أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - حديقة من رماد














المزيد.....

حديقة من رماد


عبير حسن العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1445 - 2006 / 1 / 29 - 12:34
المحور: الادب والفن
    


“حديقة من رماد” كان يعيش وحده.. توفيت زوجته حين كان في الخامسة والخمسين، والآن هو على مشارف الثمانين. لم يكن لديه أعز من حديقته التي يقضي فيها كل يوم اكثر من عشر ساعات، حتى اصبحت اجمل حديقة في ذلك الزقاق، تزار يومياً عشرات المرات من قبل الجيران ليتأملوا تفاصيلها الجميلة، حيث الخضار المثمرة في جانب، والزهور المتنوعة الأنواع في جانب آخر، والتصاميم الغريبة التي تنم عن ذوق خاص. كان يمارس طقوسه البسيطة في تلك الحديقة، التي كانت تهون عليه وحدته بل تكاد تقضي عليها تماماً. فالزوجة رحلت الى الأبد، والابناء من قبلها بسنين الى بلاد بعيدة، ليستقروا هناك. وبقي هو وذكرياته لم يرغب بمغادرة الوطن رغم تكرار دعوة الابناء وتوسلاتهم. كان دائما يقول لهم: صدقوني.. انا هنا مستقر وسعيد، ولا استطيع ترك العراق، فانا كالسمكة، والعراق هو البحر الكبير الذي أعيش فيه.. لا تقلقوا علي.. تمتعوا بحياتكم، واعتنوا باطفالكم، ولا اريد منكم سوى ان تطمئنوني عليكم بين الحين والآخر. وحين كانوا يسألونه عن كيفية قضاء وقته، كان يسترسل في وصف حديقته “الحبيبة” وآخر “انتاجاته” فيها. كانوا يتعجبون لهذا التعلق المرضي بحديقته، بينما هو يكلمهم عن المتعة الكبيرة حين يرى الانسان نباتا زرعه قبل اشهر ينمو ويكبر ويثمر امام عينيه.. “شعور لا يوصف” هكذا كان يصفه! وكان قلق الابناء، يزداد كلما سمعوا ابناء تتحدث عن اعمال العنف في بغداد، ولكنهم ينهون هذا القلق ـ ولو جزئياً ـ من خلال اتصالهم بوالدهم الذي لم يكن يظهر لهم سوى تفاؤله وسعادته رغم آلامه وخوفه على وظنه. وفجأة.. انقطعت أخباره تماماً.. “هل الهاتف معطل؟.. هل سافر ابي؟ لا.. مستحيل فهو لا يستطيع ترك حديقته ابداً؟! هل....” كان أبناؤه يتساءلون. مضى اسبوع.. وشهر.. لم يستطع الاولاد كبت خوفهم اكثر، فقرر أكبرهم السفر الى العراق.. لم يكن ذلك يسيرا، لكنه كان آخر الدواء! وأخيراً.. وصل حيهم القديم، وتفاجأ من هول ما رأى.. أوساخ.. ومخلفات حروب.. وبيوت مهدمة. انه يذكر العنوان جيداً.. ولا يمكن ان تنسيه كل مدن العالم مدينته وجيرانه وبيت الطفولة.. وفجأة.. أغشي عليه، وهو يرى كل ذكرياته منهارة على الارض، لا تتعدى كونها أنقاض رمادية، تحمل رائحة الموت بدل رائحة الزهور والقداح.. جلس على الأرض يبكي أمنيته في احتضان والده واستنشاق رائحته الطيبة.. ووعداً قطعة له منذ سنين برؤية حديقته الغالية.


عبير حسن العاني

بغداد - 2004
E-MAIL: [email protected]



#عبير_حسن_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ارجوحة الغربة
- قدح شاي
- أحمر.. حمراء.. حُمر !!


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - حديقة من رماد