أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدو أبو يامن - دلالة المقاطعة والبحث عن معنى















المزيد.....

دلالة المقاطعة والبحث عن معنى


عبدو أبو يامن

الحوار المتمدن-العدد: 1449 - 2006 / 2 / 2 - 08:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخيرا تململ الجسد العربي الكبير من المحيط إلى الخليج، ارتعشت أجفانه وتعالى نبضه وعاودته حرارة الحياة. أخيرا بدأ يحرك أطرافه في شيء من الفتور ويجيل بصره فيما حوله في شيء من الذهول.. أخيرا ظهرت تباشير الحياة على محياه ليقطع الشك باليقين ويخرس المتقولين والمرجفين، حين نعوه منذ زمن بعيد.
ها هو يبدئ شيئا من حيويته ونشاطه، وها هو يصحو من غيبوبته الطويلة الطويلة، وها هو يثبت للعالم أنه حي فاعل، وأنه قادر مقتدر أن يقول ( لا ) في زمن عربي طالما تعود ال ( نعم ) يقولوها للجميع، الأعداء والأصدقاء، والقريبين والبعيدين؛ يقولوها لأنه لم يتعود على غيرها، ويقولوها لأنه لا يحسن غيرها، ويقولوها لأنه لا يستطيع أن يقول غيرها، حين هانت عليه كرامته عند نفسه فهانت عليه عند غيره.
فان تقول دائما ( نعم ) في كل الأحوال والظروف، وفي كل الأوقات والمناسبات، وللعدو وللصديق، وللقريب والصغير، فهذا إن دل على شيء فإنه يدل على أنك تابع لا متبوع، وعبد لا حر، ومأمور لا آمر، ومرؤوس لا رئيس، ومقود لا قائد، ومفعول لا فاعل.. وقصاراه أن يصيرك شيئا من الأشياء، أو بهيمة من البهائم تقاد بالزمام وتخزم بالخزام، وتسام العذاب في الصباح والمساء، وتباع وتشرى، ولا تملك من أمرها لا قليلا ولا كثيرا.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أنك جسد بلا روح، وكائن بلا إرادة، وإنسان بلا كرامة، ورأس، وإن شئت قل جمجمة، بلا نخوة، وذات بلا كينونة.
هذه الذات التي تقول ( تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها ) ، وهذا الذات التي تتمنى الموت جوعا وتفضل دخول جهنم إن كان بدخولها تحفظ كرامتها وتصون عزتها، على نعيم الجنة إن كان ثمن دخولها إهراق ماء وجهها وضياع كرامتها ،هذه الذات التي لا يغيب عنها قول الشاعر:
ولا يقيم على ضيم يراد به *** إلا الأذلان : عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته *** وهذا يشج فلا يرثي له أحد
وهذه الذات التي تؤمن إيمانا لا سبيل إلى الشك فيه؛ لأنه إن عرضته على العقل فإنه يقره،و إ ن عرضته على الأخلاق فإنها لا تنكره، وإن عرضته على تجارب الحياة وأعراف الجماعة فإنهما يرحبان به، تؤمن إيمانا بمضمون هذه الأبيات الخالدات التي ألقاها شاعر حكيم منذ أكثر من ألف عام وما زالت سارية حتى يوم الناس هذا، ولن تزال صادقة إلى يوم الدين؛ لأنها تمتح من بئر التجربة البشرية، وتستمد صدقها وديمومتها من صميم الطبيعة الإنسانية، هذه الأبيات التي يقول فيها المتنبي :
عش عزيزا أو مت وأنت كريم *** بين طعن القنا وخفق البنود
فرؤوس الرماح أذهب للغي *** ظ وأشفى لغل صدر الحقود
لا كما قد حييت غير حميد *** وإذا مت مت غير فقيد
فاطلب العز في لظى وذر الذل *** ل ولو كان في جنان الخلود
ولا أطلب منك _ سامحك الله _ أن تتوشح سيفك وتتنكب قوسك وتحمل رمحك وتتعرض إلى الناس في الأسواق والطرقات، لا ليس هذا المقصود، ونكاد كلنا نعي ما يرمي إليه الشاعر، ولكن بعضنا يلتمس ا لمطاعن أنى كانت وكيف كانت، يبغي بها الطرافة أو الظرافة وخفة الروح، وأنا لا ابتغي شيئا من ذلك، بل أرمي إلى شيء واحد هو أن نعيش في كرامة، فالكرامة تكاد تكون قبل الوجود، وما وجود لا يحسن الإنسان فيه قول لا، وما وجود حي أشبه بميت، وما وجود لا يكاد يفترق عن بقية الكائنات إلا أنه يمشي على اثنتين وتمشي هي على أربع، وإلا أنه يتحرك من تلقاء نفسه وليس كحجر ملقى على قارعة الطريق يعثر به المارة إلا أن يحركه محرك؟!!
فإبليس رغم منزلته وقربه من ربه ورئاسته قبيل من الملائكة وسكناه الجنة قال ( لا )؛ إلا أنها ( لا ) أملاها الصلف والعناد والكبر، والتحدي الأجوف؛ فهل ( قولنا لا للدنمرك، ومقاطعتنا لبضائعها ) أملاها الصلف والعناد والمكابرة، أم استوجبتها الكرامة المهدورة، والعز المهان، والشرف المضاع؟!!
ارحمونا _ يا قوم _ من تقاعسكم، ودعوا الناس يقولوا ( لا )، يقولونها لكل عائب دينهم، أو محقر لرموزهم، أيأ كانت هذه الرموز، ويقولونها لكل ماس كرامتهم، ومنتقص من مكانتهم، ويقولونها لكل قادح في هويتهم أو طاعن في ثقافتهم، دعوهم يقولوها فهي أضعف الإيمان في هذا الزمن العربي البائس.
ولا عبرة بعد ذلك وراء الدافع من هذه المقاطعة، أكان باعثه عقيدة دينية، أم التزاما قوميا، أم إيمانا ثقافيا، أم حسا أخلاقيا، أم وازعا إنسانيا... فكل إنسان، شرقي أم غربي، عربي أم عجمي، أسود أم أبيض، أحمر أم أصفر لا يرضى لكرامته أن تهان، ولا يرضى لشرفه أن يداس، إلا أن يكون معدوم الكرامة، أو منحط المنزلة؛ فما بالك بكرامة الأمة كلها مجتمعة، أمن أجل بضعة منتجات ومعلبات تساوموننا على شرفنا، لا كانت الدانمارك ولا كانت حكومتها إن كانت تريد بنا ذلا وتبغي بنا شرا.
لم لم تناقش مجرد مناقشة ضحايا المحرقة النازية، فتجعلهم بدلا من ستة ملايين إنسان خمسة ملايين أو أكثرأو أقل، مجرد نقاشها للعدد وزيادته أو نقصانه يقلب عليها الدنيا ويزلزل أركان العالم، ويجيش وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان، ويرفع عليها سيف ( معاداة السامية )؟!!
ولم لم تطعن _ كذلك _ في عقائد البوذيين والهندوس، وعبادتهم البقر؟!!
لم لم تر إلا العرب والمسلمين أهلا للزراية عليهم والانتقاص من قدرهم؟!!
هل لأنهم حين هانت عليهم أنفسهم وهانت عليهم كرامتهم هانوا في عيون الآخرين، وأصبحوا مطية لكل ممتط؟!!
ولا تسمع إلى أ قوال المحللين الاقتصاديين والسياسيين والمتمسحين بالواقعية، والباحثين عن النتائج الفورية المحسوسة الملموسة، فهذه المقاطعة دلالتها رمزية أكثر منها واقعية، وإن لم تخلوا من تأثير على صعيد النتائج...
فهذه الإساءات والتعديات والتهجمات أنابيب اختبار يراد منها جس وضع الأمة، ويراد منها رصد ردات فعلها حين عجزت عن الفعل ابتداء، فإن لم تبدي حراكا ولم تحرك رجلا ولا ذراعا، فلا خوف منها ما دام الأمن مستتبا
على الجبهة المقابلة!! وما دام السبات سيد الموقف!!
وإن كان العكس فهناك التفكير والتدبير لكل خطوة، والحساب لكل حركة أقلها على الصعيد الاقتصادي، فالمنطقة العربية ما تزال هي منبع ثروات العالم النفطية والمعدنية.
ولكي لا تكون ردة الفعل هذه زوبعة في فنجان، ولكي لا تكون المقاطعة وقتية انفعالية ما تكاد تبتدئ حتى تنتهي، وما تكاد تشتعل حتى تنطفئ علينا أن نعممها في العالم العربي كله أولا والإسلامي ثانيا، وعلينا كذلك أن ننشرها ونشهرها بين طبقات الشعب، أي نجعلها شعبية؛ حتى لا يلوحوا لحكوماتنا بمنظمة التجارة العالمية، فما ذا هم صانعون لشعب أفاق من غيبوبته وقال في وجه ظالمه والمعتدي على مقدساته ورموزه ( لا )، ما ذا هم فاعلون بشعب قد شبع موتا وذلا، وإهانة واحتقارا وقال ( لا ) ؟!!
وعلينا كذلك أن نستغل هذا الموقف حتى نهايته، ولا نساوم، ولا نصالح، ولا نرضى بالدنية، فنحن في موقف قوة، ونحن الضحية، ونحن من صب علينا الذل ألوانا، ونحن من أذقنا مرارة المهانة أشكالا، ونحن من صبرنا وصابرنا أزمانا وأزمانا، ونقول عسى ولعل، ولكن لم يرحمنا ضعفنا راحم، ولم يسمع لنداءنا مستمع، ولم يرفع عنا الحيف رافع، فآن الأوان لنفعل ذلك لأنفسنا ولأمتنا ومقدساتنا ورموزنا وكل عزيز عندنا، وآن الأوان ليعرف القاصي قبل الداني، والغريب قبل القريب أن الأمة ما زالت بخير، وأن فجر اليقظة آت لا ريب فيه إن شاء الله وإن ادلهمت الخطوب وتكاثفت الظلمات.
وعلينا أن نحيها في نفوس الشبيبة وننفخ في نارها متى ما بدر منها بادرة خمود؛ لكي تكون عبرة لكل معتبر، ودرسا لكل من يفكر مجرد تفكير في التطاول علينا، أو المساس بنا، ولا تقل لي أنت حالم أو واهم فلست وربك بهذا ولا ذاك وإن بوادر النتائج قد أخذت في الظهور وكل ما علينا أن نخرج من هذا الموقف بأكثر قدر من الأرباح وأقل قدر من الخسائر، وهذا لا يتم إلا بتكاتف الجميع قادة ومثقفين، ومفكرين ومخلصين، وشعوبا وحكومات، ولعلها أن تكون بادرة خير وبشرى خلاص.



#عبدو_أبو_يامن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسفة السؤال، والثقافة المفقودة
- فرنسا شيراك، والبحث عن دور
- متى أكتب؟!
- كليلة ودمنة في أراب ستان -6-
- كليلة ودمنة في أراب ستان -5-
- رسالة تداعي الحيوانات على الإنسان، الملحمة الإنسانية الخالدة
- قديس
- كليلة ودمنة في أراب ستان – 4 –
- كليلة ودمنة في أراب ستان – 3 –
- كليلة ودمنة في أراب استان -2-
- كليلة ودمنة في أراب ستان -1-
- هذا بوش أم هتلر.. لا أستطيع التمييز بينهما؟!! - 2-
- هذا بوش أم هتلر.. لا أستطيع التمييز بينهما؟!! - 1-
- قنوات التدجين الفضائية العربية!!
- ماذا يريد هؤلاء؟ ( زورق الإنقاذ ) 3
- قضية سيد القمني، تضامن أم ضمانات؟
- ماذا يريد هؤلاء؟ ( الليبراليون الجدد ) 2
- ماذا يريد هؤلاء ( الصحوة الإسلامية )؟؟ 1
- تحرير المرأة أم تحرير الرجل أم تحريرهما معا؟؟
- جنة بوش أم جنة ابن لادن؟


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدو أبو يامن - دلالة المقاطعة والبحث عن معنى