أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - إضطرابات فى المنهج و الأفكار (2) تشويه الماركسية : كتاب - تونس : الإنتفاضة و الثورة - لصاحبه فريد العليبي نموذجا















المزيد.....



إضطرابات فى المنهج و الأفكار (2) تشويه الماركسية : كتاب - تونس : الإنتفاضة و الثورة - لصاحبه فريد العليبي نموذجا


ناظم الماوي

الحوار المتمدن-العدد: 5563 - 2017 / 6 / 26 - 00:41
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يشوّه الماركسية
لا حركة شيوعية ثورية دون ماوية !
( عدد 23 - 24 / فيفري 2015)
ملاحظة : الكتاب برمته متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن

" و سيكون واجب القادة على وجه الخصوص أن يثقّفوا أنفسهم أكثر فأكثر فى جميع المسائل النظرية و أن يتخلّصوا أكثر فأكثر من تأثير العبارات التقليدية المستعارة من المفهوم القديم عن العالم و أن يأخذوا أبدا بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما ، تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم ، أي تتطلب أن تدرس . و الوعي الذى يكتسب بهذا الشكل و يزداد وضوحا ، ينبغى أن ينشر بين جماهير العمال بهمّة مضاعفة أبدا..."
( انجلز ، ذكره لينين فى " ما العمل ؟ ")
---------------------------------------------
" أمّا الإشتراكي ، البروليتاري الثوري ، الأممي ، فإنّه يحاكم على نحو آخر : ... فليس من وجهة نظر بلاد"ي" يتعين علي أن أحاكم ( إذ أنّ هذه المحاكمة تغدو أشبه بمحاكمة رجل بليد و حقير ، محاكمة قومي تافه ضيق الأفق، لا يدرك أنّه لعبة فى أيدى البرجوازية الإمبريالية ) ، بل من وجهة نظر إشتراكي أنا فى تحضير الثورة البروليتارية العالمية، فى الدعاية لها ، فى تقريبها . هذه هي الروح الأممية ، هذا هو الواجب الأممي ، واجب العامل الثوري ، واجب الإشتراكي [ إقرأوا الشيوعي ] الحقيقي ."
( لينين " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي" ، دار التقدّم موسكو، الصفحة 68-69 ).
-----------------------------------------
" يستعاض عن الديالكتيك بالمذهب الإختياري [ الإنتقائية ]، و هذا التصرّف حيال الماركسية هو الظاهرة المألوفة للغاية و الأوسع إنتشارا فى الأدب الإشتراكي – الديمقراطي [ الشيوعي ] الرسمي فى أيّامنا . و هذه الإستعاضة طبعا ليست ببدعة مستحدثة ... إنّ إظهار الإختيارية بمظهر الديالكتيك فى حالة تحوير الماركسية تبعا للإنتهازية ، يخدع الجماهير بأسهل شكل ، يرضيها فى الظاهر ، إذ يبدو و كأنّه يأخذ بعين الإعتبار جميع نواحى العملية ، جميع إتجاهات التطوّر ، جميع المؤثّرات المتضادة إلخ ، و لكنّه فى الواقع لا يعطى أي فكرة منسجمة و ثوريّة عن عمليّة تطوّر المجتمع " .
( لينين ، " الدولة و الثورة " ص 22-23 ، دار التقدّم ، موسكو )
----------------------------------------------------------
" إذا أردنا أن ندرس قضية ما فعلينا أن ننفذ إلى جوهرها ، و لا نعتبر مظاهرها إلاّ دليلا يقودنا إلى عتبة الجوهر، و إذا ما إجتزنا العتبة فعلينا أن نمسك الجوهر ، و هذه هي وحدها الطريقة العلمية المعتمد عليها فى تحليل الأشياء ."
( ماو تسى تونغ ، " ربّ شرارة أحرقت سهلا " ( 5 يناير – كانون الثاني- 1930) ، المؤلفات المختارة ، المجلّد الأول ).
-----------------------------------------------------------
فى ما يتصل بالعلم و المنهج العلمي و خاصة النظرة و المنهج العلميين للشيوعية ، من الحيوي أن نجتهد للحفاظ على روح منهج التفكير النقدي و الإنفتاح تجاه الجديد و تجاه التحدّيات المقبولة أو الحكمة الموروثة . و يشمل هذا بصورة متكرّرة إعادة تفحّص ما يعتقد فيه المرء نفسه و / أو الآراء السائدة فى المجتمع إلخ على أنّها حقيقة : بشكل متكرّر معرّضين هذا لمزيد الإختبار و المساءلة من قبل تحدّيات الذين يعارضونه و من قبل الواقع ذاته ، بما فى ذلك طرق التطوّر الجاري التى يمكن أن يضعها الواقع المادي تحت أضواء جديدة – يعنى المكتشفة حديثا أو مظاهر الواقع المفهومة حديثا التى تضع تحدّيات أمام الحكمة المقبولة .
بوب أفاكيان ، " تأمّلات و جدالات : حول أهمّية المادية الماركسية و الشيوعية كعلم و العمل الثوري ذو الدلالة وحياة لها مغزى " ؛ جريدة " الثورة " عدد 174 ، 30 أوت 2009.
======================================================
مقدّمة الكتاب :
من الدروس التى إستخلصها الشيوعيون الماويّون الثوريون عبر العالم من العبر الجمّة للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى فى الصين الماوية بين 1966 و 1976 فى ما يتّصل بالنضال ضد التحريفية كماركسية زائفة و فكر برجوازي فى صفوف الحركة و الأحزاب الشيوعية درس التشديد على عدم الوقوف عند الظاهر و السطحي من الأشياء و ضرورة المضيّ بالتحليل الملموس للواقع الملموس ، للأشياء و الظواهر و السيرورات ، إلى الجوهر ففيه تتجلّى الحقيقة الموضوعية أفضل تجلّى . ذلك أنّه خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى تلك التى تمثّل أبعد نقطة بلغتها البشرية فى سيرها نحو الشيوعية، و فى خضمّ صراع الخطين المحتدم صلب الحزب الشيوعي الصيني بين الطريق الإشتراكي و الطريق الرأسمالي ، نبّه ماو تسى تونغ إلى الحذر من " رفع راية الماوية لإسقاطها " و إلى واجب التعمّق فى تفحّص الخطّ المطروح و عدم الإكتفاء بما يرفع أو يقال ظاهريّا . فأتباع الطريق الرأسمالي ، التحريفيين صلب الحزب الشيوعي الصيني و الدولة الإشتراكية فى الصين ، كانوا هم أيضا يرفعون راية الماوية إلاّ أنّ فحوى ما كانوا يدعون إليه يمضى تماما ضد الخطّ الشيوعي الثوري الذى كان يدافع عنه الماويّون و يكرّسونه من أجل إبقاء الصين على الطريق الإشتراكي و التقدّم صوب الشيوعية و إحباط محاولات الإنقلاب على الثورة فإعادة تركيز الرأسمالية . و قد ساهمت تلك الحقيقة العميقة التى لخّصها ماو تسى تونغ فى ملاحظته تلك – إلى جانب عديد المقالات و الكتب و النضالات إلخ - فى تسليح الشيوعيين الثوريين و الجماهير الشعبية بفهم أرقى لجانب من جوانب صراع الخطّين الحيوي الدائر حينها .
و اليوم لا ظلّ للشكّ أنّ الصراع الذى خاضه ماو تسى تونغ فى الصين و عالميّا على رأس الحزب الشيوعي الصيني و الحركة الماركسية – اللينينية العالمية خاصة فى ستينات القرن العشرين و سبعيناته ضد التحريفية المعاصرة ، السوفياتية منها واليوغسلافية و الفرنسية و الإيطالية و الأمريكية إلخ ، بيّن لمن له عيون ليرى أنّ ماو تسى تونغ قد عمّق الحقيقة التى ألمح إليها لينين حين قال :

" لقد منيت اشتراكية ما قبل الماركسية بالهزيمة . وهي تواصل النضال ، لا فى ميدانها الخاص ، بل فى ميدان الماركسية العام ، بوصفها نزعة تحريفية ...
- ان ما يجعل التحريفية أمرا محتما ، انما هي جذورها الطبقية فى المجتمع المعاصر . فإن النزعة التحريفية ظاهرة عالمية ...
- ان نضال الماركسية الثورية الفكرى ضد النزعة التحريفية ، فى أواخر القرن التاسع عشر ، ليس سوى مقدمة للمعارك الثورية الكبيرة التى ستخوضها البروليتاريا السائرة الى الأمام ، نحو انتصار قضيتها التام..." ( لينين ، " الماركسية و النزعة التحريفية " ).

و تنسحب هذه الحقائق على واقع الحركة الشيوعية العربية حيث جلّ ، إن لم نقل كلّ ، الأحزاب و المنظّمات و المجموعات التى تزعم أنّها ماركسية ترفع راية الماركسية لتسقطها فهي ظاهريّا ماركسية و جوهريّا برجوازية – تحريفية إصلاحية لا غير . لذلك يصحّ ما أطلقناه على العديد منها ، فى تونس و التى تعرّضنا لها بالنقد ، من كونها أحزاب و منظّمات و مجموعات ماركسية زائفة ، متمركسة و ليست ماركسية . وقد أسقطنا ورقة التوت التى كانت تستر بها عورتها البرجوازية و ساهمنا من ثمّة فى كشف المستور و إسقاط الأقنعة ، القناع عن القناع .

وقد بلغت بنا أمواج القيام بالواجب النظري الشيوعي أن تطرّقنا للخطّ الإيديولوجي و السياسي لعدد من المجموعات الماوية ذاتها بما خوّل لنا أن نكشف للباحثين عن الحقيقة التى هي وحدها الثورية حسب مقولة شهيرة للينين ، أنّ هذه المجموعات " ترفع راية الماوية لإسقاطها " . و ها أنّ جولتنا الطويلة تنتهى بنا ، فى الوقت الحالي ، إلى تسليط الضوء على الخطّ الإيديولوجي و السياسي لفرقة متمركسة أخرى تتجلبب فى مناسبات بجلباب الماوية . فنحطّ الرحال عندها و نتوقّف لنعمل سلاح النقد فى ذلك الخطّ فنحلّل و نلخصّ من منظور بروليتاري ثوري و ماديّا جدليّا و نناقش و نحاجج علميّا بالدليل القاطع و البرهان الساطع جملة من رؤى ذلك الحزب و نصوصه و مقولاته و شعاراته و سياساته و سلوكاته و ما شابه ما سمح لنا بأن نجزم بلا أدنى تردّد ، كما يدلّ على ذلك عنوان الكتاب ، بأنّ " حزب الكادحين الوطني الديمقراطي يشوّه الماركسية" .
و مثلما قال لينين الحقيقة وحدها هي الثورية بإعتبار أنّها تعكس واقعا موضوعيّا فتمكّننا من فهم الواقع و تفسيره و نسعى طاقتنا على أساس ذلك إلى تغييره من منظور الشيوعيّة و تحرير الإنسانية من كافة أنواع الإستغلال و الإضطهاد الجندري و الطبقي و القومي و بلوغ عالم آخر ، عالم شيوعي . و دون الحقائق ، و إن كانت مرّة أو مزعجة ، نظلّ ننوس فى الترّهات الميثالية الميتافيزيقية و الأفكار المشوّهة عن الواقع فلن نقدر على تغييره تغييرا شيوعيّا ثوريّا و نظلّ ندور فى دائرة مفرغة تخدم فى نهاية المطاف الطبقات السائدة و تأبّد الوضع القائم و الإستغلال و الإضطهاد بأصنافه جميعها .
فى عصرنا ، عصر الإمبريالية و الثورة الإشتراكية ، النظريّة الثوريّة حقّا هي الماركسية ، هي علم الشيوعية و دون هذه النظريّة الثورية لن توجد حركة ثوريّة و قد أكّد لينين الموقف الثوري الصحيح تجاه علم الشيوعية فصرّح : " نحن لا نعتبر أبدا نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به ، بل إننا مقتنعون ، على العكس، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لهذا العلم الذي يترتب على الإشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الإتجاهات إذا شاءوا ألا يتأخّروا عن موكب الحياة ." ( لينين ، " برنامجنا " ).

و فعلا ما إنفكّ علم الشيوعية يتطوّر فشهد مراحلا ثلاث ليبلغ الماركسية – اللينينية – الماوية و الماوية اليوم إنقسمت إلى إثنين ؛ إلى بقايا الماضى و طليعة المستقبل أي من جهة ماوية مشوّهة بفعل عدم تشخيص الأخطاء علميّا و رفع هذه الأخيرة إلى مستوى مبادئ عوض تخطّيها و أحسن تجسيد لهذه الماويّة المشوّهة عالميّا اليوم هو آجيث و أشياعه و من لفّ لفّهم ( أنظروا كتابنا " آجيث نموذج الدغمائي المناهض لتطوير علم الشيوعية – ردّ على مقال " ضد الأفاكيانية " ) و من الجهة الثانية ، ماوية ثوريّة وقع من ناحية تشخيص أخطائها الثانوية و نقدها نقدا مبدئيّا و تخطّيها و من ناحية أخرى ، الدفاع عن ما هو ثوري و رئيسي فيها و تطويره و إعادة صياغة الشيوعية و إرسائها على أسس علميّة أرسخ . فصارت هذه الماوية الثورية هي شيوعية اليوم المعروفة على النطاق العالمي بالخلاصة الجديدة للشيوعية .
و أعرب ماو تسى تونغ متحدّثا عن الماركسية أثناء الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، عن كونها سلاحا بتّارا لفهم الواقع و تغييره ثوريّا و عن لزوم تطويره و شحذه أبدا و نعتها بالمجهر و المنظار . و هذا المجهر و هذا المنظار قد تطوّرا الآن أكثر بفضل هذه الخلاصة الجديدة للشيوعية ، شيوعية اليوم . لذلك من يستوعب جيّدا هذه الخلاصة و يطبّقها أحسن تطبيق يمسى بوسعه أن يقرأ الواقع قراءة علمية و يفهمه على أفضل وجه ممكن و من ثمّة يشخّص مثل الطبيب المشاكل و يحدّد تاليا الحلول المناسبة أكثر فينير طريق الممارسة الثورية ( فى علاقة جدلية و تطوّر لولبي بين النظرية و الممارسة مفهومين بالمعنى الواسع و ليس بالمعنى الضيّق ) .

و من الأكيد أنّ تسلّحنا بالخلاصة الجديدة للشيوعية التى ننطلق منها فى مؤلّفاتنا هو الذى كان له الفضل ، فى جانب لا يستهان به ، فى تمكّننا من كشف النقاب عن تحريفية و إصلاحية الخطّ الإيديولوجي و السياسي لحزب الكادحين الوطني الديمقراطي ( و أحزاب ماركسية زائفة أخرى ) . و لئن درستم مليّا محتويات الكتاب الآتى ذكرها ، ستتوصّلون على الأرجح – و ليس لامحالة لإعتبارات نظرة الدارس أو الدارسة للعالم و مدى توخّى الموضوعية - إلى إدراك حقائق عميقة ما كنتم ربّما تصدّقونها عن هذا الحزب قبل هذه الدراسة و إلى إدراك مدى أهمّية إستيعاب الخلاصة الجديدة للشيوعية و رفع رايتها و تطبيقها و تطويرها خدمة للمساهمة فى الثورة البروليتارية العالمية و تحرير الإنسانية :
(1)
نقد بيانات غرة ماي 2013 فى تونس : أفق الشيوعية أم التنازل عن المبادئ الثورية ؟
مقدّمة :
1- الشيوعية هدفنا الأسمى و علم تحرير البروليتاريا و الإنسانية جمعاء :
2- الإصلاحية و خفض الآفاق و التنازل عن المبادئ الشيوعية :
3- دقّ ناقوس الخطر لدي الماويين :
خاتمة :

(2)
تشويه الماركسية : كتاب " تونس : الإنتفاضة و الثورة " لصاحبه فريد العليبي نموذجا
1- مقدّمتنا و صدمة مقدمته .
2- إضطرابات فى المنهج و الأفكار :
+ منهج يتنافى مع المادية الجدلية :
أ- مصطلحات و مفاهيم برجوازية فى نهاية المطاف .
ب- المثالية فى تناول المسائل .
+ عدم دقّة و تضارب فى الأقوال من صفحة إلى أخرى .
3- إنتفاضة و ليست ثورة :
أ- تداخل فظيع فى المفاهيم .
ب- أسباب الإنتفاضة .
ت- أعداء الإنتفاضة .
ث- مكاسب الإنتفاضة .
ج- آفاق الإنتفاضة .
ح- وهم تواصل الإنتفاضة و المسار الثوري .
4- عفوية الجماهير و الوعي البروليتاري :
أ- الوعي الطبقي / السياسي : موجود أم غائب ؟
ب- الوعي الطبقي / السياسي و غرق الكاتب فى الإقتصادوية .
ت- الوعي الطبقي مقابل العفوية .
ث- النضال ضد إنتهازية " اليسار" و " اليمين الديني" .
ج- فهم العصر و الوضع العالمي .
5- التعاطي الإنتهازي مع الإستشهادات:
أ- بصدد إستشهاد بماركس .
ب- بصدد إستشهادات بماو تسى تونغ .
ت- آلان باديو؟
6- المسكوت عنه كلّيا أو جزئيّا :
أ- تغييب لينين كلّيا.
ب- تغييب حرب الشعب كلّيا.
ت- تغييب النضال ضد إضطهاد نصف السماء/ النساء مرحليّا .
7- الخاتمة :
(3)
خطّ حزب الكادحين الإيديولوجي والسياسي يشوّه علم الشيوعية
مقدّمة
1- المخاتلة : المفهوم المخاتل و تطبيق المخاتلة العملي لدي حزب الكادحين :
أ- المفهوم المخاتل :
ب- حزب الكادحين يطبّق عمليّا المخاتلة و الإنتقائية :
1- ما هذا " الربيع العربي " ؟
2- الإنتفاضات إنتهت أم هي مستمرّة ؟
3- " المظاهر خدّاعة " :
2- إيديولوجيا حزب الكادحين برجوازية و ليست بروليتارية :
أ- غيبة الشيوعية :
ب- نظرة برجوازية للحرّية و الديمقراطية :
ت- العفويّة و التذيّل إلى الجماهير :
1- تضارب فى الأفكار :
2- التذيّل للجماهير :
ث- الثورة و العنف وفق النظرة البرجوازية لحزب الكادحين :
1- تلاعب بمعنى الثورة :
2- الثورة و العنف الثوري :
ج- الإنتهازيّة و النظريّة :
أ- الإنتهازيّة و التعامل الإنتهازي مع الإنتهازيين :
ب- النظريّة و الممارسة الإنتهازية :
3- إنحرافات عن الماديّة الجدلية و التاريخية :
أ- الإنقلاب فى مصر و الأمين العام لحزب الكادحين خارج الموضوع :
ب- الحتميّة مناهضة للمادية الجدلية و التاريخيّة :
ت- هل الفلسفة لاطبقيّة ؟
4 - الدين والمرأة و مغالطات حزب الكادحين :
أ - الدين و مغالطات حزب الكادحين :
ب – تحرير المرأة : كسر كافة القيود أم تجاهل الإضطهاد و الإستغلال الجندري :
الخاتمة :
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


1- مقدمتنا و صدمة مقدّمته :

حدث جلل ما جدّ فى تونس فى جانفي 2011 فهروب بن علي كرئيس للبلاد ما كان متوقّعا من ناحية و من ناحية أخرى تحقيق الشعب فى تونس مثل هذا الإنتصار كان بمثابة رمي حجر فى بحيرة من الماء الراكد نسبيّا على مستوى الوطن العربي ستكون له تبعات هامة و أكيدة على مجرى الحياة السياسية فى عدد من الأقطار . لذلك تابعنا ، ضمن المتابعين عن كثب ، ما يحبّر و يقال و يصوّر عن حدث من هذا القبيل و طالعنا الكثير ممّا خطّ على الورق أو نشر على الأنترنت فى نسخ ألكترونية ، غير أنّ هذا و بالرغم من دسامته ، لم يشف غليلنا إلى المعرفة و الإحاطة بأهمّ جوانب الإنتفاضة الشعبية فى تونس خاصّة و انّ ما طالعناه من كتابات شيوعية ثورية فى شكل نصوص جيدة إنصبّت على جوانب معيّنة و لم تلمّ بالإنتفاضة من كلّ جوانبها و من كتابات شتّى غير شيوعية ثورية تناولت المسألة من وجهة نظر أبعد ما تكون عن وجهة النظر البروليتارية التى نتبنّا و التى ينبغى ان يكون شغلها الشاغل بلوغ الحقيقة بعمقها و شموليتها لأنّ الحقيقة وحدها هي الثورية كما يقول لينين و لأنّ كل الحقائق مفيدة للشعب كما يؤكّد ماو تسى تونغ للفهم و إستخلاص الدروس قصد تغيير الواقع تغييرا ثوريّا .
و على هذا ، لمّا لاحظنا على شبكة الأنترنت بعض من يقدّمونأنفسهم على أنّهم من الشيوعيين الماويين يقومون بالدعاية لكتاب عن الإنتفاضة إعتبروه هاما ، إهتزّ قلبنا غبطة و قلنا فى نفسنا أخيرا سننال قسطا من المعرفة العميقة و الشاملة بعدما تجمّعت لدينا قراءات جيدة للحظات من تطوّر الصراع الطبقي فى تونس فى المدّة الأخيرة و تحليلات لا بأس بها لجوانب نظرية و عملية إستقيناها من عديد مقالات الرفاق الشيوعيين الماويين المنشورة فى الحوار المتمدّن و المتداولة على الفايسبوك .
و نحن ننتظر حصولنا على نسخة ورقية من الكتاب ، كنّا نتحرّق شوقا كالأطفال الذىن ينتظرون عودة والديهما ليمدّاهم بالهديّة التى وعداهم بإقتنائها لهم . وأمسكنا بالكتاب حين وضعنا عليه يدىنا بإرتعاشة خفيفة فرحا. و أخذنا نقلّبه يمنة و يسرة قبل تصفّحه . فأحسسنا و كأنّ قطرة ماء بارد تسلّلت إلى ظهرنا حينما لمحنا فى الجهة الأولى و الأساسية من الغلاف صورة لإعتمادها اللون الأبيض فقدت بريقها و تأثيرها و رسالتها وهي بألوانها الأصلية التى عرفناها على النات جدّ معبّرة. و لمّا ألقينا نظرة على الجهة الثانية من الغلاف عاودنا ذات الإحساس بالرعشة لتسلّل قطرة ماء بارد أخرى إلى ظهرنا ذلك أنّ كتب و بحوث الكاتب مذكورة دون تمييز و دون تعيين الدوريّات التى تتوفّر بها و سنوات النشر و ما إلى ذلك من معطيات تتطلّبها الدقّة العلمية و تيسّر لمن يرنو الإطلاع عليها عمليّة الحصول علي مراده .
و بعد قراءة الإهداء ، هممنا بالإنقضاض على المقدّمة إلاّ أن عينايا لم تطاوعاننا فى المرور إلى الصفحة المقابلة و سرعان ما إستحضرت ذاكرتنا عمّار العليبي أحد شهداء إنتفاضة 1984 و من لقبه و لقب الكاتب إستخلصنا صلة عائلية . و لئن لا يسعنا إلاّ أن نوجّه تحيّة إكبار للشهداء الذين قدّموا حياتهم و دماءهم فى خدمة الشعب ، فقد حزّ فى نفسنا ذكر شهيد حمل هموم البروليتاريا العالمية دون ربط الحلقات بمعنى ربطه بغيره من شهداء ذات الإنتفاضة و الإنتفاضات الأخرى السابقة فى تونس و شهداء الإنتفاضة الأخيرة و أيضا بالمضحّين بالغالي و النفيس من أجل تحرير الإنسانية جمعاء من كلّ صنوف الإستغلال و الإضطهاد القومي و الطبقي و الجندري و تحقيق الشيوعية عالميّا . بروليتاريّا ، دم عمّار العليبي يلتحم بدم فاضل ساسي و دم فتحي فلاح و حمّادى زلّوز و غيرهم فى القطر ليعانق كأحد الروافد نهر دماء شهداء البروليتاريا الذين غطّوا بدمائهم الزكية الحمراء الكوكب من أقصاه إلى أقصاه ، من كمونة باريس إلى أيامنا هذه و شهداء الثورة الماوية فى الهند أخيرا القادة آزاد و كيسنجي ... فالعالم أرحب و أرحب و أرحب بالنسبة للبروليتاريا العالمية و بالتالي لعمّار العليبي الشيوعي الماوي الأممي !
تحت تأثير هذه الأفكار التى راودتنا ، وجدتنا عوض أن نحثّ الخطى لنتوغّل فى مقدّمة الكتاب ، مغمضى العينين ، منقبضى النفس و قلبنا يعتصر ألما تضاعف بتواتر صور آزاد و كيسنجي و تداخلهما مع صور كثيرة لرفيقات و رفاق من العالم قاطبة ، فى ثواني معدودات كالومضة الضوئية.
و كدنا نتوقّف عن القراءة و نضع الكتاب جانبا لحين بيد أنّنا جمّعنا قوانا و أصدرنا لنفسنا أمرا قاطعا : إلى المقدّمة حالا! و بقدر ما كانت آمالنا عريضة و كبيرة فى الحصول أخيرا على إحاطة بكافة جوانب الإنتفاضة الشعبية فى تونس بقدر ما كانت خيبة أملنا ثقيلة ثقل الجبال الرواسي ، و بقدر ما جنّحت بنا الآمال بقدر ما كان السقوط مدوّيا .
و قد تملّكتنا بفعل شعور جارف بالإحباط فكرة تأجيل عملية القراءة إلى أجل غير مسمّى لقناعة نشأت فى داخلنا و كبرت بسرعة فائقة بعدم إنطواء الكتاب و ثناياه على تحليل و تلخيص شيوعيين ماويين و حرّكنا رأسنا فى محاولة لإسقاط فكرة تأجيل القراءة من ذهننا لكنها لم تطاوعنا بل تمسّكت أيما تمسّك فلم نعد نرى سواها و نحن نجول بنظرنا فى المكان الذى كنّا فيه . و فجأة فى داخلنا سمعنا صوتا خافتا كأنّ أحدا ينادين من بعيد لم نتبيّن لحظتها فحواه ثمّ أصغينا إليه بكلّ إنتباه فألفيناه يحدّثنا عن مواصلة القراءة و يدفع بفكرة بزغت فى البداية صغيرة للغاية ، فكرة إنجاز قراءة نقدية للوثيقة التى بين أيدينا و ما هي إلاّ لحظات حتى إستحالت ، بعد تفحّص الأمر من وجهة نظر المساهمة فى نشر الشيوعية الحقيقة و نظرية الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية - اللينينية - الماوية ، قرارا صارما و واجبا لا مفرّ منه عملا بما علّمنا إياه ماو تسى تونغ من الإستفادة من الأفكار الصحيحة و كذلك من الأخطاء ، و تحويل الشيء السيئ إلى شيء حسن .
و بذلت قصارى جهدي لأنهض بهذه المهمّة على أفضل وجه و النتيجة أضعها أمام الرفيقات و الرفاق خاصة و القارئ و القارئة عامة.
-----------------------------------------------
فى الفقرة الأولى من المقدّمة نقرأ أنّ الكتاب : " يطمح إلى الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمّة العربية ، بالتفكير فى ماهيمتها ، و محاولة رصد التناقضات التى تحكّمت بها ، و النتائج التى أفرزتها إلى حدّ الآن ، و المسار المعقّد الذى لا تزال تجتازه ، و الطاقات التى تختزنها و المأزق الذى تواجهه والسبل المفتوحة أمامها ، و بالتالى الوقوف على ما ظهر منها و ما خفي ، و إستشراف آفاقها ، و تسليط الضوء على شعاراتها ، و تحديد القوى التى حرّكتها و تلك التى جابهتها ، أي فهم علاقة مجموعة القوى المتدخّلة فيها بعضها ببعض ، و حصر مجالات فعلها و الوسائل التى إستعملتها ، و الوقوف على مهامها المنجزة و غير المنجزة ، فى صلة بالغايات التى رسمتها لنفسها ، فقد فرضت علي الأحداث التى عشتها خلال العام الذى يوشك على الإنتهاء من عمر الإنتفاضة ، متابعتها من موقع المساءلة النظرية ، آملا فى القبض على أفكار ، تساعد على الإجابة عن سؤال ما العمل؟ " ( ص3 ).
عظيم ! هذا ما قلناه فى نفسنا و نحن نبحر فى ثنايا الكتاب و نمنّيها بإشباع نهمنا للمعرفة رغم إستنكافنا خاصة من الجملة الأولى و " الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية " و إضافة " و من ثمة العربية " و كأنّ الأمر آلي أو أنّ هناك فى الواقع " إنتفاضة عربية " ؛ لكن خيبة الأمل كانت كبيرة عند بلوغنا الصفحة الأخيرة من الكتاب الذى قرأنا بصفة مسترسلة فى ساعات معدودات . فصاحب الكتاب لم يف بما وعد حيث لم نجد نصّا خاصا أو فصلا ل" تسليط الضوء على شعارات الإنتفاضة " على أهمّيتها و الشيء ذاته يمكن قوله عن " تحديد القوى التى حرّكتها و تلك التى جابهتها " و " الوسائل التى إستعملتها " إلخ . هذه المسائل و غيرها لم يأت عليها كلّيا أو بالعمق اللازم " البحث المتواضع " ( ص4) من جهة و الذى " يطمح إلى الإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمة العربية " من جهة ثانية !!!
و عند بلوغ نهاية الكتاب ، لم نخرج بأفكار واضحة أمل الكاتب القبض عليها ل " تساعد على الإجابة عن سؤال ما العمل؟ " عدا فكرة مواصلة النضال و الإنتفاضة .
و نتابع مع ما ورد على لسان الكاتب من :
" للإنتفاضة كينونتها فهي تحيى و تنمو من خلال حركة صناعها ، إنّها تتطلّب الدراسة بإعتبارها مسارا نحو الثورة ، أو إنحدارا نحو الثورة المضادة " .
و كتعليق مباشر ، نقول إنّ الإنتفاضة لا تحيى و تنمو من خلال حركة صناعها و حسب و إنّما أيضا من خلال التناقضات الداخلية لحركة صناعها و كذلك فى صراع ضد حركة القوى المعادية لها ، أعدائها . و بالتأكيد أنّ هذا الفهم لحياة و نموّ الإنتفاضة المستعصى على الضبط الدقيق من طرف الكاتب يصدر عن نظرة إحادية الجانب بعيدة عن النظرة المادية الجدلية للأشياء و الظواهر و السيرورات . والإنتفاضة ليست " مسارا نحو الثورة ، أو إنحدارا نحو الثورة المضادة " و إنّما هي لحظة مفصلية من لحظات الصراع الطبقي قد تكون جزئية أو عامّة ، و قد تنتصر و تحقّق بعض المطالب أو تنهزم و قد تشكّل هي ذاتها جزءا من ثورة - متبوع بحرب أهلية - إن توفّرت مقدّماتها و مستلزماتها و تمكّنت بفضل قيادة ثورية تتقن فنّ الإنتفاضة و تنظيم و حركة ثوريين وقوّة و وعي طبقي و مشاركة جماهيرية عريضة و تضحيات جسام من الإطاحة بالطبقة او الطبقات السائدة و جيشها و دولتها ككلّ و إرساء دولة جديدة عمادها جيش شعبي . يقول الرفيق ماو تسى تونغ " إنّ الثورة إنتفاضة و عمل عنيف تلجأ إليه إحدى الطبقات للإطاحة بطبقة أخرى"- مارس 1927-
و ما جاء فى فقرة أخرى من المقدّمة يحظى بأهمّة كبرى :
" و الإشتغال على هذه الإشكاليّات و محاولة حلّها ليس مقصده معرفي فقط كما ذكرنا وإنّما عملي أيضا، إذ يتمثّل رهانه فى إثراء معرفتنا بكفاح الجماهير المنتفضة ، بما يمكنها من وعي ذاتها و يفتح المجال أمام ولوجها دروب الحرّية ، بمعنى أنّ المقصد مزدوج ، فهو تفسيري و تغييري فى ذات الوقت ". ( ص 4-5 ).
هذه فقرة عظيمة أخرى لا تخطئها العين المتفحّصة ، إضطررنا إلى إعادة قراءتها أكثر من مرّة لأنّ خيوط المنطق الداخلي فيها متقطّعة فكيف يمكّن " إثراء معرفتنا بكفاح الجماهير" الجماهير ذاتها من " وعي ذاتها " ؟ بمعنى إن نحن تعرّفنا عليها بمزيد من العمق هل يتماهي ذلك أو يساوي أنّها تمكّنت من" وعي ذاتها " ! لا علاقة لهذا اللغو بالفهم الماركسي – اللينيني – الماوي لا للعلاقة بين الممارسة العملية و النظرية و لا لمقتضيات الخطّ الجماهيري !
هل تُمكّن معرفة كفاح الجماهير الجماهير ذاتها من " ولوج دروب الحرّية " ؟ لينينيّا ، ليس وعي الجماهير بذاتها فقط و إنّما و بالأساس عملها لذاتها بقيادة حزبها الطليعي أي سعيها لإفتكاك السلطة لتغيّر العالم من منظورها هي هو الذى يخوّل لها المضي صوب تحرير ذاتها و الإنسانية جمعاء كمهمّة تاريخية ملقاة على عاتقها .
و ينمّ إستعمال الكاتب لمصطلح " الحرّية " بصيغة عامة فضفاضة عن غياب الصرامة العلمية من وجهة نظر المنهج المادي الجدلي و بالمناسبة نذكّر بتحديد ماو تسى تونغ للحرّية بما هي " وعي الضرورة و تغيير الواقع ". و للأسف سيتمادى الكاتب فى إستعمال المصطلح إيّاه و بالصيغة إيّاها فى الصفحة عينها و فى ثنايا الكتاب ( مثلا أيضا صفحة 22 " شوقهم للعدل و الحرّية " – مضيفا هنا العدل بذات الصيغة الفضفاضة - ليؤكّد عدم إلتزامه بالمنهج المادي الجدلي و بالموقف الطبقي البروليتاري ).
إنّ فهم الكاتب للحرّية فى المجتمع الطبقي و جمعه بين كلمة الحرية و الدولة يتضارب مع الفهم الشيوعي الحقيقي لها وقد أصاب لينين حين صرّح فى " الدولة و الثورة " :
" الآن فقط ، يمكننا أن نقدّر كل صحّة ملاحظات إنجلس عندما سخر دونما رحمة من سخافة الجمع بين كلمتي " الحرية " و " الدولة " . فما بقيت الدولة ، لا وجود للحرية ، و عندما توجد الحرية تنعدم الدولة ."
والجملة التالية بالضبط للفقرة التى علّقنا عليها للتوّ ، تجانب الحقيقة بصورة مزعجة إذ ورد فيها " لقد مثلت الإنتفاضة التونسية الشرارة التى أحرقت السهل العربي" و الصيغة تعميمية لا تصمد أمام وقائع الحياة العنيدة و تذكّرنا بملاحظة سابقة صغناها و تشى بالنزعة المثالية لدى الكاتب الذى لا ينظر إلى الواقع المادي الموضوعي كما هو و إلى أنّ الحقيقة هي حدوث إنتفاضات فى بلدان معيّنة و عدم حدوثها فى بلدان أخرى ، بل يعوّضه بالتعميم و التجريد الذى ليس له أساس مادي و لا يعكس الحقيقة و بالتالى يسقط فى المثالية الذاتية لا غير تصل به حدّ الهذيان ب " إنتفاضة عربية متحرّكة " ( ص 6 ) !
ونفتح أعيننا على غياب الصرامة العلمية و الدقّة التاريخية فى " بما يذكّر بتلك الإجابة الطريفة الواردة على لسان الوزير الأوّل الصيني الأسبق شو آن لاي ، الذى سُئل يوما عن تقييمه للثورة الفرنسية فأجاب ..." . متى وقع ذلك ؟ فى أيةّ سنة ؟ و عن أية ثورة فرنسية يتمّ السؤال؟ هذا فضلا عن أنّ شو آن لاي ، ماويّا ، وسطي إلتحق باليمين و دنك سياو بينغ و دافع عنه و عمل معه ضد ماو تسى تونغ و القيادات البروليتارية الثورية داخل الحزب الشيوعي الصيني خلال الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى ، و خاصة إثر فشل الإنقلاب الذى حاول القيام به لين بياو و وفاته وهو يسعى إلى الفرار إلى الإتحاد السوفياتي سنة 1971. و من ثمّة ندقّق لمن يرغب فى فهم جملة الكاتب : شو آن لاي كان وزيرا أوّلا زمن الصين الماوية لسنوات إلى وفاته سنة 1974 و ما قصده الكاتب و لم تفصح عنه جملته بوضوح هو إنتفاضة 1968 بفرنسا و نكرّر إنتفاضة 1968 بفرنسا و ليست " الثورة الفرنسية " !!! و بالمناسبة فى الصفحة 43 سنجد الكاتب يتحدّث عن نفس الحدث فى فرنسا كاشفا عن " إنتفاضة ماي 1968 الفرنسية " ما يبرز لديه فضلا عن ما سقناه من ملاحظات ، خلطا فظيعا فى الفهم و التمييز بين الثورة و الإنتفاضة يزداد تأكّدا فى خاتمة المقدّمة و جملة " تلك الإنتفاضات أو ما أطلق عليه أحيانا صفة الثورات ". و كلّ هذا لا يبقى ظلاّ من الشكّ فى أنّ منهج الكاتب إنتقائي و موقفه الطبقي متقلّب و الإثنان يصبّان فى خانة الفكر البرجوازي و إن تقنّعا أحيانا لمصطلحات و إستشهادات منبعها رموز الشيوعية الثورية .
2- إضطرابات فى المنهج و الأفكار :

1- منهج يتضارب مع المادية الجدلية :
لبلوغ معرفة الواقع المادي المتحرّك و تحليل الأشياء و الظواهر و السيرورات يحتاج الباحث أو الباحثة إلى منهج فضلا عن الموقف الطبقي و وجهة النظر الطبقية التى ينطلق منها . و الباحثون و الباحثات الذين يتبنّون علم الثورة البروليتارية العالمية : الماركسية - اللينينية - الماوية يتبعون و يطبّقون المنهج المادي الجدلي فى أرقى ما بلغه بعد أن طوّره ماو تسى تونغ . و عليه و نظرا لأنّ صاحب الكتاب الذى ننقد يستشهد بماركس و بماو تسى تونغ ، يهمّنا أن نتطرّق للمنهج الذى إعتمده لنقف على مدى إنسجامه أو تضاربه مع المادية الجدلية و مدى عكسه أو تشويهه للواقع المادي الموضوعي و بالتالى ملامسته الحقيقة فى جوهرها و عمق روابطها و علاقاتها .
أ- مصطلحات و مفاهيم برجوازية فى نهاية المطاف :
بطبيعة الحال من أهمّ مكوّنات المنهج الأساسية ، المصطلحات و المفاهيم المستعملة فمنظّرو علم الثورة البروليتارية العالمية نحتوا مفاهيما و مصطلحات دقيقة علمية و زوّدوا أنفسهم و زوّدونا بها لكونها تعكس على أفضل وجه حقيقة الواقع المادي المتحرّك. و لمّا رصدنا منهج صاحب الكتاب الذى ننقد بهذا المضمار و تتبعناه فى النصوص التى صاغها ، ألفينا أنّ قريحته تفتّقت على ميوعة فى المفاهيم و المصطلحات هي فى نهاية المطاف إلى مفاهيم و مصطلحات مفكّري البرجوازية .
فالسيد و كأنّه تائه فى الظلام رغم أنّه فى غلاف الكتاب يقدّم نفسه مدجّجا بالكتب و البحوث ، يتحدّث عن " تاريخ الصراع بين البشر"( ص11) عوض تاريخ الصراع الطبقي ، و عن " الثورة العالمية " (ص 107) دون أن يحدّد الطبيعة الطبقية لهذه الثورة بمعنى هل هي ثورة بروليتارية عالمية أو برجوازية عالمية أم كما يرد على لسان الأصوليين الدينيين ثورة إسلامية عالمية . و إلى ذلك هل هي ثورة بروليتارية عالمية من منظور التروتسكيين أم الخوجيين أم...أم من منظور الشيوعيين الماويين ، البروليتاريين الثوريين؟ والإختلافات كبيرة و البون شاسع . و فوق ذلك ، نأكّد لأستاذ الفلسفة أن محاربة الطائفية و العرقية و العشائرية " تستلزم عملا مضادا " لا يستند إلى " فلسفة ثورية " فقط بل إلى نظرية ثورية ، نظرية البروليتاريا الثورية و علم الثورة البروليتارية العالمية .
و فى معمعان تفتّق قريحته ، يستعمل الأستاذ تارة مصطلح " عصر الإمبريالية " و طورا " عصر العولمة " ( ص75) . أمّا عن " الحرّية " فحدّث و لا حرج فهو لأكثر من مرّة يدرجها فى جمل من نوع " يفتح أمامها ولوج دروب الحرية..." و من قبيل " " ما تختزنه من بؤس و إضطهاد ونزوع إلى الحرّية " لا تفيد سوى معان هلامية لمفكّري البرجوازية فإنجلز عندما أشار إلى المرور من مملكة الضرورة إلى مملكة الحرّية كان يقصد بالحرّية بلوغ الشيوعية و متداول هو الفهم الماركسي الشائع للحرّية على أنّها " وعي الضرورة " ، وهو فهم دقّقه ماو تسى تونغ و طوّره لتصبح الحرّية وعي الضرورة و تغيير الواقع . فأين أستاذنا من الماركسية و من ماو تسى تونغ ؟
و على طول الكتاب و عرضه سادت مفردة " الشعب " غير أنّ أستاذنا لم يتوقّف و لو لحظة ، و لو مرّة ليشرح ما يعنيه بالشعب و ما هي الطبقات و الفئات التى تنضوى تحت هذا المفهوم المتحرّك مثلما أكّد لينين ، ما أشعرنا أنّه يستعمله ليس إستعمال باحث و إنّما إستعمال مواطن عادي فى الشارع تهيمن عليه الأفكار السائدة للطبقات السائدة .
و تطرّق فى الفصل الثالث إلى " الإنتفاضة و الديمقراطية " فأتحفنا بنفث للظلام بديمقراطية غير طبقية، أي لم يربطها بطبقة كما لم يربط بينها و بين المرحلة من جهة و بينها و بين الديمقراطية الجديدة الماوية من جهة ثانية و بينها و بين الديمقراطية البروليتارية من جهة ثالثة و كذلك بينها و بين الدكتاتورية بما هي الوجه الآخر لأيّة ديمقراطية على غرار ما فعل لينين فى " الدولة و الثورة ". بهذا يطمس الأستاذ المفاهيم اللينينية و يطعنها فى الصميم و يضرب عرض الحائط بما نظّر له معلّمو البروليتاريا العالمية . و تراه يلهث بمفاهيم برجوازية فى جمل من مثل " تلج به عوالم غير مكتشفة ، و منها " عالم الديمقراطية " و " الديمقراطية الحالية " و " حصر الديمقراطية فى إصلاحات " و هلمجرّا.
و لأنّ لنا عيون ترى و عقول تفكّر ننتبه إلى أنّ الأستاذ مثلما إستبعد المفاهيم اللينينية ، إستبعد المفاهيم الماوية عن الديمقراطية الجديدة التى طوّرها ماو تسى تونغ و من اللافت أيضا أنّه إستبعد كذلك قضية المرأة و المساواة من المسألة الديمقراطية فلم يتناول بالحديث إلاّ الإصلاح الزراعي و ركّز عليه التركيز كلّه دون سواه.
و علاوة على تغيير ثنائي " مركز / هامش " ب " مركز / أطراف " بما يذكّرنا بسمير أمين وهو ليس ماركسيا- لينينيا-ماويا، فى تخريجة غير ماركسية ، أطلّ علينا الأستاذ بمصطلح " المسار الثوري" فى إطار خدعة يرمى من ورائها إلى إيهامنا بتواصل الإنتفاضة و إمكانية تحويلها قريبا إلى ثورة . و إنتهت به محاولته التلاعب بالألفاظ فى سعي محموم وراء الزخرف اللغوي و الأسلوب الإنشائي إلى أن يتلو على مسامعنا صياغة " ثقافة الإنتحار بعد إنتحار الثقافة بفعل فاعل" ؟؟؟!!! وهي صيغة تترجم فقدان الأستاذ للبوصلة إذ هي لا تعكس الواقع المادي المتحرّك أصلا : ف" الثقافة " لم تنتحر و لا يمكنها ذلك وأي ثقافة هي تلك التى" إنتحرت " ؟ هل هي ثقافة الطبقات السائدة أم الثقافة المناهضة لها ؟ ( و هما وحدة أضداد / تناقض و التناقض كامن فى كلّ الأشياء و الظواهر و السيرورات ) وأين و متى؟ و كيف ؟ ... الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقات السائدة و ما إلى ذلك.
و يصل به هذا الأسلوب وهو يتحدّث عن المهمّشين الذين سدّت أمامهم المنافذ و ضاقت بهم السبل و طحنت الفاقة عظامهم حدّ إعتبار " حياتهم مثل مماتهم" وهذا غير صحيح ذلك أنّ إقدام المهاجرين سرّا على المخاطرة بحياتهم ليس هدفه الموت أو تساوي حياتهم مع مماتهم المدعى و إنّما هدفه هو البحث عن الشغل و بالتالى الحياة و ما يحدوهم هو أمل " الحياة الكريمة " نسبيّا فى الضفّة الأخرى من البحر الأبيض المتوسّط و ما يدفعهم هو اليأس من حلول فى بلدهم و ما يفرّون منه هو الفقر والعوز و الجوع و من هنا الموت . إنّهم يخاطرون بحياتهم من أجل الحياة ، ضد الموت وهو أمر غير خافي على من له عيون ليرى الواقع الموضوعي و لا يحاول وأده و التعتيم عليه بنوع من الحذلقة الفكرية و اللغة الإنشائية !
ب- المثالية فى تناول المسائل :
و قد تجلّى جانب المثالية فى منهجه فى عدّة مناسبات منها :
أوّلا ، المبالغة حدّ الكذب . و الأمثلة على ذلك كثيرة و وفيرة و منها :
أ- " فالتهميش يخترق المجتمعات الطبقية من أقصاها إلى أدناها ، و لا يمكن تصوّر وجود إمبريالية بدون تهميش و لا برجوازية [ لاحظتم و لا شكّ الخطأ إذ المقصود هو الرأسمالية ] دون هامش و لا إقطاعية دون هامش و لا أسياد [ مجددا خطأ فالمقصود عبودية ] دون هامش" ( ص11). و إضافة إلى الأخطاء التى أشرنا إليها و تداخل فى المفاهيم و خلط بين " التهميش " كفعل إرادي مقصود عن وعي وهو ما تفيده صيغة تفعيل فى العربية و بين هامش وهو إسم مكان ؛ نلاحظ سحب عملية التهميش على جميع المجتمعات الطبقية فى حين أنّ الواقع و التاريخ يبرهن على أن ما أسماه فى عنوان النصّ الذى وردت ضمنه هذه الجمل " أشباه البروليتاريا أو جيش العمل المهمّش " ظهروا إلى الوجود مع نمط أو أسلوب الإنتاج الرأسمالي و الإمبريالية أعلى مراحله و ليست نمطا إنتاج مغاير للرأسمالية . و حسب منطق كلام الأستاذ و منطوقه فى إطار العبودية ، العبيد هم الهامش فى مقابل الأسياد ( و الأصحّ أسياد العبيد ) !!!
ب- " و فى خضمّ هذه المواجهة تظهر شيئا فشيئا أشكال تنظيم جماهيرية متعدّدة ، وتحشد من حولها جمهورا تتزايد أعداده بإستمرار". ( ص60) وهو تعميم غير دقيق و لوعي الكاتب لمبالغته حدّ الكذب لم يفصّل هذه الأشكال " المتعدّدة " و عندما تحدّث عن بعضها نقد ميوعتها و جمعها بين اليمين و اليسار و فى مواقع أخرى من الكتاب يؤكّد إنفضاض الجماهير من حول أشكال تنظيمية معيّنة كما سنرى لاحقا.
ت- " و الثورة تأتي كإعصار و لا تترك للخصم فرصة لإلتقاط الأنفاس ، فهي تأخذه على حين غرّة و تفرض عليه الإستسلام لسلطانها..." ( ص 63). و " تفرض عليه الإستسلام لسلطانها " محض كذب فما إستسلمت الطبقات المهزومة لا فى الثورة البرجوازية الفرنسية وتاريخ فرنسا يثبت ذلك و لا فى ثورة أكتوبر و الحرب الأهلية و تدخّل البلدان الإمبريالية و عديد البلدان المتحالفة معها ضد الثورة يثبت ذلك ؛ و لا فى الثورة الصينية و مواصلة الكيومنتانغ المدعوم من قبل الإمبريالية الأمريكية صراعه و تأسيسه لدولة أخرى فى جزيرة تايوان و إنزال الإمبريالية الأمريكية لجيوش فى كوريا سنة 1950 أي بعد سنة من إنتصار الثورة الديمقراطية الجديدة فى الصين و تهديدها بغزو الصين . و لينين العظيم يشدّد فى " " اليسارية " مرض الشيوعية الطفولي" على إستمرار قتال أعداء الثورة للثورة بل و تضاعفه بعد فقدانهم السلطة . يروّج الأستاذ المثالي عندئذ للأوهام التى يريد أن يبسط هيمنتها على ذهن القارئ و القارئة.
و ثانيا ، أو الوجه الآخر لهذه المثالية هو تبنّى الحتمية التاريخية - كمادية ميكانيكية تنكر دور الوعي و النضال الطبقي الواعي و تسقط فى الإقتصادوية و نظرية قوى الإنتاج التحريفية - و تكريسها ففى الصفحة 44 يعرب عن أنّ " الطبقات المهيمنة لا مستقبل لها بالمعنى التاريخي للكلمة ، فهي تغرق شيئا فشيئا فى أزماتها المتتالية و تسير إلى مصيرها المحتوم..." و يقول فى الصفحة 54 إنّ " الوليد سيرى النور لا محالة " و " إنّه عرس الدم التونسي المتواصل الذى لن يكتفى بنصف إنتصار" ( صفحة 55).
و تتخذ بعض صيغ المثالية جمل " إمّا و إمّا " أو "خيارين لا ثالث لهما " (ص 91) و لا لون إلاّ الأبيض أو الأسود و هكذا من الصيغ المثالية التى نقدها نقدا لاذعا إنجلز فى " ضد دوهرينغ " ، ف " الإنتفاضات يتمّ القضاء عليها بوسيلتين إحداهما السيطرة عليها بسلاسة من داخلها ، و الأخرى قمعها ، و فى تونس لا تزال الرجعية تجرب الحلّ الأوّل..." ( ص 46).
إنّ هذا الكلام المثالي يغيّب إمكانيات أخرى كإستعمال العنف والمناورة السياسية معا ، العصا والجزرة ، بعد تلبية جزئية أو كلّية لمطالب المنتفضين و كشقّ الصفوف و إضعاف الحركة الإنتفاضية بتقديم بعض التنازلات و عزل البؤر المنتفضة و إستعمال العنف ضدّها . وهو ما حصل و يحصل فى تونس و تشهد على ذلك أحداث فى مناطق مختلفة من البلاد من قفصة إلى سيدى بوزيد إلى تونس العاصمة ." إمّا و إمّا " المثالية هذه تذهب فى عمقها و خاصة فى هذه الجمل بالذات ضد حقيقة أن " الحرب " مواصلة للسياسة بطرق عنيفة كما أكّد لينين و أكّد ماو تسى تونغ ، و العنف سياسة و المناورة و شراء الذمم سياسة و الإقناع و التضليل سياسة ...
نتضوّر جوعا " للإحاطة النظرية بالإنتفاضة التونسية ، و من ثمة العربية " فى حين يطعمنا المثالي أوهاما !
و ثالثا ، دوس العلاقة الجدلية بين الخاص و العام حيث وهو يقسم بأغلظ الأيمان أنّه أتى بما لم يأت به الأوائل من " الإحاطة النظرية بالإنتفاضة " ، لم يعمل الأستاذ على تنزيل ما حدث فى سيدى بوزيد فى إطاره العام أي أوّلا و بالذات الإطار العالمي قبل المرور إلى الإطار العربي و القطري و كأنّ ما جدّ بسيدى بوزيد منفصل عن ما جدّ ويجدّ فى العالم قاطبة و ما جدّ قبل بضعة سنوات (2008) فى الحوض المنجمي من إنتفاضة دامت أشهرا و ليس أياما معدودات و ما جدّ فى فريانة بالقصرين و فى الصخيرة بصفاقس و فى غيرها من مدن البلاد و أريافها . و كأنّ ما حدث فى سيدي بوزيد لم يتأثّر بما حدث فى تالة و القصرين و أيضا بتحرّكات فى تونس العاصمة و جهات أخرى فى ديسمبر بالذات .
الأستاذ لم يبذل أدنى جهد لإستقصاء هذا التفاعل تأثيرا و تأثّرا ما يجعل المرء يشعر بتكريسه نوعا من الجهوية و إحلال الجهة محلّ القطر و إستعماله فى الصفحة 28 لكلمة " شعب بأكمله " فى إشارة إلى سكّان ولاية سيدي بوزيد دليل آخر على ما نذهب إليه.
ورابعا ، اللجوء إلى مفردات تعميمية مثالية على غرار " فى بلد يعيش فيه الجميع ..." (ص 20) و " ماذا نملك لا شيء ، ماذا نريد ، كلّ شيء " ( علما أنّه لم يضع المقولة بين معقّفين) و " جموع الشعب " ( ص33) و " تلك المشاعر موزّعة توزيعا عادلا بين المنتفضين و أعدائهم" ( ص 128) و" أي ثورة " (ص 62 ) سابحا فى سماء المثالية طولا و عرضا.
و خامسا ،عدم فهم الفرق بين التناقضات المادية و السياسات التضليلية و من ذلك " بهدف تحويل التناقض الرئيسي من تناقض بين الشعب و أعدائه إلى تناقض فى صلب الشعب نفسه ، وهو ما كان سببا فى حرب جهوية و عشائرية متنقّلة " ( ص 67 و 96 ) حيث أنّ التناقض الرئيسي بين الشعب و أعدائه تناقض مادي موضوعي طبقي بمعنى أنّه يتحدّد بالتشكيلة الإقتصادية – الإجتماعية و المرحلة التاريخية و تطوّر الصراع الطبقي أمّا " التناقض فى صلب الشعب " الذى يتحدّث عنه هو فلا يتحدّد بما سلف عرضه بل هو سياسة فرّق تسد الرجعية التى تتوخّاها الطبقات السائدة لتضليل الطبقات الشعبية . حينما طرح ماو تسى تونغ معالجة التناقضات صلب الشعب كان يقصد التناقضات المادية صلبه بين الطبقات المكوّنة له و ليس سياسة فرّق تسد . و من هنا نخلص إلى أنّه يشوّه الفهم الماوي للمادية الجدلية و التناقض كقانونها الجوهري .
2- عدم دقّة و تضارب فى الأقوال من صفحة إلى أخرى :
و لأنّ مؤلّف الكتاب الذى بين يدينا لا يملك خيطا ناظما لأفكاره و لأنّه لم يعتن بمراجعة ما كتب متناثرا و على فترات متباعدة زادها غموضا عدم ذكر تواريخ كتابة كلّ نصّ ، و لأّنه كان على ما يبدو على عجلة من أمره فى تجميع ما كتب فى كتاب – لغاية او غايات نجهلها و لا نودّ الدخول فى تخمينات بصددها – و هذا عيب بالنسبة ل" باحث " و من يلزم نفسه بجدّية البحث و دقّته وصرامته ، فإنّ المضامين المعبّر عنها جاءت متضاربة فى عدّة نصوص . و إستباقا لحجّة تغيّر الأوضاع و أنّ الأقوال التى سنورد تعكس أوضاعا مختلفة ، نوضح من الآن أنّنا لن نورد سوى بعض تلك المتعلّقة بحقائق موضوعية لا غبار عليها و على سبيل الذكر لا الحصر :
أ- " فبعد هروب بن علي يوم 14 جانفي 2011 لحقه مبارك يوم 11 فيفري 2011 " ( ص 105). و الحقيقة هي أنّ مبارك لم يهرب بل تنحّى عن الحكم و ظلّ فى مصر و إلى يوم كتابة هذه الأسطر لم يخرج منها وهي معلومة على شيوعها لا يصحّحها أستاذ الفلسفة ذاته فى الصفحة 107 ، بل يعيدها خاطئة قائلا :" فقد رحل مبارك و تنحى عن السلطة هذا اليوم 11 فيفري 2011 " .
ب- ما لا تخطئه العين المتفحّصة هو أنّه عندما تطرّق للمهمّشين الذين فقدان الشغل يؤرّقهم و لا لقمة عيش تسدّ رمقهم فى " من التهميش إلى الإنتفاضة " ناقض نفسه حينما أكّد فى مطلع الفقرة أن ّ " هؤلاء لا يمكن للنقابة أن تجمعهم و لا للحزب السياسي أن يستهويهم ، و لا الجمعيّات أن تستوعبهم ، إنّهم جسم يستعصي على الضبط ..." ثمّ يواصل :" تجد فيهم الجماعات الفاشية فريسة سهلة ، و فى البلاد العربية مثلا نجدهم فى صفوف جيش المهدي أو السلفية الجهادية ، كما أنّ بعض المهاجرين فى أوروبا و أمريكا يجدون فى القاعدة تعبيرا عنهم ."
و نقف قليلا ريثما نسوق بعض الملاحظات الهامة . مفاد "هؤلاء" يجليه الأستاذ فى الصفحة 12: " نتعامل مع المفهوم فى دلالته الضيّقة التى تحيل إلى جموع العاطلين و النازحين و الباعة المتجولين و ماسحى الأحذية و المتسوّلين و القوّادين و البغايا و أطفال الشوارع الذين يصطلح على تسميتهم بالبروليتاريا الرثّة و أشباه البروليتاريا و ما تحت البروليتاريا " و عليه نلمس أنّ "هؤلاء" مجموعات غير متجانسة و لا يمكن أن نعمّم عليها حكما واحدا فمثلا ما دخل النازحين فى "هؤلاء" ؟ يوجد نازحون بمعنى المنتقلين من الريف إلى المدينة عموما مندمجون فى عملية الإنتاج يشتغلون كعمّال أو موظّفين أو أعراف و أصحاب مشاريع تجارية أو صناعية و لا يجب بتاتا توصيفهم ضمن "هؤلاء". الزجّ بهم هكذا يرقى إلى مستوى الصبيانية لا غير.
هذا من ناحية و من ناحية ثانية غني عن البيان أنّ " العاطلين " أو المعطّلين عن العمل أصحّ ، ليسوا كتلة واحدة و منهم من شكّلوا جمعيّات و نقابات لها قيادات مركزية و جهوية ما يفنّد تعميمات الأستاذ . و بالعودة إلى تناقض أقواله نقول إنّ الأحزاب السياسية لا تستهويهم يقول و فى نفس الوقت يؤكّد أنّنا نجدهم ضمن تنظيمات سياسية أو سياسية - عسكرية : " جيش المهدي أو السلفية الجهادية " . و إلى هذا نضيف أنّ تجارب الشعوب ، وهو ما سيذكره " أستاذنا " فى آخر مقاله الذى نحن بصدده ، تبيّن أن من البروليتاريا الرثّة من إلتحق بصفوف الثورة التى نظّمها الحزب الشيوعي الصيني فى الصين مثلا ، فى صفوف الجيش أو حتى الحزب و أبلوا البلاء الحسن .
و الأمر الجدير بالملاحظة أن ّ فى تجارب حركات التحرّر الوطني فى أمريكا الجنوبية وقع الإنتباه إلى أنّه يمكن إنتداب مناضلين و مناضلات من صفوف لا سيما المعطّلين عن العمل و تحويلهم إلى ثوريين محترفين . والحركات الأصولية الدينية بدورها إستغلّت هذه الإمكانية . و يجب أن يتفطّن لها الشيوعيون الثوريون و يوجّهوا هذه الطاقات فى خدمة الشعب بيد أن " الباحث " عن القبض على أفكار تساعد على الإجابة على سؤال ما العمل؟ لم يقدّم لنا كيفيّة تنظيم بعض "هؤلاء" و تطوير العمل فى صفوف على الأقلّ جزء منهم بل بجملته "لا يمكن للنقابة أن تجمعهم و للحزب السياسي أن يستهويهم" يدعو بصفة غير مباشرة إلى عدم النضال من أجل كسب من يمكن كسبه لقضية الثورة البروليتارية العالمية على عكس ما تفيدنا به التجارب عربيّا و عالميّا . و حتى لا نطيل أكثر محلّيا ، نوجّه الدعوة لدراسة كيف تتعامل التيارات الدينية الأصولية مع "هؤلاء" لعلّنا، و نحن إلى الآن لم نستفد من الرفاق والأصدقاء لغياب الدراسات فى هذا المضمار ، نستفيد من الأعداء ، لعلّنا درسا نستخلص و بعبرة نستأنس لنحدّ من تأثير الأصوليين الدينيين عليهم و نطوّر تأثيرنا نحن فيهم ، مع وعينا التام بإختلافنا عن الرجعيين فى الغايات و الأساليب .



#ناظم_الماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاحية و خفض الآفاق و التنازل عن المبادئ الشيوعية(1) حزب ...
- مقدّمة - لا للإنتهازية : الإنسانية في حاجة للثورة و الخلاصة ...
- خاتمة - المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السياسي لحزب الكادحي ...
- تمخّض جبل فولد فأرا )11) المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و الس ...
- إحتجاجات شعبية جديدة في تونس : لاواقعيّة إصلاح دول الإستعمار ...
- إبتكار أم إجترار ؟ )10) المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السي ...
- - مزاعم إحتقار النساء - أم حقيقة خطّ إيديولوجي و سياسي ؟ )9) ...
- المنطق الشكليّ و المثاليّة الميتافيزيقيّة أم الماديّة الجدلي ...
- النظريّة و الممارسة : الموقف الشيوعي أم الموقف التحريفيّ ؟ ) ...
- نقد التحريفيّة و الإصلاحيّة أم الدفاع عنهما ؟ )6) المزيد عن ...
- ممارسة النقد و النقد الذاتي أم إغتيال الفكر النقديّ ؟ )5) ال ...
- منّة أم واجب ؟ )4) المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السياسي ل ...
- حماقة أم ذكاء ؟(3) المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السياسي ل ...
- النقد المبدئيّ الجدّي و العلميّ و الدقيق أم الشتيمة ؟ 2)) ال ...
- الحقيقة للجماهير أم مغالطة القرّاء و تضليلهم ؟ )1) المزيد عن ...
- مقدّمة -المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السياسي لحزب الكادحي ...
- المزيد عن الإفلاس الإيديولوجي و السياسي لحزب الكادحين تونس- ...
- خاتمة كتاب - نقد ماركسية سلامة كيلة إنطلاقا من شيوعية اليوم ...
- عن تجربة سلامة كيلة فى توحيد- اليسار - – النقطة 6 من الفصل ا ...
- ملاحظات نقديّة لفهم سلامة كيلة للصراع الطبقي فى سوريا – النق ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناظم الماوي - إضطرابات فى المنهج و الأفكار (2) تشويه الماركسية : كتاب - تونس : الإنتفاضة و الثورة - لصاحبه فريد العليبي نموذجا