أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرقس سامي بشارة - قسم الطوارئ















المزيد.....

قسم الطوارئ


مرقس سامي بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5525 - 2017 / 5 / 19 - 09:05
المحور: الادب والفن
    



الساعة ثانية بعد نصف الليل.... و لا زال شارع كلية الطب محتفظ بحيويته المعتادة، فحوادث الطرق و الازمات القلبية و الحرائق لا تعرف النوم... بل علي العكس تزداد حدة ليلاً..
بداخل قسم الطوارئ وردية عمل ليلية قوامها خمسة عشر طبيباً و ضعف العدد من التمريض.. للوهلة الأولي قد تظن أنه عدد كافٍ و لكن مقارنة بعدد الحالات الطارئة التي تنهال علي المستشفى.. العدد ضئيل للغاية... لا مجال بالداخل للكسل أو التواني و كذلك لا مجال للمناقشة مع أهل الحالة أو تفهيهم مدي خطورة الحالة أو تحسنها... الكل يعمل دون كلام إلا لضرورة.. لا مجال للمشاعر و لا اهمية لها...
بين اصوات الاطباء محدثين بعضهم بتحمس و سرعة و بين اصوات المرضي متوجعين و بعضهم لا يقوي حتي علي الكلام.. وسط كل هذة الاصوات المتضاربة يظهر صوت بكاء طفلة لم يكتمل عمرها لعام و هذا الصوت ليس بجديداً في هذا المكان... لكن نور صوت بكائها متقطع و مجهد بشكل يقشعر له الجميع و كأنه تسلم آخر الأنفاس إلي باريها... كانت قد امضت اكثر من ثلاث ساعات من القئ المتواصل مما جعل جسدها الصغير شديد الإصفرار و الإعياء... يزداد الأمر سوءاً و بدأدمها يدخل في حالة من الحامضية المميتة... لم يتبقي أمام الأطباء سوي ساعة او اقل و الغريب في الأمر أن ما يعطل علاجها هو نقص السرنجات الطبية ليس في المستشفي الجامعي فقط بل و في اغلب الصيدليات فالأزمة كبيرة بعدما اعلنت الوزارة غلق عدة مصانع للمستحضرات الطبية لعدم تطابقها لشروط الآمنة... الحل الوحيد هو إعادة استخدام السرنجات المستعملة من مرضي آخرين و لتذهب كل الإعتبارات الطبية و القانونية-التي تمنع ذلك- إلي الجحيم.
ولأول مرة يتحدث دكتور علي لأهل مريض و هو في قسم الطوارئ.. فظروف ذلك القسم و طبيعة الحالات فيه تقتضي السرعة... وبالأخص دكتور علي فبجانب قوامه الجسماني المفتول.. و الإلتزامه الصارم في الدراسة ثم بعد ذلك في عمله كطبيب إلا أنه لم يكن بنفس النجاح علي المستوي الإجتماعي مختصر الحديث.. سريع الغضب و لكنه طبيب من الدرجة الأولى.. هذة المرة الأمر استثنائي كان عليه أن يشرح طبيعة الموقف و الحلول الممكنة لوالدة الطفلة...الأمر غاية في الصعوبة... سيخبرها بالحل الوحيد و كذلك مدي خطورته من الإصابة و العدوي بأي مرض خطير ك فيروس سي مثلاً و لكن لابد من ذلك حتي يخلي مسؤليته كطبيب
سمعت الأم كلام د. علي بشئ من الذهول... هل اظلمت الدنيا لهذة الدرجة... دنيا تبخل عليها بسرنجة! .. اين الله من كل هذا؟ ازداد تشتها حين طُلب منها سرعة القرار.. لم تعتاد قط علي هذا الضغط النفسي...الحياه تتوقف للحظات امام كل هذة الاسئلة... المستشفي تتحول امامها لصحراء فارغة من كل نفس و من كل صوت عدا بكاء ابنتها... اللي تشوفه هكذا جاوبت... إجابة منطقية علي كل الأحوال... اخذوا منها الطفلة و تركوها في المرر تلتف حولها كل السيناريوهات السوداء... صوت البكاء يتفاقم..كرهت عمرها للحظة... بما تشعرين يا حبيبتي؟ لا تخافي ماما تنتظرك لالخارج... فقط تحملي للحظات... اه لو كنت اعلم ان الحياة ستكون بتلك القسوة لما جئت بك إليها... اه سامحيني يا حبيبتي لم اكن أم مثالية... انتي تستحقي عائلة افضل من هذة... عائلة تستطيع ان توفر لك سرنجة.. اتمني الموت علي ان سمع صوت بكائك و انا عاجزة لهذة الدرجة... هكذا هو الحال كل ليلة.. و اصعب من ذلك يحدث... هنا مطحنة للفقر و المرض مجتمعين... هنا الموت علي بعد خطوات و كذلك الخياه أيضاً يتصرعان علي فرائسهما من المرضي.
لم تستطع الأم أن تصدم اكثر من ذلك.. فقدت وعيها و سقطت ارضاً في المرر المزدحم فحملها الناس للخارج حيث يسهل لها التنفس.. عدة دقائق و استعادت وعيها كاملاً فوجدت نفسها مستلقية علي الرصيف محاطة بالعشرات بعضهم احضر ماء او بسكوتاً... و من بينهم حمادة السايس.. في الحقيقة هذة ليست مهنة الأصلية هو موزع للأفيون و الجميع يعلم ذلك و هو أيضاً يعرف ان حقيقته معروفة لكل شارع كلية الطب...لكنه يعمل سايس في هذا الشارع منذ اكتر من خمسة أعوام... و ليلاً حينما تنقضي زحمة السيارات يبدأ في ممارسة مهنته الأصلية إلي أن ينتهي فيتناول هو جرعته الخاصة من ذاك السم الذي يوزعه.. حمادة مشرد لا يعرف احد مسكن خاص به لكنه كان يمتلك عائلة دُمرت تماماً و لا أحد يعلم كيف و اكثر ما يمكن أن يثير غضبه هو أن تسأله عن ذلك... علي كل الأحوال هو شهم إلي أبعد الحدود و هذا ما جعل مرتادو المستشفي الجامعي من اطباء او اساتذة او حتي الطلبة يألفونه و يستأمنوه علي مفاتيح سيارتهم دون شك في أمانته... انصرف الجميع و بقي حمادة إلي جانب الأم ممسكاً زجاجة المياه... "تؤمري بحاجة يا ماما؟" فلم تجبه إلا بهز رأسها نافية فترك الزجاجة بجانبها و استكمل عمله كسايس... و ظلت هي جالسة علي الرصيف تخاف أن تدخل فيدمرها صوت بكاء ابنتها و لا تستطع ان تبقي هنا... انفردت بها المخاوف و التوقعات.. استرجعت الشريط كله منذ يوم ولادة نور إلي تلك اللحظة... قطع الهاتف حبل افكارها فرحمها من صراعها الداخلي..راقبها حمادة و هي ترد علي التليفون بحالة هستيرية من البكاء و اخذت تثف الوضع بتأثر لم يراه من قبل.. صوتها يقطعه البكاء و شهق النفس.. مش لاقيين سرنجة... سيباها لبتصرخ من الوجع جوه ..
كانت هذة الجمل شديدة التأثير إلا انه لم يظهر عليه ذرة تأثر بل كان شارد ذهن تماماً.. و كأن ما يراه قد استدعي في عقله ذكري بعيدة حاول أن ينساها و لكنمن الواضح أنه فشل في ذلك...
انهت الأم المكالمة و استجمعت شجاعتها لتذهب الي الداخل فأوقفها حمادة و لم يقل سوي: استني هنا لحظة لغاية ما ارجعلك.
كانت ستدخل دون انتهتم بأمره إلا انها لمحته يدخل الصيدلية المجاورة فثبتت في مكانها كما طلب...
-عاوز سرنجة ضروري يا دكتور.
--ما ينفعش يا حمادة انت عارف.. السرنجات شحة.. مش هديك واحدة تاخد بيها السم بتاعك... و كمان انا خلصت اللي عندي.
لم يدري حمادة بنفسه إلا و هو محطم زجاج الباترينا الأمامي و قرن الغزال في يده...كانت المرة الأولي التي يفعل فيها ذلك... سلاحه كان مخفياً دائماً لوقت اللزوم.
سرعان ما اخرج نبيل الصيدلي سرنجة و القاها له اما هو فالتقطها و هرع إلي مدخل المستشفي و اعطاها للأم دون أن يتفوه بكلمة ثم جلس علي الرصيف مرخياً ظهره لسور و القي تلك الخرقة من علي كتفه... ثم اخرج من جيبه صورة لطفلة و اخذ يتأملها بين تبسم و لمع العينين و قال: الله يرحمك يا شهد
(تمت)



#مرقس_سامي_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مرقس سامي بشارة - قسم الطوارئ