أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كأنّه أبي-4-














المزيد.....

كأنّه أبي-4-


نادية خلوف
(Nadia Khaloof)


الحوار المتمدن-العدد: 5541 - 2017 / 6 / 4 - 16:35
المحور: الادب والفن
    


أسأل نفسي على الدّوام، وأكرّر السّؤال على الآخرين:
هل من الضروري أن أعرف أبي، أو حتّى أمّي؟
أصبحت رجلاً، عليّ أن أبدأ حياتي، فأنا لست أبي
الحياة تكافئ وتعاقب.
كافأت أمّي. عوّضتها عن سنوات الظّلم، ولا زالت مسحة الحزن تعلو جبهتها لا أستطيع أن أفعل لها شيئاً. عليّ بنفسي.
لم يكن عليّ أن أذهب إلى الطبيب.
لن أعاتب.
سوف أعتذر من ميّ. على الرّجل أن يعتذر إن أخطأ، وقد أخطأت بحقها.
-ألو. مي. آنا آسف. يمكن أن نلتقي لأشرح لك ظروفي. متى وأين يمكن ان نلتقي؟
-في منزلي طبعاً، وإن وجدت أبيك في الطريق وخفت منه لا تأت أبداً.
اسمع يا غريب ما أقوله جيداً. لست أنا من سوف يعيش هواجسك حول أبيك، فليرحل إلى الجحيم ، أو النعيم. أرغب أن لا نتحدّث عن هذا الأمر. أرغب أن نجلس معاً نتحدّث عنّا فقط.
-سوف آتي في الثامنة مساء.
يبدو أنّني أحتاج لميّ. كلماتها أقوى من كلمات الطبيب. وضعتني أمام تحدّ. إما هي، أو أبي، وحسب ادعائي أمام الطبيب فإنني لا أريد أبي. لذا عليّ أن أختار لها.
. . .
أسير في طريق أنواره صفراء ليس فيه إلا بعض العائدين إلى بيوتهم من العمل.
أمضغ علكة بنكهة النعناع، أفكّر أن أبدأ. بماذا؟ لا أعرف. كل ما أعرفه أن على الإنسان أن يبدأ حياته في مرحلة ما. أشعر بالغثيان، بالضياع، وبأشياء لا أعرف كيف أفسّرها. هل أنا مجنون؟ نعم إنّني كذلك. أفتعل الأوهام وأشغل من حولي بها، وقد حذرتني ميّ وأميّ من ذلك. ميّ تشبه أمّي في تشدّدها تجاه الخطأ والصواب، وأنا أشبه أبي في الهروب إلى أمام.
سوف أجلس على هذا المقعد الخشبي ريثما تصبح السّاعة الثامنة.
أشعر بشخص يجلس إلى جانبي. إنّني خائف. أتصبّب عرقاً. أرغب أن أهرب، وركبتاي متسمّرتان. يمسك بي شخص قويّ: اجلس! لا زال أمامك ساعة على الموعد. لم ألتفت وبينما كنت أرتجف، قال لي: إيّاك أن تبحث عنّي بعد اليوم. أنت كابوس يدمّر حياتي. أراك أمامي كلّ لحظة ملفوفاً بكفن. لست مسؤولاً عمّا تمرّ به. اخرج من حياتي. لي حياة أخرى. عشْ، ودعني أعيش. ما جرى قد جرى، ومن ندم قد ندم، ولا يمكن إعادة الأمور. هل علينا أن نموت؟
سوف أضربك حتى لو كنت أبي. أجب لو سمحت!
ألم يكن عندك طريقة أخرى للانتقام من أمي؟ كنت أتابعك وأنا في العاشرة وأعرف أنّك تتحدث مع النساء، وشككت بأمر تلك المرأة التي قبلت بك زوجاً وهي تعرفك حقّ المعرفة. لا شأن لي بكلّ هذا. فقط أسأل: لماذا كنت تحرضني على أمّي وتقول أنها مجنونة؟ اقتنعت بكلامك، فوصفتها بوصفك، اعتقدت أنّك على خلاف معها وليس معي، لكن عندما عرفت الحقيقة، وقلت لي بأنك راحل نهائياً لأنّ أمي هي السبب. تقصيت أخبارك ورأيت العرس قبل أن ترسل لي لتبشرني به. لماذا وضعتني وسط الخلاف؟
ألم تكن رجلاً لتحلّ قضيّة بسيطة هي قضيّة طلاق بطريقة لا تتخلى عن رؤيتنا طوعاً؟
لم أعتذر من أمّي لأنّني قلت لها ما قلته لي. فبعد أن يقع الإيذاء. ماذا يفيد الاعتذار؟ آذيتنا جميعاً بأسلوب رحيلك، وطريقتك في الغدر، والتّخلي عن رؤيتنا بطريقة طبيعيّة. كنت تستطيع أن تفعل ماتريد دون إيذاء لنا نحن أولادك.
.
-لا. لم أكن أستطيع. لن تسمح والدتك بذلك. حتى لم تقبل بعلاقات مع عائلتي من قبل.
-أبي! كفّ عن الخداع. أنت كنت تخطّط للهرب من المسؤوليّة، لذا لم تبذل جهداً مع الطرفين، وأنت تعرف أنّك كنت تستطيع أن تحتويها، وأنها كانت مستعدة لو كنت أنت مستعد. أنت اعتبرتها غير موجودة. اسمع يا أبي! هذه أمّي، وهي سيدة النّساء. تبيّن أن كلّ حديث عنها هو من صفاتك. غدرت يا أبي، وقد قال لي صديقي أنّكم غدّارون.
كم كنت أشتاق إليك!
كم كنت أتمنى أن تردّ على هاتفي عندما كنت بحاجة لك!
أصبحت أنت تتكلم معي فيما بعد. كنت ترغب بإيصال رسائل تهديد لأمّي. لم أوصلها يا أبي. تهديداتك عاشت معي، وأنا اليوم إنسان غير سويّ. لا تعدْ أبداً. لا أرغب أن أرى ابتسامتك، لا أستطيع أن أنكر أنك أبي. سوف أصافحك، وأنصرف.
يبدو أن أبي رحل. لا يرغب أن يعرف حقيقته. كنت سوف أسامحه بعد هذا الحديث، لكنّه قال: لا أريدك في حياتي. هو يرفضني. ماذا عليّ أن أفعل؟
لن أبحث عنك بعد الآن. لن أكون كابوساً في حياتك. حياتك كلّها كوابيس. لم أرك يوماً، فقد كنت عندما أجلس قربك وأحدّثك إما أن تغفو أو تؤنّبني، أو تضحك مع نفسك في محادثات وهميّة قضيت عمرك ضمنها. ضربتني، تركتني ، كنت مغفّلاً صغيراً يبحث عن أب. ربما توماس يمثّل لي صورة الرّجل المشرقة. اعتنى بي عندما تركتني أيّها الأب الضّال.
ها قد وصلت إلى بيت ميّ. أمسح دمعي، ثمّ أقرع الجرس.
-تفضل يا غريب. أنا في انتظارك. سوف نتناول طعام العشاء مع أمّي ثم نجلس بمفردنا كي نتحدّث عن المستقبل.
-مرحباً سيدتي. كيف حالك.
- تفضّل يا غريب إلى الطّعام. اليوم أكمل عامي الخامس والخمسين، وقد وضعت شمعة لي، وشمعة لكلّ فرد من أفراد عائلتي.
-عام سعيد. آسف. لم أكن أعلم، لو كنت أعلم لأحضرت معي الورد. لماذا لم تخبريني ياميّ؟
-لا عليك! أنا سوف أخبرك. أحتفل بميلادي ليس من أجلي. بل من أجل والديّ. أوصياني أن أبقى سعيدة. نجوت وحدي من العائلة، وهذه الشموع السبعة تحمل أسماء أبي وأمي وإخوتي الذين ذهبوا ضحية قصف منزلنا. الحياة مستمرّة يا بنيّ. قبل أن تأتي . تحدّثت مع كلّ شخص منهم على انفراد. غنيت لهم أغنية الميلاد، والآن سوف نسمع الموسيقى، ونأكل، نعيش الليلة. علينا أن نعيش يا غريب. أليس كذلك؟
-نعم سيدتي. يجب أن نعيش. أرغب في مواساتك. اسمحي لي ببعض البكاء قبل أن أقرأ أسماءهم بصوت مرتفع، وأدعو لراحة نفوسهم.



#نادية_خلوف (هاشتاغ)       Nadia_Khaloof#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرّقابة الشّعبية على الفكر العلماني مستبدّة أيضاً
- صفّوا النّية
- لغة القلم
- كأنّه أبي-3-
- كأنّه أبي-2-
- كأنّه أبي-1-
- بازر باشي
- صراع مع الأماكن
- أحِبّونا دون شروط
- الشّعب المختار، والمحتار
- نحن والزّمن
- -ديني على دين المحبوب-
- المحرقة السّورية، والموت السّهل
- يبدأ الحبّ بلمسة تعاطف
- أعراس الوطن-مسرحيّة-
- عندما نُجبَرُ على الشّيخوخة
- مع ذاتي
- يشعلني الحنين
- على وقع الرحيل-2-
- على وقع الرّحيل


المزيد.....




- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نادية خلوف - كأنّه أبي-4-