أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - أوهام النبوة














المزيد.....

أوهام النبوة


حسام الدين مصطفى

الحوار المتمدن-العدد: 5517 - 2017 / 5 / 11 - 03:46
المحور: الادب والفن
    


(كهيعص،ذكر رحمة ربك عبده زكريا)
نداء غامض خفي، يربطني بتلك الأحرف المقطعة، يقشعر جسدي كلما مسحت عيناي كلماتها المقدسة. تلك القدسية التي تروي قصة ذلك النبي ،مع العذراء البتول ،في سورة مريم، زكريا. وأنا أيضا زكريا،وشتان بيني وبين ذاك الرجل المقدس.ذلك النبي الذي لم يحمل في حياته ذنبا كالذي أحمله ، فلم يسبق له أن أزهق روحا، أو دفن جسدا بشريا داخل " صبة " من الأسمنت المسلح. لم يسبق له أن دنس جسدا نقيا، بأصابع سوداء نجسة، وبرود من اعتاد الخطيئة، وألفها، وأصبح في محرابها عابدا، بل وعاشقا أيضا. ولكني أنا فعلت، أنا... زكريا.
زكريا، أبتسم وأنا أردد هذا الاسم، لماذا لا تحمل الأسماء صفات أصحابها، لماذا لا يصبح من يحمل اسم زكريا ويحيى ومحمد وعيسى وموسى، في طهارة الأنبياء، ونقاء القديسين. لماذا لا يعصمون من الخطأ إكراما لهؤلاء؟!
إن أحدا منهم لم يسبق له وعمل سائق أوتوبيس، ولكن هل عملي هو السبب؟ إنني أقود حافلتي ثمان مرات يوميا، ذهابا وإيابا من محطة الرمل حتى شاطئ وادي النخيل بالعجمي، وبعد أن أنتهي،أذهب لشاطئ سيدي بشر لأجلس على حافة"بير مسعود" أنظر إلى الماء الذي يصطخب بعنف داخله،وأفكر، لماذا لم تصعد لحافلة أخرى؟ ترى أكان سيفعل سائقها ما فعلت؟ هل سيقع أسير رموش عينيها الفاتنة؟ أسير بشرتها الرقيقة، التي تحمل ذلك اللون البرونزي ، المميز لكل من يحمل الجنسية السكندرية؟
"مالك يا زكريا مش زى كل يوم؟!"
يقولها مرسي وهو يجلس على مقعد محمول إلى جواري، أتجاهله كالمعتاد، وأسأل نفسي، هل يمكن أن يحبها مرسي مثلما أحببتها؟
لم يكن حبي لها عاديا، كان مجنونا بكل المقاييس، ابتسامة شفتيها سحقتني، وأنا أنظر في المرآة الجانبية اليمنى. رأيتها تصعد سلم الحافلة، لم أستطع رفع عيناي عنها حتى جلست على المقعد الخالي. كانت محاطة بنور غريب استشعرته ولم أره، رأيته بقلبي يشع من وجهها الدائري الرقيق، المحاط "بايشارب" وخمار. عيناها ضيقتان، نعم، ولكن جفناها ورموشها رسمتها ريشة فنان قدير. يومها أحدثت بلبلة كبرى في المرور على طريق الكورنيش، وتسببت في حادث تصادم في "المكس" لأنني كنت أنظر في المرآة الداخلية أثناء القيادة.
" كهيعص"
تقتحمني هذه الكلمة، أشعر بها تقفز من مكانها المطبوع فوق رأسي، وأنا أجلس خلف عجلة القيادة، لتمزقني قطعا، وتحيلني أشلاء متناثرة. كلمة سر مقدسة، سمعتها في شريط بصوت الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وهو يقرأ سورة مريم، عندما تنبهت أن فاتنتي المجهولة، تعمل في محل لتصوير الأوراق بالقرب من محطة الرمل.
أدمنت هذا الوجه، أستنشق عبيره بعيني دوما، وهي تصعد من محطة أبو يوسف بالعجمي إلى حافلتي في تمام الثامنة. تصل إلى محل التصوير الذي تعمل به التاسعة إلا ربعا. تعود في الثانية إلى نفس المحطة في حافلتي، ثم تعود إلى الرمل في الخامسة، وتنهي عملها في الحادية عشرة ليلا، لتستقل آخر حافلة يقودها مرسي. هذا ما أوصلني له برنامج مراقبتي لها، ولكنه لم يقدني إلى اسمها.
وردية عملي تنتهي في السادسة، ولكن في اليوم الموعود ولدت زوجة مرسي، ورجاني أن " أطبق " ورديته أيضا. وافقت بسرعة، كان من المستحيل أن أضحي، وأحرم نفسي من رؤية وجهها الملائكي مرة اضافيه.
حب من طرف واحد هو، أم رغبة ملكت علي مجامع عقلي، وأغرقت جسدي كله بدماء حارة فوارة. أتطلع إليها صاعدة درجات الباص الخالي من الركاب، تجلس وحيدة على مقعد يجاور الباب والنافذة، وتشرد في هواجسها كما اعتادت دوما. لم يحدث مرة أن انتبهت إلي وأنا أتطلع إليها في المرآة الداخلية، ولكني أحسست هذا اليوم أنها استشعرت مني قلقا غريبا بعد أن ضبطت عيناي أكثر من مرة تسترق إليها النظر.
بعد أن عبرنا حي المكس، انطلقت بالباص الخالي إلا منها على طريق المصانع، توقف الباص في تلك المنطقة الخالية. برودة الجو في هذه الليلة من شهر ديسمبر، جعلت الطريق مقفرة بلا حياة. لست أدري لم توقف المحرك ، ولكني رأيت في عينيها نظرات ذعر متسائلة. قمت من مقعدي، وهبطت من الحافلة، درت حولها وكشفت غطاء المحرك لأستطلع ما يحدث.لم يكن هناك شئ يذكر، صعدت إلى الداخل لأحضر أدوات الصيانة، ولكن مرآها صدمني.
كانت تقاوم نعسا يهاجمها بضراوة، تحاول إبقاء رأسها مرفوعة دون جدوى. مظهرها الملائكي، أشعل في جسدي النيران. جلست جوارها على المقعد، اقتربت منها، أحطت جسدها بذراعي محاولا تقبيلها. انتفضت صارخة، حاولت مقاومتي ودفعي بعيدا، ولكني تحولت إلى وحش بارد مجنون. أجلستها على المقعد في بأس، رفعت يدي، وهويت بقبضتي المضمومة على رأسها، بكل ما أملك من قوة. كان هدفي أن تغادر الوعي، ولكنها غادرت الحياة كلها دون أن أدري. دفعني جنون النشوة، لانسكب في بحرها النقي، وألوث جسدها الطاهر بأصابعي.
انطفأت نيراني، وانسحبت الدماء الحارة من جسدي في هدوء. حاولت إفاقتها، اكتشفت وفاتها. أتاني من بعيد صوت ماكينات عملاقة، تركت الباص، تحركت تجاهه،وجدت خلاطات اسمنت عملاقة تصب أساسات مصنع في المنطقة. عدت إليها، حملت جسدها في خفة، وألقيته من ركن خفي في قلب صبة الأسمنت، التي دفنت براءته في لحظات، وتركتني أشاهد جريمتي تكبر وتعلو كل يوم مع جدران هذا المصنع، الذي أمر عليه في ذهابي وعودتي.
أضغط دواسة الوقود، ينهب الباص الطريق بسرعة أكبر، أحاول اللحاق بموعدها المعتاد في تمام الخامسة، على محطة أبو يوسف. أصل إلى المحطة، أتوقف طويلا. أحلم بأن تظهر ثانية، وتصعد درجات الأوتوبيس، ولكن حلمي لا يتحقق، أتحرك بالباص في سرعة تتزايد تدريجيا، يقفز عداد الكيلومترات في جنون، يصرخ الركاب في ذعر وغضب، ولكني لا أسمع صرخاتهم، تدوي في أذني بدلا منها كلمة سري المقدسة. أرفع رأسي لأعلى، أقرأ الآية التي تمزقني كلما قرأتها
" كهيعص، ذكر رحمة ربك عبده زكريا "
أصرخ بكل قوتي في جنون
-لست أنا زكريا النبي .



#حسام_الدين_مصطفى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كائن افتراضي


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام الدين مصطفى - أوهام النبوة