أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - لغة واحدة ، أم لغتان ؟ ( ج2 )















المزيد.....

لغة واحدة ، أم لغتان ؟ ( ج2 )


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 5533 - 2017 / 5 / 27 - 23:54
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اللهجات الآرامية
ان التغييرات التي حصلت في نشأة اللغة العربية ، هي نفسها التي حصلت أيضا على اللغة الآرامية , فهي أيضاً تفرعت الى لهجات متباينة . لا لكثرة القبائل الناطقة بها ، بل لاختلاط ناطقيها بالمجتمعات المجاورة أكثر من اختلاط الأقوام العربية ، وهو ما أضفى على اللغة الآرامية ألوانا جديدة لم تألفها في بزوغها، ومما هو معروف ان للآراميين لهجتين منذ القدم :
الاولى ــ اللهجة الشرقية : وتشمل لهجات بلاد الرافدين عامة .
الثانية ــ الآرامية الغربية : وتشمل لهجات سورية وفلسطين وطور سينا .
والفرق بين اللهجتين يعود الى كيفية النطق والى نوع الأعجمي من الألفاظ الدخيلة ، واتجاه الصيغ الأدبية وغيرها . وكل لهجة منهما تركت آثاراً خطيّة منذ أقدم العصور ، وقد درسها خبراء اللغات السامية الا أنهم لم يستطيعوا الى الآن وضع كتاب في قواعدها وأصولها .
ولكن اذا قارنّا النصوص الأثرية الكثيرة المكتشفة بما هي عليه في اللغة الآرامية الآن ، نجد أن هذه اللغة لم يطرأ عليها تغيير كبير ، وهو ما يمكن التوصل الى أصول اللهجات الاولى .
وهذا ما سار عليه خبراء اللغة الآرامية ابتداءا من القرن الرابع الميلادي الى العصور المتأخرة ، فتركوا مجلدات هامة في قواعدها وأصولها ، ووضعوا المعاجم الهامة في تحري ألفاظها ومفرداتها .
أما أسباب نشوء اللهجات الكثيرة لهذه اللغة . فهي سعة انتشارها ، وكثرة الشعوب التي امتزج بها أهلها ، فقد شملت بلاد الشام والجزيرة الشمالية وبلاد الرافدين الى حدود بلاد فارس شرقاً ، ومن ثم الى بلدان أرمينيا واليونان وآسيا الصغرى شمالاً ، وحدود بلاد العرب جنوباً .
ولم يكن من الممكن حفظ هذه اللغة من التشضي الى لهجات شتى بحسب كل شعب من الشعوب المختلفة المتكلمة بها ، وعليه نرى فروقاً جمّة بين لهجاتها حتى لا يكاد المتكلم بلهجة نينوى مثلاً ان يفهم المتكلم بلهجة الشام ، ولا هذان يستطيعان ان يفهما المتكلم بلسان فلسطين ، وهذا ما أثبتته أبحاث خبراء اللغات السامية .
وتتفرع اللغة الآرامية الى لهجتين رئيسيتين ، وهما بشكل مختصر:
1- اللهجة الشرقية :
ان اللهجة الآرامية الشرقية هي اللهجة الفصحى النقية التي انتشرت يوماً ما في بلاد بابل ، وما جاورها من الأمصار . وهي التي تعلّمها اليهود في السبي أيام نبوخذ نصر بسبعة قرون قبل الميلاد، واخذوها معهم بعد رجوعهم من الجلاء .
الا أن هذه اللهجة عينها تفرعت الى لهجتين متباينتين ، الأولى : وهي الفصحى وكانت لغة الخاصة ، والثانية لغة العامة: وتمازجها ألفاظ واصطلاحات غريبة كثيرة .
ويسمي الكتاب المقدس هذه اللهجة عامة ( آرامية ) . وسماها ربانيوا اليهود (سريانية) ودعاها العهد الجديد العبرانية .
وأهم هذه اللهجات المتفرعة عن اللهجة الشرقية في بلاد بابل هي اللهجة المندائية (وهي لهجة الصابئة المندائيين في بلاد سومر وبابل ، وكذلك في بلاد فارس ، والتي كتب بها التلمود البابلي) ، واللهجة المانوية المندثرة ، ويلحق خبراء الساميات بها اللهجة النبطية ايضاً .
ومن فروع اللهجة الشرقية أيضاً اللهجة العبرية بشقييها ، الجليلي ، واللهجة السامرية واختص بها سكان مدينة السامرة وما جاورها .

2- اللهجة الغربية :
كانت هذه اللهجة منتشرة في سوريا ابتداءا من مدينة الرها ، و نهر الفرات شرقاً الى البحرالأبيض المتوسط غرباً ، ولتشتمل ربوع لبنان كلها. وكانت لغة الآداب منذ أول نشوء اللهجات قبل بزوغ المسيحية بقرون عدة ، ونقلت عن الهياكل الوثنية والتماثيل والصخور والاسطوانات وغيرها .

ويحدثنا " ابن العبري" عن تشعب اللغة الآرامية على أثر انتشار أبنائها في الأصقاع ، واختلاطهم بالأمم المجاورة لهم ، وابتعاد اللهجات الآرامية بعضها عن بعض ابتعاداً كبيرا، ويقول :
" يجب ان نعلم أن اللغة الآرامية انتشرت في بلاد قاصية أكثر من جميع اللغات ، وهو الذي سبب تشعبها حتى أن الذين كانوا يتكلمونها كانوا لا يتفاهمون الا بترجمان . وكأنهم يسمعون بعضهم من بعض لغة غريبة ، فإن سكان سورية يتكلمون لهجة غريبة عن لهجة فلسطين ، وكذلك المشارقة الذين ابتعدوا كثيراً عن الأصل أكثر من هؤلاء واتبعوا اللهجة الكلدانية وانتسبوا اليها " .

واذا اعتبرنا هذه الناحية حسبما يرويها ابن العبري ، لنجد أن الفروقات التي نشات بين اللهجات الآرامية اكثر تأثيراً من الفروقات الناشئة بين اللهجات العربية ، وأن هذه اللهجات ابتعدت بعضها عن بعض كثيرا، الا أن هذه الاختلافات التي نشأت بين اللهجات المحكيّة فقط دون لغة الكتابة والادب ، لأن الآثار الآرامية المكتشفة تدلّ على أن تلك الفروق لم تكن فاصلة بين اللهجات الآرامية المختلفة بالشكل الذي ذكره ابن العبري. . ومهما يكن فإنا نجد أن جميع اللهجات تلاشت ولم يبق الا اللهجتان المعروفتان ، وهاتان أيضاً لا تختلفان الا باللفظ فقط ، وهما تتّفقان في كل شيء سواه .
ومن مراكز الثقافة الآرامية التي أفاد منها أكثر ما يكون الفكر العربي مدينة حرّان الآرامية التي ازدهرت في كثير من نواحي المعرفة الانسانية من علم وأدب ودين واتصلت بالفلسفة اليونانية القديمة ، واستخدمها علماؤها ومفكريها في البلاط العباسي في نقل القسم الكبير من الفلسفة والعلوم الأغريقية من اللغتين اليونانية والآرامية الى العربية .
وكما ذكرنا سابقاً بان اللغتين العربية والآرامية نشأتا نحو مطلع الألف الثاني قبل الميلاد ، ولا يمكن تقديم احداهما على الأخرى تاريخياً ، وان كانت الآرامية تركت آثاراً قيّمة سبقت فيها الآثار العربية بعهد طويل ، وذلك لأسباب اجتماعية تخص الامتين العربية والآرامية .
فان العربية بقيت وقتاً طويلاً منعزلة في فلواتها الواسعة بعيدة عن أعين التاريخ ، ويظهر أن العرب في تلك الأيام لم يميلوا الى تدوين أخبارهم لأسباب محتملة ، وربما كان ذلك لعدم انتشار الكتابة عندهم الى حين ظهور مدنيات عربية في أعماق الجزيرة العربية ، حيث تركت آثاراً وان كانت قليلة الا أنها تدل على مستوى هام في الحضارة والمدنية .
وأما اللغة الآرامية فقد تبعت أهلها الآراميين ، فاحتكّت بالأمم المجاورة ، ونشأت فيها حضارات كبيرة وعظيمة في وادي الرافدين وسهول سوريا ، واصبحت لغة عالمية بالمعنى الصحيح منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد ، وهذا هو السبب في ظهور آثارها سابقة للآثار العربية بزمن طويل .

شمال الجزيرة العربية
لما كانت العربية والآرامية تنحدران من أصل سامي واحد كان لا بد لهما من التعاون التاريخي في مختلف عصورهما .
وفعلاً تمّ الاتصال بين القبائل العربية الشمالية وبين شعوب بلاد الرافدين الناطقين بالآرامية ( العراق وسوريا ) منذ أقدم العصور التاريخية ، لأسباب كثيرة قد تكون عسكرية أو اقتصادية ولربما اجتماعية ايضا .
وبهذه الاسباب تبادلت اللغتان القوة والحيوية من الناحييتين العلمية والأدبية ، وتوثقت بينهما العلاقات اللغوية ، وهو ما أكسب اللغة العربية على الأخص مادة أدبية غزيرة لا نستطيع حصرها الآن لتقادم العهد عليها .
وعدا ذلك ، نجد ان قبائل آرامية كثيرة تتوغل في الجزيرة العربية ، وتمتزج بالعرب أنفسهم حاملةً معها لغتها وحضارتها لتصبّها في جدول اللغة العربية .
وقد وجد خبراء الساميات في اللهجات العربية المنتشرة آنذاك مادة لغوية غزيرة جزموا أنها ليست عربية لأنها تدل على معان دينية وعلمية وعمرانية لم تكن مألوفة عند العرب ، بل هي خاصة بالاقوام العبرية والآرامية ، وقد أفادت العربية من ذلك قوة جديدة .
على أن أقدم ذكر لبدء العلاقات بين القبائل العربية القديمة والقبائل السورية الآرامية والعبرية ، ورد في النصوص الآشورية ، وتسميهم هذه النصوص باسم " قدري " كما يسميهم العهد القديم باسم " قيدر او بني قيدار" ، وهم حسب ماورد في العهد القديم على انهم من ذرية اسماعيل بن ابراهيم الخليل ، وكانوا رعاة يربون قطعان الضأن والابل ويبيعونها لأهالي " صور" خصوصاً ، ويسكنون الخيام السوداء ، ولايعرف السبب لسواد خيمهم .

وتذكر النصوص الآشورية قبائل أخرى وتسـميهم ( بني قدم ) ومعنى ذلك بالعبرية القديمة ( بني المشرق ) . ويطلق هذا الاسم على البدو الضاربين آنذاك في الصحراء السورية العراقية . وأطلق عليهم فيما بعد اسم ( Sarakimai ساراكيماي) وهي مشتقة من كلمة (الشرقيين) العربية ، ومثلها كلمة الآرامية , وقد رافقوا النبطين دهراً طويلاً .
ويذكر بنوقيدار أيضاً في الرقم الآشورية في أخبار حروب أسرحدون ( 681 – 669 ق. م ) ، وفي أخبار ابنه وخلفه آشور بانيبال ( 668 – 626 ق. م ) ويتابع ذكر القبائل العربية في الرقم الآشورية ، وكثيراً ما سمّوا بالعرب (Aribi ) ويتوارد ذكرهم في العصور اللاحقة .
ومن هذا المرور السريع ، نستنتج حصول علاقات متواصلة بين القبائل العربية ، والأمم الآرامية التي كانت منتشرة في تلك الازمنة التاريخية على ضفاف دجلة والفرات وفي سهول سورية وما جاورها من المناطق . وهو ما أوجد علاقات متواصلة بين اللغتين العربية والآرامية منذ أقدم عصورهما .
الجزيرة العربية الجنوبية
هذا ما رايناه في شمالي الجزيرة العربية ، أما في الجنوب فمن الواضح هناك أربع ممالك متحضرة فيه أقدمها " معين " ، ثم " سبأ وحضرموت " ثم " قتبان " .
واقدم علاقة يذكرها لهم المؤرخون بسكان وادي الرافدين ( ومنهم الآراميون ) كان في الألف الثاني ق. م , وقد نشأ ترابط لغتهم بلغة أولئك الأقوام لتبادل المصالح .
فقد رأيناهم يعبدون آلهة عبدها الآراميون وغيرهم قبلهم ، وأكبرها الإله ( سين ) ، والمعروف ان هذه التسمية للقمر قديمة جداً وما زالت موجودة في اللغة الآرامية الحالية . وقد سمّوه ايضاً (سهر) ، وكما هو معروف ايضا أن القمر بالآرامية يسمى (سهرو او سهرا) . وما عدا ذلك فقد وجد المنقبون معبداً للإله ( سين ) في موضع من حضرموت يدعى ( حريصة ) ، ووجدوا بعض النقوش الحضرموتية تشـير الى أنه معبد الإله ( سين ) ، وكذلك عبد القتبانيون الإله ( عم ) ومعناه شعب وقوم في الآرامية ، وهو أيضاً من آلهتهم .
( يتبع )



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لغة واحدة ، أم لغتان ؟ (ج 1 )
- البطل القرطاجي - هملكار -
- الحرب القرطاجية الرومانية الأولى
- مملكة ميسان يتذكرها التأريخ
- فنّ ماني.. وكهف النبوّة
- التنجيم المانوي.. والأبراج
- الايمان بالآخرة والجنة الموعودة في العقيدة المانوية
- عيد الوليمة المقدسة والعشاء الربّاني في المانوية
- التعميد عند المانويين
- التنظيم اللاهوتي والعقيدة المانوية ( الحلال والحرام )
- ترتيلة الروح (اللؤلؤة ) الرافدينية
- أمراء الكورد البوتانيين في طور عبدين
- الآراميون والوطن الأم ( الرّها )
- ملحمة نيوما ايليش البابلية ( اسطورة الخلق )
- كنيسة القيامة.. خربت ثم قامت
- عراقيون منسيّون .. الأقليّة السوداء في العراق
- الطب الإغريقي وأثره عند المسلمين العرب
- الثورة العراقية 1958 برؤية برفيسور أمريكي
- أحكام الإعدام للمرأة الايرانية في الجمهورية الإسلامية
- المرأة الايرانية ..بين عنف الدولة وعنف المنزل


المزيد.....




- الرئيس الصيني يستقبل المستشار الألماني في بكين
- آبل تمتثل للضغوطات وتلغي مصطلح -برعاية الدولة- في إشعار أمني ...
- ترتيب فقدان الحواس عند الاحتضار
- باحث صيني عوقب لتجاربه الجينية على الأطفال يفتتح 3 مختبرات ج ...
- روسيا.. تدريب الذكاء الاصطناعي للكشف عن تضيق الشرايين الدماغ ...
- Meta تختبر الذكاء الاصطناعي في -إنستغرام-
- أخرجوا القوات الأمريكية من العراق وسوريا!
- لماذا سرّب بايدن مكالمة نتنياهو؟
- الولايات المتحدة غير مستعدة لمشاركة إسرائيل في هجوم واسع الن ...
- -لن تكون هناك حاجة لاقتحام أوديسا وخاركوف- تغيير جذري في الع ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عضيد جواد الخميسي - لغة واحدة ، أم لغتان ؟ ( ج2 )