أن يكون مع المذهب الجدلي وينحاز للجدل دون تردد ويعتبر المذهب الوضعي مذهباً باطلاً ، ويثبت قضيته من خلال نقد شامل ونظري للفكر الماركسي العربي..

إذن المذهب الوضعي في اللحظة الراهنة وفي الفكر النظري مذهب باطل ومنقول من مناهج العلم الطبيعي إلى العلوم الإنسانية ، وتكمن المشكلة في وقوع الفكر العربي تحت هيمنته ،حيث يتبنى الفكر الماركسي معظم مقولاته ، ويعتقد ذاته ماركسياً ،حيث الإيمان بالعلم والعلوم لا بالعلمانية وبدون السؤال عن الفلسفة ،أو الفن أو الدين ، أو الإيمان بالعقل لا بالعقلانية وبدون السؤال عن معنى الكلمة ،أو الإيمان بالتاريخ والتقدم بدون سؤال الكلمتين ..
فهذا المثقف العربي وليس الماركسي فقط يوثن كلمات كبيرة جداً ،فيصير الواقع أشياء وجواهر وماهيات بدلاً من أن يكون إمكانيات احتمالية متعددة، هذه العقلية تنطلق من الماهية وتقف عند أرسطو والفكر الديني ، وتعود بالفكر والوعي أحياناً إلى الطوطمية والوثنية .
وبهذا السياق ينتقد المفكر المصري رفعت السعيد على طريقة تأريخه لليسار المصري والاشتراكية في مصر ،لأنه يجعل من بعض مثقفي عصر النهضة ماديين جدليين لمجرد أنهم مالوا للمذهب المادي ،أو كانوا أنصاراً لنظرية دارون في تطور الأنواع ..
وإذا كان الماركسيون العرب يعتقدون أن الماركسية هي الفلسفة العلمية فهم مخطئون ،لأنهم بذلك يحولونها إلى فلسفة وضعية ، ويتبنون أوغست كونت بدلاً من ماركس ..
هذا يعني أن الماركسية لا علاقة لها بالوضعية أو العلموية ولا انبت على الثورات العلمية ، بل هي متأتية من جدل هيغل ومن الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ومن آدم سميث ومن الثورة الفرنسية وكذلك الشيوعية الطوباوية ومن القراءات النقدية للثورات العلمية ..
هذا الامتداد للماركسية في العمق الفلسفي كما يراها الياس مرقص هو نقيض الإقتصادوية التي سيطرت على الرؤية الماركسية الستالينية ، ووقع الياس مرقص نفسه بها في بعض فترات إنتاجا ته الفلسفية ، ولكنه في هذا الكتاب يقع بالفلسفوية ،إذا جاز التعبير ،حيث يرد الفلسفة الماركسية إلى الفلسفات السابقة ويصل بها أحياناً إلى أرسطو ذاته، ويخفض من قيمة العلم وتأثيراته على المنهج الجدلي ..
وبالتالي على الفلسفة الماركسية أن تتكلم بلغة المفاهيم ، والابتعاد عن التمذهب والصيغ القانونية ، فالماركسية وفق رأيه هي منهج عمل ثوري جامع ، ومبادرة تاريخية كلية ..
ولكن القاموس العربي بشكل عام يقسم الأشياء بطريقة مانوية ،حيث إله الشر والظلام والجهل من جهة ، وإله الخير والنور والعلم من جهة أخرى ،أو كالقول بالأنا أو الأخر، الشرق أو الغرب ، الاستبداد أو الديمقراطية ، السلطة أو الأخوان ،أو إما معنا أو ضدنا ..
ويرفض الياس مرقص هذا القاموس وكذلك دمج الإيديولوجية بالفكر ،أو الاستغناء عن الفكر والتمتع بالأيديولوجية كما كان يفعل الثوار الماركسيين العرب وكما يفعل الليبراليين الآن وكذلك الإسلاميين.
هذا القاموس الخاطئ وكذلك كل خطأ يرده الياس مرقص معتمداً على لينين إلى مصدرين:
1- اجتماعي طبقي ..
2- عنوزولوجي معرفي..
ويستطرد أكثر ،إلى أن جحافل الماركسيين العرب ،ليننيين ، تروتسكيين ، ماويين، تقليديين، ألتوسيرنيين، يجهلون المصدر الثاني ويؤكدون الأول .
فالحقيقة المرّة أن ما كان ينقص الفكر الماركسي ليس الايدولوجيا ،بل المنطق والمعرفة والثقافة والأخلاق والجدان والجدل ، وكذلك أيديولوجية تحترم وتثمن هذه المقولات،والإنسان ذاته.
فما يستحق أن يبرز في وجه الماركسيين العرب هو قول ماركس أنا لست ماركسياً ،أو لقد زرعت تنانين وحصدت براغيث ، بسبب الممارسات النضالية الخاطئة والفهم القاصر للفلسفة الجديدة..
وبغض النظر عن ثورية الماركسيين العرب أو ثورية الليبراليين الجدد ،يثمن ثورتان يعدهما كبيرتان في تاريخ الإنسان:
1- ظهور الإنسان العامل العاقل كنوع بيولوجي بالارتباط مع مقولة الشغل وانفرا زه من الحيوان والطبيعة..
2- الثورة المنشودة،والمتمثلة بالإنسان كمجتمع،،البشرية الاجتماعية ،أو المجتمع المؤنسن..
وبالتالي كل حديث عن الاشتراكية أو الشيوعية دون هذا الاعتبار يصير معناه باطلاً ومن هنا نقده لكل من الثورة البرجوازية والاشتراكية في وضعها الإنسان أخيراً ووضع النظام والقانون والاقتصاد أولاً..

ووفق هذا الاعتبار يناقش مفهوم المجتمع المدني ويستنتج أن المجتمع الغربي منتكس عن المجتمع المدني البرجوازي ،ويحمل توتاليتاريات جديدة وقديمة ،فالعالم الاجتماعي مأزوم ،والتاريخ يتطلب التجاوز،والانعطاف الأكبر..
أما مبادئ حقوق الإنسان التي يتغنى بها الكثيرون في أيامنا هذه وتتشكل لها المجموعات من كل حدب وصوب ولا سيما من المفلسين سياسياً فيقول أن الثورة البورجوازية خانتها وكذلك فعلت الثورة الاشتراكية وبالتالي من يريد العمل بها عليه أن يكون شديد الحرص والانتباه إلى الشروط التاريخية وطبيعة الأنظمة والتشكيلة التاريخية التي تتحكم بالعالم ،وأن يبتعد عن التأسيس الحقوقي الصرف لها ،أو الانتقال إليها بسبب العجز في العمل الحزبي..
وبالمقابل وضد الامبريالية والاشتراكية الستالينية ورغم الهجمة الشعواء على ماركس وأنجلز ولينين يصر على أنهم بشروا بفردوس قادم ،ممكن وواجب ،لا يكون فيه،فقر،أو جوع ،أو حرب ،أو استغلال ،وكذلك ليس فيه قهر سياسي من الإنسان للإنسان..
أي أن الماركسية تخطت الليبرالية ونظامها السياسي الديمقراطية عبر تمثل ما هو إيجابي بها نحو الديمقراطية والاشتراكية ،وبالتالي الاشتراكية تتضمن في داخلها مقولات الحرية والديمقراطية والعلمانية والمواطنة..

فالقضية الأساس عند العرب لابد أن تكون هي قضية الفلسفة وقضية الواقع وقضية الشعب وهي الغائبة وبالتالي على المفكر أن يخاطب شعبه بنقطتين في هذا الزمن العصيب :
1- الجدل لا الوضعية..
2- الديمقراطية لا الليبرالية ..
ويمايز هنا بين الليبرالية والديمقراطية بعكس المثقفين المرتدين عن الماركسية واليسار أو المثقفين البرجوازيين الفعلين حيث يدمجون بين هذه وتلك ، فيحصر حدود الليبرالية بالنخبة والطبقة الوسطى ، وكأن الليبرالية القديمة ليست ليبرالية أو أنه لم يعد يعطيها التاريخ أية إمكانية للعب دور قيادي ما، ويضيف بأن الحركة الليبرالية شكل من أشكال شعب الله المختار والتي من السهل أن تنقلب إلى فاشستية..
أما الديمقراطية التي أرفقها بالجدل فهي موقف في نظرية المعرفة ،اعتراف بالكائن والواقع، هي موقف اعتراف بالجماهير التي هي كتل مهمشة ،ويجب أن تتحول إلى ذات تاريخية وسياسية..
ويقارب أيضاً مفهوم الوطنية على أرضية رفض التجمد في مقولة اختراع الأبجدية أو الهوية الدينية الثابتة،أو الإسلامية الحضارية،رافضاً تبني مفهوم الخصوصية ،ومستبدلاً إياه بالتميز والمفرد والعيني الذي لا يخالف العام ، بل يندرج فيه ،فتتحدد الوطنية بالإنسان أي إنسان والاجتماع الإنساني والعمل والإنتاج والتقدم ..
وبهذا الإطار يعتبر كل مرحلة تاريخية لاحقة على السابقة هي متقدمة عليها ،وأن انتقال الرأسمالية من الليبرالية نحو الديمقراطية قد تم بفضل نضالات الطبقة العاملة وحركة العمال بالدرجة الأولى في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وكذلك بفضل الرأسمالية ذاتها .
ثم ينتقل لنقد فكرة الثورة التي كانت توحي للعقل الطفو لي أو الديني الماركسي ،ونضيف الليبرالي المستجد بأنها حالة إرادة ومجموعات صغيرة وانقطاع نحو الأمام وتطور مستمر ، ويستدعي فكرة الدوران والدائرة ،فالتقدم في الثورة لا يتم إلا بفهم كل جوانب المجتمع ومشكلاته واستنزاف العمل الإصلاحي إلى نهايته ، والابتعاد عن الأيديولوجية والمفهوم ألقيامي للثورة والعقل التجريبي والوضعوية والعلموية بل يتم عبر الذهاب بالوعي نحو الفكر والفلسفة والثقافة والتعقل والتجريد الذي يعتبره لب التقدم البشري،فبدونه لا عمق ولا كونية .
والمشكلة أن الإنسان المعاصر بدلاً من العودة نحو القضايا الهامة ،ينتكس اليوم نحو الأخذ والإتلاف والنهب فيغرق في الواقع الرأسمالي الإمبريالي المأزوم ،الذي يعيد للإنسان أسوأ الهمجيات والحروب.

ويعيد النقد للفلسفة العلمية الوضعية فهي ضد حساب الاحتمالات وكذلك ماركسية ستالين ،والاثنتين عظمتا القانون والنظام ،والعلم الطبيعي ،فقاموسهما واحد ،إنه العقل المانوي الوثني ،الذي لا يعطي للتناقض أو الاختلاف أو النفي أهمية فعلية.
فالضرورة ليست حتمية وإنما هي احتمالية ،والمفاهيم هي الأصل وليس القوانين ،والدائرة هي الأساس وليس الخط المستقيم في التطور ، والياس لا يفصل كثيراً بمفهوم الدائرة ولكنه يتغنى به كثيراً و أحيانا يدمجه بمفهوم الحلزون الشهير في الماركسية ..
ثم يتطرق لمفهوم أوغست كونت للثورة باعتبارها ميتافيزيقا واستبداد ويصفه بالمنطق الوضعي الليبرالي أو التقدمي العلمي الليبرالي وبعكس ذلك يثمن الثورات عبر التاريخ ويعتبر التقدم ثمنه باهظ ولكنه ضروري وهذا ينطبق على الثورة الفرنسية والروسية والصينية والفيتنامية وأن التاريخ البشري له أكثر من وجه ،وجه دراما ،ووجه مأساة ،ووجه قبيح ليستخلص أن الاستبداد والعنف والرعب كله ،تابع للتقدم التكنولوجي والصناعي والعلمي وهو أمر واقعي في تاريخ الشعوب ..
ففي التاريخ ،الإنسان محكوم ،والثورة ليست اختياراً حراً ،عنصر الاختيار والحرية محدود وتابع للضرورة ..فالثورات المشار إليها لا تحدث بفضل العباقرة وكسر عنق التاريخ بل أن لها شروط وقوانين وأسباب ،فهي تشبه الظواهر الطبيعية ، وهي مسألة تقاطع الفلسفة النظرية المحضة والتاريخ .
ولكن ورغم ذلك وقعت الماركسية البشرية أي الماركسية التي أسست دولاً اشتراكيةً ،وكذلك الأحزاب الشيوعية قادةً وأحزاباً بخطأين كبيرين :
1- الإيمان بالنفس الفردوسي الطوباوي الأيديولوجي والخلاصي واحتكار الجماهير في ذات القادة والمطابقة بينهما.
2- الاعتماد على أداة نظرية سوفيتية ستالينية ،ضيقة، وفقيرة، ومحدودة ، مقنونة ، دون أي ترابط بينها كالمادية التاريخية أو القوانين العلمية لقيام الثورة ، أو المادية الجدلية ،أو علم الاقتصاد الماركسي ، وبعض الدراسات السوفيتية المتناسبة مع سياسات تلك الدولة، ومصالحها الدولية، وبيروقراطيتها ،وقد أدى الخطأين السابقين إلى الانحطاط عبر السيرورة التاريخية لهذه الأحزاب . ويمكن مراجعة كتاب الياس مرقص ذاته" تاريخ الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي" للاغتناء المعرفي في هذه الموضوعات ..

وباعتبار أن الوعي الماركسي الديمقراطي الجدلي هو الضروري للوعي العربي فإن الياس مرقص في هذا الكتاب يصر على ضرورة الاختيار بين الفكر الوضعي والاستمرار في شكل التفكير السائد أو الفكر الماركسي وأتباع خط هيغل والفلسفة الحديثة وماركس وانجاز ولينين وبالتالي على الماركسيين اللذين يريدون تجديد حركاتهم السياسية أن يعيدوا تثقيف أنفسهم وانتقاد تاريخهم وبنيتهم المعرفية وممارساتهم الفردية والحزبية ، وفتح أو سع الحوارات والنقاشات الجريئة في تاريخ أحزابهم والوقوف على أزماتها الفعلية لا الوهمية والتخلص من آلية العمل الستالينية السوفيتية ،حيث الأمين العام كل شيء والحزب السياسي وهيئاته ، المنفذين الدائمّين للتعاليم الإلهية النافذة والصحيحة والكلية القدرة ، والمتمعن في تاريخ الانقسامات للحزب الشيوعي السوري سيصل إلى نفس النتيجة ..
وأن القارئ لهذا الكتاب يعجب لسعة الأفكار ولسرعة الانتقال من حقبة تاريخية إلى أخرى وإيفاء حق كل منها ،عبر جردة فكرية لها وتحليلها ونقدها ، ويفهم القارئ أيضاً أن الياس مرقص يشعر بوجود مشكلة كبيرة ،تتحدد في انعدام الثقافة والفلسفة والفكر في الوعي العربي ،فيريد بهذا ولا شك أن يؤدي وظيفة تعليمة وتثقيفية من النوع القيّم ، وهي ضرورية ، والمتابع لإحصائيات عدد القراء في الوطن العربي يذهل من مستوياتها المتدنية والمعدومة وحتى في أوساط المثقفين ..
ونختتم هذه القراءة بتأكيد الياس مرقص على ثلاثة قضايا ويعتبرها الغائبة الكبرى عن الوعي الماركسي:
1- إن مسألة الجدل وجدل النفي والسلب والثورية هي أساس الفكر العربي والماركسي النقدي وأن الفكر الستاليني وستالين نفسه قد استغنى عن النفي وخفض مقولة التناقض وأعلى من شأن مفهوم التراكم ليكون خليفة بليخانوف لا خليفة لينين ،فانحط الفكر الماركسي إلى مادون المادية الميكانيكية ..
2- كره الجدل والتجريد وغيابه عن الوعي العربي وسيادة المذهب الوضعي بدلاً منه ويستشهد هنا بلينين الذي يعتبر التجريد اقتراب من الواقع ،وذهاب في عمقه ،أي في الكونية والمعقولية ،ولا ينسى أن يذكر مثقفينا إلى أن لينين كان يتعلم منطق هيغل في عام 1916 ؟!
3- ضرورة إعادة النظر بآلية التطور وبفكرة التطور الخطي الصاعد واعتبارها فكرة وضعية وطارئة على الماركسية والانتقال إلى مفهوم خط التطور الحلزوني الدائري أو الدائري الحلزوني ..
الجدير ذكره أن الكتاب من القطع الصغير لا يتجاوز 112 صفحة ومطبوع في العام 1991 وفي نهايته سرد بكامل مؤلفات الياس مرقص ،ولابد من القول أننا حاولنا جاهدين إظهار الأفكار الأساسية في هذا الكتاب إلا أنه كتابٌ فلسفيٌ بإمتياز ،ومن الصعب تحديده ، ويحتاج لقراءة أو عدة قراءات وتعد أفكاره من أركان أي مثقف ماركسي نقدي ..



#عمار_ديوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن بين السلطة السورية ونخبة الخارج
- خدام سوريا واللحظة الراهنة
- شيخ العقل والسياسة السورية
- علاقة المشروع الاستعماري ببعض أوجه العلاقة السورية اللبنانية
- سوريا بين أنصار السلطة وأنصار المعارضة
- علاقة الحوار المتمدن بالمشروع اليساري
- علاقة المسألة القطرية بالمسألة القومية
- علاقة الديموقراطية بالوطنية في سوريا
- أزمات النظام السوري وأخطاء المعارضة الديموقراطية
- قراءة في كتاب خدعة اليون
- مأزق النظام السوري أم مأزق الدولة السورية
- من المستفيد من إعلان دمشق
- نقد نص رزاق عبود ورثة تقاليد أم نتاج سياسات امبريالية
- الإسلام وأصول الحكم كتاب لكل مكتبة
- ما هو دور ميلس في التغيير الديموقراطي السوري
- جريمة هدى أبو عسلي بين العلمانية والطائفية
- الزرقاوي مذيعاً للأخبار
- مخاطر تبني الضغوط الخارجية
- عماد شيحة في موت مشتهى
- العلمانية والديموقراطية والمساواة الفعلية


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عمار ديوب - الديموقراطية لا الليبرالية ،الجدل لا الوضعية