أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا كبرييل - النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.















المزيد.....

النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.


ليندا كبرييل

الحوار المتمدن-العدد: 5547 - 2017 / 6 / 10 - 21:39
المحور: الادب والفن
    


علمتُ أن اليابانيين يتمتّعون بقدر عالٍ من السلوك الرفيع والمعاملة المهذّبة . ويا للعجب .. فإن هذه الميزة رغم ما تثيره من استحسان، كانت خليقة بأن تثير في داخلي إحساساً، هو خليط من الشك بما تحْجبه الأعماق الإنسانية، والحذر من الخروج على القواعد الصارمة التي يعتبرها المجتمع ذكاء اجتماعياً.

أحببتُ شخصية " مينامي " * ، فقد كانت كتاباً مفتوحاً شروحه مُبسَّطة، أعانتْني على فهْم تلوُّنات النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها، في عدالتها وفي نذالتها، في تدبيرها وفي تبذيرها، في نبالتها وفي سفولتها.

ولم أكنْ مضطرة إلى تربية ذوق اليابانيات في اختيار صداقاتهن *، لكني وجدت نفسي أمام واجب أخلاقي يدفعني إلى الذود عن " مينامي " النبيلة، حول ما توحي به شخصيتها الصاخِبة بالاهتزاز والمشاكسة ؛ فما هي إلا مشاكسة بريئة، ومرح طفولي، وصخبٌ يغوص في بحر الثرثرة، لن تخرج منه إلا وأنت محمَّل بالأصداف الكريمة.

جزعتْ السيدات على هالة الاحترام التي يُحِطْن أنفسهن بها . فآثرْن الابتعاد عن مينامي غير المُكترِثة بالرسميّات، والتي تُجافي براءتُها المداهنة، وخَشَيْن من تهريجها المكْروه أمام الأجانب، عندما سُئلتْ عن سرّ ابتسامة اليابانيات الغامضة فقالت : { نحن اليابانيات نلجأ إلى وسيلة غير مكلِّفة، لإخفاء التجاعيد المنتشرة حول الفم : الشدّ !! إما بإِلهاء الناظر إلينا بشدِّهِ إلى حديث لبق وشيّق، وإما بالابتسامة المُصطنَعة خلال السكوت، فتنشدّ معها بعض التجاعيد . وهذه الابتسامة بالذات تتمرّن عليها اليابانيات أمام المرآة لضبْط عيارها ؛ ذلك إذا زادت عن حدّها، غابتْ الحدقة، وظهرت العينان كخيط أسود، وتجمعتْ التجاعيد حولها، وبدا الوجه كالفطيرة المنتفخة ! ).
حقيقة تنساب على لسان طفولي دون مَعارِج .. فأدركْن أن لها فكراً لا يُشذِّب، ولساناً لا يُهذِّب، وعرفْن أن فَيْض ذكائها لن ينفعهن في دعْم الجاه والكبرياء، وقد أخذتْ فِطْنتها بالتواري مع نوبات عصبية * وحالات اكتئاب مرضيّة، ترمي بها إلى طرفَيْ أقصيَيْن يعتصران كل بارِقة عقلية : فهي الآن في ضيق شديد، ثم فجأة في انفتاح بلا حدود !

هذه صورة للحياة تتكرر في كل زمان ومكان، في بلاد علْياء الشمس المشرقة على خضارٍ أبديّ .. وفي بلاد فجور الشمس الطالِعة على صفارٍ أزليّ ؛ حيث أصحاب المكانة الاجتماعية السامية يحرصون على تميّزهم الطبقي، ويهيمون بكل ما يتجلّى فيه الأُبَّهة والإبهار . فإن قيل إن هذا من علامات تقدّم المجتمع ورخائه، فإنه قد يقود أيضاً إلى شرّ ما في البشر : التفرقة؛ فما أسرع سقوطهم في حبائل التمييز، وما أقربه إلى العنصرية !

كان موعدي مع مينامي هذا اليوم لقضاء فترة الظهيرة في حديقة المدينة، استقبالاً لموسم تفتّح أزهار الساكورا * .
كان عليها إحضار الفاكهة والشاي، وعليّ إحضار الأغاني العربية، التي سوف أشارك بها في احتفال مركز تأهيل المعاقين بعيد ميلاد السيد المسيح * القادم، كذلك تحضير وجبة الغداء، وجعلتُها مفاجأة لها : ( الحنْكليس ) !

جلسنا تحت شجرة مالتْ أغصانها الكثيفة علينا بحنان ودلال . افتتحتُ جلستنا بصلاة من فيروز تشدو بأغنية ( طريق النحل *) . شهقت مينامي وصاحت بصوت عال : حنكليس !!! فاهتز الهواء طرباً للغناء، وانْعطفَتْ زهور الساكورا تحدِّق بسفرة غدائنا الشهية.
أمام هَيبة الحنكليس وعظمته، تنطفئ الأصوات في الصدور . كلنا أفواه مفتوحة لتلقّي أبلغ الآيات الطيِّبات . الحنكليس كاتم صوت في سينما صامتة !
والصمت أعمق دليل على احترام النحل والحنكليس.
نحن لا نأكل الحنكليس * .. نحن نستشِفُّ طعماً سحرياً أنجزتْه يد الفنان الماهرة، ففكّتْ عقدة التناقض، بين ظاهره الذي يثير النفور لدى مَنْ يوحي له وهو يسبح في الماء بشكل الحَيَّة ، وبين باطنه الذي يسِيح في فاخر المذاق الشهي . نحن نتحرّى عماد قوّته التي تتحدّى سطْوة ( السوشي *) ، فيصبح القلق المزْمِن والعزم المتواصل لزحْزحة السوشيين عن عرشهم السلطاني.
فمع ما للسوشي من أسلحة بحرية متنوعة *، من التونا والسالمون والقريدس والأخطبوط والمحار والكافيار ..... فإن الحنكليس المَشويّ على الفحم والمتبَّل بصلصة السويا .. بسلاحه الوحيد هذا، قادر على أن يقضّ مَضْجع السوشيين، ويستنهِض همّتهم لابتِداع أطباق جديدة لجذْب الزبائن المُسدَّدة أنظارهم أبداً إلى ال ( أوناغي Unagi = الحنكليس * ).
غزلٌ تستحقه حَيَّة الحنكليس بجدارة !

كنا قد انتهينا من تناول ( لقمة الرحمة على روح الحنكليس ) بحسَب تعبير مينامي، وبدأتُ بتعليمها كتابة اسمها بالعربية، عندما فاجأني صوت لطيف يسألني : حضرتكِ تتكلمين العربية ؟
رفعتُ نظري لأرى سيدة جميلة حسنة الهندام، يَشي مظهرها بالطبقة المُترَفة التي تنتمي إليها، تضمّ إلى صدرها مجلة على غلافها صورة عارضة أزياء.

أخذتُ أرتّب حاجاتنا لإتاحة مكان لجلوس الغريبة . أما مينامي فقد استأذنتْ بأدب في الانسحاب واختفتْ خلف شجرة قريبة، وسمعناها تتخلّص من غازات بطنها، فبدتْ على فم السيدة علامة الاشمئزاز.
عادت مينامي لتستقبل الغريبة بابتسامة واسعة بريئة، وهي تحاول أن تقول شيئاً لكن الكلمة تلجْلجتْ على لسانها، فرفعت يديها كمنْ يقول انتظروا، ولما تذكّرتْ رفعت سبابتها وقالت للسيدة الغريبة : هابامارو ! عبستْ السيدة، فانتبهت مينامي وقالت : أفْواً أفْواً، ( ماروهابا ) . فبادلتْها حسنة الهندام التحية العربية بابتسامة مُقتضَبة، وهي تتفحّص مظهرها الشعبي البسيط بنظرة جريئة.
قدّمتْ الغريبة نفسها :
ــ ( ع / عين ) من الإمارات . مديرة في شركة تجارية . عفواً لاقتحامي جلستكما، لكني رأيتك بالصدفة مرتين في الأسبوع الماضي في شارع 5 ، وأدهشني اليوم اكتشافي أنك تتكلمين العربية.
أجبتُ " عين ":
ــ شارع 5 ؟! .. آه ~ نعم . هناك يقع مركز تأهيل المعاقين ورعاية العجزة، حيث أعمل أنا ومينامي في خدمتهم متط ...
بلسان بتّار، وبوجه ينطق بالعجب، وصوت تغلّب فيه طابع الدهشة ففضح تكلّفه الرقة قاطعتني الغريبة :
ــ خدّامة !! تقصدين .. شغّالة ؟؟
.... ؟! لم نبدأ بعد ! إشارة تُنذِر بأن البئر الارتوازية يمكن أن يتفجّر باطنها فوّاراً فياضاً ما شاء الله ! انطلق صوت عقلها الباطني بحدّة ارتسمت ملامحها على وجهها الجميل، فشوّهتْه . أصابني الذهول وقد اخترقت كلمتها قلبي، وسرعان ما انتبهتْ إلى أنها تجاوزت حدود الأدب واللياقة، فحاولتْ استدراك خطئها :
ــ متأسِّفة .. أقصد أن هيأتكِ لا تدلّ على أنك خادمة !

من خدّامة إلى خادمة ! تحسّن مقبول .. لا تكبّريها ~ وللأمانة ال ( شغّالة ) هي الأفضل ! رمقْتُها بعين باردة متعمِّدةً الصمت، فقطعتْه :
ــ المعذرة .. يعني ~ لا يبدو ال .. فقر عليك فاندهشتُ.
تابعتْ بلهجة سيدات الأعمال :
ــ اِسمعي .. مطلوب في شركتنا سيدة للعمل .. يعني .. في مجال الخدمة أيضاً، إن لم تكوني متعاقِدة مع مكتب عمل ..
ثم مطّتْ شفتها السفلى كالمتقزِّزة، وهي تهزّ كتفها ويدها في حركة مثقلة بالتعبير عن الاستخفاف، لتساعدها على إتمام المعنى الذي قفز إلى رأس لسانها ولم يظهر تماماً، وقالت :
ــ صدّقيني أحسن من .. هذا العمل ال ~ يعني .. المتواضع.
ــ قاطعتِني ولم أُتِمّ كلامي بعد، وكنت على وشك أن أقول لك إنها خدمة تطوّعية، أي دون مقابل مادي.
تأمّلتْني من رأسي إلى قدميّ بلا خجل، ثم قالت بلهجة ممطوطة :
ــ وأنا أقول ..! آسفة لسوء الفهم الذي بدر مني.
ــ إلا أني على كل حال، أعتقد جازِمة أن العمل البدني لا يستحقّ نظرة دونِيّة.
فقالت ببرود :
ــ هذه أعراف اجتماعية وأنت تدركينها دون شك . عندنا لا يليق بأبناء الذوات ممارسة المهن البدنية، فهي تنال من صيت العائلة وسُمعتها . حتى أبناء الطبقة الوسطى عند الضرورة يمارسونها في تستّر . لا يقوم بهذه الأشغال إلا الأغراب الفقراء أو الطبقة الدنيا من الشعب.
أزعجني استمْراؤها المُجافي للإنسانية ولأدب المخاطبة، فأجبتُ " عين " بضيق :
ــ هذا إفراط في إرضاء نزعة الغرور والأنانية . تلك الطبقة الدنيا تقدّم خدمات كبيرة تجلب الراحة وتحسّن حياتنا، وتدفع اقتصاد بلادنا إلى الأمام، ولولاهم لرُحْنا بشربة مياه . أفلا يستحق هؤلاء الشغيلة الاحترام والتقدير ؟
ــ الدرجة الاجتماعية تفرض معاملة خاصة . في بيتي لا يمكن أن أعامل الخدّامة والبوّاب والسائق كما أتعامل مع زملائي في الشركة . لا يحمي هؤلاء البائسين من أنانية الإنسان وغروره إلا الأخلاق . الحياة المادية الفاسدة أبعدتْنا عن أخلاقنا الحميدة للأسف.
ــ عجيب ! الأمم الغربيّة المادّية لا تنتهج أخلاقنا الحميدة، لكن العامل فيها ليس بائساً . يعيش بكرامة، ويستطيع أن يُقاضي رئيس عمله إن شذّ عن القانون الذي يحميه، ويضع الجميع على قدم المساواة . هل يستطيع البوّاب والسائق أن يفعل هذا معكم إن خالفتم مبادئ الأخلاق ؟ ليتنا نأخذ ( سلوك الغرب الفاسد ) ونعطيهم ( أخلاقنا الحميدة ) ! المشكلة أنك تنظرين باستعلاء إلى العمل اليدوي وأصحابه.
ردّتْ " عين " باستهانة وهي تضع مجلة الأزياء على الطاولة :
ــ هؤلاء الخدّام هم منْ يكرسون هذه النظرة الدونيّة في حقّهم . لا تخافي عليهم .. ملاعين ! إنهم لا يريدون مغادرة هذه الطبقة نظراً لما يجْنونه من أرباح.
ــ أنت لا تسألين لماذا لا يريدون مغادرة هذه الطبقة، مع وجود الأخلاق الحميدة.
ــ قلتُها لك .. عندما يخرجون من جلودهم مغادرين طبقتهم الدنيا، سيشْلحون مع جلودهم الجيوب التي تمتلئ بالمكتسبات والبركات ومما يحظون به.
ــ كأنك تفترضين النزاهة في الطبقة المرفّهة، في ظلّ الأخلاق الحميدة الداعية إلى العفّة والأمانة !
ــ قولي لي : ما العمل المناسب لمنْ ينحدر من عائلة متواضعة، أو لمنْ لا يحمل شهادة ؟ هل يعيشون بالاسم والصورة مع الطبقة المرفّهة بجيوب خاوية ؟
حقاً ما أظلم البشر ! قلتُ لها بانفعال :
ــ لماذا لا يحملون شهادة ؟ لماذا خُلقتِ وفي فمك ملعقة ذهب وهم يعيشون على الكفاف ؟ تلك الطبقة الدنيا تعلم جيداً، أن البركات التي ستحصّلها في طبقتها الجديدة العليا، لها ثمن وتضحيات ليست مُلزَمة بها وهي تعيش بحريتها على أطراف المجتمع وأذياله . ولو شقّتْ جلدها وخرجت منه، فإن صيتها القديم سيبقى لاصقاً بها، وسيمتدّ إلى أحفادها . ليست المكتسبات وحدها هي الجاذِب للبقاء في طبقتهم، فالبركات تجد سبيلاً لها من أسفل إلى أعلى سلم المجتمع.
تساءلتْ عين بضيق :
ــ إذاً ؟؟
ــ القيد الذي لا فكاك منه ؛ مجتمع يلفظ الضعيف أو يستعبده، يسوده المُخطِّط والمُتخبِّط، والرفيع والوضيع، والمعصوم والموصوم . ثقافة ظالمة تمكّنت من عقولنا، وننقلها بالتربية إلى أطفالنا . أنت لست معترِضة على فعل التمييز أو التفرقة في صميمه.
أخذتُ نفَساً عميقاً ثم تابعتُ :
ــ ينقصنا في الواقع، أن نتمثّل قيمة التحرّر من شعور التمييز بشكل فعلي، لا بالوصايا الأخلاقية.
تأمّلتْني " عين " بحيرة واضحة على وجهها، ثم علا صوتها :
ــ حسناً .. أنت كما يبدو لي من دعاة نبذ التمييز، ورفض اللامساواة الطبقية . سؤال : هل أنت الجامعية مستعدة أن تعملي خدّامة كحرفة ترتزقين منها ؟

تتساقط النجوم من السماء .. تتوقّف الأنهار عن الجريان ولا تتغيّر العقلية العربية ! ظنّتْ أنها حشرتْني في الزاوية المميتة . قال عمّي أبو حنيفة ذات يوم سحيق : { آن لي أن أمدّ رجليّ } .
قلتُ لها وأنا أفعل مثله :
ــ بالتأكيد لن أضع نفسي في هذا الامتحان الهابِط الساذج.
ــ ماذا حصل ؟ أراكِ ترددين ما احتججتِ به علي قبل قليل !
أجبتُ "عين " بقدر ما أسعفني غضبي الداخلي أن أُسلِس له قيادتي :
ــ في مجتمع تتشابه فيه حقوق المالِك مع حقوق الضواري المفترِسة، وثقافته قائمة على استعباد البشر .. في هذه البيئة المتدهورة أخلاقياً، ستكون حريتي ملكاً مشاعاً لسيدي، مأسورة بإرادته وأهوائه المريضة، وحقي أن أعيش بكرامتي في قبضته، وحياتي رهن خدمته وطاعته يسقطها وقتما يشاء، وأمامك نماذج عاملات جنوب آسيا .. هل هذا نموذج لعمل كريم أختاره بحريتي ضامِنةً حقوقي الإنسانية ؟
فردّتْ عين بثقة :
ــ أنتِ توافقيني إذاً على أن أخلاق الإنسان هي الضامن، وأن العمل اليدوي لا يلقى الاحترام، وليس لائقاً بسمعة عائلاتنا القيام بهذه الأعمال البدنية مهما كان مدخولها مرتفعاً.
ــ لا يعنيني مدخول العمل، ولا أن تعامل الخادمة بالأخلاق الحميدة، هناك خلل خطير ليس في نظامنا الاقتصادي فحسب، بل الأهم : في تربيتنا وثقافتنا التمييزية التي تصنّف البشر إلى دائرة الكرماء الأخيار وشريحة الضعفاء الأذلاء.
هزّت " عين " كتفيها وقالت :
ــ يبدو لي أنك شيوعيّة.
رمقتُها بتعجّب ثم قلت لها مبتسمة :
ــ شيوعية ؟! لا ~ أنا يسوعية قحّ ! وإن كانت الشيوعية تدعو إلى نبذ التفرقة فما أسمى مبادئها !
ــ عفواً .. لي سؤال قبل أن أتركك : ما الذي يُجبِر صاحب الشهادة على خدمة المجتمع مجاناً ؟ هذه مسؤولية الدولة.
ــ نعم .. ولكن الدولة بمفردها غير قادرة على القيام بكافة الواجبات تجاه المواطنين . هنا يأتي دور العمل التطوعي الإنساني، الذي ينمّي في المواطن حسّ المسؤولية لخدمة مجتمعه، وتحقيق مصلحة الآخر لتنعكس على الفرد، مما يساعد على تحجيم المشكلات الاجتماعية . نحن العرب، نعيش في رخاء المنجزات العلمية، لكننا نفتقر إلى تنمية شعور التضامن الإنساني .. معاملتنا لعمال آسيا خير دليل . بناء الإنسان يحتاج إلى ثقافة.
تأملتْني عين بنظرة خاملة ثم قالت :
ــ في دولتنا لسنا في حاجة إلى نظام التطوّع، فكل أسباب الرخاء مؤمَّنة . أعتقد أن منظمات المجتمع المدني هذه ليست بريئة ؛ تعلن أنها في خدمة الإنسان، لكن خلفها جهات سياسية مشبوهة.

فجأة .. رمى طائر بِسَلْحه، فوقع ذَرْقه الأبيض فوق وجه عارضة الأزياء في المجلة التي كانت تحملها " عين " ! فانفجرت مينامي بالضحك، وأخذت تضرب يدها على الطاولة وقدمها بالأرض وهي تقهقه وتشير إلى وجه العارضة . أما عين ، فكانت تعابير وجهها تنطق بالقرف الشديد والغضب من ضحك مينامي.
مزقتْ عين الصفحة الملوّثة بذرق الطائر ورمتها في سلة المهملات، ثم ألقت السلام ومضت في حال سبيلها.

لم يفُتْ مينامي ونحن في طريقنا إلى مركز رعاية المعاقين، أن تشير إلى أنها لاحظت عجرفة السيدة " ع " وتكبّرها.
ليت مينامي تعرف أن ( عيون ) العرب لا تتقن النظر إلا من فوق الأنوف الشامخة . هل ألوم " ع " وهي لم تشذّ عن أخلاق بيئتها ؟
لكم أن تتمعّنوا في سمات الخُيَلاء المشوِّهة في وجوه الأجداد، لِتدركوا أية قسمات قبيحة أتحفنا بها الأحفاد !
وتتبّعوا مسار جلمود امرئ القيس في انحداره، لتعرفوا كيف حطّ على رأس زمننا فبطحه !
وانظروا في قاموس الوراثة كيف فلتتْ من قبضته جيناتٌ طائشة، لم يستطعْ التحضّر تطويعها، فسقطتْ تطورياً لتتسلّل إلى تلافيف المخ العربي حيث تتراكم طبقات الجهل !
النهضة العربية دون شك .. ستقوم على أكتاف أمثال هذه السيدة !

في مركز تأهيل المعاقين، استمعتْ المديرة مع أستاذ الموسيقى إلى مقدمات بعض الأغنيات التي أحضرتُها، فانتقوا منها :
لما بدا يتثنّى - زوروني كل سنة مرة - طلعت يا محلا نورها - تفتا هندي *.
يتبع.


الإشارة ( *) تعني أن الأسماء والأحداث جاء ذكرها في المقالات السابقة من هذه السلسلة.

أغنية : طريق النحل
https://www.youtube.com/watch?v=UWm82N6h5ns

سوشي :
www.gettyimages.com/photos/sushi

الحنكليس
https://www.shutterstock.com/search/unagi



#ليندا_كبرييل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضمير الذي لا ينام : الأحلام.
- لِيحْتفِظْ بوذا بجنّته لنفسه !
- الإقصاء، أشدّ الأحاسيس قسوة
- رُماة النِبال إذا تنكّروا في صورة النبلاء !
- الرتابة إعدام للحياة عن سابق إصرار !
- الفتى الذهبي - جان نصار -
- تعالَ أعلّمكَ فنّ العَوْم في الحياة يا ابني !
- تحت شجرة - ساكورا Sakura - *
- المُتأتِئ مذيع، والمشلول لاعِب كرة !
- - هيكارو - إذا سلقَ البيضة تحت إبطه !
- كُدْتُ أغرق في فنجان !
- ومع ذلك فهو أدونيس وذاك جبران وذاك المتنبي !
- الأعْوَجون (الأضْعفون) أوْلى بالمعروف
- الأعوجون أوْلى بالمعروف
- البوذيون فتافيت بشرية ؟!
- الشيطان لا الله .. يضمن لنا راحة البال !
- حدّثتْني شهرزاد البوذية فقالت :
- سلام عليك .. يا ابنة بوذا وحفيدة آلهة الشمس
- ( بوذا ) إذا استمعَ إلى نكتة الحشاش !
- وكنتُ كآدم الذي أكل التفاحة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ليندا كبرييل - النفس البشرية ؛ في انتصارها وفي انكسارها.