أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عزيز الهلالي - اليسار كأفق للإختلاف والإنفتاح















المزيد.....



اليسار كأفق للإختلاف والإنفتاح


عزيز الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 1448 - 2006 / 2 / 1 - 11:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


نصوص سياسية بؤرا متمردة داخل الفضاء السياسي اليساري, انفلتت من عقيدة الإجماع إلى الخوض في أمور

الاجتهاد. نصوص فاقدة سلطة الورد, أحدثت ثقبا في صرحها النظري, مبلورة معالم حركة نقدية منفتحة تعيد قراءة

ذاتها على ضوء محيطها الداخلي المهترئ وإكراهات الفعل الخارجي.

استوقفتنا جرأة ذ." أحمد الحرز ني " من خلال كتابه "الانتقال الديمقراطي في المغرب"وتصريحات إعلامية للمناضل "أبراهام السرفاتي" بعد عودته من المنفى الإجباري. تقديرات تستشعر أهمية السياقات التاريخية من حلم التغيير إلى حلم الإصلاح.

وبما أن خطة الإصلاح كما بلورتها استراتيجية النضال الديمقراطي في مرحلة معينة وأجهضت أسسها في محطة التناوب التوافقي, تستنهض كتابات ذ."محمد الساسي" مزعجة, قوية, جارحة...تعيد لمنظومة الإصلاح ضرورتها وجدتها.هل هي بداية تأسيس فعل نقدي منفتح داخل محيط اليسار؟

بعد التحولات العالمية والمحلية بدأت تظهر قنا عات في صفوف اليسار "مارقة"و"ضالة" تعطي الانطباع بتراجعات خطيرة تمس ثوابت وقيم الفكر اليساري, بل جرأتها تطاولت لتتماهى مع إشارات الدولة محملة مسؤولية التقاعس للمؤسسات الحزبية وللحركة الديمقراطية.

هذه البدع في التفكير اليساري فتواها التبرئة وفك الارتباط. لكن ما معنى هذا التساهل- الآن- في البوح عن محرمات مجال عقابها محدد سلفا؟

لو أن هذه البدع في التفكير اليساري مصدرها متعاطف أو مناضل يتموقع في الأجهزة الدنيا للهيكل التنظيمي لكان الأمر مستساغا ومقبولا, أما وأن تكون من توقيع مناضل سياسي من وزن ثقيل حائز على سلطة التقدير والاحترام, تلك مسألة تستوقفنا لنرى إلى أي حد تشكل سابقة وانتكاسة في المصداقية قبل القناعة؟



الردة أو الحكمة :

تحكم أفق المناضل السياسي ثلاثة عوامل أساسية في للتعامل مع الأشياء :

1. الإنصات إلى نبض الواقع ومتطلباته.

2. تقديراته لإكراهات المحيط المتعددة.

3. التقاطه لعنصر الزمان كعلامة حاسمة.

عوامل تكيف قناعاتة وفق جدلية التفعيل والتأجيل والمنطق الممكن.هذه الرؤية المنهجية لمقاربة المشهد السياسي تختط التقييمات بشأنها, لكنها تظل علامة فارقة تميز استقلالية التقدير المناضل وجرأته في التمرد وقدرته على ممارسة تخريبية لعقيدة ظلت تمده بإحساس التعالي وامتلاكه للحقيقة وتجريد الآخر من كل إضافات نوعية...

منذ عودة المناضل "أبراهام السرفاتي"من المنفى أطلق قذائف نارية على صرحه النظري خلخل بموجبه ركائزه...هل هي لحظة إرادية يختارها المناضل لينال عقابه يعرف أكثر من غيره عواقبه؟

وغير بعيد عن هذا المحيط الذي أخذت معالمه تتشكل وتتسع داخل اليسار, تطالنا نصوص بقدر ما تحدث هزات في مقولات دافئة تركن إليها الذات المطمئنة بنفس القدر تحدث زلزالا في البنى السيكولوجيا لمناضلي اليسار. ففي كتابه "الانتقال الديمقراطي في المغرب : محاولة تحصيل" يتموقع ذ.حرزني في" الخوارج" السياسي بامتياز,باعتباره يمثل قطعا حاسما مع تمثلات ذهنية تمسك بضلال الواقع من داخل تشكيلة لغوية قدرها الإطلاقية والغموض وفائض التفاؤل...لعلها مقاربة تتوخى ولوجا مغايرا للمشهد السياسي من خلال رؤية تنحدر واقعية سياسية تأخذ بالخلاصات والنتائج وفق معيار الممكن والقابل للتحقق.

نصوص تتوخى قراءة المسار السياسي قراءة متحررة من أسر اديولوجيا تسلب الآخر( المؤسسة الملكية...حكومة التناوب...) رمزيته, مبادرته, حضوره, لتركن إلى ذاتها وقد امتلكها شعور بالاعتزاز, نصوص تحاول أن تصغي إلى الواقع في تعقيداته وتشابكه وتناقضا ته والتباسه, تمتلك معول الهدم لعقائد ثابتة في الفهم والسلوك, مقترحة بدائل في متناول اليد, بعيدا عن الاندفاع والحماس, سالكة منهج التدرج في المسالك الأهداف, قيمتها في كونها تحمل قدرا من العطف على الذات في تعاملها مع منطق الأشياء. تضع استراتيجية المصالحة بين الذات والقدرة.

لقد دأب العقل السياسي للمناضل في المراهنة على نتائج لرغبات وأحلام نسجتها طبيعة فهمه للأوضاع السياسية والاجتماعية...تحت مقياس يختزله في العادلة التالية : إيجاد كل الحلول المركبة في زمن قياسه رغبة الذات. من خلال كتابه يقيم ذ."أحمد حرزني"الأشياء في سياقها المثقل بالإكراهات, فالأشياء تقاس من زوايا متعددة خاصة داخل بنية معقدة ومتوترة كتجربة الانتقال الديمقراطي ببلادنا. وعليه, فحكومة التناوب التوافقي في شخص وزيرها الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي, بحصيلتها الهزيلة وبانكساراتها وبكل إحباطاتها تظل مساهمة أساسية في حمل انتقال سلس لمسألة الخلافة "بطريقة سلمية"وفي "القطع مع أربعين سنة من الالتباس والعقم"(1).

بهذه الرؤية يستحضر ذ.حرزني كل الشروط لتقييم تجربة مقدار نجاحها ليس وليد اللحظ,بل هو ممتد في الزمان.رؤية قد في بعض جوانبها صادمة, لكنها تنطوي على قدر كبير من الاحترام بوصفها تنسج مفعولاتها خارج النسخ المتطابقة أو المعدلة بهذا القدر أو ذاك. فإذا كان العديد يرى أن تعيين "إدريس جطو"يمثل انتكاسة لتجربة التناوب, فإنها في تقدير ذ.حرزني خلاصة منطقية لنتائج انتخابات 27 شتنبر 2002(2).كما أن" التصريح الحكومي جاء كأحسن ما أنتج في هذا المضمار إلى حد الساعة"(3).

إنه استثناء داخل مجموعة من التصريحات الإعلامية كونه لم يأت بجديد, بل شكل تراجعا واضحا عن بعض الأهداف التي سطرتها حكومة التناوب.

ما يمكن تسجيله, هو أن هذه النصوص يحكمها حس نقدي منفتح, مهما كانت تقديراته, فإنه يعد بتأثيث فضاء قابل للتفاعل الإيجابي والتحرر من أسر الدوغمائية وتأسيس قيم الاختلاف والحوار والتواصل.



من الغموض إلى وضوح الأهداف.

لعل اللحظات القوية في نصوص ذ.حرزني تكمن في التخلص من التوظيف الغامض لمفاهيم يزخر بها المشهد السياسي, وصيغ في التفكير تحيل إلى اللا معنى, مثل "الإصلاح الجذري" الذي لا هو ب"الإصلاح ولا الثورة" تماما عندما نتحدث عن وحدة اليسار ومحاولة موقعة هذه الوحدة في السلم السياسي بكونها "أكثر من تنسيق وأقل من وحدة"هذا التشويش في الفهم مرده إلى عجز الذات عن التصالح مع ذاتها وتاريخها وذاكرتها بحس نقدي, فتتراكم طبقات من الالتباس في مقاربتها السياسية لتقع بذلك في نوع من التماهي بين اللبس وكينونتها.

الإصلاح كقيمة فلسفية كرؤية تربوية وسلوكية يبدأ من الداخل"مرجعيته الوحيدة معطيات الواقع"(4). غالبا ما يقترن الإصلاح بمشاريع مملاة من الخارج لحث الأنظمة على فتح هوامش للحريات العامة كاستراتيجية التحكم من جهة, ولضمان استمراريتها وتجديد خلاياها من جهة أخرى.وهو ما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من برنامج دعم تستهدف"دمقرطة المجتمعات العربية. إنه بتعبير الأستاذ الجامعي"جلبر أشقرا"القناع الجديد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط "(5).لكن ضدا على هذا الإملاء الخارجي يقترح ذ.حرزني العودة إلى الحكمة في التفكير والارتباط بالواقع الداخلي. بهذه الثنائية يقطع بشكل حاسم مع كل خطاب سعيد يعلو عن الفهم الدقيق لميكانزمات الواقع, وفي نفس الآن,يقطع مع الوصاية في إشاعة الحرية والديمقراطية...

الإصلاح الذي يتصوره يبدأ مع هدم الأرثوذكسية, إذ لا يمكن أن تنكشف لنا ماهية الأشياء وحقيقتها إلا بهدم أجزائها الضالة والخادعة. صحيح أن اللحظة التي يهدم فيها هذه الطوبى الجميلة"النظام البرلماني"هي نفس اللحظة التي كنا ننتظر منه بدافع قوة الأشياء بداخلنا أن يسهب في تعليل أسباب هذا الهدم الذي أحدثه في قطر أدبيات اليسار الاشتراكي الموحد, لكن لم نلتقط منه سوى هذا التحليل غير الكافي."كل القرارات الحاسمة تتخذ خارج البرلمانات"(6).إنه تعليل مبتور ومفتوح على كل التأويلات,أقلها سوءا كونه تراجعا مضمرا عن النسق الديمقراطي كتفكير وممارسة..

إذا كانت المؤسسة الحزبية التي ينتمي إليها ذ.حرزني في أدبياتها السياسية تؤكد على أن "نظام الملكية البرلمانية يفرض تطوير النضال الديمقراطي الجماهيري لتجسيد أسس الدولة الديمقراطية الحديثة حيث الملك يسود,أما الحكم والإدارة فتتولاهما حكومة مسؤولة ومحاسبة على أساس برنامج زكته الإرادة الشعبية المعبر عنها في انتخابات حرة ونزيهة وخاضعة لمراقبة ومحاسبة مؤسسة تشريعية حقيقية وفضاء مستقل ونزيه وفعال",فإن ما نسجله الآن,سواء اتفق معنا ذ.حرزني أم لا, هو هذه النواة التي بدأت تتشكل معالمها داخل فضاء اليسار للتفكير النقدي الحر.ذلك أن الانتقال الديمقراطي داخل المؤسسات الحزبية لليسار لا يستقيم قوامه سوى بتكسير طابوهات واقتحام الإشكالات الملتهبة بجرأة والتفكير بصوت نقدي مسموع.

لاشك أن المناضل المنفتح في مقابل المناضل الأرثوذكسي يصغي جيدا إلى جيدا إلى نبضات الواقع ومتطلباته مفككا تركيبته المعقدة ليعيد بناءها مستخدما المنهج الديكارتي الذي يروم التسلسل في التدرج من البسيط إلى المعقد.إذ قوة الأداء تكمن في ربط التناغم والانسجام بين البسيط وإمكانية تحققه وقدرة الذات وفاعليتها.

تلك هي الحكمة التي تجمع كلا من ذ.السرفاتي و ذ.حرزني في النظر إلى المسألة الدستورية كإشكال سياسي ومطلب تجمع بعض القوى على التسريع بإنجازه ( تعديله/تغييره/إصلاحه/مراجعته!!) في تتحفظ بعض القوى من طرحه في الوقت الراهن. لكن معالجة هذه المسألة من خلال تصريحات ذ.السرفاتي تعتبر أن"تغيير البلاد في هذه المرحلة الراهنة لا يمر بالضرورة عبر تغيير الدستور. نعم, ولكن هل هذه هي المهمة الأولى والعاجلة؟ في نظري الشخصي أن الأمر ليس كذلك. إن الشرط المطلوب هو أن ندرس جيدا الدستور, وأن يكون في المستوى سياسيون ومسئولو الأحزاب, خصوصا الأحزاب التقدمية والمسئولون الذين في الحكومة كيف يستفيدون جميعا من الإمكانيات التي يتيحها الدستور. ذلك أن الدستور سلطة مزدوجة ليست كالدساتير الأخرى. بحيث أن السلطة كلها بيد الملك, إن دستور1996 يجعل من السلطة مزدوجة بين الملك من جهة, وبين حكومة منبثقة من مجلس النواب منبثق عن الشعب المغربي, يمكن القول إذن بإمكانية النهوض الديمقراطي في مقابل سلطة الملك(7).

إذا كان التعامل مع مسألة الدستور يختزل في بعدين- كما سبق وأن رأينا- فإن السرفاتي يفجر بؤرة جديدة في المعالجة, ليتحرر من هيمنة الثنائيات, ذلك أن حقيقة الثنائيات تمر عبر توليد شبكة من الحقول والبؤر. على نفس المنوال يذهب ذ.حرزني في مقاربته للمسألة, حيث ينطلق من "اعتبار المغرب يوجد حاليا وسط مرحلة انتقال ديمقراطي, وفي مرحلة كهاته, تتسم بفترات تقدم وفترات تراجع وفترات ركود, يصعب إيجاد لحظة إجماع, بل يعد من المجازفة أن يفكر أحدا في دسترة وضع, أصلا متحول, والقوى الديمقراطية أساسا لا مصلحة لها في مسعى كهذا, يمكن أن يسفر عن ترسيخ أوضاع غير ناضجة. وانتقال غير مكتمل, لهذا كانت الدعوة إلى ترك الورش الدستوري مفتوحا, والعمل على مراكمة التعديلات دستورية جزئية, والامتناع عن مطالبة بدستور جديد حالا, الأقرب إلى الحكمة, وإلى المصلحة الديمقراطية(8).

هذه المقاربات في التفكير السياسي, هي دعوة صريحة إلى مراجعة الذات التي لا تكل من رؤية الأشياء بلون واحد في اتجاه واحد. تنطلق من مصادرات قبلية تفوت عليها فرصة التأمل في الأشياء وزخمها. مقاربات تكسر الثنائيات الوهمية في الحقل السياسي : يكون أو لا يكون/ الأنا الحقيقة الأخر ضلال...

السياسة تعني في منظومة الإصلاح, الإبداع في خلق حقول جديدة في الممارسة والتفكير, هذا القلب في الفهم من سياق الثورة إلى سياق الإصلاح, ألا يقترب من الواقعية السياسية في أبعادها التجريبية سندها الأساسي التدبير اليومي؟ ماذا يعني قول ذ.السرفاتي بأن"سلطة البلاد التي في يد محمد السادس تسير بتدرج, ولكنها تسير في اتجاه تقوية البلاد من مرحلة المخزن إلى مرحلة الديمقراطية العصرية".ونفس الشئ نجده لدى ذ.حرزني عندما يقول"الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن ينطلق إلا كعملية فوقية"ألا يعني هذا استدماج إشارات في تحليل متفائل...يعرض الفاعل السياسي لاهتزاز رؤيته التحليلية؟ ألا يمكن اعتبار هذا المسلك نحو الواقعية السياسية لا يعدو كونه محاولة توفيقية للمصالحة ومد الجسور في غياب خلفية نظرية تستقيم داخلها عناصر التحليل ومقوماته؟

كيف نفهم مقترح "نظام ملكي شبه رئاسي"و"تحديث وإصلاح البيعة"أليست هذه مطالب تعيد إنتاج مؤسسة الغموض؟

أليس نبراس السياسي في الميدان قوة منتجة للأفكار ونظرية سياسية تقيه من السقوط في شرك التسيب؟

على كل حال,ما يمكن تسجيله,هو أن هذه اللحظة- لحظة الشغب والتمرد والهدم- كدلالة الفصل بين مرحلة وأخرى, تصنع من رجل السياسة شيطان ماكرا في أعين الدوغمائيين,ومجددا في أعين الحداثيين.



السياسي المتمرد...السياسي الشقي.

يبدو أن ذ.الساسي أحد الأصوات المتمردة والشقية في نفس الآن, تصريحاته أغضبت أكثر من جهة, كانت أكثرها حدة الحوار الذي أجراه مع الصحفي ع.الرحيم أريري بجريدة "الإتحاد الاشتراكي",فكان أن عوقب هذا الأخير مباشرة من طرف الوزير الأول ع.الرحمان اليوسفي, بتوقيفه لمدة ثمانية أيام خصمت من أجرته...

وبقدر ما زادت تصريحات ذ.الساسي شغبا بعد المؤتمر السادس, وهي المحطة التي تحلل فيها الجسم الإتحاد الاشتراكي إلى أشلاء وقطع, بنفس القدر اكتست تصوراته السياسية وضوحا وعمقا.وللإشارة فإن تياره التصحيحي لم يكن محكوما بهاجس الكوطا,بل كان حاملا لرؤية سياسية وتنظيمية تتطلع إلى إعادة بناء المؤسسة الحزبية على ركائز حداثية وديمقراطية. ومن هنا لا نستبعد الوضوح وعمق التحليل في كتاباته. لعل مقاربته لطبيعة الأشياء تنطلق من رصده لظواهر ماكرو سياسية تحمل معاني مباشرة بحكم انخراطه في قلب المعارك الميدانية,ومن ثمة يتميز خطابه بحمولة قوية تعكس ملامح معارض شرس مرتبط عضويا بقناعاته والتزاماته,في إشارة إلى محاولة استرجاعه لموقع فقد مع تجربة التناوب التوافقي,كما أنه في أحيان أخرى يتناول ميكانيزمات الواقع في أجزائه العقدة والخفية والمركبة بحس باحث متمكن من أدواته المنهجية,ويسعفه في ذلك تكوينه القانوني.

يؤسس ذ.الساسي بؤرة جديدة ضمن بؤر عديدة داخل الحقل السياسي تميز معالم مشروعه السياسي. فإذا كان الانتقال الفكري لدى كل من ذ.الحرزني و ذ.السرفاتي يتميز من سياق الثورة إلى سياق الإصلاح في حركة تأخذ في بعديها تفاعلا بين مشروع العهد الجديد والحركة الديمقراطية, فإن فكر ذ.الساسي يمثل ضمير مشروع إصلاحي كما تبلور في المؤتمر الاستثنائي 1975 والذي عرف انتكاسة كبرى مع تجربة التناوب, إنه بكلمة يجسد خطا متصلا يحمل قنا عات واختيارات مناضل لم تعصف بإرادته استراتيجية الضم والاحتواء. ومن هنا تأتي تصريحاته بقدر ما هي صارمة, حاسمة, قاطعة, بقدر ما هي مشاغبة, جارحة...وطبيعي أن تغضب أكثر من جهة, خاصة تلك التي تمد جسور التواصل المائل لفائدة المخزن, ضدا على سيادة الديمقراطية في اتخاذ القرار من داخل المسالك الأجهزة الحزبية.

إن الأطروحة المركزية التي تميز طرحه السياسي, تنطلق في حركة مؤسسة ثابتة من الأسفل كقاعدة إلى الأعلى كسقف إشكالي ثانوي.حركة ممتدة, منسجمة, متناغمة في أجزائها تروم إطلاق دينامية حزبية جديدة عبر دمقرطتها وبعث دم جديد في خلاياها التنظيمية والقطع مع كل الأشكال التنظيمية المبتذلة التقليدانية.إنه سؤال الحداثة الذي يطرح نفسه بإلحاح على المؤسسات الحزبية,متجسدا في أسطورة الفنيق.

ففي هذا المحيط يكثف ثقله وحضوره باعتباره يشكل حجر الزاوية لمشروعه السياسي. لعله حريص على تأثيث هذا المحيط بإغناء قو اسمه المشتركة وإنضاج دينامية وتخصيب تأثيراته, منتشلا من كل ممارسة خطابية صور المفارقات والتناقضات...

هذه الحركة من الأسفل إلى الأعلى حركة تروم تأسيس فعل نضالي قوي وضاغط لمشروع تحديثي,إذ "عندما نتحدث عن المشروع التحديث السياسي,فإننا نعني بذلك إرساء وتأصيل هذه المؤسسات المترابطة(مؤسسات إدارية/اقتصادية/اجتماعية...) التي تتخذ من القانون قاعدة لها وتعتمد على بلورة السيادة على حركة تنطلق من الأسفل إلى الأعلى"(9).

الأعلى كأفق تظل مساحته ضيقة بالرغم من إصراره على تبني الخيار الديمقراطي والرهان على مبادرته يشوبها أكثر من علامة الحذر.هنا بالضبط لا تتقاطع حركة فهمه السياسي مع فهم كل من ذ.حرزني وذ.السرفاتي, علىاعتبارأن ميكانيزمات الدولة"تشتغل وفق سياسة التوزنات بديلا عن الاختيار الديمقراطي..هذه السياسة تمثل من دينامية إضعاف الحقل السياسي (10). وعليه فإن مبادرة الدولة غير كافية والإصلاح كمنظومة فعل نابع من"القوة المهيكلة من الداخل", وعلى"القوى الديمقراطية ككل أن تتبنى استراتيجية لا تسجن نفسها فقط فيما يصدر عن الدولة من مبادرات, بل تحدد أرضيتها البرنامجية على ضوء حاجيات الناس الفعلية إلى التأطيروالتنظيم والحريات(11).

هذه الحركة النقدية التي تتفجر مواقع وجزرا تحكمها جلية الهدم للبناء العشوائي داخل المؤسسات الحزبية وبناء أشكال تنظيمية وعلائقية جديدة تتوخى حماية"استقلالية الحزب عن تأثير النظام وتوفير أدوات التحصين الضرورية في مواجهة المشاريع الإدماج والابتلاع(12).



المعالجة النقدية.

بحكم تكوينه القانوني والتزاماته النضالية, فالمسألة الدستورية في نظر الساسي لا تقع خارج سيادة الشعب إلا كانت مجازا دستوريا, هنا يظل ذ.الساسي وفيا لثنائيته في التحليل : الأسفل مقابل الأعلى. الصورة مقابل المجاز, لعله يستعيد التقسيم الأفلاطوني, لكنه تقسيم متشبع بالجدل, المجاز نسخة ماكرة وخادعة, إنها تحريف للأصل. والأصل لديه سيادة الأمة- بألف التعريف- طرف الأساسي في معادلة المحاسبة ومراقبة سلطة الحاكم من التسويف والشطط. وبما أننا أمام نص يشكل مجازا دستوريا, فإنه يتحلل من سلطة التقييد بموجب الفصل 19 كأعلى سلطة في البناء الهرمي للنسق السياسي, «لقد كان تشغيل الفصل 19 في عدة مناسبات فرصة للتأكيد على أن نصوص الدستور العصري لا تلغي ولا تقيد مجال السلطة المحورية المستمدة من التراث(13). ومن ثمة, فالشرعية الدينية تتشكل كملهية أو أصل تابت حائز على كل الكمالات أمام قانون دنيوي يجسد الظل الباهت للشئ في ذاته(الفصل 19).

ولمعالجة الإشكالية الدستورية يعمد ذ.الساسي إلى تبني قلب الوظائف حفاظا منه على ضبط رؤية متوازنة في صيغة توفيقية تستجيب خطوطها للقوة الدستورية, بحيث يتحول الشئ في ذاته(الدستور) حصرا لإمارة المؤمنين,على اعتبار أن هناك" فكرة سمو الدستور وحصانته المؤسسية لأنه هو المرجع,إذ يمثل السلطة التأسيسية التي تباشر بطريقة مباشرة عن طريق الإستفثاء والملك يخضع له مثله مثل جميع المواطنين(14).

لكن ما يلفت الانتباه, هو هذا الإصرار من طرف قادة اليسار للدفاع عن إمارة المؤمنين تارة في بعدها السياسي لدرء خطر الأصولية"فلولا دور الملك, بالساحة السياسية سيحدث مثلما وقع في الجزائر سنة 1991" ( ذ.السرفاتي).

وتارة أخرى في بعدها الروحي لإعادة هيكلة الحقل الديني"يحتفظ الملك بالتسيير المباشر للشؤون الدينية" (ذ.الحرزني).

أو في بعديهما السياسي والروحي"المشكلة ليست في إمارة المؤمنين ولن في الوظائف والأدوار التي يجب أن تلعبها وحدود هذه الوظائف التي يجب أن تدستر لتخضع إمارة المؤمنين للدستور وليس العكس" ( ذ.الساسي ).

كيف نفهم هذا المأزق النظري بخصوص الإشكالية العلمانية لقادة اليسار حين تمتد وتتسع أفقيا( المجتمع ) وحين تتقلص وتنكمش عموديا ( إمارة المؤمنين ) متمظهرة في لباس متناقض مع مبادئها وفلسفتها؟ ألا يعني هذا دفاعا مقنعا عن الفصل 19 تحت حرارة الذعر الشديد من هول التيار الأصولي؟ ماذا يعني هذا اللا حسم والتخفي وراء إمارة المؤمنين مع ممارسة تخريبية لأجزاء كبرى من صرح العلمانية؟ وحتى على افتراض استحضارنا لجرأة ذ.الساسي في إيجاد مخرج لهذا المأزق عبر تقييد إمارة المؤمنين بالمرجع الأصلي/ الدستور. أليست السلطة الملكية ترتسندنتالية- كما يعتبرها ذ.الطوزي- لا يقيدها الدستور لأنها تأتي بعد الله ورسوله؟



فضاءات التعبير.

تلتقي المؤسسات الحزبية في نقطتين أساسيتين : الإجهاز على حرية التعبير والإنشداد نحو ثقافة الإجماع, ولهذا كان بناؤها المعماري لا تخضع تصاميمه لمقاييس التهوية ولعل فعل الزفير كدلالة الاختناق والرغبة في البوح/ الاختلاف, جرم يعاقب بفصل شق الطاعة. ويمكن جبره حسب مقتضيات فصول النقد الذاتي. فطالما تحسم الاختلافات بطرق غير ديمقراطية. وبهذا يخبو الاختلاف ويتراجع تحت ظلال المكر والنفاق وسلطة المنبر الإعلامي الحزبي.

حقيقة, أن الصحف المستقلة ساهمت,بهذا القدر أو ذاك,في انتشال الأصوات المقموعة من عزلتها فاسحة المجال لانتعاش تصورات سياسية محتملة,قاطعة الطريق عن الخط المهيمن والمنتصر. فهذه الجرأة في تناول قضايا من زاوية الاختلاف داخل اليسار لم تعد سجينة إكراهات داخلية تعمد على تسفيهها أو نعتها بأحط النعوثات. بل امتدت واتسعت لتخاطب كل أطراف المجتمع عبر مختلف مستوياته الاجتماعية والثقافية والسياسية...فالفكرة تنمو وتكبر وتنضج ليس في رحاب مقرات حزبية كفضاءات لتصفية حسابات,بل مكانها الطبيعي شرائح اجتماعية بمختلف تشكيلاتها. وبذاك تكون المنابر الإعلامية المستقلة قد ساهمت في إحداث نقلة نوعية في مجال حرية التفكير كفضاء تتفاعل بداخله القنا عات بغض النظر عن مصادرها السياسية والإديولوجيا.

هذا الزخم من التفاعل الإيجابي ثمرة الانتقال من أسر الإيديولوجي المغلق نحو الانفتاح والتحرر. ومن هنا, فمجموعة من القضايا لم تعد محروسة بدعوى توا بث العقيدة السياسية, بل أحيانا نلمس نوعا من التماهي في التحليل لوقائع سياسية بين الصحافة المستقلة والفاعل السياسي.(ذ. الساسي كنموذج ).

وما الحركة النقدية المنفتحة داخل اليسار سوى استجابة قسرية لسلطة الصحافة المستقلة. فاليسار أمام تحديات من جهة لتوسيع هامش التعبير والاختلاف وبناء التيارات. ومن جهة أخرى مدعو لإعادة النظر في إشكالاته النظرية الكبرى بروح نقدية جريئة. صحيح, أن اليسار مثقل بعوائق نفسية وسياسية وثقافية, لكن حركية التاريخ تلفظ كل الدوائر الكابحة لمنظومة الإصلاح.



هوامش :

حرزني ( أحمد ) : الانتقال الديمقراطي بالمغرب, محاولة تحصيل.منشورات أوداد للاتصال.ط.1. ص. 75.

1. نفس المصدر. ص. 49.

2. نفس المصدر. ص. 51.

3. نفس المصدر. ص. 65.

4. Le monde Diplomatique No : 601/ 2004.

5. حرزني (أحمد). المصدر السابق. ص. 75.

6. جريدة النهج الديمقراطي.العدد, 70/ 2002.

7. حرزني (أحمد). المصدر السابق.ص, 71.

8. الساسي (محمد), تفاصيل سياسية.ص. 21.

9. جريدة البيضاوي.العدد, 69/ شتنبر/ 2003.

10. الساسي (محمد), المصدر السابق. ص, 129.

11. مجلة وجهة نظر. العدد, 19- 20 / 2003.

12. الساسي (محمد). المصدر السابق. ص, 45.

13. جريدة الصحيفة.العدد,159/ أبريل/ 2004.



























































اليسار كأفق للاختلاف والانفتاح





نصوص سياسية بؤرا متمردة داخل الفضاء السياسي اليساري, انفلتت من عقيدة الإجماع إلى الخوض في أمور

الاجتهاد. نصوص فاقدة سلطة الورد, أحدثت ثقبا في صرحها النظري, مبلورة معالم حركة نقدية منفتحة تعيد قراءة

ذاتها على ضوء محيطها الداخلي المهترئ وإكراهات الفعل الخارجي.

استوقفتنا جرأة ذ." أحمد الحرز ني " من خلال كتابه "الانتقال الديمقراطي في المغرب"وتصريحات إعلامية للمناضل "أبراهام السرفاتي" بعد عودته من المنفى الإجباري. تقديرات تستشعر أهمية السياقات التاريخية من حلم التغيير إلى حلم الإصلاح.

وبما أن خطة الإصلاح كما بلورتها استراتيجية النضال الديمقراطي في مرحلة معينة وأجهضت أسسها في محطة التناوب التوافقي, تستنهض كتابات ذ."محمد الساسي" مزعجة, قوية, جارحة...تعيد لمنظومة الإصلاح ضرورتها وجدتها.هل هي بداية تأسيس فعل نقدي منفتح داخل محيط اليسار؟

بعد التحولات العالمية والمحلية بدأت تظهر قنا عات في صفوف اليسار "مارقة"و"ضالة" تعطي الانطباع بتراجعات خطيرة تمس ثوابت وقيم الفكر اليساري, بل جرأتها تطاولت لتتماهى مع إشارات الدولة محملة مسؤولية التقاعس للمؤسسات الحزبية وللحركة الديمقراطية.

هذه البدع في التفكير اليساري فتواها التبرئة وفك الارتباط. لكن ما معنى هذا التساهل- الآن- في البوح عن محرمات مجال عقابها محدد سلفا؟

لو أن هذه البدع في التفكير اليساري مصدرها متعاطف أو مناضل يتموقع في الأجهزة الدنيا للهيكل التنظيمي لكان الأمر مستساغا ومقبولا, أما وأن تكون من توقيع مناضل سياسي من وزن ثقيل حائز على سلطة التقدير والاحترام, تلك مسألة تستوقفنا لنرى إلى أي حد تشكل سابقة وانتكاسة في المصداقية قبل القناعة؟



الردة أو الحكمة :

تحكم أفق المناضل السياسي ثلاثة عوامل أساسية في للتعامل مع الأشياء :

1. الإنصات إلى نبض الواقع ومتطلباته.

2. تقديراته لإكراهات المحيط المتعددة.

3. التقاطه لعنصر الزمان كعلامة حاسمة.

عوامل تكيف قناعاتة وفق جدلية التفعيل والتأجيل والمنطق الممكن.هذه الرؤية المنهجية لمقاربة المشهد السياسي تختط التقييمات بشأنها, لكنها تظل علامة فارقة تميز استقلالية التقدير المناضل وجرأته في التمرد وقدرته على ممارسة تخريبية لعقيدة ظلت تمده بإحساس التعالي وامتلاكه للحقيقة وتجريد الآخر من كل إضافات نوعية...

منذ عودة المناضل "أبراهام السرفاتي"من المنفى أطلق قذائف نارية على صرحه النظري خلخل بموجبه ركائزه...هل هي لحظة إرادية يختارها المناضل لينال عقابه يعرف أكثر من غيره عواقبه؟

وغير بعيد عن هذا المحيط الذي أخذت معالمه تتشكل وتتسع داخل اليسار, تطالنا نصوص بقدر ما تحدث هزات في مقولات دافئة تركن إليها الذات المطمئنة بنفس القدر تحدث زلزالا في البنى السيكولوجيا لمناضلي اليسار. ففي كتابه "الانتقال الديمقراطي في المغرب : محاولة تحصيل" يتموقع ذ.حرزني في" الخوارج" السياسي بامتياز,باعتباره يمثل قطعا حاسما مع تمثلات ذهنية تمسك بضلال الواقع من داخل تشكيلة لغوية قدرها الإطلاقية والغموض وفائض التفاؤل...لعلها مقاربة تتوخى ولوجا مغايرا للمشهد السياسي من خلال رؤية تنحدر واقعية سياسية تأخذ بالخلاصات والنتائج وفق معيار الممكن والقابل للتحقق.

نصوص تتوخى قراءة المسار السياسي قراءة متحررة من أسر اديولوجيا تسلب الآخر( المؤسسة الملكية...حكومة التناوب...) رمزيته, مبادرته, حضوره, لتركن إلى ذاتها وقد امتلكها شعور بالاعتزاز, نصوص تحاول أن تصغي إلى الواقع في تعقيداته وتشابكه وتناقضا ته والتباسه, تمتلك معول الهدم لعقائد ثابتة في الفهم والسلوك, مقترحة بدائل في متناول اليد, بعيدا عن الاندفاع والحماس, سالكة منهج التدرج في المسالك الأهداف, قيمتها في كونها تحمل قدرا من العطف على الذات في تعاملها مع منطق الأشياء. تضع استراتيجية المصالحة بين الذات والقدرة.

لقد دأب العقل السياسي للمناضل في المراهنة على نتائج لرغبات وأحلام نسجتها طبيعة فهمه للأوضاع السياسية والاجتماعية...تحت مقياس يختزله في العادلة التالية : إيجاد كل الحلول المركبة في زمن قياسه رغبة الذات. من خلال كتابه يقيم ذ."أحمد حرزني"الأشياء في سياقها المثقل بالإكراهات, فالأشياء تقاس من زوايا متعددة خاصة داخل بنية معقدة ومتوترة كتجربة الانتقال الديمقراطي ببلادنا. وعليه, فحكومة التناوب التوافقي في شخص وزيرها الأول السيد عبد الرحمان اليوسفي, بحصيلتها الهزيلة وبانكساراتها وبكل إحباطاتها تظل مساهمة أساسية في حمل انتقال سلس لمسألة الخلافة "بطريقة سلمية"وفي "القطع مع أربعين سنة من الالتباس والعقم"(1).

بهذه الرؤية يستحضر ذ.حرزني كل الشروط لتقييم تجربة مقدار نجاحها ليس وليد اللحظ,بل هو ممتد في الزمان.رؤية قد في بعض جوانبها صادمة, لكنها تنطوي على قدر كبير من الاحترام بوصفها تنسج مفعولاتها خارج النسخ المتطابقة أو المعدلة بهذا القدر أو ذاك. فإذا كان العديد يرى أن تعيين "إدريس جطو"يمثل انتكاسة لتجربة التناوب, فإنها في تقدير ذ.حرزني خلاصة منطقية لنتائج انتخابات 27 شتنبر 2002(2).كما أن" التصريح الحكومي جاء كأحسن ما أنتج في هذا المضمار إلى حد الساعة"(3).

إنه استثناء داخل مجموعة من التصريحات الإعلامية كونه لم يأت بجديد, بل شكل تراجعا واضحا عن بعض الأهداف التي سطرتها حكومة التناوب.

ما يمكن تسجيله, هو أن هذه النصوص يحكمها حس نقدي منفتح, مهما كانت تقديراته, فإنه يعد بتأثيث فضاء قابل للتفاعل الإيجابي والتحرر من أسر الدوغمائية وتأسيس قيم الاختلاف والحوار والتواصل.



من الغموض إلى وضوح الأهداف.

لعل اللحظات القوية في نصوص ذ.حرزني تكمن في التخلص من التوظيف الغامض لمفاهيم يزخر بها المشهد السياسي, وصيغ في التفكير تحيل إلى اللا معنى, مثل "الإصلاح الجذري" الذي لا هو ب"الإصلاح ولا الثورة" تماما عندما نتحدث عن وحدة اليسار ومحاولة موقعة هذه الوحدة في السلم السياسي بكونها "أكثر من تنسيق وأقل من وحدة"هذا التشويش في الفهم مرده إلى عجز الذات عن التصالح مع ذاتها وتاريخها وذاكرتها بحس نقدي, فتتراكم طبقات من الالتباس في مقاربتها السياسية لتقع بذلك في نوع من التماهي بين اللبس وكينونتها.

الإصلاح كقيمة فلسفية كرؤية تربوية وسلوكية يبدأ من الداخل"مرجعيته الوحيدة معطيات الواقع"(4). غالبا ما يقترن الإصلاح بمشاريع مملاة من الخارج لحث الأنظمة على فتح هوامش للحريات العامة كاستراتيجية التحكم من جهة, ولضمان استمراريتها وتجديد خلاياها من جهة أخرى.وهو ما تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من برنامج دعم تستهدف"دمقرطة المجتمعات العربية. إنه بتعبير الأستاذ الجامعي"جلبر أشقرا"القناع الجديد للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط "(5).لكن ضدا على هذا الإملاء الخارجي يقترح ذ.حرزني العودة إلى الحكمة في التفكير والارتباط بالواقع الداخلي. بهذه الثنائية يقطع بشكل حاسم مع كل خطاب سعيد يعلو عن الفهم الدقيق لميكانزمات الواقع, وفي نفس الآن,يقطع مع الوصاية في إشاعة الحرية والديمقراطية...

الإصلاح الذي يتصوره يبدأ مع هدم الأرثوذكسية, إذ لا يمكن أن تنكشف لنا ماهية الأشياء وحقيقتها إلا بهدم أجزائها الضالة والخادعة. صحيح أن اللحظة التي يهدم فيها هذه الطوبى الجميلة"النظام البرلماني"هي نفس اللحظة التي كنا ننتظر منه بدافع قوة الأشياء بداخلنا أن يسهب في تعليل أسباب هذا الهدم الذي أحدثه في قطر أدبيات اليسار الاشتراكي الموحد, لكن لم نلتقط منه سوى هذا التحليل غير الكافي."كل القرارات الحاسمة تتخذ خارج البرلمانات"(6).إنه تعليل مبتور ومفتوح على كل التأويلات,أقلها سوءا كونه تراجعا مضمرا عن النسق الديمقراطي كتفكير وممارسة..

إذا كانت المؤسسة الحزبية التي ينتمي إليها ذ.حرزني في أدبياتها السياسية تؤكد على أن "نظام الملكية البرلمانية يفرض تطوير النضال الديمقراطي الجماهيري لتجسيد أسس الدولة الديمقراطية الحديثة حيث الملك يسود,أما الحكم والإدارة فتتولاهما حكومة مسؤولة ومحاسبة على أساس برنامج زكته الإرادة الشعبية المعبر عنها في انتخابات حرة ونزيهة وخاضعة لمراقبة ومحاسبة مؤسسة تشريعية حقيقية وفضاء مستقل ونزيه وفعال",فإن ما نسجله الآن,سواء اتفق معنا ذ.حرزني أم لا, هو هذه النواة التي بدأت تتشكل معالمها داخل فضاء اليسار للتفكير النقدي الحر.ذلك أن الانتقال الديمقراطي داخل المؤسسات الحزبية لليسار لا يستقيم قوامه سوى بتكسير طابوهات واقتحام الإشكالات الملتهبة بجرأة والتفكير بصوت نقدي مسموع.

لاشك أن المناضل المنفتح في مقابل المناضل الأرثوذكسي يصغي جيدا إلى جيدا إلى نبضات الواقع ومتطلباته مفككا تركيبته المعقدة ليعيد بناءها مستخدما المنهج الديكارتي الذي يروم التسلسل في التدرج من البسيط إلى المعقد.إذ قوة الأداء تكمن في ربط التناغم والانسجام بين البسيط وإمكانية تحققه وقدرة الذات وفاعليتها.

تلك هي الحكمة التي تجمع كلا من ذ.السرفاتي و ذ.حرزني في النظر إلى المسألة الدستورية كإشكال سياسي ومطلب تجمع بعض القوى على التسريع بإنجازه ( تعديله/تغييره/إصلاحه/مراجعته!!) في تتحفظ بعض القوى من طرحه في الوقت الراهن. لكن معالجة هذه المسألة من خلال تصريحات ذ.السرفاتي تعتبر أن"تغيير البلاد في هذه المرحلة الراهنة لا يمر بالضرورة عبر تغيير الدستور. نعم, ولكن هل هذه هي المهمة الأولى والعاجلة؟ في نظري الشخصي أن الأمر ليس كذلك. إن الشرط المطلوب هو أن ندرس جيدا الدستور, وأن يكون في المستوى سياسيون ومسئولو الأحزاب, خصوصا الأحزاب التقدمية والمسئولون الذين في الحكومة كيف يستفيدون جميعا من الإمكانيات التي يتيحها الدستور. ذلك أن الدستور سلطة مزدوجة ليست كالدساتير الأخرى. بحيث أن السلطة كلها بيد الملك, إن دستور1996 يجعل من السلطة مزدوجة بين الملك من جهة, وبين حكومة منبثقة من مجلس النواب منبثق عن الشعب المغربي, يمكن القول إذن بإمكانية النهوض الديمقراطي في مقابل سلطة الملك(7).

إذا كان التعامل مع مسألة الدستور يختزل في بعدين- كما سبق وأن رأينا- فإن السرفاتي يفجر بؤرة جديدة في المعالجة, ليتحرر من هيمنة الثنائيات, ذلك أن حقيقة الثنائيات تمر عبر توليد شبكة من الحقول والبؤر. على نفس المنوال يذهب ذ.حرزني في مقاربته للمسألة, حيث ينطلق من "اعتبار المغرب يوجد حاليا وسط مرحلة انتقال ديمقراطي, وفي مرحلة كهاته, تتسم بفترات تقدم وفترات تراجع وفترات ركود, يصعب إيجاد لحظة إجماع, بل يعد من المجازفة أن يفكر أحدا في دسترة وضع, أصلا متحول, والقوى الديمقراطية أساسا لا مصلحة لها في مسعى كهذا, يمكن أن يسفر عن ترسيخ أوضاع غير ناضجة. وانتقال غير مكتمل, لهذا كانت الدعوة إلى ترك الورش الدستوري مفتوحا, والعمل على مراكمة التعديلات دستورية جزئية, والامتناع عن مطالبة بدستور جديد حالا, الأقرب إلى الحكمة, وإلى المصلحة الديمقراطية(8).

هذه المقاربات في التفكير السياسي, هي دعوة صريحة إلى مراجعة الذات التي لا تكل من رؤية الأشياء بلون واحد في اتجاه واحد. تنطلق من مصادرات قبلية تفوت عليها فرصة التأمل في الأشياء وزخمها. مقاربات تكسر الثنائيات الوهمية في الحقل السياسي : يكون أو لا يكون/ الأنا الحقيقة الأخر ضلال...

السياسة تعني في منظومة الإصلاح, الإبداع في خلق حقول جديدة في الممارسة والتفكير, هذا القلب في الفهم من سياق الثورة إلى سياق الإصلاح, ألا يقترب من الواقعية السياسية في أبعادها التجريبية سندها الأساسي التدبير اليومي؟ ماذا يعني قول ذ.السرفاتي بأن"سلطة البلاد التي في يد محمد السادس تسير بتدرج, ولكنها تسير في اتجاه تقوية البلاد من مرحلة المخزن إلى مرحلة الديمقراطية العصرية".ونفس الشئ نجده لدى ذ.حرزني عندما يقول"الانتقال الديمقراطي لا يمكن أن ينطلق إلا كعملية فوقية"ألا يعني هذا استدماج إشارات في تحليل متفائل...يعرض الفاعل السياسي لاهتزاز رؤيته التحليلية؟ ألا يمكن اعتبار هذا المسلك نحو الواقعية السياسية لا يعدو كونه محاولة توفيقية للمصالحة ومد الجسور في غياب خلفية نظرية تستقيم داخلها عناصر التحليل ومقوماته؟

كيف نفهم مقترح "نظام ملكي شبه رئاسي"و"تحديث وإصلاح البيعة"أليست هذه مطالب تعيد إنتاج مؤسسة الغموض؟

أليس نبراس السياسي في الميدان قوة منتجة للأفكار ونظرية سياسية تقيه من السقوط في شرك التسيب؟

على كل حال,ما يمكن تسجيله,هو أن هذه اللحظة- لحظة الشغب والتمرد والهدم- كدلالة الفصل بين مرحلة وأخرى, تصنع من رجل السياسة شيطان ماكرا في أعين الدوغمائيين,ومجددا في أعين الحداثيين.



السياسي المتمرد...السياسي الشقي.

يبدو أن ذ.الساسي أحد الأصوات المتمردة والشقية في نفس الآن, تصريحاته أغضبت أكثر من جهة, كانت أكثرها حدة الحوار الذي أجراه مع الصحفي ع.الرحيم أريري بجريدة "الإتحاد الاشتراكي",فكان أن عوقب هذا الأخير مباشرة من طرف الوزير الأول ع.الرحمان اليوسفي, بتوقيفه لمدة ثمانية أيام خصمت من أجرته...

وبقدر ما زادت تصريحات ذ.الساسي شغبا بعد المؤتمر السادس, وهي المحطة التي تحلل فيها الجسم الإتحاد الاشتراكي إلى أشلاء وقطع, بنفس القدر اكتست تصوراته السياسية وضوحا وعمقا.وللإشارة فإن تياره التصحيحي لم يكن محكوما بهاجس الكوطا,بل كان حاملا لرؤية سياسية وتنظيمية تتطلع إلى إعادة بناء المؤسسة الحزبية على ركائز حداثية وديمقراطية. ومن هنا لا نستبعد الوضوح وعمق التحليل في كتاباته. لعل مقاربته لطبيعة الأشياء تنطلق من رصده لظواهر ماكرو سياسية تحمل معاني مباشرة بحكم انخراطه في قلب المعارك الميدانية,ومن ثمة يتميز خطابه بحمولة قوية تعكس ملامح معارض شرس مرتبط عضويا بقناعاته والتزاماته,في إشارة إلى محاولة استرجاعه لموقع فقد مع تجربة التناوب التوافقي,كما أنه في أحيان أخرى يتناول ميكانيزمات الواقع في أجزائه العقدة والخفية والمركبة بحس باحث متمكن من أدواته المنهجية,ويسعفه في ذلك تكوينه القانوني.

يؤسس ذ.الساسي بؤرة جديدة ضمن بؤر عديدة داخل الحقل السياسي تميز معالم مشروعه السياسي. فإذا كان الانتقال الفكري لدى كل من ذ.الحرزني و ذ.السرفاتي يتميز من سياق الثورة إلى سياق الإصلاح في حركة تأخذ في بعديها تفاعلا بين مشروع العهد الجديد والحركة الديمقراطية, فإن فكر ذ.الساسي يمثل ضمير مشروع إصلاحي كما تبلور في المؤتمر الاستثنائي 1975 والذي عرف انتكاسة كبرى مع تجربة التناوب, إنه بكلمة يجسد خطا متصلا يحمل قنا عات واختيارات مناضل لم تعصف بإرادته استراتيجية الضم والاحتواء. ومن هنا تأتي تصريحاته بقدر ما هي صارمة, حاسمة, قاطعة, بقدر ما هي مشاغبة, جارحة...وطبيعي أن تغضب أكثر من جهة, خاصة تلك التي تمد جسور التواصل المائل لفائدة المخزن, ضدا على سيادة الديمقراطية في اتخاذ القرار من داخل المسالك الأجهزة الحزبية.

إن الأطروحة المركزية التي تميز طرحه السياسي, تنطلق في حركة مؤسسة ثابتة من الأسفل كقاعدة إلى الأعلى كسقف إشكالي ثانوي.حركة ممتدة, منسجمة, متناغمة في أجزائها تروم إطلاق دينامية حزبية جديدة عبر دمقرطتها وبعث دم جديد في خلاياها التنظيمية والقطع مع كل الأشكال التنظيمية المبتذلة التقليدانية.إنه سؤال الحداثة الذي يطرح نفسه بإلحاح على المؤسسات الحزبية,متجسدا في أسطورة الفنيق.

ففي هذا المحيط يكثف ثقله وحضوره باعتباره يشكل حجر الزاوية لمشروعه السياسي. لعله حريص على تأثيث هذا المحيط بإغناء قو اسمه المشتركة وإنضاج دينامية وتخصيب تأثيراته, منتشلا من كل ممارسة خطابية صور المفارقات والتناقضات...

هذه الحركة من الأسفل إلى الأعلى حركة تروم تأسيس فعل نضالي قوي وضاغط لمشروع تحديثي,إذ "عندما نتحدث عن المشروع التحديث السياسي,فإننا نعني بذلك إرساء وتأصيل هذه المؤسسات المترابطة(مؤسسات إدارية/اقتصادية/اجتماعية...) التي تتخذ من القانون قاعدة لها وتعتمد على بلورة السيادة على حركة تنطلق من الأسفل إلى الأعلى"(9).

الأعلى كأفق تظل مساحته ضيقة بالرغم من إصراره على تبني الخيار الديمقراطي والرهان على مبادرته يشوبها أكثر من علامة الحذر.هنا بالضبط لا تتقاطع حركة فهمه السياسي مع فهم كل من ذ.حرزني وذ.السرفاتي, علىاعتبارأن ميكانيزمات الدولة"تشتغل وفق سياسة التوزنات بديلا عن الاختيار الديمقراطي..هذه السياسة تمثل من دينامية إضعاف الحقل السياسي (10). وعليه فإن مبادرة الدولة غير كافية والإصلاح كمنظومة فعل نابع من"القوة المهيكلة من الداخل", وعلى"القوى الديمقراطية ككل أن تتبنى استراتيجية لا تسجن نفسها فقط فيما يصدر عن الدولة من مبادرات, بل تحدد أرضيتها البرنامجية على ضوء حاجيات الناس الفعلية إلى التأطيروالتنظيم والحريات(11).

هذه الحركة النقدية التي تتفجر مواقع وجزرا تحكمها جلية الهدم للبناء العشوائي داخل المؤسسات الحزبية وبناء أشكال تنظيمية وعلائقية جديدة تتوخى حماية"استقلالية الحزب عن تأثير النظام وتوفير أدوات التحصين الضرورية في مواجهة المشاريع الإدماج والابتلاع(12).



المعالجة النقدية.

بحكم تكوينه القانوني والتزاماته النضالية, فالمسألة الدستورية في نظر الساسي لا تقع خارج سيادة الشعب إلا كانت مجازا دستوريا, هنا يظل ذ.الساسي وفيا لثنائيته في التحليل : الأسفل مقابل الأعلى. الصورة مقابل المجاز, لعله يستعيد التقسيم الأفلاطوني, لكنه تقسيم متشبع بالجدل, المجاز نسخة ماكرة وخادعة, إنها تحريف للأصل. والأصل لديه سيادة الأمة- بألف التعريف- طرف الأساسي في معادلة المحاسبة ومراقبة سلطة الحاكم من التسويف والشطط. وبما أننا أمام نص يشكل مجازا دستوريا, فإنه يتحلل من سلطة التقييد بموجب الفصل 19 كأعلى سلطة في البناء الهرمي للنسق السياسي, «لقد كان تشغيل الفصل 19 في عدة مناسبات فرصة للتأكيد على أن نصوص الدستور العصري لا تلغي ولا تقيد مجال السلطة المحورية المستمدة من التراث(13). ومن ثمة, فالشرعية الدينية تتشكل كملهية أو أصل تابت حائز على كل الكمالات أمام قانون دنيوي يجسد الظل الباهت للشئ في ذاته(الفصل 19).

ولمعالجة الإشكالية الدستورية يعمد ذ.الساسي إلى تبني قلب الوظائف حفاظا منه على ضبط رؤية متوازنة في صيغة توفيقية تستجيب خطوطها للقوة الدستورية, بحيث يتحول الشئ في ذاته(الدستور) حصرا لإمارة المؤمنين,على اعتبار أن هناك" فكرة سمو الدستور وحصانته المؤسسية لأنه هو المرجع,إذ يمثل السلطة التأسيسية التي تباشر بطريقة مباشرة عن طريق الإستفثاء والملك يخضع له مثله مثل جميع المواطنين(14).

لكن ما يلفت الانتباه, هو هذا الإصرار من طرف قادة اليسار للدفاع عن إمارة المؤمنين تارة في بعدها السياسي لدرء خطر الأصولية"فلولا دور الملك, بالساحة السياسية سيحدث مثلما وقع في الجزائر سنة 1991" ( ذ.السرفاتي).

وتارة أخرى في بعدها الروحي لإعادة هيكلة الحقل الديني"يحتفظ الملك بالتسيير المباشر للشؤون الدينية" (ذ.الحرزني).

أو في بعديهما السياسي والروحي"المشكلة ليست في إمارة المؤمنين ولن في الوظائف والأدوار التي يجب أن تلعبها وحدود هذه الوظائف التي يجب أن تدستر لتخضع إمارة المؤمنين للدستور وليس العكس" ( ذ.الساسي ).

كيف نفهم هذا المأزق النظري بخصوص الإشكالية العلمانية لقادة اليسار حين تمتد وتتسع أفقيا( المجتمع ) وحين تتقلص وتنكمش عموديا ( إمارة المؤمنين ) متمظهرة في لباس متناقض مع مبادئها وفلسفتها؟ ألا يعني هذا دفاعا مقنعا عن الفصل 19 تحت حرارة الذعر الشديد من هول التيار الأصولي؟ ماذا يعني هذا اللا حسم والتخفي وراء إمارة المؤمنين مع ممارسة تخريبية لأجزاء كبرى من صرح العلمانية؟ وحتى على افتراض استحضارنا لجرأة ذ.الساسي في إيجاد مخرج لهذا المأزق عبر تقييد إمارة المؤمنين بالمرجع الأصلي/ الدستور. أليست السلطة الملكية ترتسندنتالية- كما يعتبرها ذ.الطوزي- لا يقيدها الدستور لأنها تأتي بعد الله ورسوله؟



فضاءات التعبير.

تلتقي المؤسسات الحزبية في نقطتين أساسيتين : الإجهاز على حرية التعبير والإنشداد نحو ثقافة الإجماع, ولهذا كان بناؤها المعماري لا تخضع تصاميمه لمقاييس التهوية ولعل فعل الزفير كدلالة الاختناق والرغبة في البوح/ الاختلاف, جرم يعاقب بفصل شق الطاعة. ويمكن جبره حسب مقتضيات فصول النقد الذاتي. فطالما تحسم الاختلافات بطرق غير ديمقراطية. وبهذا يخبو الاختلاف ويتراجع تحت ظلال المكر والنفاق وسلطة المنبر الإعلامي الحزبي.

حقيقة, أن الصحف المستقلة ساهمت,بهذا القدر أو ذاك,في انتشال الأصوات المقموعة من عزلتها فاسحة المجال لانتعاش تصورات سياسية محتملة,قاطعة الطريق عن الخط المهيمن والمنتصر. فهذه الجرأة في تناول قضايا من زاوية الاختلاف داخل اليسار لم تعد سجينة إكراهات داخلية تعمد على تسفيهها أو نعتها بأحط النعوثات. بل امتدت واتسعت لتخاطب كل أطراف المجتمع عبر مختلف مستوياته الاجتماعية والثقافية والسياسية...فالفكرة تنمو وتكبر وتنضج ليس في رحاب مقرات حزبية كفضاءات لتصفية حسابات,بل مكانها الطبيعي شرائح اجتماعية بمختلف تشكيلاتها. وبذاك تكون المنابر الإعلامية المستقلة قد ساهمت في إحداث نقلة نوعية في مجال حرية التفكير كفضاء تتفاعل بداخله القنا عات بغض النظر عن مصادرها السياسية والإديولوجيا.

هذا الزخم من التفاعل الإيجابي ثمرة الانتقال من أسر الإيديولوجي المغلق نحو الانفتاح والتحرر. ومن هنا, فمجموعة من القضايا لم تعد محروسة بدعوى توا بث العقيدة السياسية, بل أحيانا نلمس نوعا من التماهي في التحليل لوقائع سياسية بين الصحافة المستقلة والفاعل السياسي.(ذ. الساسي كنموذج ).

وما الحركة النقدية المنفتحة داخل اليسار سوى استجابة قسرية لسلطة الصحافة المستقلة. فاليسار أمام تحديات من جهة لتوسيع هامش التعبير والاختلاف وبناء التيارات. ومن جهة أخرى مدعو لإعادة النظر في إشكالاته النظرية الكبرى بروح نقدية جريئة. صحيح, أن اليسار مثقل بعوائق نفسية وسياسية وثقافية, لكن حركية التاريخ تلفظ كل الدوائر الكابحة لمنظومة الإصلاح.



هوامش :

حرزني ( أحمد ) : الانتقال الديمقراطي بالمغرب, محاولة تحصيل.منشورات أوداد للاتصال.ط.1. ص. 75.

1. نفس المصدر. ص. 49.

2. نفس المصدر. ص. 51.

3. نفس المصدر. ص. 65.

4. Le monde Diplomatique No : 601/ 2004.

5. حرزني (أحمد). المصدر السابق. ص. 75.

6. جريدة النهج الديمقراطي.العدد, 70/ 2002.

7. حرزني (أحمد). المصدر السابق.ص, 71.

8. الساسي (محمد), تفاصيل سياسية.ص. 21.

9. جريدة البيضاوي.العدد, 69/ شتنبر/ 2003.

10. الساسي (محمد), المصدر السابق. ص, 129.

11. مجلة وجهة نظر. العدد, 19- 20 / 2003.

12. الساسي (محمد). المصدر السابق. ص, 45.

13. جريدة الصحيفة.العدد,159/ أبريل/ 2004.







عزيز الهلا لي



#عزيز_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إصلاحُ الوزير ميراوي البيداغوجيّ تعميقٌ لأزمة الجامعة المغرب ...
- الإصلاح البيداغوجي الجامعي: نظرة تعريفية وتشخيصية للهندسة ال ...
- موسكو تطالب برلين بالاعتراف رسميا بحصار لينينغراد باعتباره ف ...
- تكية -خاصكي سلطان-.. ملاذ الفقراء والوافدين للاقصى منذ قرون ...
- المشهد الثقافي الفلسطيني في أراضي الـ 48.. (1948ـــ 1966)
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- ناليدي باندور.. وريثة مانديلا وذراعه لرفع الظلم عن غزة
- الجيش الإسرائيلي يعلن تنفيذ عملية بمجمع الشفاء الطبي في غزة ...
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى تخليد ...
- النهج الديمقراطي العمالي بوجدة يعبر عن رفضه المطلق للأحكام ا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عزيز الهلالي - اليسار كأفق للإختلاف والإنفتاح