أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - ليلة مع الأسرى في زنازينهم














المزيد.....

ليلة مع الأسرى في زنازينهم


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 6 - 15:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليلة مع الاسرى في زنازينهم
شوقية عروق منصور
رغم مرور أكثر من ستة عقود على زواج أمي ، الا أنها بين الحين والآخر وأثناء نقاشنا عن الأوضاع السياسية وحال الشعوب العربية ، لا بد أن تتطرق الى حياة جدي الذي كان يعشق – العرب – فأمي تختصر الشعوب والدول العربية بكلمة واحدة – العرب – حتى أنها كانت تقول عن خالي سعيد الذي أغلقت الحدود عام 1948 وهو يعمل في العراق في احدى شركات البترول أن خالك في العرب .
أمي تتطرق الى حياة جدي من زاوية الغضب والتذمر المثقل بالوجع ، لأنه رفض أن يعمل لها سهرة أو كما أطلقوا عليها – صمده - اسوة بعرايس تلك الفترة ، حيث كانت العروس تُصمد - أي تجلس على كرسي ، والكرسي قد وضع على طاولة ، والتي هي غالباً تتراقص يميناً ويساراً ، وهناك عدة عرايس قد وقعت بهن الطاولة ، لكن رغم السقوط تُكمل العروس حقلة – الصمدة - حيث تستعرض فساتينها من المخمل والحرير النادر ، الذي كان يشترونه من المهربين او المتسللين، الذين كانوا يتسللون من الأردن ولبنان وسوريا الى فلسطين عبر الجبال والأحراش خفية وقد قُتل المئات منهم نتيجة التسلل الى الوطن .
كانت العروس تتجلى على انغام أوتار عازف العود الأعمى – زيدان – الذي رغم أنه أعمى ، فقد ولد ضريراً ، الا ان أهل العروس آنذاك كانوا يفصلون بين عازف العود زيدان وجمهور النساء بستارة ، فمن المعيب أن يشعر العازف زيدان حتى رغم فقده البصر بوجودهن أو يسمع أنفاسهن .
رفض جدي أن يكون لأمي سهرة حناء مثل باقي العرايس ، حيث صرخ بوجهها :
كيف أعمل لك سهرة وأهل بور سعيد يُقتلون .. !! فش ضمير عندكو ؟؟ فش أخلاق !! أنا ما بقدر أعملك سهرة !! .. اما أهل العريس يؤجلوا الزواج أو تتزوجي على السكت ، عيب أحنا نفرح ونرقص وأهل مصر بنقتلوا وبتدمر بيوتهم بقنابل ورصاص بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ..!
كان ذلك في حرب 56 ، أو العدوان الثلاثي على مصر ، تزوجت أمي وبقي كلام جدي الذي أصيب بنوبة قلبية في حرب 67 ومات قهراً من جراء الهزيمة ، وعندما توفي الرئيس جمال عبد الناصر ، أول عبارة قالتها جدتي لشبح جدي ( منيح اللي متت قبل ما تسمع خبر موت عبد الناصر ) .
صورة من الذاكرة ، برزت في الظلام كالفسفور المشع ، اتمسك بأنقاض صوت امي الغائب ، أقود بحنان عربة ثرثرة الذاكرة ، أنفصل عن المكان الذي أتواجد فيه .
أنا متواجدة في احدى قاعات الأعراس ، تعبت من سماع الموسيقى وتأمل تزين القاعة وأجساد الراقصين والراقصات التي تتمايل على الانغام ، وتبجح الأطعمة والسلطات والمشروبات التي تفتخر بألوانها ومهرجاناتها المختلفة في الصحون .
على بُعد مسافة حزن ، غبار الخجل يلطخ اللحظة ، قفزت مخالب وأنياب الجوع ، لا أخشى سطوة الحزن بقدر سطوة السوط الذي يجلدني ، لقد كان جدي العجوز ورجال ونساء الماضي أوفى منا ، وأكثر احتراماً وتضامناً مع القضايا العربية ، أما نحن وفي هذا الوقت والزمن بالذات ، زمن اضراب الأسرى الذي ينسكب على بلاط اللامبالاة من قبل الناس ، كأن هذا الاضراب الساخن يجري في جزر بعيدة عنا وليس لفلسطينيين من أبناء شعبنا .
لغة الصمت في ميدان ( معركة الأمعاء الخاوية ) ، أحاول الخروج من عنق وجع المقارنة بيننا الآن وبينهم ، بين الأسرى الذين رفعوا معدهم فوق أسنة الرماح بعد أن وجدوا لا أحد يهتم بهم وبقضاياهم ، وهناك التهميش الواضح لظروفهم الصعبة القاسية ، أعاقب نفسي على وجودي في قاعة الأفراح ، اتهم روحي بخيانة هؤلاء الأخوة والأبناء الأسرى ، لا أمثل دور القاضية التي تحاكم تفسخ كرات الدم ، أو تحاكم انهيارات القبضات ولعبة تقطيع الأيدي ، لا أمثل دور شيخ القبيلة الذي يصرخ بشباب القبيلة ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) لكن نادرة حين يكتشف الشعب أنه يعيش في تناقض فكري ومشاعري ، حين يضرب 1600 أسير عن الطعام ، ويدخل اليوم في بطن اليوم الآخر ، والحياة تسير بطبيعتها الروتينية اليومية في القرى والمدن العربية ، في الضفة الغربية ، في غزة ، أنا لا يهمني الشعوب العربية في الدول العربية، يهمني نحن ، نابلس ، رام الله ، جنين ، طولكرم وغيرها الأسواق والدكاكين والمطاعم والبسطات والشوارع ، كل شيء ينطق أن مشاطرة الأسرى أيامهم الجائعة هو الوهم الذي يتغطى بجعجعة الشعارات ، وطحن فراغ الخطابات .
ما زلت في قاعة الأفراح ، يزفون العريس والعروس ، والنادل يطل على المائدة المليئة بالأطعمة الشهية ، مؤكداً أن ما زال هناك الكثير من الوجبات المتعددة .
الذاكرة تحاول تبرئة صورها من الواقع ، لكن لا أعرف كيف رأيت صورة الأسرى الفلسطينيين الذين ماتوا خلال أضرابهم عن الطعام قبل سنوات طويلة " راسم حلاوة " و " علي الجعفري " و " اسحق مراغة " و " حسين عبيدات " أسماء منسية في عالم يتم فيه نسيان كل شيء حتى الشهداء .
اول اضراب أسرى فلسطيني كان في تموز عام 1970 ، ومنذ السبعينات والأسرى يعلقون لافتات الانتباه والطالبات التي لا ترتقي الى طلبات الرفاهية ، عندما يطالبون باحتضان أطفالهم والتقاط الصور معهم ، أو تحسين بعض ظروفهم القاهرة ، التي يطالبون فيها تحويلهم من بقايا بشر الى بشر يتنفسون فوق الأرض كباقي الكائنات الحية ، يكون الرفض ، فلا يجدون سوى سلاح المعدة .
أخجل حين أصمت أمام صور الأسرى المضربين عن الطعام ، وأخجل حين اتذكرهم واتسلل الى زنازينهم في ليلة عرس ، وحين انظر في صحون الطعام التي بدأ النادل ينظفها ويلقي بالأطعمة في حاوية النفايات .
وأخجل حين بدأ الرجال يصفون في صف الدبكة ويرقصون الدحية ، واكتشفت أن جيل جدي والرجال الذين عاشوا في ذلك الزمن أكثر احتراماً للمعاناة ، وأصدق في سلوكياتهم اتجاه القضايا العربية والفلسطينية .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسمار صدىء في يوم الاستقلال
- بلفور يغتصب الفتاة اللبنانية
- الحب والمرأة الكاتبة في الزمن اليمني
- الأرض في جيب شلومو
- الفندق المعزول المحاط بالأسوار
- المرأة الفلسطينية لا تعرف الثامن من آذار
- المرأة التي تتكلم بالاشارة والمرأة التي تكتب بحبر بولها
- من مجنون فلسطين الى ترامب اللعين
- الطبخة ما زالت في الدست الاسرائيلي
- القرد في ليبيا وشقيقه هنا .. شكراً لإسرائيل
- ايها الرئيس رأسك تحت رحمتي
- الاقي زيك فين يا علي
- رسائل الحب في زمن الجفاف
- الثقافة لا تعرف ميري ريغيف
- الطفل خالد الشبطي يركب الطائرة مع ليلى خالد
- ما زالت ذاكرتي في حقيبتي
- الفن يزدهر في تربة السياسة
- صورة سيلفي مع ثور وكوز صبر
- نساء -داعش - بين فتنة السلاح والنكاح
- الموت غرقاً ورائحة الخبز أبعدت زكية شموط


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - ليلة مع الأسرى في زنازينهم