أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف أحمد إسماعيل - الثقافة الشفوية والعنف















المزيد.....

الثقافة الشفوية والعنف


يوسف أحمد إسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 13 - 09:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقول "والترج. أونج"، مؤلف كتاب " الشفاهية والكتابية"(سلسلة عالم المعرفة1994/182) في حديثه عن بنيات الشخصية الشفاهية (نسبة إلى الجماعات الشفاهية ما قبل الكتابية) : "إن السلوك الفصامي تعرضه الشخصية الشفاهية للعيان "(ص117) لأنها شخصية أقرب إلى روح الجماعة، إذ تتماهى الذات الفردية مع الذات الجماعية، ويصبح التفكير نمطيا، والانفرادية مضمرة وذائبة في الكل. وبذلك يشكل الفضاء الخارجي المجال الرحب لتفريغ الشحنات العاطفية والحالات المرضية. ويجري ذلك بعكس سلوك الشخصية الكتابية (نسبة إلى الجماعات الكتابية، أي ذات الوعي الكتابي) فهي تنحو إلى الانفراد بالذات، بعيدا عن الجماعة، بل إن الجماعة تتحول إلى الجحيم الذي يجب الابتعاد عنه وتجنبه، وعدم التماهي به، للحفاظ على الخصوصية الفردية. ولذلك تنكفئ الشخصية الكتابية على نفسها في حالة الفصام، وتسير نوازعها باتجاه الاستبطان الداخلي؛ أي تكتمها، وتفرّغ شحناتها وأمراضها النفسية في إطار الأحلام الخاصة بها.
وبذلك يكون الفارق الجوهري بين الشخصيتين (الشفاهية "ابنة الوعي الشفاهي" والكتابية " ابنة الوعي الكتابي") هو شكل انعكاس حالة الفصام على المجتمع الذي تعيش فيه كل شخصية، وفق شكل التعويض المرضي؛ إن كان خارجيا أو داخلياً. فحامل الوعي الكتابي ينكفئ على ذاته، وينشئ تعويضه الخاص. أما حامل الوعي الشفاهي يفرّغ تعويضه في المحيط الخارجي، وينعكس ذلك باضطراب خارجي متطرف" يقود غالبا إلى العنف بما فيه تشويه النفس والآخرين"
وعلى الرغم من أن الكتابة الصوَرية المسمارية الأولى وجِدت منذ 3500 سنة قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين، فهذا لا يعني أن كل المجتمعات البشرية دخلت عصر الكتابة! فبعضها لم يعرف الكتابة الأبجدية، حتى اللحظة الراهنة، كما أن بعض الأفراد في المجتمعات الكتابية لم تعرف الكتابة والقراءة، ومازالت تعيش وتطور خبراتها بالتلمذة على يد من يملك الخبرة في محيطها، وليس عبر التمدرس والتعليم، ومثال ذلك انتشار الأمية في الوطن العربي.
وبعيدا عن معرفة الكتابة الأبجدية؛ فالدخول في عصر الكتابة يعني تغيرا في بنية الشخصية الشفاهية وذوبانها في بنية الشخصية الكتابية الجديدة. فالكتابة تفتح الأفق لذاك التحول، ولكنها لا تمنح بنياتها للشخصية الشفاهية، وتعدّه واحدا من بنية المجتمع الكتابي، آليا باعتبار الصيرورة الزمنية، لأن المتغير هو الوعي، فعلى الكتابة أن تحوّل بنياته من الشفاهية الى الكتابية من خلال انعكاس التفكير إلى داخل الشخصية؛ أي نقلها (الشخصية الشفاهية) من الجهل إلى العلم، ومن النزق إلى التروي، ومن الغوغائية إلى الهدوء والتفكير الموضوعي، ومن التعصب والاستعلاء وتضخم الذات إلى الانفتاح على الآخر، خارج نمطه، على أساس المشاركة الإنسانية والتثاقف الفعّال. أو باختصار كما نقول في لغتنا اليومية" على الدراسة أن تهذب البنية الشخصية" وإذا كانت أخلاق الفرد تجاه نفسه وتجاه مجتمعه غير حضارية، نقول" لم يستفد شيئا من دراسته" بمعنى أنها لم تهذبه، فالبنية مازالت شفاهية، ولم تتحول إلى بنية كتابية.
ما دفعني إلى تلك المقاربة بين البنيتين عنف الحالة في " الربيع العربي" بخاصة المتبدي منها في الأزمة السورية: حيث طال الحجر والبشر والزرع والضرع، والصغار قبل الكبار، والشيوخ قبل الشباب، وكأن هذه البلاد لم تدخل الحكمة في قاموسها يوماً! ولا يمكن لطرف من أطراف الصراع تبرئة نفسه من صورة العنف تلك. فعنف تلك الصورة دفع الملايين للهرب من المشهد برمته ماديا أو روحياً، وهم يحملون بداخلهم الدهشة والاستنكار والرغبة في أن يخرجوا من كابوسن كأنه جاءهم في غفلة من نومهم، ربما. ولكن الحقيقة جاثمة على الأرض بكل صورها الوحشية. ولذلك بقي السؤال الاستنكاري معلقا دون إجابة، وبقيت الدهشة شاخصة تنتظر ضمورها.
فهل -بعيداً عن العناصر الخارجية ودورها في الخراب السوري - كان السوري، ابن "مهد الحضارات " ذا بنية شفاهية، أي أن ابن الأبجدية الأولى ( 1500 ق.م ) كان أميا على مستوى الوعي الكتابي؟ ولذلك فرّغ فصامه في الجماعة التي ينتمي إليها، فدمرها ودمر نفسه؟!
تبيّن المؤشرات السلوكية للشخصية العربية بعامة، قبل أحداث " الربيع العربي"، أنها شخصية فصامية، باعتبار التناقض فيها بين الظاهر والباطن. كما أنها امتازت بالعنف الموجه؛ وبدا ذلك في أسلوب حل أبسط المشاكل الاجتماعية التي يمكن أن تواجهها؛ العنف المباشر، التدخل الأمني، سلطة المال، سلطة دين الفقهاء ، سلطة الجنس، عدم القدرة على الحوار، الاستعلاء على الآخر، البحث عن تكتلات جماعية للحماية والشعور بالأمان، كل وفق وعيه وظروفه، وبلده وبيئته.
هذه حال السوري وغيره في الوطن العربي، بتفاوت نسبي لا يغير من ماهية النتيجة، وهي سمات بنية الشخصية الشفاهية، أي ما قبل الكتابية؛ فالوعي الكتابي لم يتحلل بعد في بنية تفكيره بالصورة اللازمة لنقله حضاريا، في شكل معالجة أزماته من التطرف والعنف إلى التأمل والتحليل والحوار.
قد يرى بعضنا في تلك الصورة جلدا للذات، وأنا أرى فيها نقدا موضوعيا للذات؛ وهو سمة من بنيات الشخصية الكتابية؛ لأن الشخصية الشفاهية لا تفرق بينها وبين الجماعة، ولذلك لا تعرف معنى النقد الذاتي. وقد ترى فئة أن في تلك الصورة تجنيا على الشعب العربي بعامة والسوري بخاصة، على اعتبار أن العنف تمثّل في النظام وآلته الحربية، وأخرى تقول: تمثّل العنف في المعارضة المسلحة!؟. وبعيدا عن التجاذب في هذا الشأن، فالعنف له صورة واحدة مصدرها الوعي الشفاهي للجماعات والأفراد، حيث يشكل الفضاء الاجتماعي الخارجي موطن التعبير المضطرب المعبر عن الفصام والوعي البدائي ( الشفاهي)
ولكني أشير هنا إلى مثل شعبي يقول: "هذه المغرفة من هذا الإناء" يعني أن النظام والمعارضة في كل بلاد " الربيع العربي" هما أبناء ذاك الوعي الشفاهي. وبحكم تعميمنا السابق على المواطن السوري، فلا براءة لأحد من دمه. فالنظام، ابن بنيته الشفاهية، لم يستطع ولم يتقبل فكرة الحوار، فلجأ إلى العنف. والمعارضة المسلحة، ابنة بنيتها الشفاهية، أيضا، لا تملك القدرة على الحوار، فلجأت إلى العنف. والطرفان عملا على تفريغ فصامهما في المجتمع السوري، حيث تم التدمير الوحشي. و"الوحشي" هنا هي المفردة التي يستخدمها بعض الانثربولوجيين مثل ليفي شتراوس لوصف المجتمعات الشفاهية، أو ما قبل الكتابية أو البدائية !
إن ذلك التوصيف الموجز للوعي العربي، وعلاقته بالعنف، يدفعنا، إن أردنا الخروج من عنق الزجاجة، إلى إعادة النظر في مجمل أنساقنا الثقافية، من خلال إخضاعها للنقد الموضوعي، والتشجيع على تجاوز ما يدفع منها إلى تعزيز الوعي السلفي الذي يضخم فينا الذات المنقضية، الماضية على حساب الذات الحية القادمة، وتسليط الضوء فيها على ما يعزز فينا تشاركنا الإنساني غير المتعصب لانتمائنا الجماعي، فذلك الانتماء في الوعي الشفاهي يحرض فينا النزعات العنصرية بألوانها المختلفة الدينية والمذهبية والطائفية والثقافية. وهذا ما تستغله، في اللحظة الراهنة، القوى التي تريد الهيمنة على وجودنا برمته للاحتفاظ بتفوقها الإنساني والعلمي والاقتصادي.
ولأننا مجتمعات شفاهية بنسبة كبيرة في عصر الكتابة، فسنبقى معرضين للأزمات العنيفة التي تهدد وجودنا، ومنجزاتنا وحضارتنا وقيمنا. وبناء على التطور التاريخي للمجموعات البشرية، من الشفاهية إلى الكتابية، إلى التكنولوجية، وتقصيرنا الشديد في مواكبة ذاك التطور التاريخي، فلا غرابة في القادم من الأزمات التي قد تكون أكثر عنفا مما سبق، وربما بصور أكثر إدهاشا، وأسئلة أكثر استنكارا، مع احتفاظنا المستمر بعدم النظر في وعينا الشفاهي نظرة موضوعية، تقوم على مراجعة أنساقنا الثقافية بالمرتبة الأولى.



#يوسف_أحمد_إسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النّقد الذاتيّ ما بعد الخراب
- الشفاهية ، من الإرث إلى النسق الثقافي
- أسئلة في الحاجة إلى الثورة(2) -التحرر من الصيغ الجاهزة-
- أسئلة في الحاجة إلى الثورة (1)
- التابو المحرم والثقافة المضادة- نوال السعداوي-
- لماذا إدلب؟
- دول التبعية ولعبة الشطرنج الدولية
- دون رتوش (2 )
- دون رتوش(1)
- أسئلة استنكارية
- البيئة الاجتماعية الحاضنة
- التصنيف العشوائي
- الخراب والأسئلة
- أمراء الحرب والسلطان المتحوّل
- تشويه الآخر تحت سقف الوطن
- مثقف السلطةومثقف المعارضة
- الانتصار للحرية
- الطابور الوطني الساذج
- النظام الجمهوري العربي
- الوطنية شراكة إنسانية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - يوسف أحمد إسماعيل - الثقافة الشفوية والعنف