أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - مملكتي الصّغيرة..! قصّة قصيرة من شهربان معدي














المزيد.....

مملكتي الصّغيرة..! قصّة قصيرة من شهربان معدي


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 5577 - 2017 / 7 / 10 - 09:37
المحور: الادب والفن
    


مملكتي الصّغيرة..!
قصة قصيرة..
بقلم: شهربان معدي

أحببته..! نعم أحببته كثيرا.. وما زلت أفتقده، واحترمه، رغم مرور سنوات كثيره على رحيله..

ليس لأنه حاول أن يعوّضني، عن حنان والدي الذي رحل فجأة قبل أن نودعه.. ولا.. لأنني أحمل اسم جدتي الغالية، التي ربته هو ووالدي وباقي أعمامي، "برموش عينيها"..

بل لأنه ثمة سر روحانيّ، شفيف.. تقاسمناه سوية..
سرٌّ سماويّ، زرع في أعماقي بذرة الكتابة والمُطالعة، ونمّى ثروتي اللغوية، ومنحني الأجندة والأدوات التي أعانتني على شق طريقي الاستثنائي، في هذه الحياة القاسية، وعرّفني قيمة الوطن، والإنسان، والذات، وكل ما تحويه هذه الكرة الزرقاء.. من سحر وغموض..

هذا السّرْ، لم يدرك كنّههُ أحدٌ.. سوى.. أنا..! وعمي.. الراحل.. ومكتبته الأنيقة.. "مملكتي الصغيرة" التي كانت تتضوّع، بشهد الحروف، ورحيق الأبجدية.. وتعمر بالموسوعات والمُجلّدات النفيسة، والكتب القديمة، النادرة، التي كانت ترشح منها رائحة المطر الأول، وعبق الأجداد..

والتي دأبت أن أزورها كلما هاج بي الحنين لقراءة كتاب.. نعم..! أنا هي..! تلك "النحلة الشّرهة".. التي كانت تحوم بين رفوفها المتواضعة، لترتشف رحيق الحكمة والمعرفة، من بساتينها الزّاهرة، وتتذوق رضاب الآداب العالمية، وروائع الشعر العربي، من خيرات بيادرها..

وبشهية لا تنضب؛ كُنّتُ..! ألتهم الصحف والمجلاّت القديمة، التي كادت تذوب صفحاتها الصّفراء.. بين أناملي الصّغيرة، وما زالت رائحتها الغريبة تزكم أنفي حتى هذه اللحظات..

وتساءلت..! ماذا لو أنْ عمي.. بُعث.. مرة أخرى.. إلى هذه الحياة.. ليكتشف اختفاء الكثير من كتبه القيّمة، الزاخرة بالملاحم والقصص التاريخية، المُعتقة برائحة الأجداد، وعطر الإنسانية، وأن صحفه وجرائده الغالية، التي اجتهد في جمعها سنوات كثيرة، قد..

هل كان سيغفر ويصفح لمن بعثروا، كنزه الغالي..
ودمّروا مملكتي الصغيرة..!؟

ولسوء حظّنا، "أنا..! وعمي.." أنني وصلت مُتأخرة.. عندما تفرّقت تلك الكتب النفيسة.. وبالكاد أنقذت عدة صحف بالية قديمة، لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، والتي كان عمرها عشرات السنين.. وثلاثة كتب تاريخية.. من مجموعة كبيرة، لست أدري من أصبح سيّدها..

وعدت إلى بيتي، حزينة النفس، مكلومة الفؤاد، ودلفت مباشرة إلى غُرفة الصالون، حيث مكتبتي الغالية، والتي اجتهدت "أنا كذلك" في جمع كتبها، ومجلداتها، سنين طويلة..

مكتبتي القيّمة، التي تُرفرف فيها القصائد الوردية، وتتدفق منها ينابيع الخير والعطاء، وموارد الحكمة والمعرفة، ويُزغرد بين أفنانها، فرح العصافير، وأهازيج الأطفال..

مكتبتي.. العامرة بأروع الكتب والروايات العالمية، والمحلية، وكتب علم النفس، والميثولوجيا، والطبيعة والعلوم الإنسانية.. بالإضافة إلى الكتب الغالية على قلبي، التي أهداني إياها، أعزّ الأصدقاء..

وتساءلت..!؟ ماذا سيكون مصير كُتُبي..!؟ إذا ما رَحَلّتُ يوما ما عن هذه القوقعة الأرضية.. هل ستواجه المصير ذاته، الذي بعثر مملكتي الصّغيرة، وفرّق شملها..

هل سيقرأها أحد أولادي، أو على الأقل يتصفحها..!؟ لا.. وألف لا.. لا أظن ذلك..! بعد هذا الانفجار المعرفي الهائل، والثورة التكنولوجية الجديدة، التي حشرت كل علوم الدنيا، في جهاز لا يتجاوز كف اليد، من سيسأل عن هذه الكتب الورقية اليتيمة..!

أليس كلّ يومٍ يُدفن في المقابر الإلكترونية، مئات الكتب والروايات، دون حتّى أن يتصفحها أحدهم!؟

ومن سيدرك، أنني تنازلت عن أشياء كثيرة، من أجل اقتناء هذه الكتب.. وأنها..! "بالنسبة لي" أجمل من كل اللوحات النادرة، وأثمن من كل التحف الأثرية..

هل سيعلوها غبار الزمن..! وليس ثمة من ينفضه عنها، أو يقلّب صفحاتها المشّتاقة لأناملي..

وخيّل إليّ أن أطياف كثيرة، تسللت من بين صفحات كتبي، بعد أن شَعَرَتْ بدموعي العصية، وسمعت نجواي.. وطفقت تُصلي معي:

حنانيك يا رباه، احفظ لي كتبي، التي ستكسو الفقير، وتُشبع اليتيم، وتعتق الأسير، وتحيي الفضائل الإنسانية.. إذا ما عرفت قيمتها الأجيال القادمة، وكل عين وقلب يسبر أغوار معانيها..

أرجوك.. ارحم هؤلاء الأبطال، الذين خدشت الخيانة؛ وفاء حبهم.. وشوهت الحروب؛ انسانيتهم.. وسلبتهم..! أمّنهم وأمانهم ومجّدهم، وشتت شملهم.. هؤلاء الذين ناموا في بواطن هذه الكتب، ودفنوا في مقابر التاريخ، وانصهرت أمانيهم وأحلامهم، في تفاصيل الحياة اليومية.. أناس عاشوا في القصور المنيعة، أوالبيوت الوضيعة، ولم يُخلد ذكراهم أحد، سوى هذه الكتب الخرقاء.

رباه.. بعد أن خسرت مملكتي الصّغيرة.. كلّ ما أتمناه، أن لا أخسر مكتبتي الفيّحاء، وكُتبي الغالية التي أصبحت قطعة من روحي، وأنيسة وحدتي، وملاذي الوحيد، في عجقة هذه الحياة المعدنية..



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة تقديرية لكتاب -دموع لم تسقط- للكاتبة شهربان معدي
- كل هذا الحب..
- دموع الصّناديد قصّة قصيرة
- شكراً...لطوق الياسمين
- -كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة
- أشواك ناعمة
- لو أنها كانت شظية
- قصة قصيرة لملف يوم المرأه العالمي
- قصة شجرة لوز


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - مملكتي الصّغيرة..! قصّة قصيرة من شهربان معدي