أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث عبد الكريم الربيعي - في النقد البنيوي: تحليل مشهد من فيلم الشرف















المزيد.....

في النقد البنيوي: تحليل مشهد من فيلم الشرف


ليث عبد الكريم الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1449 - 2006 / 2 / 2 - 08:02
المحور: الادب والفن
    


يمثل هذا المشهد - المقطع - العمود الفقري لحكاية الفيلم. وهو أحد أطول المشاهد حيث يستغرق عرضه على الشاشة كاملا (12) دقيقة، ويأتي عبر استضاءات متناثرة بين أشلاء الفيلم من لحظة بدايته إلى لنهاية، متزامنة مع ما يجري من تطورات وأحداث. وتقع أحداثه زمنيا في الفترة الرئيسة الثالثة من حياة (سامية) بطلة الفيلم وراويته، أي بعد قبض (مسعد) عليها وهي تمارس الجنس مع ربيبه (عامر) في بيته، وسجنه لها في إحدى غرف المنزل المسماة بـ (المندرة)، باعتبار أن الزمن الروائي في فيلم (الشرف) ينقسم إلى ثلاث فترات رئيسة هي:-
1- فترة ما قبل سجن (سامية) في الغرفة، أي بعد أحداث تموز/ يونيو 1967، وزواجها من (مسعد) وعلاقتها بـ (عامر).
2- فترة سجنها في الغرفة. وتذكرها لحياتها الماضية.
3- فترة ما بعد دخول (عامر) و (مسعد) الغرفة، واحتراق الثلاثة داخل الغرفة.

وكما هو واضح فأن محور الثقل داخل الفيلم منصب على الزمنين الثاني والثالث اللذين يمثلهما مشهدنا هذا، حتى انه أتى مضاعفا وتم التذكير به على طول مسار الفيلم، من لحظة البداية إلى النهاية المأساوية، لذا فخص بمقطعين سرديين،الأول جاء في بداية الفيلم والآخر في نهايته استكمل الأحداث، إلا أن المقطعين توازيا واتحدا زمنيا واختلفا فيلميا.والاهم من ذلك كله إن هذا المشهد هو الوحيد بين مشاهد الفيلم جاءت به الكاميرا ساردا من الدرجة الأولى. وهذا المشهد أيضا يشكل الجزء الرئيس من موقع نص الفيلم فنيا من حيث الشكل الروائي عامة، أما من حيث ارتباطه بالمسار العام للأحداث فهو يندرج في إطار مساعي (سامية) في البحث عن ملاذ آمن تغرق فيه ضياعها الوجودي الناتج عن غياب الحبيب الأول (مجدي) وزواجها الفاشل بكل المقاييس من الجزار (مسعد) وسقوطها في شراك حب الشاب (عامر) ربيب زوجها.
ويتجسد ملاذ (سامية) أولا في الجنس وسماع الأغاني العاطفية ثم محاولتها استعادة حبيبها الأول (مجدي) عن طريق سقوطها في حب (عامر). ورغم كثرة المشاهد الجنسية التي صار لا يكاد يخلو منها أي فيلم عربي- وبالأخص مصري- في الآونة الأخيرة، إلا أن وظيفتها الدلالية داخل فيلم (الشرف) جاءت لتوضيح ذلك الهوس العشوائي للجزار (مسعد) في ممارسة الجنس و إفراغه لكل قواه الجسدية داخل (سامية) التي تمثل نموذجا من نماذج المرأة العربية المتعلمة القابعة وسط بيئة شعبية تجبرها الظروف على الزواج من رجل غير متعلم، حتى أن (مسعد) عند انتهائه من ممارسة الجنس وفي كل مرة كان يضحك من أعماقه.
إن نظرة فاحصة للفيلم ككل عن قرب، توضح انه عبارة عن ثلاث (ارتدادات سردية) يكون هذا المشهد فيها هو الرابط على مدار الفيلم، وهذا بدوره يحيل إلى أن المشهد مقسم بذاته إلى أجزاء تتشظى داخل مكونات بنية الفيلم، وان مثل هذه التشظيات لا تثير أي نوع من الصعوبات في تعاطي المشاهد وفهمه، ومرد ذلك إلى سيطرة شكل فني واحد خلال مدة عرض المشهد، والى أن الأزمنة فيه لا تتداخل وإنما تنتمي إلى فترة واحدة هي فترة وجود (سامية) في الغرفة، وبناءا على هذه الارتدادات فان الفيلم لا يأخذ مسارا تصاعديا، بل تتجمع المعاني وتتراكم، ومن خلال المعاينة البحثية نجد أن مشهد(سامية) في الغرفة يعد عصب الفيلم، وعلى الرغم من الترتيب والتعاضد بين وحدات الفيلم، إلا انه جاء متخبطا عشوائيا لم يراع أي شكل فني روائي، عدا ما ورد ضمن سياق سرد هذا المشهد. لذا ومن خلال ما تقدم من أهمية المشهد وهيمنته على مجمل الفيلم، فأننا سنقسمه وحسب هذه المعطيات الأولية إلى وحدتين كبيرتين واضحتين:-
1- الوحدة الأولى:- تبدأ من "لحظة إدخال (سامية) الغرفة" وتنتهي في دخول (عامر) الغرفة.
2- الوحدة الثانية :- تبدأ من"دخول (مسعد) الغرفة" وتنتهي في"احتراق الثلاثة داخل هذه الغرفة".
قدمت الوحدة الأولى، سينمائيا بـ(20) لقطة، منها(12) لقطة ثابتة، و(8) لقطات متحركة حركة سائرة( Travelling ) بمختلف الاتجاهات. وتتضمن وصفا للجو العام والشخصيات داخل الغرفة. أما الوحدة الثانية فقدمت عبر (35) لقطة سينمائية، منها (25) لقطة ثابتة، و(10) لقطات متحركة اغلبها حركة سائرة ( Travelling ) بمختلف الاتجاهات. وتتضمن محاولات الخلاص النفسي والجسدي للثلاثة من العار والنار.
ومن الطبيعي إن المعاني داخل هاتين الوحدتين الكبيرتين تتصل وتترابط ترابطا عضويا، مما لا يستدعي تقسيمها إلى وحدات اصغر.
وبعد كل هذا فإننا سنختار منهجا شموليا في التحليل اعتمادا على بنية نص المشهد بشكل عام وحوارات الشخصيات ومصادر الحركة والتبادل داخل المشهد، علنا نوفق في فك رموزه واستكناه مدلولاته. وقد يصعب علينا فهم شخصيات النص/ المشهد فهما دقيقا ما لم نحظ مسبقا بتعريف ولو مختصر لنوعية المكان الذي يجمعها.
المكان هو غرفة محدودة الأطراف، وتسمى بالعامية المصرية ( المندرة )، ويبدو أن محدودية المكان فرضت على المخرج أن يتعامل مع لقطات ثابتة ذات وجهة نظر محددة غلب عليها الرؤية الموضوعية للكاميرا، وهذا ما فرض بالضرورة مركز رؤية محدد بعيدا عن الغايات الجمالية أو السردية المرتبطة ببنية النص ككل، وهذا ما دعى الكاميرا إلى أن تشغل موقعا أفقيا في مواجهة الشيء المعروض أمامها.
والغرفة هنا ترمز إلي قوة الترابط بين الشخصيات، حيث حصرت الكاميرا في مكان واحد، حوى شخصيات تشدها علاقات اجتماعية مباشرة تتناول موضوعا متأزم مسبقا يتضمن محاولات الخلاص المتعدد الدلالات- كما سيمر بنا لاحقا-.
ويمثل الشخصيات الثلاث (سامية) و(مسعد) و(عامر). إن المشهد لا يمدنا بمعلومات تفي بتحديد هوية هذه الشخصيات فنلتجئ إلى كامل الفيلم في حدود تبين لنا بعض العلامات الخاصة التي تسمهم بسمات ما وتساعدنا على تفهم سلوكياتهم في إطار المشهد. وسنبدأ التحليل من الشخصية الأقل هيمنة على مجمل الحدث الفيلمي وخاصة في هذا المشهد إلى الشخصية الأكثر هيمنة.
- الشخصية الأولى (عامر):-
طالب، دخل توا مرحلة الكلية، له اهتمامات سياسية، حيث يقود مجموعة من التظاهرات الطلابية، وهذا يسبب فصله، ربيب (مسعد)، علاقته مع والده ضعيفة نتيجة عدم موافقته على إكماله الدراسة، لذا يتكفل (مسعد) بكافة مصاريفه، ليس له أي علاقات عاطفية سابقة.
- الشخصية الثانية (مسعد):-
جزار، عمره يقارب الأربعين، متزوج من (حفيظة) و لاحقا من (سامية)، عنده عوق في إحدى رجليه، دائم السهر ليلا خارج منزله، ومدمن على الحشيشة.
- الشخصية الثالثة (سامية):-
لقد وردت في تحليلنا هذا مسبقا إشارات مبعثرة تعرف بشخصية (سامية)، وسنحاول إعادة صياغتها مع تدعيمها بإضافات أخرى تلخص قصة الفيلم.
تعد (سامية) بطلة الحكاية، والشخصية الرئيسة فيها. حيث تأتينا القصة عن طريق تشكل الأحداث في ذهنها، فما يرد من ارتدادات آنية وليدة الحاضر تغبر عن وجهة نظرها في ما مر مسبقا بها من أحداث. بداية فان لـ(سامية) علاقة بـ(مجدي)- أحد الشباب المنخرطين في صفوف الجيش ويكلف بمهمة في العريش- ثم تهجّر العائلة مع مجموعة العوائل الأخرى من مسكنها الشعبي إلى مدينة أخرى، ومكان آخر وهو (مدرسة) ابتدائية تسكنها العوائل مجبرة.
وهذه الإشارات وخاصة فيما يخص منها فترة التهجير تكرس ذلك الضياع الوجودي الناجم عن انعدام وجود رؤية واضحة لدى (سامية) لما ستكون عليه حياتها حاضرا ومستقبلا، في ظل ظروف معيشية جديدة.
وتبدو (سامية) من خلال المشاهد الأولى من الفيلم شخصية حيوية، تحمل صورة (شابة غارقة في الحب، تفكر برجل الأحلام، وتستمع للاغاني العاطفية.....الخ) وهي بذلك تحمل تناقضا بين ماضيها وما جد عليه الحال في الحاضر، إذ كانت تعاني من تمزق حاد بين الاستجابة لنداء الجنس والتمرغ في وحل العهر وبين قمع رغبتها والعيش في بيت الزوجية.
وكما قلنا مسبقا فان (سامية) تعبر صراحة- في هذا المشهد- عن طبيعة الصراع الباطني الذي يعتريها، في محاولة لنزع الذات أو لكشف الحقيقة المضللة في شخصيتها، حيث تقول في معرض ردها على (أمينة) أخت (مسعد):"أنا عمري ما فكرت في أخوك، ولا في أي رجل تاني، هو مجدي اللي كنت مستنياه، فاكره إننا هنقعد هنا كم يوم وهنرجع تاني". كما وتقول في موضع آخر لمسعد:"....أنا حاولت احبك مقدرتش".
واستكمالا لمسيرة الأحداث فان ظروف المعيشة القاسية تفرض على (سامية) التفكير في الخلاص، والخلاص هنا منصب على إيجاد البديل المعيشي والكفيل بحل أزمة عائلة أخوها وأزمتها الذاتية، وهذه المتغيرات تقتضي التضحية بكل حصانتها الذاتية المكتسبة عبر سني حبها لـ(مجدي) السابقة.
وفي العودة إلى سياق المشهد نجد أن الثلاثة تجمعهم علاقة اجتماعية مباشرة، فـ(سامية) زوجة (مسعد) و(عامر) ربيبه، ورغم ما بين الثلاثة من اختلافات في مكوناتهم النفسية والإيديولوجية فهم يتجانسون في سلوكهم الطبيعي. وفي هذا تناقض بين ما يتوقون إلى تحقيقه على مستوى حياتهم الخاصة التي تسقط بهم في بؤرة العار. ومن ذلك نجد أن الثلاثة يفكرون بالخلاص، ويتجسد كل ذلك في هذا المشهد، والخلاص هنا يتخذ شكلين بارزين:-
1- خلاص (سامية) و(عامر) من إثم الفعل الجنسي (الزنا) الذي يعد بحكم الشريعة والقانون عهرا، لذا فيحاولون الهرب- على الأقل- من(مسعد).
2- خلاص (مسعد) من الشعور بالخيانة وذلك بمحاولة الانتقام وقتله لربيبه وزوجته.
وفي ظل مثل هكذا تناقض في دوافع الشخصيات، فان الأفعال ستنعكس وتولد ردود أفعال، نتيجة الشد والجذب بين الثلاثة داخل صراعهم النفسي ثم الوجودي، بعد سقوط (اللمبة) وحريق الغرفة. والحل النهائي هنا الموت. وهو الخلاص النهائي.
وعلى الرغم من إن الصراع داخل المشهد اتخذ طابعا موضوعيا انبعث من معطيات الأحداث وأوليات الأمور، إلا إن مستلزمات العمل الدرامي افترضت على المخرج التعامل برمزية واضحة من حيث إن الثلاثة يحترقون داخل الغرفة بالنار، والنار هنا دلالة على فعل العقوبة.
وكما أشرنا سابقا فان الحدث يأتي عن طريق الراوي (سامية)، وزمن السرد هو الماضي غالبا- عدا ما ورد ضمن سياق بناء هذا المشهد- ، والجميل انه- السرد- تجاوز نقل الأحداث عن طريق الوصف التسجيلي، بل ركز على ما طرأ على الشخصية من تغيرات ظاهرية أو باطنية، وهكذا فان الصورة دعمت السرد مما أضفى مشروعية ومصداقية على مرويات الشخصية.
يبقى الإشادة أخيرا بأهمية مسار الفيلم سرديا وضرورية أشغال ذهن المتفرج واعماله في محاولات الإشارة والتأويل، وهذا الفيلم يعد سباقا في هذا المضمار، خاصة في ظل ما تمر به السينما العربية من ظروف صعبة.



#ليث_عبد_الكريم_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة متأنية في تاريخ السينما العراقية 2-3
- قراءة متأنية في تاريخ السينما العراقية 1-3
- عازف البيانو....موسيقى من قلب المأساة
- لغة السرد في الفيلم المعاصر
- العِلاّقة بين الرواية العربيةِ الجديدة والفيلمِ العربي
- السينما الإيرانية تكسر حاجز الصمت وتثير أسئلة قلقةمن (سعيد) ...
- مشروع شامل للتكفل بقطاع السينما
- وقوف على أطلال السينما العراقية


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليث عبد الكريم الربيعي - في النقد البنيوي: تحليل مشهد من فيلم الشرف