أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم المصري - سرد الأسى















المزيد.....

سرد الأسى


إبراهيم المصري

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:33
المحور: الادب والفن
    


أولاً :
الدم .. مَظلَّةٌ مُغلقة .
فلنجرب فتحها، ولنبدأ بما لن أفعله أنا شخصياً ...
ضع يداً على مائدةِ تقطيع اللحم، ثم تأمل الحنين، لا تكترث بأي اليدين سوف تفضي إليه، فقط دع الساطور إلى مشيئته العليا، يرتفع بيدٍ ثم يهوي باتراً معصمَ الأخرى.
الآن تنفصل اليد .. مُغردة، كونها استراحت من الإملاء، كأنْ تأمرها بالقبض على جمرة أو بهش الذباب.
اليد الآن .. في بوح دمها تلمس الموت، إنها ميتة واستراحت أيضاً من كونها عضواً ذليلاً، عليه وحده .. تحية العلم. إنها تتدلى على حافةِ المائدة، كرأس كلبٍ أنهكه الركض خلف رزقه من الشبق.

ثانياً :
ثمة في اللغة ما يُسمَّى .. بجدع الأنف.
لا أدعوك إلى ارتكاب مذبحة ...
فقط تحسس أنفك بحكه في قطفةِ ريحان، تشبه برقيةَ نعي وصلت ذابلةً في آخر الليل، وإنْ لم تكن قادراً في ذلك الوقت على البكاء، فلتجدع أنفك وفاءً للقاموس المحيط، أو امتناناً لغابةٍ تنأى برائحتها الثخينة، أو حتى لمجرد التجربة، حين يتساوى التراب والدم في مذاقهما على شفتك السفلى، تلك التي قد تساهم بمخلبها في طعنك.

ثالثاً :
كان لفان غوخ .. أذن.
لا تتسرع باستدعاء صورته ...
حاملاً أذنه المقطوعة إلى حبيبته، فقد كانت امرأةً جائعة، وفان غوخ فقيرٌ لا يملك وجبةَ لحم غير الأذن.
ما أعنيه أنَّ لك أذناً تَعبَت من دسائس البشر، فأرحها منهم، ليس بسدها فتلك حيلةٌ بالية، لم تعد نافعة مع تسرب المياه الجوفية إلى جسدك، وارتفاعها إلى جبينك الذي يبدو الآن طحلباً أخضر بحجم الندم، ولك حرية الاختيار في بتر أذنك اليمنى أو اليسرى، وإنْ كنت أوصيك بما لن أفعله أنا شخصياً .. أنْ تبتر أذنيك بتمريرهما على تيارٍ كهربائي موفور الغضب.

رابعاً :
الأسنان .. صَفاقة.
وإنْ كنتَ صاحبَ أسنانٍ كهذه ...
فإنها تكفي لقضم شفتك السفلى، تلك المُدانة بالبلاهة، وبالطبع لن يجرك أحد منها مثل بعيرٍ إلى حتفه، يكفي أنْ تتحسسها بإصبع قدمك حتى تتيقن من وجودها كبتلةٍ رخوة، تصلح لجزِّها بمقص الأعشاب الضارة، ثم تعليقها بدبوس على سبورة الملاحظات اليومية، وهكذا تصبح أحد المستحقين للشفقة، كونك الآن بلا شفةٍ سفلى تطبق فمك مع العليا على قطعة نقدٍ مُتعضِّيَة كانت يوماً روحك المتحفزة.

خامساً :
الدم .. مَظلَّةٌ مفتوحة.
وما يستحق الشفقة أكثر ...
هو رصيدك من الوهج، هذا الذي يتبدد كلما بترت عضواً من جسدك، وقريباً تتهاوى مثل خرقة لم تعد كافية لستر أيامك، فاركض بساقيك الصديقتين للتسكع، تاركاً بقع الدم طريقاً يفضي بالأثر إلى أقرب سكةٍ حديدية ...
هناك .. حيث السماء صافية، والنجوم أغنام كفَّت عن الثغاء، وحيث يمكنك مد ساقيك على حديدٍ بارد يزودهما بالسلوى، لن تكون يقظاً حين يمر القطار صادحاً كمن قام بمهمةٍ جليلة، فقد بتر ساقيك وأراحك من استخدامها في التسكع بين الحانات والمقاهي وبيوت الله.

سادساً :
فَضُ القلب .. قبضةُ الضرورة.
إنه البند الأصعب ...
وأقترح عليك ما لن أفعله أنا شخصياً .. أنْ تتناول جرعة زائدة من الكوكائين، هذا بالطبع إنْ توفر لفقير مثلك، يدخنُ علَّيقاً جافاً، ويقطع ليله في اختلاق أساطير عن سطوةِ الأفيون النقي على مخيلته الواسعة الثراء.
على أي حال، ثمة في الطريق إليك، قضيبُ حديدٍ ناتئ من نوعٍ يطلقون عليه .. حظ اليتيم .. لا تحاول انتزاعه، فلن تتمكن من ذلك بقوتك المتلاشية الآن في مهبِ رمل أسود، فقط استند علي القضيب بصدرك، ثم اضغط بكل ذاكرتك الصخرية، حتى يخترق القضيبُ قلبك ويبدده مثل إناء حليبٍ قلبته عاصفة.

سابعاً :
هل هذا ما يسمُّى .. بالمازوشية.
أنْ تتلذذ بتعذيب ذاتك ...
على الأقل .. تَلذذ .. لكن اللذة ابنةٌ ضآلة وأنت أبتر البهجة، فلماذا لا تبتر أعضاءك انتقاماً من كونك آلةً تهضم الطعام ثم تعيد إنتاجه فوضىً مُنفِّرَة.
اسمع ...
آه .. أعتذر، فلا أذنان لك الآن .
حاول إذن أنْ تتيقن بأي عصبٍ مُتاح، من بقاء عينيكِ على قيد الضوء، حتى ترى بهما ما لا عين رأت ولا خطر على هوانِك الفلسفي، وإنْ كانت العينان تغوصان الآن كبقعتي زيتٍ في حمض أحمق، فلا مناص من أنْ ترى بمظلِّةِ دمِك.

ثامناً :
يسألونك عن .. الروح ؟
وأقترح عليك جواباً، ما لن أفعله أنا شخصياً ...
أنْ تبدأ هذه المذبحة بطعن عينيك، لكنني كإنسان في الشفقة الرثَّة، أشفقت عليك ألا ترى جسدك منهوباً بالخلاص منه قطعةً قطعة، كمن يؤدي عرض .. strip-tease .. لتعريةِ الروح كما خلقها الله، أو كما تظنها أنت شمعة ضامرة تمد جسدك بكامل طاقته على الخوف.
وإنْ تقاسمنا المشهد، كأن تكون أنتَ المرئي وأنا الرائي، فإنَّ روحك الآن .. وكما تعرَّت .. أراها بذرةً موغلةً في السواد، لا تقل إنها نطفةُ فحم، فأنا عادةً لا أثق في كنايات الشعراء ولا في أوهامهم، وإنما أثق في أنْ روحك ضوءٌ مصابٌ بالسرطان، وكما تعلم فإنَّ البتر علاج شافٍ ليس للجسد فقط وإنما للروح أيضاً.

تاسعاً :
لنسترح معاً على كومةِ .. قش.
لنراقب معاً ...
طفلاً يقف أمام بيته رافعاً بالوناً أخضر، يقابله طفلٌ آخر أمام بيته لا يرفع بالوناً أخضر.
المنطق .. يعطي لأحدهما طفولته كاملة، ويتحدث عن الآخر كمحروم من العزف على البيانو.
يمكنك بعد نزف دمك كاملاً على كومةِ القش، أنْ تضع نفسك في موقع أحد الطفلين، لكنني أنصحك بما لن أفعله أنا شخصياً .. أنْ تضع نفسك في موقع البالون.

عاشراً :
وإذ نحن طاعنان في .. الأسى.
نتحدث كصديقين حميمين ...
يحاول أحدهما إقناع الآخر بذبحه وأكل لحمه مسلوقاً أو مشويَّاً على مصائر بشر لم تتوفر لهم الفرصة لكتابة .. هراءٍ كهذا .. يظن من يكتبه أنه يفتح مظلَّة صدره ليفرِّغه من الأسى، حتى بارتكاب مذبحة، كأنْ ينفذ البنود السابقة كلها مع .. جسدٍ دمية .. ويفضلها خزفية، وفاءً للطين الآدمي أو لأنين حطام يُشجع الرأس على ارتطامها بحائط.
هل تعرف شيئاً عن أصل الجبن ؟
هل يمكن أنْ تكون رعديداً ؟
حتى وإنْ تحليت بأخلاق فارس يمتطي ذراعه الخشبية.
أنا يا صاحبي ...
لن أرتكب مذبحة في حق جسدي، وإنما سأعرًَّضه للهواء، لعلَّه ينفلت من قبضة الضيق أو يتنفس شبقاً طارئاً، اسمه رغبةُ المعدوم في البقاء مقيَّد اليدين.
أمَّا أنت، فلك التجربة ...
وأخبرني إذا التقينا كطائرين عجوزين، على رصيفٍ قاري ،
هل تلذذت بها ؟



#إبراهيم_المصري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضحك وجد ولعب وحب
- فوبيا إغضابِ الحبيبة
- لا شرقية ولا غربية .. إخوانية إخوانية
- المشروع التفكيكي لعاطفةِ النهد
- مجلة روز اليوسف .. تنطح .. شباب كفاية
- هذا الرجل .. يوسف صدِّيق
- صلاة .. من أجل روح شرطي عراقي
- جدوى السيارات المفخخة
- الديوان العراقي
- الواعظ الأنيق .. على البيسين
- فن الباه .. بالعربي الفصيح
- الاعتداليون .. محمد سليم العوا نموذجاً
- شرفة البيت .. كريم عبد في كتابه - الدولة المأزومة والعنف الث ...
- اقتصاد .. الخنزيرة .. وثقافتها
- البيانولا
- ومن يأتي .. للفحول .. بحقوقهم
- سلامٌ عليك
- مَجَـرَّة الرمَّان
- ماذا فعل بنا .. هؤلاء .
- قفا .. نضحك


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم المصري - سرد الأسى