أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فواد الكنجي - بومجارتن، أول مؤسس ومنظر في علم الجمال وفن الشعر الحديث















المزيد.....

بومجارتن، أول مؤسس ومنظر في علم الجمال وفن الشعر الحديث


فواد الكنجي

الحوار المتمدن-العدد: 5553 - 2017 / 6 / 16 - 08:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لما كان الشعر التقليدي او بما نسميه (الشعر الكلاسيكي)، يعتمد البلاغة القائمة على النزعة الصورية المنطقية بغية للوصول إلى الكمال او الجمال كهدف أسمى والذي لا يأتي إلا بتكامل الانسجام و التناسق بين الشكل والمضمون او الجوهر والصورة، لان وحدة الوجود كانت فلسفتها الجمالية و- منذ البدا - قائمة على الوحدانية الجوهر ورفض التناقض، وهذه الصورة ظلت قائمة في الفلسفة إلى النصف الأخير من القرن الثامن عشر حينما أنجز الفيلسوف الألماني (بومجارتن)- الكسندر جوتليب بومغارتن 1714 – 1762 - أول بحث عنونه بـ(تأملات في الشعر وفنيته) عام 1753 موظفا لفظة (استطيقا) للدلالة على (علم الجمال) حيث عرف (استطيقا) بوصفها علما يختص بالتمظهر الحسي. و بصورة عامه فان (الاستاطيقا) هو علم المتعلق بـ(الإحساسات) ويطلق عيه بعلم (الجمال) أو (علم الحساسية) .
وحينما أصدر كتابه الأشهر( استيطيقا) في مجلدين حدد هذا (المفهوم) - أي الاستطيقا الدالة على علم الجمال - بوصفه دالة على (نظرية الفنون الحرة)، و(نظرية في المعرفة الدنيا)، و(المعرفة الحسية). وهكذا ميز (بومجارتن) بين (فلسفة الجمال) و (علم الجمال)، معتبرا بان (علم الجمال)هو فرع من فروع (الفلسفة الاستطيقا- الجمال) وحدد موضوعه في تلك الدراسات التي تدور حول (منطق الشعور والخيال الفني). بمعنى أخر، إن (بومغارتن) أكد بوجود علمين، (علم للتفكير المنطق) و(علم الإحساس) أي الطريقة التي يتم الإحساس بها بالعالم و تمثيله فنيا.‏ بمعنى ان (بومغارتن) ميز بين قوى العليا للمعرفة وهي (القوى العقلية) وأخرى قوى دنيا هي( القوى الحسية). ومن هذه الحقيقة رأى أن (القوى العليا) لها (علم ) يختص بدراستها وتقويمها (علم المنطق)، بينما (القوى الدنيا) المتعلقة بالإدراك الحسي والتذوق الجمالي تحتاج هي بدورها إلى (علم) خاص يستقل بدراستها وهو علم يسميه (بومجارتن) بـ(الاستيطيقا)، محددا إياه بكونه (منطق الشعور)، وإذا كانت (القوى العقلية تهدف إلى الحقيقة)، فإن القوى الثانية أي (القوى الحسية تهدف إلى معرفة الجميل)، وعلية عكف (بومغارتن) إلى تأسيس علم يختص بالقوى الحسية التي غايتها هي المعرفة بالإدراك الحسي لتذوق كنه الأشياء الجميلة، فصنف هذه المعرفة إلى ثلاثة أصناف من المعرفة:
الأولى، (المعرفة العقلية) وقصدها هو الحقيقة.
الثاني، (المعرفة المتعلقة بالسلوك الأخلاقي) وغايتها الخير.
الثالث، (المعرفة الشعورية) وهي ذات طبيعة غامضة ومبحثا وغايتها هو الجمال.
وهذه الأصناف الثلاثة تلتقي في مفهوم (الكمال) وحافز حراك هذه المعارف هو (العقل) و(الإرادة) و(الشعور) وهي القوى التي تتعلق من جهة القصد الغائي بـ(الحقيقة) و(الخير) و (الجمال) .
وموضوع (علم الجمال) يتحدد في دراسة الشعور الإنساني من حيث علاقته بذاته وبالوجود من حوله، وأنتجاته الجمالية لا ترتهن بالاستعمال والمنفعة، لأن الإنتاج الفني، إنتاج جمالي بعيد عن المنفعة، و (بومغارتن) كفيلسوف محدث حاول أن يحل إشكالية إخضاع (الجميل) للدراسة من خلال إقران ظاهري لتعريف (الجميل) والتي تتركز حول (الفن) على نقطتين:
اولا، أن الفنون مادة غير عقلية.
ثانيا، أن الفنون ما هي إلا نوع من الإتقان البشري الموازي للإتقان العقلي.
بمعنى ان الشيء الذي يعني إمكانية إخراج جزء من جوانبه من مجال التأمل الفلسفي الميتافيزيقي إلى مجال التحليل الدقيق الحسي .‏
وكان هدف (بومجارتن) من وضع هذه الأسس هو تحرير (الفن) من سلطة البلاغة الكلاسيكية ذات المبنى المنطقي، وتأسيس علم جديد يبحث في جوهرية (الفن)، وفي أسسه الجمالية، علم يتمرد ويتحرر من الرؤية الكلاسيكية التي تفهم التعبير بوصفه (منطقيا) و(استطيقيا) في نفس الوقت. ليضع (بومجارتن) البديل عنه وهو (علم الاستطيقا) الذي هو علم المعرفة الحسية، علم نظرية الفنون الجميلة والتي تهيمن عليها أفكار لا هي واضحة ولا هي غامضة، يمكن الإحساس بها في مضمونها ونتائجها. إذ أنها تقدم معارف حسية انفعالية، منسقة، تنسيقا، بسيطا وجميلا لتصبح كل الإشكال في (الفن) مستقلة عن النموذج وينظر إلى العمل الفني بوصفه (كينونة الأحاسيس) ولا شيء غير هذا لأنه موجود في ذات الإنسان المشعرة)، لان هناك فرق وتميز بين (الجمال) و (الفن) من حيث الأمور الحسية و الوجدانية، فـ(الجمال) ليس بحسي لان أمره متعلق بالأمور الوجدانية و الأحاسيس، إما (الفن) فأمره متعلق بشؤون إما (خلق) أو إعادة (خلق)، فهو مكون مادي محسوس - سواء أكان بشكل لوحة فنية أو تمثال وحتى القصائد الشعرية أو إعمال موسيقية - (بالرغم من عدم قدرة المرء على لمس النغمات أو الكلمات الشعرية إلا انه قادر على لمس الآلة التي صنعت أو خلقت هذا العمل ان كان بيانو أو قلم) .
ليكون (فن الشعر الحديث) وفق هذا البناء هو التحرر من قواعد ومنطق البلاغة الكلاسيكية لان مفهوم (علم الاستطيقا الحديث) يضع حدا فاصل بين نظام البلاغة والاستطيقا، ان لم ترتقي الصورة إلى حد إعلان القطيعة بين (نظام البلاغة) القائم على قواعد شكلية و مبادئ صورية صارمة يقيم على أساسها العمل الفني باعتباره محاكاة للطبيعة، و(نظام الجمال الاستطيقي) يقوم على مبدأ الإحساس بالجمال، الذي من خلاله يتم تذوق (الفن) باعتباره يعطي كل الإمكانية لتحرر (المخيلة) من قيود العقل الصورية.
فـ(علم الجمال الاستطيقا) الذي أنجزه (بومجارتن) لم ينطلق إلا نتيجة إدراكه بوجود أزمة معرفية على مستوى المفاهيم النقدية لازمت (الأدب) و(الشعر) و( باقي الفنون)، كون هذه التصورات و المفاهيم عجزت عن إدراك تحولات الإبداعية الحديثة التي جاوزت أبعاد العالم القديم، فحاولت تجاوز حدود نظامه (البلاغي) التقليدي الجاثم فوق مبادئ المنطق الصوري، ولهذا أراد (بومجارتن) تجاوز هذا النمط التقليدي ليقوم بوضع حدا فاصل بين (المعرفة الحسية الغامضة أو الاستطيقا)، و(المعرفة العقلية المنطقية الواضحة)، بكون الحقيقة المنطقية تختلف عن (الاستطيقا)، لأن الحقيقة الميتافيزيقية أو الموضوعية، تتمثل حينا في العقل، عندما تكون حقيقة منطقية بالمعنى الضيق، وحينا - فيما يشبه العقل وملكات الإدراك البسيطة - عندما تكون (استطيقا).
ولهذا فإن (بومجارتن) فصل بشكل أساسي بين (التفكير الصرف بوصفه مصدرا للمنطق) وبين (الإدراك الحسي المبهم باعتباره أساسا للاستطيقا)، ليكون (بومجارتن) قد وضع إعلانا صريحا لنهاية(البلاغة) التي تتماها في نظامها المنطقي بالجمال الفني بما يهيمن من خلاله القياس الصوري على فكرة الجمال، ويجعلها خاضعة لحكمه، باعتبار إن (بومغارتن) قد توصل إلى نقطة مهمة بواسطة (الفكر) لا يمكن بأي شكل من الإشكال تجاوزها، بكون أن هناك نوعا خاصا من النظام و (الإتقان) لا يخضع للإدراك العقلي بشكل كلي، فان كان (العقل) الذي يدرك الموجودات ويفسرها تفسيرا منطقيا و مجردا، فهناك في المقابل ظواهر مؤثرة و مبهجة في الذات يصعب تفسيرها، فإدراك (الجمال) يعتمد على الأحاسيس الفردية و الذاتية التي يصعب أن نصوغ حولها أحكاما عامة ومتفق عليها، لكنها مع ذلك تستحق أن تتم دراستها في فرع أو تخصص فلسفي كـ(علم) يهتم بدراسة الطرق التي نربط بها الواقع بواسطة (الحواس)، على غرار ارتباطنا به منطقيا من خلال ملكة العقل .‏
وكان لهذا الطرح الذي قدمه (بومجارتن) شديد التأثير على كل الفلاسفة الذين عاصروه أو من أتوا بعده، فـ(بومجارتن ) حين سمى هذا التخصص في مجال الأحاسيس من الفلسفة بـ(فلسفة علم الجمال) كونه قد أسهم إسهاما متميزا وفريدا في هذا المجال وخاصة في وعيه على ضرورة تأسيس علم مستقل بـ(الظاهرة الجمالية)، وهذا ما لم يفطن إليه أي دراسة فلسفية قدمها الفلاسفة في بحوثهم النظرية من قبل، فحتى الفيلسوف (ديكارت 1596 - 1650) لم يشر في مؤلفه (ملخص في الموسيقى ) إلى أي بحث خاص بهذا الشأن مع أنه قد أشار إلى (الجمال) باعتباره ظاهرة، لذا كان إسهام (بومجارتن) إضافة نوعية، إذ بفضله (أصبح للفن علم خاص)، ومن خلل بحوثه القيمة -أكد فيما بعد- الفيلسوف (عمانوئيل كانط 1724 – 1804 ) بما ذهب إليه (بومجارتن) بالقول:
(( ..إن الخبرة الجمالية لا ترجع إلى النشاط النظري الذي يقوم به الذهن، الذي يحدد شروط المعرفة في علوم الرياضة والفيزياء، كما لا ترجع إلى النشاط العلمي الذي يحدد السلوك الأخلاقي المعتمد على الإرادة، لكنه يرجع إلى الشعور باللذة الذي يستند على اللعب الحر بين الخيال والذهن..)).
إما الفيلسوف الكبير (هيغل، 1770- 1831 ) وهو يتحدث عن (الاستطيقا) ضمن سياق فلسفته عن الشعر فيقول :
((..الشعر هو الفن المطلق للعقل، الذي أصبح حرا في طبيعته، والذي لا يكون مقيدا في أن يجد تحققه في المادة الحسية الخارجية، ولكنه يتغرب بشكل تام في المكان الباطني، والزمان الباطني للأفكار والمشاعر..)).
ومن هنا نستشف بان (علم الاستطيقا ) الذي بناه (بومجارتن) يكون بيانه بان الذات المستقبلة للموضوع لها دور أساسي في التقويم الجمالي، وهنا يقول (بومجارتن):
((...إن ظهور الكمال، أو الكمال الواضح للذوق بمعناه الضيق هو الجمال، والنقيض المقابل هو القبح، ومن ثم فإن الجمال بهذه المثابة يمتع الناظر، والقبح بهذا الشكل يبعث الضيق..)).
ولكي نفهم هذا سلوك إنما نفهمه من خلال (الذات) وانطباعاتنا وإحساسنا حول الأشياء المحيطة بنا دون وجود قواعد لذلك لان (علم الجمال) لا يتدخل في فرض القواعد سلوكية او ذوقية التي ينبغي أن يلتزم بها الفنان لتحقيق شروط معينة لتحقيق (الجمال) في إنتاجه، بل هو يبحث في أحكام الناس الجمالية، فالحكم على الأشياء بـ(الجمال) مختلف بين كائن وأخر لأنه حكم منعكس، لا يقع على الأشياء الخارجية، وإنما على الذات نفسها، وعلى ما تتأثر بها إزاء الأشياء الخارجية، لأن (الجميل) كما يقول (كانط): ((.. لا يندرج تحت تصور معين من تصورات الذهن، لأنه ليس حكما منطقيا ناتجا عن تعميم، ولكنه حكم خاص، فقول هذه الزنبقة جميلة، هو حكم مختلفا عن قولي كل الزنبق جميل..)).
ومن هنا تتضح معالم (علم الاستطيقا الجمال) باعتباره ((علم المعرفة الحسية، غايتها هي كمال المعرفة الحسية، وهذا هو الجمال، و(نقص) في المعرفة الحسية هي القبح، والأشياء بهذا المعنى يمكن التفكير فيها بطريقة جميلة، وأيضا فأن الأشياء الجميلة، يمكن التفكير فيها بصورة قبيحة..))، لنستنتج بان مفهوم (الاستطيقا) من حيث كونها (علم) كما يصفه ( بومغارتن ):
هو (علم) يهتم بـ(الأحاسيس).
ولما كانت (الأحاسيس) يقتصر مجالها في النفس البشرية.
ولما كانت (الاستطيقا) علم للأحاسيس (الجميلة) و (القبيحة).
‏فأن (الأحاسيس) لا يمكن أن تتم إلا من خلال (الإدراك) عن طريق (الحواس) لشيء ما، من ظواهر الأشياء بمعنى أن أي ظاهرة من ظواهر التي ندركها عبر الإحساس لابد - بهذا القدر أو ذاك - تثير فينا شعورا بالجمال بمعنى (الرضا) أو شعور بالقبح بمعنى (النفور).
فان شعورنا بلذة (الجمال) أو النفور من (القبح)، هما القاعدة الأساسية التي ينطلق منها (بومغارتن) في (علم الجمال) فان جوانب هذا (العلم) تتسع تجلياتها في الوجود والتي لا يمكن إغفالها ولكن التركيز ينصب بالدرجة الأولى في مضمار (الفن) باعتباره المجال الإنساني المخصص لتحقيق هذا الإحساس (الاستطيقي)، والذي بدوره يفرض -هذا الإحساس- علاقتنا المباشرة مع ما هذا (الشيء) الماثل إمامنا، وهذا (الشيء) هو في وجوده المادي (الأنطولوجي)، هو (شكل)، غير أن (الشكل) أين كان نوعه قد لا يثير بالضرورة أحاسيس الإنسان، وبالتالي فـ(ليس كل شكل جميل)، إلا إذا توفر فيه عنصر (الإتقان)، وبذلك نستشف بان علم (الاستطيقا)، علم يهتم بالأشياء (المتقنة) و (المتميزة) في الطبيعة عبر (الفن)، وبما أن هناك تفاوتا في نسبة هذا (الإتقان) إذ ليست كل الآثار (الفنية) رائعة وكاملة
. ومن خلال هذه الرؤية لـ(علم الجمال) فان إعادة إنتاج الصور في (مخيلة المبدع) ليبدع بإعماله (الفنية) تكون قائمة حين تحيل إلى الأنا المفكرة الذاتية المنفصلة عن الموضوع بواسطة (الوعي) الذي حررها من التطابق التام مع الأشياء، أي بالمفهوم الديكارتي (الأنا أفكر) والذي استخلص منه (كانط) مبدأ أساسيا لـ(فلسفة علم الجمال) ومفاده ((أن الجمال منفصلا عن وعينا لا يعد شيئا))، وعليه فان ولادة (علم الجمال الاستطيقا) من خلال هذا المنظور تعتبر مرتبطة بـ(فلسفة الذات) بالمفهوم الذاتية التي انطلقت منها فلسفة ( ديكارت ) هذه (الذات) التي هي وحدها المسؤولة عن إصلاح نفسها واتخاذ القرار(( في أن لا تقبل من الأفكار إلا ما كان واضحا وملائما معها))، وهنا تبتدئ( الحداثة ) في هذه اللحظة التي (يتحرر فيها الإنسان ليعود إلى ذاته)، من حيث هو ذلك الكائن الذي يتمثل نفسه برده كل الأشياء نحو ذاته، باعتبار الإنسان، كما يوصفه (هيغل):
(( .. الوعي المفكر، فهو كائن لذاته، يقبض على ذاته بالحدس، بالفكر، وهو ليس روحا إلا بهذه الكينونة الفاعلة لذاتها..))، ومن ثم يرى بان ((عظمة الفن متمثلة في كونه روحا يتحرر من أشكال ومحتوى الانتهائية، وفي كونه يمثل حضورا للمطلق في الحسي، وانتشارا للحقيقة التي لا تستنفذ كتاريخ طبيعي، بل تنكشف في التاريخ الكلي الذي هو صورته الأجمل..)).
ومن هذه الرؤية (الحداثية) ترسم ملامح (استطيقا الشعر الحديث)، لتكون صورته واضحة في الأسس الفلسفية لـ(علم جمال الشعر الحديث) التي مهد لها (علم الاستطيقا) بملامح (بومغارتن) خلافا للبلاغة التي انتهت ببحثها عن التقنيات الصورية التي يحملها (الشعر) في تراكيبه البلاغية للبرهنة على مسلمة التطابق بين الإنسان والعالم من خلال المحاكاة والتي تكون مرسومة مسبقا وفق قوانين ناظمة للعمل (الشعري) الذي غدا وفق الاصطلاح البلاغي رتيبا ومملا لا يكاد يجتاز الحدود المرسومة في المخطط الصوري، مخطط المشابهة، وإعادة تكرار الصور النمطية، ليبتعد (الشعر) عن عمل (الأحاسيس) التي تنتج التركيب الجمالية .
ومن هنا تأتي الحاجة إلى (استطيقا الشعر الحديث) لإعادة بناء رؤية جديدة حداثية يقدم (الشعر) من خلالها صورة مشرقة لتعبير عن هويته الفنية الصادقة والمعبرة عن صدق الإحساس والمشاعر والنابعة من عمق الوجدان وذات الإنسان، تتجسد من خلاله كينونة الإحساس، وعندئذ يصبح (الشعر) أثرا فنيا أو كائنا ذو إحساسا موجودا بذاته، وبتعدد الكائنات والأحاسيس وتنوع المفردات تخرج جمالية العمل بصياغته العفوية كونها جاءت من الذات المشعرة بما أثيرت فتناولته بشكل إبداعي وبمفردات بسيطة متنوعة بما تثير الدهشة لمتلقيها، لأن الصور الجمالية لا علاقة لها إطلاقا بالبلاغة، فهي إحساسات مؤثرات إدراكية وانفعالية، مشاهد ووجوه، رؤى ومواقف التي تنتج صور عظيمة الجمالية في (الشعر والرواية والرسم والنحت والموسيقى) وهي مؤثرات تتجاوز المؤثرات الانفعالية وكذلك المؤثرات الإدراكية العادية بقدر ما تتجاوز المفاهيم النمطية الرتيبة، لان الوصول إلى الصور الجميلة لا علاقة بالأشكال وبالمشابهة ولا بالبلاغة، ولكنها هي الشرط الذي تنتج الفنون بواسطته مؤثرات انفعالية، قادرة على الخرق بإرادة إبداعية حاذقة تمضي بعرضها الصور (الشعرية الاستطيقية) إلى حدود الاستحضار اللا متناهي لخلق روية جديدة بعيدة عن ضوابط العقل.
ف(الشعر) يوظف هذا الاستبصار في إرادة الرؤية والذي من خلاله يستحضر (الجمال) من وراء مخيلته في افقها المتخفي ومن ثم يتم الانكشاف فيصبح المخفي ظاهرا يواطر بشتى إشكال وصور (الشعرية) لتصبح (القصيدة) كائن مستقل بذاته، فهذه الاستقلالية هي التي تعطي القصيدة (جمالا استطيقيا)، لنفهم بان (الشعر) هو من يؤسس لفهم جديد مغاير عما هو مألوف بوصفه (( مولود جديد له كينونة مستقلة بذاته أو التي تخلق لوجودها عالم جمالي متحرر من إحساسات التي نلتمسها في الوجود الأرضي)). ومن هنا فان (الشعر) يخلق الانفتاح ويخترق العالم ويمضي إلى اللا متناهي في صيرورة دائمة و بمركبات صور جمالية، وهذا الفهم لـ(شعر الحديث) يكون قد قطع (الشعر الحديث) صلته بالبلاغة بعد ان استنفذ كل إمكانياته الفنية في دائرة مغلقة كرر نفسه مرارا وتكرارا، بينما (الاستطيقية الشعر الحديث) ينطلق بفهمه متجاوزا الرؤيا بـ(التجديد دائم) التي هي سمته الأساسية لها وذو أهمية لكل عمل (شعري استطيقيا).
و من هذا المنطلق للفلسفة الحديثة لـ(علم الجمال الاستطيقي لشعر الحديث) ينطلق (الشعر الحديث)، فجمالية (القصيدة) يكمن تميزه باختلاف كينونتها، ولكل كينونة سمات تتميز ببصماتها وفي عالم (الشعر الحديث) قصائد كثيرة، ولكن (التاريخ الشعري) لا يحتفظ إلا بتلك (القصائد) التي تجسد الوعي الجمالي القائم بين إرادة الإبداع والخلق بما يعطي لذات كل اعتباراتها، لان (علم الاستطيقا في الشعر) يعيد لذات اعتبارها ويؤسس لمرحلة ميلاد الكينونة يكون وجود القائم للكائن، قائم من اجل (الجمال) لان الطبيعة ليس لها قيمة (جمالية) بدون وجود ذاتية تقيم جمالها من خلال (فن) من (الفنون) وأولها هو (الشعر)، فأي مبحث في التذوق والتقييم لا يتم إلا من خلال (الذات) التي تبنى عليها (فلسفة علم الاستطيقا) .



#فواد_الكنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواجهة خليجية ضد دولة قطر
- لم يعد الحب باللون الأزرق .. ولا السماء .. ولا نهر دجلة .... ...
- غادة السمان و أدب المراسلات والاعتراف
- مفهوم فلسفة الفن وعلم الجمال عند نيتشه
- الفن و علم الجمال الماركسي
- عيد العمال لم يتعزز الا في ظل الأنظمة الاشتراكية
- الذكرى المئوية لثورة اكتوبر 1917 الماركسية - اللينينية في ال ...
- سنرفع علم كردستان في كركوك
- حين يرفع مسيحيي مصر أغصان الزيتون يرد الإسلام المتطرف بالتفج ...
- العدوان الأمريكي على سوريا سيزيد من عزيمة الشعب السوري في ال ...
- اللوحة السريالية بين الشكل والمضمون وأفاق الحركة
- أعياد (اكيتو) والدلائل التاريخية لميثيولوجيا الأشورية
- تكملة مقال / لتواجه المرأة العراقية مقترح تعدد الزوجات
- لتواجه المرأة العراقية مقترح تعدد الزوجات
- المرأة في ظل النزاعات المسلحة والحروب
- استهداف مسيحيي سيناء استمرار لما حدث في العراق وسوريا
- اتركيني
- و تشيئ الحب
- سأعلن .. موت الحب
- لن أكون قديسا في الحب


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فواد الكنجي - بومجارتن، أول مؤسس ومنظر في علم الجمال وفن الشعر الحديث