أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - محمد حسين يونس - نعم .. لقد فشل مشروع التحديث















المزيد.....



نعم .. لقد فشل مشروع التحديث


محمد حسين يونس

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 7 - 21:21
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


.
في سن يقترب من الثمانين .. يجد الشيخ أنه غير قادر علي الحوار مع أغلب الذين يتعامل معهم .
لقد أصابهم رجال الدين القبط و الازاهرة .. بلوثة أدت الي حالة من البله و الجمود.. وعدم القدرة علي رؤية الاحداث كما تجرى امامهم علي أرض الواقع ، مع السقوط في هيلولة مخدرات الاحلام الميتافزيقيا و الخرافة و الشعوذة ..و إنتظار المعجزات والحلول الربانية التي لم تأت ابدا .
لقد عدنا لماكان علية الاجداد قبل القرن التاسع عشر ..و فشل مشروع التحديث .((نتيجة لأخطاء معينة يوشك أن يرتكبها قوم من أكثر الناس وفاءً له أو هم يرتكبونها بالفعل)).
هذا المقطع مستعار من كتاب لينين الشيوعية اليسارية مرض أطفال .. أرجع فيه أسباب ذلك إلى ( ما تتصف به البرجوازية الصغيرة من تشتت وتذبذب وعدم قدرة على الصمود وعجز عن الاتحاد والتنسيق والعمل المنظم ) .
ثم بين الضرر ( البرجوازية الصغيرةالتى تتسلل إلى البروليتاريا فتفسدها وتتسبب فى وقوعها فى آفات البرجوازية الصغيرة المعهودة مثل الميوعة والتشتت والفردية وتقلب المزاج بين التحمس والخمود ) .
ثم أشار ( إلى قوة العادة لدى الملايين وعشرات الملايين من الناس-وأنها- قوة بالغة الجبروت )
ثم تحدث إلى كوادره بأن عليهم ( أن يكونوا قادرين على إقناع الفئات المتخلفة ، قادرين على العمل بينها لا أن يضعوا بينهم وبينها سدا من الشعارات الصبيانية اليسارية الملفقة ).
شعب كامل أصابة حكم (البرجوازية الصغيرة ) من العسكر و رجال الدين بالبلة و تحول مشروع الخروج من مستنقع الانكشارية العثمانية و المماليك إلي تغيرسطحي في الشكل و إستمرار المضمون بفضل سموم يطلقها رجال الزوايا و مدارس الاحد تشيع الفرقة .. و التعصب و التحزب و تؤيد الاستبداد وتمنع تحديث النظام و تفشي التواكلية وعدم الثقة في النفس .. و الاستسلام للغاصبين إما بإدارة الخد الايسر أو بالرضوخ لاولي الامر منكم .
مع الصدمة الحداثية التي سببتها قوات نابليون في مطلع القرن التاسع عشر يكتشف المصريون كم هم يعيشون متخلفين عن العصر بفراسخ . وأن هناك أقوام أخرى أكثر نظاما وعلما وإنضباطا وإنسانية و في نفس الوقت متدينون بدين يدعو للمحبة و الاخاء والتسامح وقبول الاخر .
ثم يأتي محمد علي ليعلمهم أن أوروبا قد قطعت شوطا بعيدا في التقدم و يرسل البعثات هناك لتتعلم .. ويعود رفاعة رافع الطهطاوى مبهورا بم يحدث في باريس يتحدث عن بلاد الكفار ومظاهر تقدمهم و يتساءل عن أسباب النهضة هناك !!
ما قاله الطهطاوى في (تخليص الإبريز في وصف باريز) كان كلمة الإفتتاح لمحاولات الخروج من بحيرات الشرق الاسنة إلي المياة الغربية العميقة المتجددة ..ولكن كم تعثرت المسيرة لمرات عديدة .!!
أقوال لينين بهذا الخصوص مازالت صحيحة تفسربعد قرن من الزمان ذلك الامر الشائك الذى نعيش في متاهاته منذ أن عاد (رفاعة) من باريس حتي الان.
فبعض فرسان التنوير (الذين تعتبر مجهوداتهم حفرا في الصخر ) كانوا دائما يتعجلون النتائج بحيث أدى إندفاعهم إلى نفور العديد من المترددين أو الذين يحتاجون للوقت والأدلة لينتقلوا من دائرة الاستطلاع إلى هالة التعاطف مع العلمانية و الليبرالية وتغليب العقل علي النقل .
جبروت قوة العادة خاصة المكتسبة فى الصغر قد يبقى حتى الممات دون تغيير مهما طرح أمامها من براهين وحقائق . والنتيجة أن عجلة التنوير عندما دارت في منتصف القرن التاسع عشر ظلت تدور بين من أنعمت عليهم بالنور ولم تطل الاغلبية خصوصا هؤلاء الذين يعيشون في القرى و النجوع حياة أقرب للسائمة مستسلمين لما يمليه عليهم وعاظ الكنائس وشيوخ الزوايا و الكتاتيب الذين يملأون الدنيا ضجيجا متخيلين أنهم رسل السماء للدفاع عن مفاهيمها .
لقد تكتل ضد الطهطاوى طواغيت عصره و تكرر هذا مع الكواكبي و الافغاني و علي عبد الرازق ومحمد عبدة و طه حسين ليعيشوا في وسط معاد مسيطر علية غيبيات الاديان و لم ينتف هذا مع سلامة موسي أو نصر ابو زيد أوالقمني أو البحيرى حتي اليوم .
إن تاكيد قسس الابراشيات و المشايخ الازاهرة بأن كل الامور بيد الخالق الذى لو أراد لهذا البلد الصلاح فلن يعترضه جنود اوروبا ولا العفاريت الزرق وأن مصر محمية ببركة الاولياء و الصالحين ،أنهي مسئوليات الانسان عن بؤسة و ضعته و مسكنته و ضياعة و ترك الامر لإرادة السماء التي تركته( أيضا) لعقل و تدبير و تطوير قدرات البشر .
وتبقي مصر منذ عصر محمد علي حتي نهاية حكم حفيده..ترتدى في المدن (الحضر ) قشرة الحضارة التي تعرف عليها سعيد باشا لماما في أوروبا و إستوردها مع الردينجوت و الاسموكينج و السيارة و الاوبرا .. و هيلمان الملوك .. ولكن الروح ظلت جاهلية حتي لدى الملوك المتحضرين فنجد أن إبن ووريث إسماعيل باشا (الأوروبي التعليم و التوجهات) الخديوى توفيق جاء من واحدة من جواريه العديدات اللائي إمتلأ بهن الحريم الملكي .
لقد ظل المصريون من أعلي لاسفل تحكمهم القوى التقليدية التي سادت فيما قبل القرن التاسع عشر يسيطر عليها الكهان والازاهرة المتحفظين متناسيين أن التخلف أوالتفوق له قوانينه الخاصة .. فلنقرأ دافيدس لاندر في كتاب رسالتة للدكتوراه عام 1958 و التي ترجمها الدكتور عبد العظيم انيس تحت عنوان ((بنوك و باشوات )) عن ذلك الزمن .
أنه (( في مرحلة الستينات من القرن التاسع عشر قامت حرب أهليه طويله في أمريكا أوقفت امدادات القطن عن العالم و عطلت أكبر الصناعات الانتاجيه و حولت زغب الخيوط البيضاء الي ذهب )) مصانع مانشيستر ،روان ، فلاندرز ، و الالزاس عانت من نقص الخام و سيطرة المضاربين علي البورصه لدرجة أن مصانع لانكشير اغلقت و سادت البطاله بين أعداد كبيره من العمال.
محمد علي باشا هو الذى أدخل زراعة القطن في مصر .. و كانت زراعة ناجحه لظروف طبيعة التربه و المناخ بحيث تفوق المحصول من حيث الجوده و الكميه عن ما تنتجه حقول الهند و البنجاب .
اقبال العالم علي قطن محمد علي عالي الجوده مكنه من انشاء جيش و اسطول مصرى معاصر لزمنه و ينتزع بالقوه حق وراثة اسرته للحكم من القسطنطينيه .
محمد علي لضمان مصدر ثروته امم الارض الزراعيه لصالح الدوله و توسع في زراعة القطن الفاخر بحيث أنه بعد ثلاث سنوات فقط من تجارب زراعته عام 1820ارتفع انتاجة من هذا النوع علي حساب الانواع الاخرى من 650 رطل الي اكثر من 18 مليون رطل .. وقد سر المستوردين الاوربيون من نوع التيله الجديده التي اكسبت القطن المصرى مركزا ممتازا في سوق ليفربول و الهافر
ابن محمد علي ( الوالي سعيد باشا )عندما تولي الحكم عام 1854 اعاد الارض للفلاح فارتفع انتاج القطن في مصر بحيث (( عندما حلت مجاعة القطن العالميه كانت الزراعه المصريه مستعده لها )).
سعيد باشا الذى ملأت عائدات القطن خزائنه كان شخصا ودودا يتظاهر بالثقافه و قد تعلم من أساتذته الاعجاب بالحياه الغربيه وفي الواقع لقد عشق هذا النوع من الحياه اكثر من اللازم بحيث كان يتقبل اقتراحات أصدقاؤه الاوربيون بلا حذر و أخذ علي عاتقه أكثر مما يستطيع أو تتحمله مصر .. بعض المشروعات لم تثمر ،و البعض الاخر تم في عهد خليفته اسماعيل باشا ،و لكن في المجمل تميز عهده بالعوده الي روح التمدن التي زرعها محمد علي في مصر.
خلال حكم اسرة محمد علي قطعت مصر شوطا واسعا في اللحاق بركب التقدم اذا ما قورن الوضع بما كان عليه عندما ((رسا نابليون بسفنه عام 1798عند مصب النيل فلم يجد الا قشور المدنيه ، شعب قعيد وبقايا ماض طويل عفا عليه النسيان الي درجة أن زعم البعض انه عندما انزل نابليون عربته الي الشاطىء كان يدخل العجله من جديد في مصر ..))
في عام 1854 اسس سعيد التلغراف الكهربائي الذى ربط افريقيا باوروبا و استكمل خط السكة الحديد من الاسكندريه الي القاهره و خط اخر من القاهره للسويس و قام يتحسين شوارع الاسكندرية و مد شبكات مياه الشرب بها كذلك خطوط الترام وعمق وطهر ترعة المحموديه بحيث اصبحت مجرى ملاحي نهرى و منح فرناند دى ليسبس الامتياز لحفر قناة السويس .. بمعني ان سعيد بنصيحة مستشاريه الاجانب اهتم بالبنيه الاساسيه التي تخدم الحركة تجاه اوروبا و تؤمن ربطها بافريقيا لتزيد اهمية مصر كممر لصادرات الهند الي البحر الابيض .
وهكذا أصبحت مصر علي أعتاب ثورة اقتصادية مع انشاء قناة السويس و رواج القطن ..صاحبه أمران أحدهما تحولها الي نقطة جذب سكاني و الاخر هجوم شركات الانشاء و التوريدات المدعومه بالبنوك العالميه .. فلقد قذفت موانى البحر الابيض المزدحمة بالالاف من العاطلين ، الساخطين ، المعدمين الي ارض المال الوفير اجانب يحميهم مرسوم عثماني يجعل لهم امتيازات استغلوها في نهب خزائن الوالي سعيد الذى قيل انه كان يواسي نفسه بالضحك (( في احدى المناسبات قطع حديثه مع أحد رجال الاعمال الاوربيين لكي يأمر خادمه باغلاق النافذه قائلا اذا اصيب هذا السيد بالبرد فسوف يكلفني ذلك 10000 جنيه استرليني )).
بالطبع له حق فدافيدس لاندر يقص علينا قصصا من نوع الكوميديا السوداء عن الاساليب التي اتبعها الاجانب للاحتيال علي الحكومة المصرية.. ما اشبه اليوم بالبارحة ..إن المشهد يتكرر يوميا مع قضايا التحكيم التي نخسرها((37 قضية مرفوعة حاليا ضد مصر قيمتها 100 مليار جنية)) أخرها حكم ب 2 مليار دولار لصالح إسرائيل في قضية تعويض قطع إمداد الغاز .
النهب الحقيقي تمثل في العقود و الامتيازات التي حصلت عليها الشركات الاوروبيه للبناء وانشاء المرافق و الخدمات العامه فضلا عن امتيازات استغلال الثروات الطبيعية أو استخراج و حفظ الاثار المصرية القديمه .. لقد كان المجتمع غير مؤهلا بعد للاندماج في السوق العالمي فترك استيراد احتياجاته و تصدير منتجاته بأيدى الغرباء بالاضافه الي اغلب انشطه التجاره الداخليه و استغل الغرباء غفلة المجتمع اسوأ استغلال يتبدى هذا بوضوح في الظروف غير الانسانيه التي عمل فيها الاف العمال المصريين في حفر قناة السويس و التي ادت الي وفاة العديد منهم بسبب سوء التغذيه و الاوبئة الناتجه عن عدم النظافه..
كأننا نتكلم عن هذا الزمن الذى بدأه الرئيس السيسي بعاصمته الجديدة .. و تكريك قناة السويس و تكسير جبل الجلالة و ومد الاف الكيلومترات من الطرق غير المستخدمة .. و لم نتعلم من كوارثنا .
التنويرالحتمي لخلاص الامة يجب أن يصل إلى عقول سليمة عن طريق العلم والديموقراطية وإحترام الانسان وحقوقه وهو جهد طويل وشاق وقد لا نرى (كما لم يرى من قبل من سبقنا من رواده) نتائجه ..إنه عمل مستمر منذ منتصف القرن التاسع عشر توضع أمامة بإستمرار سدودا ذاتية الصنع تجعل الموروث و المنقول سابقا و مفضلا عن نتاج العقل و التفكير المنطقي.
عندما هزموا عرابي بالتل الكبير وإحتل الانجليز بلدنا عام 1882 .. قاموا بما عجز عن تحقيقه محمد علي وولده وإستكملوا ما بدأه سعيد وحفيدة إسماعيل .. لقد شرعوا في تحديث إدارة المجتمع وتحويل الجيش من مستوى الجهاد و الخطابة والفروسية و فتونه الانكشارية إلي قوات نظامية تخضع للتكتيكات الحديثة و تستخدم التكنولوجيا العصرية . وجعلوا للحكومة و البرلمان و التعليم و الصحة نظما ولوائح و تعليمات و ميزانية و مراجعات وإهتموا بالرى و معالجة الصرف الصحي و جمع القمامة و إشاعة اساليب النظافة و وسائل إتصال .. و أساليب النقل و الحركة و كونوا أسس الحياة الاقتصادية من بنوك و مشاريع إنتاجية و بورصة .
المراهقة الفكرية التى تصاحب الأبناء فى سن معين ضد مفاهيم الآباء والأجداد عادة ما تخمد مستسلمة امام حقائق الحياة ولقمة العيش وصراع القوى .. ..وبالتالى فإن مراهقة البعض ( على كبر ) كما حدث للخديوى إسماعيل خمدت سواء بسبب ما يتصف به البرجوازى الصغير من صفات أو لضغوط الحياة وإحتياجاتها الدائمة ..و تكرر هذا مع عبد الناصر .. ومحاولاته للتقدم عن طريق الدولة التوتالية .. أو السادات و محاولة ربط قاطرة مصر بجرارات أمريكا ..كانت كلها أحلام مراهقين لازالوا يبلونا بامراضهم النفسية لتتعقد قشرة الحضارة وتقسو وتتلون .. وتبقي الروح علي حالها جاهلية .
إن الجهد الدائم المستمر و إن كان بطيئا لتغيير تراث السلف الصالح و الطالح أفضل من الفرقعات المدوية التى إنتهت بانتهاء زفة العيد.
مر عقد كامل يزيد سنوات سبع من القرن الجديد ومازلنا نعيش في مجتمعات أصابها التصلب في شرايين التواصل والتناغم والتفاعل بين أفرادها ... ضاله طريقها بين الرغبة في الحداثة و التمسك بوصايا الكهان .
فالبعص لا زال يعيش داخل محددات نهاية القرن الثامن عشر عندما تشاهد منازلهم أو أسلوب حياتهم اليوميه أو أفكارهم أو توجهاتهم السياسية تشعر أنك إنتقلت إلى مصر ما قبل الحملة الفرنسية .
فئات أخرى تعرفت على التكنولوجيا الحديثة ولكن تستخدمها في تعميق أفكار وتوجهات زمن التخلف الحضاري وتسعى جاهدة لجذب أكبر عدد ممكن لان يتبنوا أفكارا وعلاقات اجتماعية تجاوزتها شعوب المنطقة منذ بداية القرن الماضي.
والقليل من الذي أعطوا ظهرهم لمجتمعهم واستقبلوا كل ما هو وافد من منطقة النور في أوروبا وأمريكا فى ملبسه وحياته الاجتماعية وفنه وثقافته بل ولغته للاسف لم يغير قناعاته الشرقية.
العامل المشترك بين الجميع هو الحرصعلي تهاويم رجال الدين التي تبث يوميا .. من خلال وسائل الاتصال أو من خلال كهان و أزاهرة متعصبين .
أما أنظمة الحكم فما زالت ترفل في نعيم ستينات القرن الماضي عندما كان الزعيم (خليفة ) ينطق ... فيكون.
المحزن حقا هو فقد المتعلمون والمثقفون لبوصلة الحداثة .. فالمتعلمين بهدف استخراج جواز مرور طبقي للوظيفة والزواج والمكانة الاجتماعية المتقدمة أصابتهم خيبة الأمل بحيث خلع كل منهم ثوبه وارتدى الثوب الذي يسمح له بالصراع الإيجابي لصالح كسب المال.
منهم من إتجه إلى الصحراء المقدسة حيث البترول والدولار .. وأساليب حياة ساحقة للرجل والمرأة إلا لمن إرتدى منهم الدشداشة وما تحتها من عقل سقيم .
ومنهم من إتجه إلى العصابات الحاكمة .. يكيل بالمدائح ويخدم المصالح بإخلاص باد وقد ينال كرسيا أو منصبا أو عصا غليظة يستخدمها في تحقيق أهداف تربح تتراوح بين الستر وبين حيازة المليارات .. هذا الطابور ضم أساتذة جامعات حاصلين على الدرجات التي قد تكون مزورة .. ورجال أمن( بعضهم سلفي الفكر أو إنتهازى المقاصد ) .. ورجال تجارة (بيزنيس) .. وصحافة وإعلام غير ناضج .. ورياضيون خاصة لاعبي كرة القدم .. و متعهدى تشهيلات الانتخابات وتمييع القضايا ... داخل الطابور هناك صراع في سبيل الاقتراب من بؤرة الضوء .. وكم سقط منهم نفر وهو يناضل لتخطى حواجز مكانه.
الثوب الذي ضم شرائح عريضة من الشباب خصوصا القادمين من أسفل السلم. كان النصب والتدليس .. إعتبارا من إستخدام "النت" وشبكات الاتصال للنصب حتى إدعاء صفات ومؤهلات للتغرير بشابة أو عجوز لديها مال.
المتعلمون في بلادنا تم إتلافهم تماما .. سواء بعلوم أصبحت من قبيل التاريخ أو التراث ولا فائدة منها .. أو بالتسطيح عن طريق تغليب الحفظ على الفهم .. والصيغ المقولبة بدلا من الأفكار التي تم استنباطها وتطويرها من خلال التجربة والمعمل ... ثم قامت وسائل الإعلام .. والمؤسسات الدينية .. بتكريس ما تعلمه (أوما لم يتعلمه) والمجتمع في تغليب المادة على الفكر .. ليصبح لدينا أكواما من الحاصلين على الشهادات المتوسطة والعليا وما بعد العليا .. دون أن ينمو في مقابلها توجهاتهم الاجتماعية والفكرية والاستنباطية .. وكسر المألوف للتقدم خطوة تالية نحو الحداثة.
أما مثقفي التنوير الذين كانوا في يوم ما نورا ونارا .. فلقد همدت الشعلة تحت رماد كثيف اسمه لقمة العيش والنفوذ ومحطات الفضائيات .. توقفت الماكينة التي أنتجت الرواد .. والعلماء ... والفنانين .. وبدأت في إنتاج موظفين بدرجة مثقف .
من حاول أن يخرج من الدايلما كان مصيره مواجهة أسلوبين إحداهما التجاهل ( وسيبهم يتسلوا ).. فان لم يصلح فالهجوم المستمر الذي يصل إلى الاغتيال الفعلي (لفرج فودة )أو المعنوي(البرادعي ) .. ولقد أصبح للنظم الحاكمة .. رجال قادرون على هذا ...أو على تدمير كل من يتخيل أن الزمن يمكن أن يتغير لافضل بسبب مقاله (نصر حامد أبو زيد و القمني و البحيرى نماذج نعرفها جميعا )
تبقى شريحة محدودة من المثقفين المستقلين الذين لا يتعاملون مع الثقافة على أساس أنها مصدرا للرزق وهؤلاء متناثرون بشكل عشوائي يجعل من الصعب توحيدهم أو تحويلهم إلى قوة ايجابية لتطوير المجتمع .. فضلا عن أن كل منهم كانت له مصادره الثقافية التي أثرت في تكوينه والتي تخضع للصدفة .. بحيث يصعب أن تجد بينهم توافقا نظريا أوفى توجهات التطبيق .
إن الضرب العشوائي علي عوائق التقدم يضر بقضية التنوير ..(فيما عدا ما يقدمه الماركسيون من دراسات مخططة) لا تجد ألا تشتت الجهد في معارك فرعية وجزئية وفى بعض الأحيان سطحية تنتهي بسقوط المقالات اليومي ليحل محلها أخرى طازجة .
قضيه التنوير تحتاج لأسلوب مخالف .. قصدى .. يتجه نحو إضاءة الأجزاء ذات الظلال الكثيفة في العقل الجمعي للبشر ..وكشف أساليب الاستغلال و القهر التي يزاولها الاخرون علينا .
ولهذا أولويات تبدأ بمعرفة الإنسان أن هذا الكون لم يوجد من أجله .. وانه جزء ضئيل منه حتى بتاريخه البشرى الطويل .. بل الحياة بكاملها إنما هي "فيمتو ثانية" في عمر الكون اللا متناهي .
معرفة الكون الدقيقة قد تقود إلى التعرف على المجرة التي نعيش عليها ... ثم مجموعة الكواكب التي تتجاور معنا وتدور حول الشمس ...وعلي الأرض بتنوع مناخها وتضاريسها وبحارها ومحيطاتها.. مساحة واسعة تحتاج للدراسة المتعمقة حتى يدرك الإنسان أنه ليس النموذج المفرد الوحيد الذى يسردونه علية ليل نهار .. وان هناك بشر اخرون لا يحبون "الملوخية بالأرانب" التي يعشقها المصري .. فالملوخية عند البعض تسمى حق الحمير..وعندهم ( مالة البهائم).. والأرانب يطاردونها بالألغام في استراليا .
قبول الأخر واحترام تواجده وتجربته من أساسيات التنوير التي بدونها تستمر المعارك إلى مالا نهاية .. وتتغلب قوى الاقتصاد والعلاقات الاجتماعية مكان التناغم البشرى القائم على التنوع
أسلوب تعامل البشر مع الطبيعة .. يحتاج لتنوير آخر .. فالطاقة الشمسية والرياح والأمواج وما فوق الأرض وما تحتها من كائنات وموجودات عليها أن تعيش في تناغم يقوده الإنسان (العاقل) ..فإذا ما كان إنسانا أو عاقلا .. فهو لن يدمر المكان الذي يضمه بين إرجاءه ولن يبصق في الكوب الذى يشرب منه ... التكنولوجيا الحديثة قد تتسبب في مخاطر أبرزها الانفجارات الذرية والاحتباس الحراري .. والحروب المدمرة وتلوث المياه بالعوادم وبقايا الإنتاج الصناعي لذلك علينا ترويضها و الحذر عند إستخدامها .
العجز عن ملاحقة التطورات الاجتماعية قد يتسبب أيضا في مخاطر أهمها تهميش نصف المجتمع من النساء ( بسبب قروا في بيوتكن التي كانت تخاطب نساء النبي واضطهاد الأقليات والتعليم الموجه دينيا والفروق الطبقية الواسعة وكلها قضايا قد تستغرق عمر الإنسان ولا يحدث فيها تقدم.
وهكذا يقودنا التنوير إلى حظيرة العلم ..
والعلم لا يوجد له تعريف دقيق ففي شرقنا العلماء هم رجال الدين .. في حين أن المخاطرة بارتياد المجهول وتقنينه وفحصه وترويضه في أوسع مجالاته الكونية أو في أدق عناصره النووية يحتاج إلى فكر مفتوح غير مقيد وغير مربوط بأوتاد تمنعه من التحليق بدعوى أنه مخالف للطبيعة أو الدين أو التقاليد أو المتعارف عليه ..
كسر المألوف واستنباط طريق المستقبل من رحم الواقع هو هدف العلم .. الارتقاء بقدرة الإنسان على مواجهة الطبيعة والتحكم فيها والتقليل من عنفوانها وبطشها هو العلم .
والعلم بهذه ألصورة يجعل الإنسان في بؤرة اهتمامه .. ماضيه وحاضره ومستقبله .. تاريخه ونظمه الاجتماعية والاقتصادية .. انجازاته ونكساته .. فلسفته وسفسطاته .. من يحكمه وكيف يحكم .. كيف يكسب عيشه ويدير اقتصاديات مجتمعه .. يقينه وغيبياته ... أساطيره ورواياته.. قوانينه وتمرده عليها .. قدرته وعجزه .. صحته ومرضه .. نجاحاته ومخاوفه..اختراعاته وتأثيرها المفيد أو الضار.. الإنسان كيف يأكل ويلبس وينمو ويمرض ويتطور ويندثر.. لقد أصبحت مهمة العلم وهدفه هو تشريح هذا الكائن ومعرفة أدق تفاصيل تكوينه .. وان يزيد من وعيه وعمره حتى يصل إلى سن متوشالح فى سفر التكوين ... كائنا سامقا راقيا كما تخيله نيتشه.
التنوير عليه أن يزيل تراكمات البدائية على السلوك البشرى .. ويجلو عوامل النمو والبعث بعيدا عن تقاليد موروثة منذ زمن القبيلة جامعة الثمار او الراعية للإبل .. فإذا لم يقم بهذا .. فهو ليس تنويرا .. إنما هي خبطات عشوائية فاقدة للهدف.
التمرد جزء من التنوير..التغيير أساس التنوير ... والإبداع البشرى نتاج للتنوير..الفن والثقافة والتهذيب تنويرا ..من حق الإنسان أن يستمتع بإبداع متقدم عصري مركب .. بعيدا عن الإبداعات البدائية البسيطة التي تحيط مجاميع عريضة من البشر... التذوق للفنون علم .. يجب دراسته والتدريب عليه .. ورفع الذوق العام يحتاج لثورة لينقل الفن من البسيط إلى المركب ومن المباشر إلى الحداثة والإبداع المعاصر .
القرن الحادي والعشرين على وشك استكمال عقده الثاني .. ولازال مطروحا أمام الإنسان المصرى الكثير ليخطو خارج البدائية والسذاجة ويتجه بخطى ثابته نحو تحقيق حلمه بالقدرة على مغالبة مقاديره .. والتحكم فيها.
القبيلة البشرية تتحرك بسرعة مذهلة غير مهتمة بمن يقف متعثرا في تراث من العادات والتقاليد والأفكار البدائية غير الصالحة لزمن أنار فيه العلماء معالم الطريق ليطل لأول مرة على ملامح حياة غير مطروقة.
الكوارث التي اصابت اليابان رغم قسوتها ( زلزال، تسونامي ، خلل في المفاعل الذرى )ورغم عدد الضحايا غير المسبوق والخسائر المادية ..الا انها لم تفقد الياباني ثباته والتزامه .. فرأينا جيشا من البشر المنضبط في القيادة والتنفيذ يعمل بهدوء وثقه - رغم الحزن والالم - لانقاذ وطنه وذويه.
في المقابل مع انسحاب الشرطة من شوارع مصر ( وتونس ) تكونت بسرعة عصابات لنهب العام والخاص وبعضها لنهب عصابات النهب .. واخرجت الازمة كل ما هو قبيح وشرير .. القسوة ،الهروب من السجون ،البلطجة ،التكسب من مصائب الوطن ..جيش من البشر المنفلت الزمام يتحرك بعربات صغيرة (تكتك )، كان محظورا عليها التجول في الشوارع الرئيسية ، سيارات نقل ضخمة تسير في عكس الاتجاه تطلق أبواق عالية وتتسابق في الطرق بسرعات كانت تعتبر جرائم ، ميكروباصات تسير برعونة وتتسبب في حوادث مرعبة ، راكبي موتسيكلات يخطفون شنط السيدات دون ان يحرك رجل البوليس ساكنا ، حاملي اسلحة بيضاء يقطعون الطرق ويرعبون المارة ، المجاميع تسرق ماكينات صرف النقدية والمحلات الكبرى .. فوضي غير مفهومة وغير مبررة من شعب يدعي مثقفيه انه متحضر.
المصرى فقد تحضره فخلال نصف قرن لا يزيد غير هويته وسياسته وافكاره اربع مرات .. من المجتمع غير المتزمت الذى كان يرأسه ملك ويحكمه حزب بنظام اقرب لديموقراطيات اوروبا، إلي انقلاب عسكرى توحش أصحابه بعد ان احتلوا مراكز اتخاذ القرار ليقود عبد الناصر بلده الي خراب بمغامراته غير المدروسة فكريا (القومية العربية، الديكتاتور العادل، الاتحاد القومي ثم الاشتراكي) وعسكريا (هزائم اليمن وسيناء )، واقتصاديا (راسمالية الدولة، خنق المبادرة الفردية، تحكم جيش الموظفين في كل وسائل الانتاج ) ..
هزيمة 67 المذلة، أدت الى ان يخلفه من ينقلب علي سياسته، فيطرد السادات الخبراء الروس، يعلن ان 99% من اوراق اللعبة مع امريكا ، يحمل كفنه ويذهب الي القدس يعلن انه لن يحارب بعد اليوم ، يطلق وحوش الراسمالية الطفيلية من خلال الانفتاح تنهب مصر ، ويسلم عقل الشعب وروحة لاموال ودجل الوهابية داكا بنفسة كل التحصينات التي كان عبد الناصر قد اقامها لوقف المد الاصولي، وتحولت مصر في زمنه الي مستعمرة تحتلها (امريكا ،اسرائيل ، الوهابية السلفية ).
عندما اغتالته الوحوش التي مهد لها توافقت قوى الاحتلال الثلاثي علي ان يخلفه شخص مطيع محدود الذكاء والطموح معدوم الثقافة ليبق الحال علي ما هو عليه. وبقي !!
لا ... لم يبق فخليفة السادات عندما شاهد اغتياله قرر رعبا تحويل مصر الي دولة امنية تحكمها قوات البوليس السياسي من امن دولة ورقابة ادارية واعلام مضلل موال وهكذا حكم مصر لثلاثين سنه عصابات من البلطجية و اللصوص تركت السرطانات الساداتية تنمو وتستفحل وتسود .. فاستولت الاصولية المسيحية و الاسلامية علي فكر وروح الشعب، و تربع الفساد علي عرش اقتصاده والبلطجية علي امنه وامريكا واسرائيل علي ارادته الدولية.
المصرى علي مدى نصف قرن فقد الاحساس بالعدالة انه دائما الطرف المغضوب عليه، الضال الذى يتخطاه من يمتلك علاقة ما بالسلطة او المال .. وعمت الرشوة و الوساطة واهمال المواطن الذى لا يجد مكانا في الاوتوبيس او المترو او الشارع ، ولايجد عملا يحافظ علي ادميته الا الوقوف في طوابير العيش .. لا مدرسة مناسبة او مستشفي آدمية، لقد حرصت انظمة الحكم المتتالية علي تأصيل الاحساس بعدم الامان والظلم، وهكذا عندما وهنت قبضة الامن المباركي انطلقت وحوش صغيرة الي الشارع ،المسكن ،العمل ،وكل مكان يتواجد به مصريون.. خرجت الذئاب البشرية تحرق وتهدم الكنائس و تتحرش بالسيدات و تتوعد القبط و المسلمين المعتدلين وتدافع عن دستور منحط فصّله السادات لنفسه ليحقق حلم حياته، ان يحكم حتي النفس الاخير فيستفيد منه خليفته، يتسلط به لثلاثين سنة علي مصر والمصريين.
لقد سقطت أوراق التوت وظهرت العورات .. المصريون لم يكن لديهم إلا تراث ديني أجوف عاطل معطل .. تقدمت به الاخوان المسلميين و السلفيين .. فأشاعوا الرعب بين المسيحيون و النساء و من كانوا أكثر إقترابا من ناس اوروبا و امريكا .. هؤلاء قادوا الشعب لتسليم رقبته لضباط الجيش من المليونيرات الذين لم يكتسبوا خبرات حياتية إلا من الدعاة .. و رجال المال و البزينيس .. و اللي تغلب به إلعب به .
الحوار الذى تجريه المنظمات غير الحكومية التي تعقدها الرئاسة مع فئات مختارة من شباب الشعب المصرى تظهر مدى التشظي الذى حدث للمصريين بحيث يستحيل الاتفاق علي عقد اجتماعي معاصر، بين مناهج تطورت عشوائيا بعيدا عن بيئتها الاصلية فاصبحت تعبر عن مجتمعات غريبة اما موغلة في التخلف والنكوص او مبالغة في العصرية والطموح .
هذا ليس غريبا فمثقفي مصر اكتسبوا خبراتهم من خلال انقلابات ايديولوجية متباينة خلال نصف القرن الماضي ( ليبرالية، ديكتاتورية، راسمالية دولة، راسمالية طفيلية، نهب وفساد وتسطح، خضوع للاستعمار الامريكي الصهيوني، استلاب اصولي وهابي، تلاعب بالافكار انتهازى تعلمه كوادره من تنظيمات الحكومة من الاتحاد الاشتراكي حتي الحزب الوطني ).. حوار لا يبشر باى عقد اجتماعي عدا حكم غوغائية الشارع الذى اصبح غابة الداخل لها مفقود.
لقد نسي المصريون حب الوطن بل اصبحوا يكرهونه .. فهؤلاء الذين يسرقون الاثار ويعرفون ضعف اماكن تخزينها واسلوب تسويقها هل يحبون مصر !..
هؤلاء المنتمين الي جماعات ممولة من البترودولار الوهابي يحرقون بلدهم بنزاعات طائفية من اجل حفنه دولارات هل يحبون بلدهم !..
هؤلاء الذين يطلقون بلطجيتهم المدربين علي مهاجمة اقسام الشرطة والسجون وتحرير المسجونين هل يحبون بلدهم!
هؤلاء الذين لا يعملون واذا عملوا لا ينتجون واذا انتجوا جاء انتاجهم رديئا عن السوق بسبب الاهمال والجهل هل يحبون بلدهم !..
لقد حدث تشوة واضح في سلوكيات وتوجهات الانسان المصرى بسبب حكم متواصل لعسكر استولوا علي السلطة دون مبرر وغير مفهوم أسباب إستمراره كما لو كان إرثا ..رغم ان تاريخهم لا يحمل الا الهزائم والنكوص.
كاتب هذا المقال الذى عاش علي أرض مصر لاكثر من سبع سبعين سنة عمل خلالها في اكثر من موقع يتصور ان كل محاولات التحديث قد سقطت في حجر تجار الاديان المسيحيين و الازاهرة و تحولت إلي مظاهر خادعة لوحشية سلفية عمرها يسبق القرن الثامن عشر بقرون .
الجهاز البيروقراطي المهترئ الذى يضخ فسادا وغباءً وجمودا هو اداة القهر و الابتزاز التي ساهم في صنعها أربعة حكام من العسكر كان كل منهم يتصور بانه الهبة الالهية الذى لا يجانبه الصواب ابدا، فهو ملهم يعمل لصالح شعب لم يبلغ الرشد ويحتاج الي وصاية مستمرة،
وهكذا تحول جهاز دولتهم الذى أنشأة الانجليز عصريا فعالا إلي قبضة حديدية ترتبط مصالح افراده بدوام النظام حتي لو كان اداة لكسر ارادة الشعب
الاتحاد القومي ثم الاشتراكي ثم الحزب الوطني ثم شلة المستفيدين المعاصرة كانوا دائما ما يحملون مفاتيح الجنة الجالبة للمال والنفوذ ..فالجهاز تم تكوينه واختيار كوادره من مدير عام فما فوق باسلوب يضمن ان يسود ويصبح في دائرة اتخاذ القرار، كل من كان متخلفا امعة لا يتقن الا قول كلمة موافقون ، حاضر ، برقبتي يا ريس .. يظهر ملامح النقوى و الفلاح الديني ..وينحي كل من كان له راى مخالف او قدرة علي إبداع نهج مستقل لصالح المؤسسة .
ان الاختيار المتعمد من اجهزة الرقابة الادارية والامن و جماعات المنتفعين ،للعناصر الضعيفة الخائفة المتخاذلة التي تطيع الاوامر للمراكز الحاكمة أدى للاضرار بالجهاز البيروقراطي عصب الدولة، وتسبب في شله وعدم قدرته علي مواكبة العصر ... وهكذا عندما احتاج المجتمع له تسرب من بين الاصابع.. وشكل عبئا ماليا ثقيلا موجعا .
الداخلية ( البوليس ) لم يكن فى يوم ما من زمن حكم السادات او مبارك او من تلاهما يعمل على حماية الشعب ، لقد كانت وظيفته حماية الرئيس وعائلته ، وجمع الغلة من ضبط قضايا المخدرات والفساد وبيع الأراضى ، وفرض الأتاوات على المصالح الحكومية والمؤسسات التابعة للدولة او القطاع الخاص ، بما فى ذلك الأزهر.
الخارجية لم تكن فى يوم من أيام حكم الرؤساء الاربعة لها حرية رسم سياستها أو التصرف دون توجيهات سيادته ..
الإعلام ، الثقافة ، التعليم، الرى ، الاسكان، العدل كلها أدوات بيد الرئيس عاجزة عن إتخاذ قرار أو تحقيق سياسة ، بما فى ذلك السيد رئيس الوزراء مهما كان إسمه أو حجمه .. فتحول جهاز الدولة الى جهاز لا قوام له ، مائع ، خائف ، عاجز، غير قادر.. إنها الدولة الرخوة التى تعصى الان على الاصلاح ، تنهب وتسطو ويراكم أعضاؤها المليارات وتترك المصريين دون تعليم ، صحة، ثقافة ، فكر .. تستهلكهم الأمراض والتخلف والعوز ، ويستقطبهم كل أفاق مدسوس تحركه الدولارت والريالات والدنانير.
ما حدث فى ميدان التحرير ومدن مصر الكبرى أربك جميع الأطراف ( قوى الاستعمار الثلاثية، عصابة الحكم ، الجهاز البيروقراطى المترهل ) فسقطت بعض قلاعه ، وتم التضحية بالواجهة التى تسترهم ( مبارك وعائلته ) ولكن الاستعمار لازال قائما والعصابة لازالت تحكم، وأعوان أمريكا وإسرائيل يملون إرادتهما ، وميليشيات الوهابية والأصولية فى الشارع ، ورجال الحزب الوطنى والحكومة يصارعون من أجل المحافظة على مكاسبهم ونفوذهم ، والجميع يسعى لإيجاد واجهة جديدة يختبئون خلفها و لتكن عسكرية سلفية شعبية تنفذ سياسات أصحاب النفوذ و المال .
فى المواجهة يوجد الناشطون السياسيون الذين يطمعون فى استغلال الظرف التاريخى لتصدع النظام ويحلمون بإحلال نظام آخر عصرى كبديل، ينقل الوطن والمواطن ، الى عالم القرن الحادى والعشرين..
الصراع قائم ودائر وإن كان يميل نحو العالم القديم الذى يضم تحالف( الكهان مع الازاهرة مع البيروقراطية الحاكمة تحت مظلة مصاصي الدماء من البنكرز و أصحاب النفوذ ) يستخدم كل أسلحة الشر لإعادة الحال الى ما كان عليه
معركة بين حزب " طظ فى مصر " وحزب " التطوير لمصر " بين مصير يشبه ما يحدث فى غزة والسودان والصومال والعراق ، وبين مصير يشبه اليونان واسبانيا وايطاليا أو حتى قبرص ومالطة.
السياسة التي أوصلت قيمة الجنية في زمن السيسي إلي ما يوازى المليم في زمن عبد الناصر .. و التي تدعم مشاريعا فنكوشية الطابع مستنزفة لثروات المصريين ليست جديدة .. فلقد شاهدناها في المثال الذى ناقشناه مع كتاب بنوك وباشوات .. و ها نحن نواجة بها وكأن التاريخ يعيد نفسه
فبعد حرب 73 و ارتفاع أسعار البترول و تجمع مبالغ فلكيه من الاموال بأيدى غير مؤهله لاستخدامها لصالح مواطنيها تحولت بلاد النفط الي نقاط جذب سكاني للالاف من العماله الفائضه عن حاجة الدول المجاوره تسعي لتلحق بنصيبها في ارض المال الوفير .
الشركات من جميع الجنسيات تزاحمت وكل منها يستخدم نفوذه و اسلحه بلدة ليفوز بجزء من الكعكه.. بنوك، شركات انشاء، وكالات تجاريه ، أفقدت المنطقه استقلالها الهش الذى صاحب حركات التحرر الوطني التاليه للحرب العالميه الثانية .
مستر جون بركينز الخبير الامريكي في دراسات الجدوى للمشاريع الكبرى اعترف في كتابه (( الاغتيال الاقتصادى للامم )) بأساليبهم للحصول علي عقود للشركات الامريكيه العملاقة و التي طبقها هو وزملاؤه
فهو يتقدم بدراسات جدوى متفائله لامراء السعوديه يتبعها الدس بسيدات بيضاوات ذوات شعر أصفر من اللائي يعجبن الامراء ليحصل علي عقود انشاء بالمليارات اما لو فشلن ذوات الشعر الاصفر كما حدث مع أبناء صدام فانه بدلا من الاستيلاء السلمي علي ثروات الخليج يلجأون الي الاستيلاء المسلح علي ثروات العراق .. ولم يدلنا مستر بركينز عن ما اذا كان هذا السيناريو متكرر بحيث يطبق علي ليبيا و السودان ام هو خاص بالخليج.
البنوك و الشركات متعددة الجنسيات تقوم اليوم بنفس الدور الذى قامت به بنوك مستر ديرفيو و مستر اوبنهيم مع الخديوى اسماعيل لأخضاع البلاد التي تمتلك الثروات لنفوذها بواسطة مشاريع ضخمه ( مواسير نهر القذافي العظيم ، فنادق دبي ،اولمبياد الكرة بقطر ..) و اغراق السوق بالسلع الاستهلاكيه و الترفيهيه أو بعقد صفقات لاسلحة لا تستخدم الا في دفع المليارات لمصنعيها أو بعمل عقود لاعمار البلاد المتضررة لشركات بيكتيل و هالبيرتون تمتص عوائد ملايين البراميل المستخرجة من بترول العراق.
علي الجانب الاخر تقوم هذه الشركات بتقديم العون للدول الفقيره بواسطه البنك الدولي و باقي المنشات الاقتصاديه هادفه لزيادة القروض حتي تعجز الدوله المستدينه عن تغطية نفقات خدمة الدين مستسلمة لارادة المانحين.
وهكذا فالاغتيال الاقتصادى للامم كما قدمة مستر بركينز لا يقتصر علي دول البترول الغنيه و لكنه قائم علي قدم وساق في دول اخرى مثل الاكوادور ،باكستان ، جبال الانديز و الغابات الاستوائيه بامريكا اللاتينيه وها هي مصر تلحق بهم ..لقد كانت مهنته التي مارسها لسنين طويله الانقضاض علي الثروات اينما وجدت مستخدما اساليب تم توارثها عن الاباء و الاجداد من اصحاب البنوك و البزينيس عبر قرن من الزمان تسبب فيه البحث عن الثروة السريعه و ثراء المرتشين المتامرين علي مصالح شعوبهم في شقاء والام الفقراء من سكان الشعوب المنكوبه.
ان مشاريع مثل زراعه ارض توشكي جنوب مصر والتي انفق عليها المليارات و كان عائدها محدودا هي نموذجا لدراسات الجدوى المتفائلة و التي تتحول الي كابوس اقتصادى و ديون يدفعها البسطاء و يستفيد منها الوسطاء و اصحاب النفوذ ..
كذلك تكريك قناة السويس الذى بدأ السيسي به حكمة .
القطن .. قناة السويس .. البترول.. ثلاثي اللعنه الذى كان المدخل لنهب المنطقه
نهب الاغنياء وسحب ارصدتهم بواسطة مشاريع وهميه تنشئها و تديرها شركات أجنبيه
نهب الفقراء بدفعهم للاستدانه لتنفيذ مشاريع وهميه يدعي انها من اجل التنميه ثم تتحول لعبء اقتصادى تنوء بثقله الاجيال مسلمه بمقودها للدائنين في امريكا.
لقد توقفت شعوب المنطقه منذ زمن ان يرسم مسار حياتها بارادة ابناءها ..
فهم هناك الاذكي و الاقدر علي ترويض معمر / صدام / ملوك وامراء البترول .. الاغنياء الذين فشلوا في توظيف عائد بترولهم ..
وتقليم اظافر المتلاعبين زين العابدين / مبارك /بشار / ملوك ورؤساء الشعوب الفقيرة الغارقة في الديون و الفساد و البلطجه ؟
وهكذا تجاوزنا قطار المعاصرة و فشل مشروع التحديث .. بسبب العقل الراكد المتخلف لرجال الدين و من يتبعونهم .. و بسبب النهب المتواصل من الاذكياء لاغبياء المنطقة من الحكام .. ولاننا غرقنا في الديون مع تكرار سيناريوهات التبعية التي لم تتوقف منذ سقوط أسطول إبراهيم باشا في نيفارين .
التاريخ يعيد نفسه لاننا لا زلنا غافلين منذ ان اضعنا الثروات التي جنيناها من القطن و القناة و البترول وسمحنا للغرب الامريكي بالتحكم في مسار حياتنا ومستقبلنا.
انه الدرس الذى نأبي ان نتعلمه .. نحن لا نعيش منفردين.. نحن نعيش في مجتمع عالمي يتقدم بسرعة مذهلة .. شرس سوف ينقض علينا ما دمنا نعيش في القرون الوسطي برعاية من الكهنة و الملالي و الشيوخ و البلطجية الفاسدين.








#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نصف قرن يمر علي هزيمة 67
- هل يشهد عام 2018 تغييرا
- التخريب الاركيولوجي.. يا ناس
- برستوريكا مصرية سابقة لجورباتشوف
- أديان أبناءك يا كميت
- عندما نعيش في أحلام الاخرين ؟؟
- إنكشاف الغمة، في سيرة الامة
- الخطايا الخمس لرؤساء مصر.
- المستبد الاكثر فشلا في تاريخ مصر .
- يا ولدى هذا هو عمك السيسي .
- هل نعلن وفاة قومية العرب .
- إحباط لعملية تحرير الاسير
- هؤلاء عسكر وهؤلاء عسكر ولكن هناك فارق .
- من الذى يتأمر علي من !!
- كاد مبارك أن يخرج بنا من هذه الدايلما .
- بوذا، لاوتسي، كونفوشيوس أيضا أنبياء
- هل أصبحنا محترفي دجل و شعوذة . !!
- 6 أكتوبرلكن من 3200 سنة
- ماذا لو كتبت كلمة السيد الرئيس أمام الامم المتحدة .؟
- الغلابة يحسبوها بالورق والقلم


المزيد.....




- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - محمد حسين يونس - نعم .. لقد فشل مشروع التحديث