أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - ميخايلو هورلوفي ينحت لبنان حبًّا وشعرًا















المزيد.....

ميخايلو هورلوفي ينحت لبنان حبًّا وشعرًا


عماد الدين رائف

الحوار المتمدن-العدد: 5555 - 2017 / 6 / 18 - 21:15
المحور: الادب والفن
    


في الطائرة التي أقلتني من كييف إلى بيروت أواخر آذار/ مارس الماضي، بحثت في حقيبة اليد عن كتاب أهدانيه ميخايلو هورلوفي إثر عرض لكتابي "1897 قصص أغاتانغل كريمسكي البيروتية". في الواقع كنت قد تفاجأت به يتحدّث عن تجربته في لبنان وما تركه من منحوتات فيه، بين العامين 1998 و2011. لم ألتق به من قبل، لكن إحدى منحوتاته في بعنوان "الحبيبان"، في بلدة ذوق مصبح، من الصعب أن تغادر الذاكرة إن احتلّتها في ليلة ربيعيّة لطيفة. إلى جانبي كان في المكتبة.. نظرت إليه وهو يقرأ إحدى قصائده، ولم أكن أعرف آنذاك أن مبدعَ الصخر نحتًا، ينحت بالكلمات حبّه للبنان وطبيعته وناسه. لم يكن بإمكاني أن أهديه أحد كتبي المعدودة التي حملتها معي من بيروت، والتي كانت برسم الحفظ في المكتبة الوطنيّة. أسفت لذلك. وقد كان من نصيبي في رحلة الطائرة التي استمرّت لثلاث ساعات غوصٌ ممتع في كلمات ديوان ميخايلو الرابع "شعرٌ في الحجر"، الذي صدر قبل ست سنوات، واحتوى على قسم باسم "لبنان" مع رسم جميل.
فكّرت في مدى امتناني للأستاذين مارون ورودريغ مرهج، اللذين فتحا أمامي باب عرض كتابي في كييف الذي نظمته السفارة الأوكرانية في لبنان وإدارة المكتبة، فغطّيا كلفة الرحلة والإقامة فيها على أرقى ما يكون.. ومدى سعادتي بلقاء وجه طيّب كالصديق غسان الغصيني، رئيس النادي الثقافي اللبناني في أوكرانيا، أحد منظمي حفل عرض الكتاب، والذي رافقني في أيام الإقامة الثلاثة ومنحني كل ّ وقته، وأراها قد تمّت سعادتي بقراءتي لتجربة فنان كبير، شرّفني بعرض جانب منها في حفل رائع غصت بحضوره قاعة المجلس العلمي في "مكتبة فيرنادسكي الوطنية الأوكرانية".
وما هي إلا ثلاث ساعات، إلا كنت على أرض بيروت ليلًا.. بعد الدرجة الأولى في الطائرة والفندق والضيافة الممتازة، ها أنا في وطني من جديد قد لا أملك من المال ما يكفي لتاكسي المطار أن تقلّني إلى البيت.. ضحكت في سرّي ولعنت مصير الكتّاب في وطني. ضحكت.. ولم تعد في البال إلا كلمات أدندنها شعرًا بالعربيّة، أمازج بين كلمتين منها حينًا، وأقلّب تفعيلة مكان أخرى بينها أحيانًا، وهي كلّها مستمدّة من إحدى قصائد ميخائلو، التي أسميتها "المدينة الأحبُّ" كونه لم يضع لها عنوانًا:

"بيروتُ يُزهرُ ليلُها بالنُّور وهّاجا،
سيارةٌ تلو اختها... تنساب أمواجا،
كورنيشُها ملقى الأحبَّةِ فيه أفواجا،
حيثُ الجمالُ مجسّدٌ، والسحرُ في بيروت.
***
بين المطاعمِ والمقاهِي خافِقي عَانَى،
والكأس كان مزاجها شمسًا ورُمّانا،
والبحر رشَّ رذاذُهُ ملحًا وألوانا،
عمّدْتِني من عطرِه وهواكِ يا بيروت!".
***
لكن، أليس ذلك غشًا؟ أن أشارك هورلوفي أفكاره المنظومة عن لبنان، أن أحشر بيتًا آخر لا مكان له: "يغشى الحِسانَ برقّةِ تُمسيهِ سكرانا..." كيف يمسي بحر بيروت ثملًا حين يلمس رذاذ أمواجه وجنات الصبايا المتمشّيات على كورنيشه! أجب!
ضحكتُ. أم لعلَّ كلّ ترجمة شعرية هي شراكة ما، تنتج شعرًا آخر، كما قيل، ولا مكان في ترجمة الشعر للحَرفيَّة، حيث سيكون ذلك نفسه خيانة للنص. أي أن الخيانة هنا معكوسة، تكمن في النقل الحرفي لا في التناصّ التام. حسنًا، لن أتابع... وهكذا، مرّت الأيام، وقرأت ما نظمه ميخايلو عن لبنان، ورأيت أن ليس لدي ما أهديه في المقابل سوى ترجمة حرفيَّةً إلى العربيَّة. فلتكن خيانة، وسأترك النظم إلى حين آخر.

ميخايلو اللبناني

ولد ميخايلو هورلوفي في بلدة تشيربانكوفكا الأوكرانية، سنة 1952، وأنهى "معهد كييف الوطني للفنون" سنة 1992، وخاض مسيرة وطنيّة إبداعية طيلة تسعينيّات القرن الماضي، وصولًا إلى الألفية الجديدة، التي ضمّت أعمال مرحلة الرشد في فنون نحت الصخر والحجر، والخشب والبرونز، وغيرها من الأعمال التي خوّلته أن تحفظ أعماله في عدد من المتاحف الوطنية الأوكرانية، والمتاحف والمجموعات الخاصّة العالمية في كندا والولايات المتحدة، وفنلندا، وفرنسا، وصربيا، والمغرب، وسوريا، وبريطانيا، وإسبانيا. وهو عضو "الاتحاد الوطني لفناني أوكرانيا"، و"الاتحاد الوطني لكتّاب أوكرانيا"، وكذلك عضو "الاتحاد الأدبي – رادوسين". أما رحلته اللبنانية فلها طعم خاص، حيث تشارك فيها على مراحل منذ العام 1998 ولأكثر من عشر سنوات مع رفيق له في مدرسة الإبداع هو الفنان اللبناني العالمي بيار كرم، أو على الأقل لم أتمكّن شخصيًّا من قراءة منحوتات ميخايلو من دون التعريج على ما استشفّيته من أعمال كرم التي تملأ لبنان نورًا وفلسفة محبَّة.
يقول الكاتب الأوكراني أناتولي فيسوتا الذي زار لبنان ثلاث مرّات، إن أحبّ أعمال ميخايلو هورلوفي إليه هي بعنوان "الربيع"، وتحتل مكانًا جميلًا في القسم الأعلى من بلدة عاليه، التي يسميها فيسوتا "مركز جنّتنا". وأعتقد أنّ فيسوتا لم ير منحوتة أكثر إبهارًا لميخايلو وهي "حوريّة البحر" في عمشيت.. أعتقد أنّه كان ليقف أمامها ساعات. وقد ترك ميخايلو نحو 15 منحوتة صخرية في لبنان، وأذكر منها، "أغنية أوكرانية" في بلدة راشانا الجبليّة سنة 1998، "الأمازونية" في بلدة عاليه سنة 2000، "الربيع الغضّ" في بلدة رأس المتن سنة 2001، "الربيع" في عاليه سنة 2001 كذلك، "الأمومة" في بلدة ذوق مكايل سنة 2002، "الشواطي" في مدينة جبيل سنة 2003، "السيدة" في ذوق مصبح سنة 2004، "العرائس" في بلدة ذوق مكايل سنة 2005، "العاشقان" في ذوق مصبح سنة 2006، "العطاء" في عاليه سنة 2009، "وإلهة الفكر" في عمشيت سنة 2010، وصولًا إلى "حورية البحر" المنوّه بها في عمشيت سنة 2001.
أما نحتُ الكلمة شعرًا، فلا تقل مسيرته إبداعًا لدى هذا الفنان، فديوان "شعرٌ في الحجر" الصادر سنة 2011، هو الرابع في مسيرته الشعريّة، التي بدأت مع "أنا دير في مهاوي تريبوليس" سنة 1996، وتابعت مع "أولاد الإله جاد" سنة 2000، ثم مع "الطريق إلى أوكرانيا" سنة 2006.
ومن أشعاره التي اخترتها للترجمة قسم "لبنان" في ديوانه "شعر في الحجر"، جاء فيه:

مساءُ بيروتَ يُزهر بالأضواء،
حيث تنتشر المطاعم والمقاهي.
تنساب السيّارات كالأمواج في المدينة،
وتتهادى السيدات والفتيات على الكورنيش.
اليوم، نحن كذلك في مطعم "فيندوم"،
نحتسي أقداح شراب مشمس،
وآخر ممزوج بعصير الرمّان.
وهناك، عبر النافذة، ينظر إلينا المتوسّط،
ويرش رذاذ أمواجه على العابرين.
***

يوم برتقاليُّ في البقاع،
تغشاهُ سحبٌ خفيضة لطيفة،
يصرخ الربّ من الجبال بقوس قزح،
ويضرب البحر من البعيد طبوله الصاخبة.
تحلم النجوم في ليل السهل،
والسماء الزرقاء هي ملكوت البعل،
ذاك العمود النحيف الرشيق،
الذي ينتصب في المعبد كربّة الحسن.
***

جبيل، المدينة التي انتظرتني ردحًا من الزمن،
حين تلوّن أشعّة الشمس الرذاذ على الوجنات،
وتتناثر على شاطئها الصخري بصخب
***

عند الشلّال الأزرق المائل إلى الخضرة،
المنحدر على الجرف بلطف،
أقف بين قمم جبال من العنبر، ثملًا بعبق التين،
والصخور المعلّقة فوقي، كسحب بيضاء مقيمة،
وأعلى الجبل الأخضر، تشيب القمم بصمت.
***

الريح تعصف حاضنة الغبار،
تزفر كلسان لهب من هالة الشمس،
تشعر هنا بلسعة التنفّس الثقيل،
بين قعرين متورّمين - بحر وسماء.
***

الشمس تشعُّ بشراسة، على قمم لبنان –
وحدهُ الأرز يقفُ هنا في مملكته الخضراء،
يزهرُ وسط الجبال الشاهقة... بعمق.



#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صرخة امرأة.. أرقى ما نظمت مارينا وما غنّت تمارا
- حبيبات إيفان فرانكو.. بين حياته وأشعاره الحميمة - 1 -
- صخر عرب مجسّدًا صراع الأجيال والقيم في روايته -نسيم الشمال-
- لا تقترب من -هاوية- زينب مرعي قبل النوم!
- أوديسا، كييف، موسكو... رحلة الستين عامًا
- أتأبّطُ تمساحًا برتقاليًّا وأعانقُ أغنية
- الأرضُ خاويةٌ بدونك مظلمة.. فارجعْ إلىّ
- حلم باجنيان الأحمر.. بين ضفتي الحرب والحُبّ
- هذا المطرُ لنا يا فيتيا
- رؤيا شاب قوزاقي تطيحُ رأسه
- عصفورة إيفان الجريحة بصوت ديانا الملائكي
- ليف أوشانين: سأنتظرك - عيون الشعر الأوراسي المغنّى (1)
- ليو تولستوي في مدينة زحلة
- ستيبان كوندوروشكين حيٌّ من جديد - 2 -
- ستيبان كوندوروشكين حيٌّ من جديد – 1 –
- أوكرانيا: حكاية إعادة إحياء -عالم الشرق-
- الحياة الثقافية في تركمانستان: بين أزمة الهوية وبقايا القمع ...
- الحياة الثقافية في تركمانستان: بين أزمة الهوية وبقايا القمع ...
- الحياة الثقافية في تركمانستان: بين أزمة الهوية وبقايا القمع ...
- أوسيتيا الجنوبية: عامان على حرب الأيام الخمسة


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عماد الدين رائف - ميخايلو هورلوفي ينحت لبنان حبًّا وشعرًا