أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - النافذة الواحدة .!















المزيد.....

النافذة الواحدة .!


ميشيل زهرة

الحوار المتمدن-العدد: 5519 - 2017 / 5 / 13 - 05:14
المحور: الادب والفن
    


حدثني ابن خالتي عبودي ، و قال :
لقد حمّلني صديقي مسئولية تأجير محله الكائن في حينا في مدينة حمص ، بعد أن أغلقه و هرب إلى القرى الأكثر أمنا ، عندما كانت المدينة تُكحّل عينيها بظلام لم نعهده من قبل . و قد حنّت كفيها بتراب جُبل بدماء أبنائها المسفوح في شوارعها ، و على أتربة حدائقها . و لم تبخل على وجنتيها و شفتيها بلون النبيذ الذي يتسرب من أجساد مازالت تنزف و لا من مسعف . و لا تسأل عن الخطف و الخاطفين الذين يقايضون بما تبقى من أملاك تبيعها لتسدد ثمن ( مجهود الخاطفين ) . في هذا الجو الحالك الروح ، توجهت إلى بيت خالتي أم سعدو . حيث أن سعدو قد عُيّن مديرا للنافذة الواحدة في حي ( .ع. ) . ما أن دخلت و سلمت على خالتي و باركت لها بوظيفة ابنها الجديدة ، حتى تورّكت في وقفتها ، و وضعت يدها على خصرها كما لو أنها حامل ، و راحت توبخني : يا ابن أختي أنت ، إلى متى تبقى تحمل السلم بالعرض ..؟؟ ( شوف يا ابني : الأرض الواطية تشرب مويّتها و مويّة غيرها ..! ما يسوى أن تُيبّس راسك ..شوف ابن خالتك سعدو ، الله يرضى عليه.....) و لم تكمل خالتي بعد أن قاطعها سعدو : فالج لا تعالج ..لا تضيعي وقتك معه ..رأسه أيبس من حجر الطاحون . لاحظي : إنه يضحك ساخرا ..و يقول لك : إن الحق على أختك أمه ..هي من كانت تعلمه دائما : ابني يا عبودي ..الله يرضى عليك يا ابني لا تحنِ رأسك لأحد .. !
ما علينا .. وْلاَهْ سعدو ..أنا بودي أروح أعمل عقد الآجار لمحل صديقي عندكم في النافذة الواحدة ..و أنت مديرها ..أنا عقلي لا يتحمّل تفاهات الموظفين ، و سفالاتهم ..بُكرة سيقولون لي : يا أستاذ إضبارتك كاملة مكمّلة ، ماشاء الله ، لا ينقصها سوى طابع من الأرض المحتلة ، بعشرة قروش لا غير ..و عندما تجلب ذلك الطابع سيكون العقد جاهزا ..و عندما أصفن فيها ، و أفكر : كيف لك يا عبودي أن تجلب لهم طابعا من الأرض المحتلة ..؟ لا بد أنك ستشنق على أيدي المحتلين ..! و فرضا لو ذهبت و حصلت على الطابع ..ستقولون لي يا سعدو : كيف دخلت أرض الأعداء ..؟ لا بد أنك عميل للعدو ..! و أصبح كبالع الموسى على الحدين ..و عندما تطبخونني على نار هادئة ، و يوشك أن يُقفل عقلي ..ترسلون لي أحد السفلة من عندكم ، ليقول لي ، و هو يمر من قربي ، حاملا فنجان قهوة لأحدكم : لا تصفن فيها يا أستاذ ما في عقدة ما لها حلاّل ..! فأنهض من فوري لأتعلق بأذياله ..دخيلك يا ابني دبرها ..العملية معقدة عندي وما لها حل ..يرد علي ببرود : العملية كلها تحتاج لفطور للشباب ..و كان الله في السرّ عليم ..! و كم الفطور يا أبا حسين ، أو أبا حيدر ..ما اسم المحروس بلا صغرة..؟؟ يرد أبا بطيخ الجزر : هل تعلم كم يكلفك السفر إلى الحدود .؟ و كم ستعطي للمهرب كي يهرب لك الطابع من الأرض المحتلة ..؟؟ و كم ستكلفك الحالة معنويا و أنت الأستاذ المشهود له بالوطنية و النزاهة ..؟؟ لذلك صدقني سأساعدك لوجه الله ..و لكي لا أكلفك بالذهاب إلى المطعم سآخذ منك قيمة الفطور للشباب ..و بارك الله بمن أفاد و استفاد يا عمي يا عبدو المتين الحمصي . عندها سأدفع ، ثمن الفطور ، غصبا عن رأس الذي خلفني ..لذلك جئت إليك يا سعدو أن توصيهم ألا يلعبون لعبة السفلة و الساقطين ..لا تقل لي لا أحد يجرؤ أن يفعلها ..وْلَاهْ سعدو ..خليك نظيف معي أحسنلك ..بشرفي أعمل فضيحة لك و لموظفي مؤسستكم . يرد علي سعدو ببرود المسئولين ، و قد لوى عنقه إلى جهة اليمين : ضع يديك و رجليك في ماء بارد يا عبودي ..كأنك ما بتعرفني وْلَاهْ ..؟؟ العمى ..! أنا ابن خالتك و تربينا سوا ..صحيح أنا مثل الصوص ..لكني فعلي كبير ..معقول ما بتعرف أني أمشّي الذئب و النعجة معا ..القانون هو القانون يا ابن خالتي ، و أنا ما عندي خيار و فقوس..! بس خبرني قبل بيوم من تشريفك لعندنا ، و أنا أكون بانتظارك . و لم يقطع حديثنا صوت الانفجار القريب ، و الطلقات الغزيرة في الشارع الخلفي ..بل صوت خالتي التي صاحت بأعلى صوتها : أمك يا عبودي تقول لك قلبها شعلان بنار عليك يا عنيد ..عد إلى البيت فورا و بلا فلسفاتك التي لا تصلح لشيء.
لم أتصل بسعدو ، ظنا مني أن الأمور ستسير على مايرام ، خاصة في هذه الظروف الدامية ، عندما أخذت المستأجر معي ، و ذهبنا إلى النافذة الواحدة . كان المكان مكتظا بالناس الباحثين خلف مشاغلهم ، رغم الحرب التي لم ترحم أحدا في المدينة ..و عندما أنهينا الإضبارة و وقفنا أمام مكتب الموظف . كان العلم السوري ، بنجمتيه الخضراوين ، خلفه على الجدار ، مع صورة للرئيس ..و عبارة تقول : سوريا أمنا جميعا . و قد تفاءلت : إن الأمور ستكون على مايرام ..ها قد وصلنا إلى آخر مرحلة و لم نتعرض للطابع المشئوم إياه .! ولم يبق إلا أن نوقع ، أو نبصم على العقد . لكني لاحظت أن الموظف كان ينقر على مكتبه ذي الوجه الزجاجي ، بقلمه الأزرق ، نقرات لا تخلو من عصبية ، تتخللها نظرات نحو وجوهنا تشي بالملل ، و التأفف من شيء لم أفهمه ..و عندما كرر النقر على الطاولة ، و النظرات المحيرة ، قال بنفاذ صبر كأنه يخاطب بلهاء : كأنكما لم تفهماني يا شباب ..!! فرددت عليه بحيرة : و الله ، أنا شخصيا لم أفهم عليك ..كل ما فهمته أنك متوتر جدا ، و لست أعرف السبب !
فرد بهدوء الواثق : أنت ، شخصيا ، يطلع عليك خمسة آلاف ليرة نمشيها بألفين ..و أنت يا مستأجر ، يطلع عليك عشرين ألفا ، نمشيها بخمسة آلاف ..فرددت على الفور : أنا أدفع الخمسة و لا أعطيك رشوى ..ألاتخجل من نفسك أن تضع العلم الوطني خلفك ..و صورة الرئيس ، و عبارة : سوريا أمنا جميعا ، و الدماء تملأ الشوارع ، و تطلب رشوى بكل وقاحة ..؟؟ و عندما ارتفع صوتي أكثر ..جاء سعدو يصيح من بعيد دون أن يعرف من الذي يصرخ : يا أخي المواطن ..نحن هنا في خدمتك ..هذا أنت وْلَاهْ عبودي ..يلعنك ولاه ..ليش ما خبرتني أنك جائي ..؟؟ على كل حال هذه مزحة ..تعال معي إلى المكتب و أفهمك كل اللعبة ...و تضاحك سعدو ..يا رجل ، أنت لا تتحمل المزاح ..أنا قلت للموظف أن يلعب هذا الدور معك ، و قلت له أن يتحمل غضبك و ردة فعلك ..و أعطيتهم صورة عن نظافتك ، و نقائك يارجل ..تعال إلى مكتبي ، و دع المستأجر يكمل الأوراق ، و سيأتي الملف لعند شواربك لتوقعه ..لم أصدق سعدو ن و لم أثق بنظافته يوما..لكني دخلت المكتب و انتظرت الاضبارة كي أوقعها ..و فعلا جاء أحدهم بها و وقعتها ، و مضى الموظف . و عندما خرجنا أنا و المستأجر ، كنت منفوشا كديك بلدي ..و كنت أسير منتصرا، و قد باعدت ذراعي كمصارع ، رافعا أنفي إلى السماء ، و قد خاطبت المستأجر باستعلاء المنتصر : أرأيت هؤلاء السفلة لا يأتون إلا بالصرماية ( الحذاء ، بالسوري ، و ليس بالتونسي. هههههه ) ..نحن المواطنون من طمعناهم بنا .. أرأيت كيف تملقونا لكي لا نفضحهم ..و لكن المستأجر كان يخفي في ملامحه شيئا غير مفهوم .. و عندما ألححت عليه أن يقول لي مابه ، عندئذ انهار كل الكبرياء الذي كنت قد ظننت أني امتلكته ، و خاصة عندما قال لي : أنت يا عمو يا عبد المتين الحمصي ، بلا مؤاخذة ، لا تعرف شيئا ..أنت طيب ....
ما قصدك يا ابني ..ولاه ، انت تخفي شيئا ..؟؟ دفعت كل المستحقات التي طلبها ذلك الحقير الموظف ..و حذروني من أن أبوح لك ..يا عمي يا عبدو المتين الحمصي ..هؤلاء خنازير ، و أفاعي من تحت تبن ..رجائي ألا تبوح بما قلته لك ..لأنهم سيوجهون علي الجباة ، و يهلكوني بالضرائب . و عدته ألا أبوح بشيء ، و قطعت علاقتي بسعدو الخنزير ابن خالتي .
بعد عام خرج المستأجر من المحل ، لأنه لم يوفق في تجارته ، و اضطررت أن أعود إلى ذات المكان ، كي أؤجره لمستأجر جديد . قلت في سرّي : بعد تلك المشاجرة معهم ، لا بد أن الموضوع وصل لمن يهمه الأمر ، و طرد ذاك الموظف من عمله ، أو سجن ، أو تأدب على الأقل . فدخلت المكان بحذر شديد ، و عندما وصلنا إلى مرحلة التوقيع على السند عنده ، شاهدت ذات الموظف وفي عينيه نظرة شامتة و شرسة ..كل ما تغير ، أنه انتزع العلم من خلفه ، و الصورة ، و عبارة : سوريا أمنا جميعا ..و تسلح بجهله ، وشروره . أيقنت أن مشاجرة بيني و بينه ستحدث . و وقفت مترقبا ، و متحفزا ، أراقب تصرفاته ، عندما قال لي بثقة المنتصر : لماذا تَزْورني ( تنظر إلي بلؤم ).؟ شُفْ يا أستاذ ، إذا ظللت تنظر إلي هكذا ، سأُدفِعُكَ ضرائب مقدارها مئة ألف ليرة ..و أستطيع أن أدفّعك ألفا فقط ..فهل تخيلت ذلك ..؟ و عندما استوضحت بهدوء شديد القهر ، و الغضب ، و النقمة ساخرا : كيف يحدث ذلك يا جناب الموظف ؟؟ أجاب بثقة : شُفْ يا أستاذ ..القانون مطاط ..و أستطيع أن أمطّه كما أرغب ..الشغلة ما بدها تكبير راس ..الله يرضى عليك ..!!! تذكرت نصائح خالتي ، عندما تورّكت و خاطبتني من فوق أنفها ..! يومذاك كرهت الوطن ، و الأهل ، و رغبت برحيل حتى لو كلفني غرقا في البحر ..لأن الموت غرقا أسهل بكثير ، من أن تغرق المدينة بالدماء أمام عينيك ..و يبقى الدواعش يحاصرونها من الخارج ، و دواعش الداخل ينهشون في أجسادنا كما لو أن الوطن ذبيحة كثرت سكاكين من يقطعونها إربا .



#ميشيل_زهرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقيدة ، و اغتيال روح النص ..!!!
- جنون التعاويذ .!
- غزل .!
- حكاية من رفوف الذاكرة .!
- قالت سعدى لأخيها سعدو .!
- العقل المعارض العربي ..!
- سعدو متسولا .!
- سعدو متسولا ..!
- عشق الوهم ، و جنون الحب في الصحارى .!
- للبالغات ، و البالغين ..!
- كأنه الأبدية ..!!
- عدالة السكارى ..!
- الخديعة العظمى ..!
- أنثى بلا ضفاف ..!
- الحلم الحكاية ..!
- منارات في الذاكرة ..!
- صحوة متأخرة ..!!
- المنافقون .!
- حوار الآلهة ..!
- أبو خليل ..!


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميشيل زهرة - النافذة الواحدة .!