القراءة النقدية لنزع الملك من شاؤل وإعطائه لداود

هرمس مثلث العظمة

الحوار المتمدن-العدد: 5579 - 2017 / 7 / 12 - 07:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

سنعتمد على النقد الادبي لفهم هذه القصة الشائكة من حيث الافعال البشرية المدونة فيها والتي لاتخضع كما سنرى للتلقائية المحضة في الصياغة الادبية ، فمعنى هذه الافعال وقيمتها لايرتبطان بمعطيات تاريخية خام ، بل هي وضع النص والشرائع تحت مجهر التطبيق وتكرار لأسلوب نبوي .
توضيح بسيط حول السفر لمن لم يقرأه :
تدور قصة السفر بعد مطالبة اليهود للقاضي صموئيل تقليدا للأمم الاخرى بحقهم بملك وتأسيس لمملكة بعيدا عن المشيخات والكهنوت و تجليس شاؤول كملك .ومن ثم ارتكاب شاؤول لخطأ او معصية وهي الاحتفاظ بالغنم والابقار وهو مخالف لما يريده الرب من قتل وسفك دماء لكل كائن حي يتم غزوه من قبل جنوده (جنود الرب ) ومن ثم قيام شاؤول بالعفو عن ملك عماليق وهو ما استنكره الرب لأن حدهم المقصلة . ومن ثم البحث عن ملك جديد وظهور داود كملك على الساحة مطيعا لأوامر الرب والسجال الدائر عن الملك بين شاؤول و داود الذي ينتهي في نهاية المطاف بتولية داود مع صلب أبناء شاؤول في جزئه الثاني .
النقد الادبي يختص بالتدقيق في النصوص من حيث تركيبها ، والوقوف على عدة أسس منها ما يتعلق بـ لغتة وأسلوبه وصحة التعبيرات الادبية المستخدمة . والنقد في العهد القديم لايقتصر على جماليات اللغة أو التزويق الكلامي للنص بل يتخطى ذلك النطاق المحدود إلى تفعيل الحديث عن الصيغ الادبية ، والتي تمكننا من عزل المصادر المختلفة ، والتي ساهمت في أطروحته العامة ووضع الخطوط العريضة ليتقدم النص لنا في صورته النهائية والنظر إلى مسألة وحدته الادبية ومقارنتها مع الوحدة الكاملة للعمل في اطار النص العام .
فنبدأ حديثنا على هذه النقطة وهو مطاردة شاؤول لداود :
و لما رجع شاول من وراء الفلسطينيين اخبروه قائلين هوذا داود في برية عين جدي، فاخذ شاول ثلاثة الاف رجل منتخبين من جميع اسرائيل و ذهب يطلب داود و رجاله على صخور الوعول، و جاء الى صير الغنم التي في الطريق و كان هناك كهف فدخل شاول لكي يغطي رجليه و داود و رجاله كانوا جلوسا فى مغابن الكهف، فقال رجال داود له هوذا اليوم الذي قال لك عنه الرب هانذا ادفع عدوك ليدك فتفعل به ما يحسن في عينيك فقام داود و قطع طرف جبة شاول سرا، و كان بعد ذلك ان قلب داود ضربه على قطعه طرف جبة شاول، فقال لرجاله حاشا لي من قبل الرب ان اعمل هذا الامر بسيدي بمسيح الرب فامد يدي اليه لانه مسيح الرب هو، فوبخ داود رجاله بالكلام و لم يدعهم يقومون على شاول و اما شاول فقام من الكهف و ذهب في طريقه .
ولقد أخذ هذا الموقف تفسيرات متعددة في كتابات الاباء اهمها ما قاله القديس اغسطينوس
كان خائفًا لئلا يُتهم بأنه اقتحم سرًا عظيمًا في شاول لأنه تحرّش بثوبه، لذلك كُتب: "إن قلب داود ضربه على قطعه طرف جبة شاول" أما الرجال الذين معه إذ نصحوه أن يحطم شاول فخلصهم بقوله لهم: "حاشا لي من قبل الرب أن أمد يدي على مسيح الرب". هكذا أظهر تقديرًا عظيمًا لظل الأمور المقبلة؛ هذا التقدير ليس من أجل ما حدث معه وإنما من أجل ما ترمز إليه.
ومفاد ذلك أنه أبى أن يرتكب جرما قد يعتبر في عرف الرب انتهاكا صارخا لإرادته وذلك عندما عين شاؤول ملكا .
والرأي الذي رجح في المقام الثاني هو أن ذلك العمل هو حدث تحقيقا لنبوءة صموئيل عندما قال :
و دار صموئيل ليمضي فامسك بذيل جبته فانمزق، فقال له صموئيل يمزق الرب مملكة اسرائيل عنك اليوم و يعطيها لصاحبك الذي هو خير منك.
وبالعودة إلى النقد النصي لسفر صموئيل للعدد 27 :
و دار صموئيل ليمضي فامسك بذيل جبته فانمزق .
فهي ترد بهذا الشكل حسب النص الماسوري والفولجاتا
וַיִּסֹּ֥ב שְׁמוּאֵ֖ל לָלֶ֑כֶת וַיַּחֲזֵ֥ק בִּכְנַף־מְעִילֹ֖ו וַיִּקָּרַֽע׃
ولكن نجد ان كلمة ויחזק تترافق مع كلمة שׁאול في النص القمراني والنص السبعيني لتصبح
ויחזק שׁאול (فأمسك شاؤول ).
ومن قراتنا للنص نجد أن ما ذكره الاباء في تفسيراتهم غير كافية ولا بد من وجود نص أو شريعة أو تابو مكتوب يقف خلفه . وبذلك نرجع للبنية الفكرية او الاطار العام للعهد القديم فنجد نصا يتوشح سدة الفصل في احكام تسلم او تداول السلطة فيما بين بني اسرائيل يعود إلى النظام المشيخي أو القبلي او الكهنوتي . أي عندما ضاقت السبل بداود لم يجد مخرجا من الأمر إلا العودة إلى الاسس التشريعة(وهو ما فعله شاؤول بصموئيل قبل ذلك كما سنرى لاحقا ) ما قبل فترة الحكم الملكي لتكون آخر سهم في جعبته يطلقه نحو شرعية شاؤول .
لا يدخل مخصي بالرض او مجبوب في جماعة الرب .
سفر التثنية الاصحاح 23 : 1
وهو منع المخصيون من الكهنوت واولادهم حتى الجيل العاشر وفقا للاويين
كلم هرون قائلا اذا كان رجل من نسلك في اجيالهم فيه عيب فلا يتقدم ليقرب خبز الهه، لان كل رجل فيه عيب لا يتقدم لا رجل اعمى و لا اعرج و لا افطس و لا زوائدي،و لا رجل فيه كسر رجل او كسر يد، و لا احدب و لا اكشم و لا من في عينه بياض و لا اجرب و لا اكلف و لا مرضوض الخصى،كل رجل فيه عيب من نسل هرون الكاهن لا يتقدم ليقرب وقائد الرب فيه عيب لا يتقدم ليقرب خبز الهه.
وسبب الاستبعاد مرده لطقوس قديمة كان يقوم به كهنة عشتار ، وذلك بعد عودة عشتار من العالم السفلي كان يقوم بعض الرجال بإخصاء انفسهم ليكونوا بذلك كهنة لدى عشتر . لأنه في هياكل الجنس المقدس كان أكثر الكهنة المخصيون قربا من مركز قوة الملك وأكثرهم اضطلاعا على أسرار تلك المؤسسة . فالخصاء هو التضحية بنسل لم ولن يولد والتوحد بعشتار فالالتحاق بجيش الخصيان في معبد عشتار ما كان الا لبلوغ تلك السلطة التي يتمتع به كهنتها فهو بذلك يتخلى عن متطلبات الذكورة ليقوم بدور حق الام في الثقافة الذكرية .
وبذلك نجد أن مافعله لاحقا داود أمام شاؤول من انحناء وسجود على الارض ، ليس كما يصوره لنا الاباء إنما تكفيرا على ظنه وشكه برجولة شاؤول وايضا معرفته بعدم قدرته على التغلب عليه :
ثم قام داود بعد ذلك و خرج من الكهف و نادى وراء شاول قائلا يا سيدي الملك و لما التفت شاول الى ورائه خر داود على وجهه الى الارض و سجد
وبالعودة لما قام به شاؤول تجاه صموئيل من تمزيق لجبته ، نجد أنه عمل مشابه لما قام به داود لاحقا ، فأيضا شاؤول حاول التأكد من حقيقة أن صموئيل قد يكون غير مخصي ولذلك غضب صموئيل وتوعده بتمزيق مملكته كما مزق جبته وذلك ما حصل وفقا للسرد الادبي للنص وليس للتاريخي . فالمشكلة التي يبقى علينا حلها هو تحديد ذيل / طرف الجبة (الملابس )
فـ ذيل جبة (كما ذكر في الاصحاح 15) ، طرف جبة (كما ذكر في الاصحاح 24)هل هي فعلا تستخدم للكشف عن العضو الذكري كما شرحنا سابقا . وللإجابة عن هذا السؤال يجب ان نطلع على المصطلح في سياق نصي آخر لأنه انتاج ثقافي في طور تاريخي معين لايمكننا ان نفصله عن محيطه الثقافي الذي صدر عنه ولذلك نجد في سفر راعوث أن الكشف عن طرف الجبة أو ذيلها يؤدي إلى ممارسة العملية الجنسية أي بكلمات أخرى الكشف عن العضو الذكري لمعرفة حدوث او عدم حدوث واقعة الخصاء . و عدم حدوثه الذي هو شرط أساسي كما أوضحنا لتكون كاهنا /قاضيا في ظل سيادة النظام البطريركي :
و كان عند انتصاف الليل ان الرجل اضطرب و التفت و اذا بامراة مضطجعة عند رجليه، فقال من انت فقالت انا راعوث امتك فابسط ذيل ثوبك على امتك لانك ولي.
نتيجة :
نجد ان العهد القديم في فترات لاحقة مثل عصر القضاة وعصر الملوك لم يحرر نفسه من التابو الذي فرضته الشريعة في بادئ الامر بما يختص بأمور خدمة الرب والقيادة (حد الاخصاء وهو ماكشفناه في النقد الادبي للكتاب المقدس ) . وما تلك التشريعات إلا تكرار متصل لبوادر ابتدرها الاخرون ، فهذا التكرار الواعي في النص يكشف لنا عن أنطولوجيا أصلية لأفكار ومضامين التي يعبر عنها النص وكيفية تطورها . والسمات الاسلوبية للنص للوحدات المعرفية التي يمكن الرجوع إليها للنظر في تفسير للنص من ناحية النقد الأدبي . والكشف عن الدافع الرئيسي من وراء تلك الحادثة .

#هرمس_مثلث_العظمة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات