أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - عن الأقصوصة بقلم: ياسمين عياشي














المزيد.....

عن الأقصوصة بقلم: ياسمين عياشي


كمال التاغوتي

الحوار المتمدن-العدد: 5535 - 2017 / 5 / 29 - 22:08
المحور: الادب والفن
    


لئن كان تأليف الروايات من أرقى الفنون وأكثرها رواجا، فإن البعض يميلون لمطالعة الأقاصيص بدل الرواية ذات الأحداث المتشعبة والشخصيات العديدة. حجتهم في ذلك طرافة الأقصوصة، تلك التي تحوّل أحداثا عادية نمر بها يوميا دونما اهتمام إلى قضايا مصيرية متجذرة في واقعنا، نابعة منه، وتوفر لنا متعة ذهنية بتنوع أشكالها الفنية.
فكيف تكشف لنا الأقصوصة عن تلك القضايا التي نكاد لا نتفطن إليها؟ وأين تبرز براعة مُنْشِئِيــها في إمتاع القارئ؟
لا مِراء في أن العديد من الآفات تنخر كيان مجتمعاتنا وتحدّ من ازدهارها. واللافت للنظر في الأقصوصة أنها تنقدها متخذة نقطة انطلاقها حدثا عاديا مألوفا نراه ونمر به كل يوم دون أن ننظر في تفاصيله؛ ففي أقصوصة "نبوت الخفير" لمحمود تيمور، كانت البداية بمكان عادي بالقاهرة هو "رصيف شارع السلسبيل" الذي تكثر فيه "حركة الباعة الجوالين". نسأل "ما المصيري في هذا؟" لعل المصيري هو واقع هؤلاء الباعة الذين نجد بينهم أطفال الشوارع وبالتحديد ذلك الغلام "الأحدب الصغير رث الثياب"، غلام حولته مطاردة واحدة مع الشرطة إلى كاذب سارق صفيق.
ولئن كانت المطاردات متكررة في حياة الباعة الجوالين حتى أمست إيقاعا رتيبا، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة إلى هذا الغلام الذي صار مجرما يهدد سلامة المجتمع.
وليس الإجرام الآفة الوحيدة، فالحب والحرية و التفاوت الطبقي والاحتلال الظالم المغتصب كلها قضايا تؤرقنا، قضايا اهتمت بها الكاتبة اللبنانية "إيميلي نصر الله" متخذة تجربةَ حب فاشلة منطلقا لها.
لا غرابة في فشل تجربة حبٍّ، لكن فشلها بسبب أمٍّ "تقف عاليا في شرفتها المزدانة بالورد والياسمين الجوري" لتنادي ابنها و "تعيده إليها" يوحي بأن التفاوت الطبقي لا يزال يشتت العشاق، ولعله أنموذج مصغر للتفاوت بين الأمم مما يدفع بعضها لاحتلال نظيراتها الأقل منها قوة كما هو الحال في فلسطين.
ولم يتجلّ تحويل العادي إلى مصيري من خلال المعنى فقط، بل من خلال المبنى كذلك. فالأقصوصة تتمحور حول حدث واحد يختار له المؤلفون موضعا مناسبا هو الوسط، أي بين العرض و تلك اللحظة التي تتغير فيها نظرة الشخصية لذاتها و لواقعها، بين العرض و لحظة التنوير. ولعل ذلك يهدف إلى شدّ ذهن القارئ إليه وضمان وحدة الانطباع والأثر اللذيْن نكتشف بعدهما خطورة ما كنا نعُدّه مألوفا.
ولكن لِمَ لا نجد جميع الأقاصيص متشابهة والحال أنها تشترك في هذه البنية، عرض فحدث مركزي تليه لحظة تنوير؟
هنا يأتي دور الخصائص الفنية و توفيرها المتعة للقارئ. نعم، فإن اتساق التصميم لا يعني تشابه الأحداث كما لا يعني تشابه الحبكة أو تشابه البنى السردية، فمن البنى ما يقوم على التضمين مضارعا بذلك الحكاية المثلية في طرافتها، ومثال ذلك أقصوصة "الكراسي المقلوبة" حيث ساهم إدراج المشهد المسرحي في الإمتاع وزيادة الغموض، ومن البنى ما يقوم على اللغز مثل أقصوصة "حكاية الباب" المفعمة بالتشويق لمعرفة خطإ ذلك المجرم وفرصته الأخيرة للنجاة. ومنها البنية الانقلابية كما هو الحال في أقصوصة "المروض و الثور" حيث تبدأ الحكاية بصراع بين العقل و العضلات وتنتهي بالصداقة والتوافق بين عقلين متكافئين، هي أقصوصة نجد فيها عنصر الفرجة في وصف مشهد القتال بتفاصيله إذ يقول السارد: "حضر شيخ المدينة، جلست الملكة في مقعدها، انطلق صوت المزامير... امتلأت المقاعد وعلا الهتاف... جندل اثنين من رجاله... انقض عليه... أحشاء كثعابين زرقاء"، وبذلك يشعر القارئ بأنه في خضم تلك الساحة يهتف و يشجع ويزاحم الجميع فتتحقق له المتعة الذهنية التي يزيد منها الجانب الخرافي العجيب، فهل من ثور قد يرفع في مروضه عينين إنسانيتين ذكيتين ويغمزه؟ وإذا كانت الأمثلة المذكورة آنفا قد هيمن عليها الجدّ في معالجة القضايا فإن الأقصوصة لا تخلو من السخرية أسلوبا وموقفا، إذ من العناصر الموفرة للمتعة يلوح التهكم واضحا بارزا في عبارة ابتسمنا جميعا في أثناء قراءتها هي "... مجرم من أفظع المجرمين الذين عرفتهم البشرية الشريفة الطاهرة". ومن منا لم يعجب ببراعة محمود تيمور في المزج بين الاستعارة والمجاز في تصوير كاريكاتوري للصراع بين القوى غير المتكافئة؟ وما أقسى الدوعاجي في تصويره المسخي لتلك النماذج الاجتماعية التي التقى بها في القطار وعاين سلوكها على شاطئ حمام الأنف ! أجل إنها سخرية سوداء، تضحكنا لتكشفنا. لقد اقترب منا السارد عبر تلك العامية المبثوثة في نصه وعملية المسح التي مارسها على المجتمع التونسي خلال بدايات القرن العشرين؛ كل ذلك يثبت حرص كتّاب الأقصوصة على الإمتاع، أوليس الخيال العلمي في مركبة الساردة بأقصوصة إيميلي نصر الله "الأرض المستحيلة"، تلك التي "تعود بها إلى صومعة الوحدة والعمل"، وسيلة فنية تجذب القارئ وتوفر له المتعة؟
إذن فإن طرافة الأقصوصة بادية في تحويلها أحداثا عادية إلى قضايا مصيرية وفي توفيرها للقارئ متعة ذهنية بمختلف الخصائص والأشكال الفنية التي برع أصحابها في استخدامها، خاصة وأنهم مضطرون إلى التكثيف نتيجة الحيز المحدود المتاح لهم، فكان لا بد من اللجوء إلى طريقة الشعراء في إنشاء نصوصهم باستعمال المجاز كما سبق ذكره.
عادة ما تكون الأقصوصة مستوحاة من الواقع، فأغلب القضايا تعد من شواغل الإنسان في عصرنا الحالي، لكن رأينا بعضها قد امتزج فيها الواقع بالخيال، بل تجاوزت الأقصوصة ذلك إلى العجيب والغرائبي الأمر الذي أدى إلى تناول معانيها تناولا رمزيا. أفي هذا دليل على تطور الأقصوصة عبر الزمن؟ ذلك ما يحتاج إلى دراسة في رأيي.



#كمال_التاغوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حِذْوَ نِرْسِيس
- مَلأَتْنِي حُبًّا
- أَرْضُنَا
- أما بِنعْمة ربّك فحدّث
- أعشق فيك حريقي
- جبران خليل جبران
- سَرَقُوا أوجَاعَنَا
- المُعَلِّمُ
- أَيُّهَا القَلْبُ
- القُطْبُ والمُرِيدُ
- إلى عِراقِيَّةٍ
- حَنْظَلَةُ
- المَوْؤُودَةُ تُغْتَصَبُ مِنْ جديد
- مَمْلَكَةُ النَّارِ
- تَقَاسِيم
- ذاكَ العُصْفُورُ
- طَواحِينُ الهُرَاء
- الفَقِيدة
- مَسَافَاتُ الجَسَدِ
- حَوْضُ الأَنْبَجِ والكبْرِيتِ


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال التاغوتي - عن الأقصوصة بقلم: ياسمين عياشي