أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - أسئلة جسدية !!














المزيد.....

أسئلة جسدية !!


حسام الدين مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 14 - 02:19
المحور: الادب والفن
    


(1)

أغلقت سهير عينيها في بطء، وهي تحاول بضعف ازدراد ريقها، من حلقها الذي بدا كصحراء قاحلة. ثم فتحتهما في وهن، لتلقي نظرة رجاء وانكسار ، على وجه أبيها الذي يتطلع إليها بعينين تحملان نظرات خاوية، بليدة .
" ارحمني يابا .. أبوس إيدك ".
بأحرف مهتزة مبحوحة، ألقى لسانها المكبل بالآلام تلك الكلمات، لتخرج من شفتيها الصغيرتين خافتة مرتعبة مرهقة ، تشاركت ودموع ذله وقهر سألت على خديها ، في إذابة تلك الصخور الصلدة، في ملامح أبيها.
دب شئ من الحنان في قلب رضا، تحركت به قسمات وجهه الريفي، واهتزت به شفتاه الغليظتان وهما تقولان " سامحيني بابنتي .. سامحيني "
أنفاس متتابعة وانتفاضات قوية سرت في جسدها الصغير، ثم ارتجافة عنيفة، همدت بعدها حركتها تماما، وخلت عيناها من بريق الحياة.
تحرك رضا نحوها، وأغلق جفنيها، بيد خشنة مشققة، ثم استدار من الحجرة خارجا، إلى حيث تجلس أمها متشحة بالسواد.
لم تكن نبوية تحتاج إلى كلمات تعلمها بمصير ابنتها، فالدمعة التي انحدرت على خد رضا، مارة بين شعيرات ذقنه النامية كانت إجابة وافية. عندها صرخت الأم:
"أه يابنتي"

تحرك رضا نحوها بسرعة، وأغلق فمها بكفه، وهو يقول :
" أنت أتجننت .. عاوزه تفضحينا "
ثم تركها وخرج من المنزل بسرعة، ليبدأ في تنفيذ الخطة التي دبراها منذ البداية .
ولكن أية بداية ؟!!
أنطلق هذا السؤال معربدا في عقل نبويه، ليطوف بين دموعها التي تسيل كالأنهار، ونحيبها المكتوم، باحثا عن إجابة شافيه.
أهي التي بدأت عندها هذه الأحداث، أم أنها تعود إلى السنوات الأولى لزواجها من رضا.
تلك السنوات الخضراء التي قضتها معه في قريتها بالقليوبية. تلك السنوات التي شهدت ميلاد طفلتها الأولي سهير، في " خص" بدائي، على الأرض التي كان يزرعها زوجها، بعد أن هاجمتها الآم الوضع وهي تساعده.
تحولت بعدها سهير إلى شغلهما الشاغل، وبدأ رضا يفكر في طريقة أخرى، تدر أرباحا أكبر، يستطيع أن يدبر منها نفقات زواج طفلته التي لم تبلغ بعد عامها الثاني.
ثم حصل على تلك الوظيفة،
بواب بإحدى العمارات الفاخرة بالهرم .كانت هذه هي الفرصة المنتظرة. أخذ زوجته وطفلته ورحل عن القرية، ليقيم في العمارة التي يعمل بها.
تقافزت سنوات العمر تجري مسرعة، وسهير تكبر وتتغير، حتى اقتربت الثمرة الأنثوية من النضوج. كانت تحتاج إلى صديقة، أو صديق، أو أي شخص يمكن أن تتحدث معه. لم تجد أحدا ممن يحيطون بها، يلعب هذا الدور. أشقاؤها صغار لا يفهمون. جيرانها يتعالون عليها، بعد أن رفض والدها أن تعمل خادمة في المنازل لتساعد أمها، لأنه كان يضعها في مكانة خاصة، ويعدها لتكون فخره في قريته .
ولكنها تحتاج إلى إجابة، إجابة على تلك الأسئلة الغامضة، التي بدأت تنمو في مواضع متفرقة من جسدها، وتنذر وتبشر بانتهاء عهد الطفولة. تحتاج إلى مجيب ومرشد في هذا العالم الرقيق الجديد، الذي بدأت تخوضه، تصبحها كلمة " عيب " التي تنطلق من أمها دوما عند السؤال .
تداعى عقل الأم، إلى تلك اللحظات الرهيبة، وهي تستمع إلى سهير تخبرها، بقصة ذلك المجهول الذي أجاب عن أسئلتها الغامضة، تاركا لها سؤالا آخر ينمو في رحمها.
وانفجرت الأوضاع في الغرفة البسيطة، وتحولت سهير من فخر أبيها في قريته إلى عاره، الذي يغرق كرامته في الأوحال.
رتب رضا كل شئ،
قرر أن يغسل بسم الفئران العار الذي لحق به أمام قريته. يجب أن تموت سهير، وتدفن في هدوء، ويدفن معها عارها.
حتى موافقة نبويه كانت في الحسبان، وكذلك السيارة التي ستنقل إلى القرية الجثمان. وأكلت سهير الطبخة المحرمة، وانتهت حياتها بين يدي أبيها الذي لم يشعر بقدرته على فعلها، وأمها التي لم تتصور الألم بهذه القسوة.
* * *

(2)
تحرك الركب الجنائزي في هدوء، متسترا بظلام الليل، متوجها إلى مقابرالقرية، دون أن يعلم أحد، أن المتوفاة قتيلة سم الفئران، لا كهرباء الكاسيت، كما أخبر أباها طبيب الوحدة الصحية. ذلك الذي لم يكلف نفسه عناء الانتقال لمعاينة الجثة، قبل أن يصدر شهادة الوفاة وتصريح الدفن .
فجأة مزقت أضواء مبهرة، ثوب الظلام الأسود، وأحاط رجال الشرطة بالركب الجنائزي.
الذعر الذي أصاب رضا وزوجته وهما يقفان أمام رئيس المباحث دفعهما للاعتراف التفصيلي بسرعة ودون مراوغة،
ولم تجد نبويه عبارة أخرى سوي أن تقول " إحنا قلنا ندفنها ونستر عليها ".



#حسام_الدين_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام النبوة
- كائن افتراضي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - أسئلة جسدية !!