أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجزء الثاني من ذكرى الاحتلال والسقوط















المزيد.....


الجزء الثاني من ذكرى الاحتلال والسقوط


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 5513 - 2017 / 5 / 6 - 11:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ج-2 -
زعامة الفقيه

لم يتمكن احد لا في الماضي ( سلطة خلافة المأمون ، المعتزلة ، الفلاسفة المسلمين ) ولا في الحاضر ( زعامات العسكر العربية وأحزاب اليسار ) من منافسة الفقيه على ما يتمتع به من مكانة في قلوب وضماءر الغالبية العظمى من المسلمين ، فالفقيه يعيش في الضمير الجمعي لعموم المسلمين على انه الرمزالكبير للحضارة العربية الاسلامية وحلم عودتها المأمول . لم يخترع الناس وجوداً للفقيه من عدم ، فهو لم يكن بالظاهرة الطارئة التي تشبه ما يحدث غالباً في العالم العربي من بروز ظواهر سياسية وثقافية بشكل مفاجيء ( كالانقلابات العسكرية ، والتجمعات الحزبية ، والبيانات الشعرية والفنية ) التي سرعان ما تنكفىء على نفسهامتحولة الى حلقات مغلقة ، تشبه الحلقات الغنوصية السرية التي لها كهنتها ومنظريها . زعامة الفقيه على العكس من ذلك : زعامة وجدان وضمير ، لم يفرضها على الناس بقوة السيف بل ان الناس فرضوا هذه الزعامة على أنفسهم ، والتزموا بها كتعبير عن انصياعهم لاحكام الشريعة الاسلامية التي لا نجاة في الآخرة من دون التمسك بها ، فسلموه عن رضا قيادهم ، وارتضوا قيمومته على عقلهم الجماعي ، وامتنعوا طوعاً عن التفكير في المساءل التي تخص تنظيم شوءونهم العامة والخاصة . وتقيدوا بالتفكير داخل الإطار الذي رسمه لحركتهم وعدم السماح لأنفسهم بتجاوزه .

ما ترسب من الحضارة العربية الاسلامية

الفقه الى جانب علوم اللغة ، هما الخلاصة المترسبة في الذاكرة الجماعية للمسلمين عن الحضارة العربية الاسلامية ، لا الفلسفة في وعيهم هي ما يمثل الخلاصة الجوهرية لتلك الحضارة ولا العلم . لقد قام الفقه ، كما يَرَوْن ، وهو رأي صاءب الى حد كبير ، بتنظيم الشأن العام للناس يوماً بما كفل السلوك القويم للجماعة والفرد . فالفقه هو المعلم الكبير الذي اشرف على إعداد وتاهيل الناس للفوز والنجاة في الآخرة . وهذا هو الهدف النهائي والعام لهذه الحضارة والذي يجب ان يشتغل كل شيء لصالح بلوغه . واشتغال كل شيء هنا ليس اعتباطاً ولا مزاجاً وغير متروك للصدفة ، لقد وضع الفقه اليات اشتغال كل نشاط أكان دينياً فيما يتعلق بأركان الدين وأصوله وباداء الطقوس المصاحبة ، او كان حياتياً كالتجارة والحرف والزراعة والحرب ، او كان أخلاقياً فيما يتعلق بمراقبة السلوك والنشاط العام عن طريق : الحسبة وجماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . لقد أصل الفقه أصول الحضارة ، اي انه وضع المباديء النهائية لها ومن ضمنها استراتيجية العلاقة بالخارج . وحين سقطت دولة الحضارة ، لم تسقط معها زعامة الفقيه ، لقد ظل الفقيه رمزاً لتلك الحضارة ، وعلامة على استمرارها ، وعنواناً لصمودها بوجه عاديات الزمان . انه في عيون اتباعه وانصاره ومشايعيه : الرمز الكبير لحضارة مقدسة لا بد من إعادتها يوماً الى الحياة ، وقد استقر هذا التصور الإيماني في الذاكرة الجمعية لعموم المسلمين قديما ً وحديثاً ، وهو ما سهل على العثمانيين دخول مصر عام 1517 ، ودخول داعش مدينة الموصل عام 2014 . قبل عام داعش بأكثر من قرنين احتل نابليون مصر عام 1798، وقد شكل ذلك الحدث اول مواجهة تمت بين الحضارة الصناعية الصاعدة وبين الحضارة العربية الاسلامية الافلة : ثم تلت ذلك الاحتلال احتلالات ، وقد ظل الفقيه الزعيم اللامنازع في تصديه لقيادة المرحلة الجديدة عن طريق التنظير لأسباب تراجع الحضارة العربية الاسلامية عن الفعل في التاريخ ( محمد عبدة ، رشيد رضا ، الكواكبي ، الافغاني ) او بقيادة الانتفاضات والثورات ضد الغزو الأوربي ( عبد القادر الجزائري ، عمر المختار ، المهدي في السودان ، فتاوى فقهاء ثورة التنباك والمشروطة في ايران وثورة العشرين في العراق . وأكثر الفقهاء اقتراباً من روح عصره أية الله الناءيني ، والعجيب ان هذا الفقيه الكبير الذي كان قاءداً من قواد ثورة المشروطة تراجع عن طروحاته الهامة في كتابه : تنزيه الأمة وتنبيه الملة ، الذي يشكل علامة فارقة في تطور موقف الفقيه الشيعي من مفهوم الدولة ، وأمر بان يجمع كتابه من الاسواق ) استمرار حضور الفقيه بقوة ، رمزاً وزعامة ، في المجتمعات العربية والإسلامية لفترة هي الأطول في التاريخ العالمي لاستمرار زعامة ، يشير الى حقيقتين : الاولى ان المجتمعات العربية لم يطرأ عليها تغير داخلي منذ سقوط دولة الحضارة على يد هولاكو عام 1258. والثاني يشير الى ان المجتمعات التي لم يطرأ عليها تغير داخلي لا تستطيع صياغة تصورات اخرى عن نفسها وعن العالم تتساوق والظواهر الجديدة في تاريخها وفِي التاريخ العالمي ، وبين هاتين الحقيقتين يكمن سر التوتر الدايم في العلاقة بين حضارتنا الفقهية والحضارة الصناعية ( اما اهم النظريات التي حاولت التنظير لشكل واليات ومستقبل هذه العلاقة كنظرية الاستشراق لإدوارد سعيد ، وتصادم الحضارات لهمنغتون ، فليس هذا مجالها )

موقف الفقيه السياسي بعد هزيمة دولة الخلافة العثمانية :

انسجاماً مع نفسه ومع منظومتها الفكرية ، تلهج زعامة الفقيه : بذكر الله لا بذكر الوطن . الوطن بمعالمه الحدودية الحديثة اكبر عدو لها ، لان حدوده تقف بوجه المنظومة الفكرية للخلافة ، او الامامة الممهورة في وعيه كواجب ديني . وهذا هو التوتر الاول والكبير مع الخارج الذي تفرعت منه عموم الأزمات التي طحنت ، وما تزال تطحن هذه البقعة الجيوسياسية الممتدة من المحيط الى الخليج ، والتي عجز قطباها : الخارج والزعامات الدينية ، رغم مرور قرنين على ولادتها ، من إيجاد مخرج لها . جوهر الصراع إذاً ، يدور بين روءية استعمارية حديثة ، اوحت اليها مصالحها بان تفتيت تركة الخلافة العثمانية على شكل اوطان هو الحل المناسب لمصالحها ، وبين استمرار التصور الفقهي عن النظام السياسي الأمثل الذي يطابق احكام الشرع والدين وطبيعة الكون والارادة الإلهية : نظام الخلافة عند السنة ، ونظام الإمامة عند الشيعة اللذان تجسدا في التاريخ بدولة ذات أهاب إمبراطوري .
-
- الزعامات الآتية من المعسكرات
-
- هل ستتمكن الزعامات السياسية الآتية من الثكنات العسكرية من إيجاد حل لهذا التوتر ؟
- يبدو ان أنظمة هذه الزعامات عجزت عن ذلك ، رغم ما اوحت به المظاهرات الكثيفة الموءيدة لانقلاباتها العسكرية من انها قد حررت الأكثرية من تصوراتها الموروثة عن شكل النظام السياسي الأمثل ، اي نظام الخلافة الديني ، وأنها استطاعت ان تقوم بتوجيهه وجهة اطلق هوءلاءالعسكر عليها صفة ؛ وعي قومي . لكن حقاءق الواقع اللاحقة اشارت بالملموس الى ان هذه الجماهير ما زالت متضامنة مع التصور الموروث لزعامتها الدينية الذي قسم العالم الى دارين ، والتي لم تكف زعامة الفقيه عّن الجهر به : دار الاسلام والسلام اي ديار المسلمين ، ودار الحرب التي هي دار الكفر والضلالة ، اي ديار بقية العالم ، التي يجب ان نفرغ همتنا ونوقف وقتنا على إعداد العدة اللازمة لغزوها والاستيلاء على أراضيها وما عليها من زرع وبشر ، ووفقاً لهذا التصور الديني ، يكون الدور المنوط بالفرد وبالجماعة الاسلامية في الحياة : الجهاد المتواصل لهداية البشرية ، كل البشرية ، على اختلاف الوانها وألسنتها وانقاذها مما تخوض فيه من ضلالة ونجاسة وظلامة ونقلها الى عالم الطهارة والنور . بهذا المعنى كان الجهاد هو المحور الحضاري للحضارة العربية الاسلامية .
-
- الجهاد هو محور الحضارات الزراعية الغابرة :
-
- والحق ان الجهاد كان يشكل الرافعة لكل الحضارات ولمختلف فعالياتها ، اذ لم تقم حضارة في التاريخ من غير اعمال السيف برقاب الشعوب والأقوام الاخرى ، ونقل فاءض انتاج هذه الشعوب الى مراكزها ، وبواسطة هذا الفائض المنقول او المصادر أغدقت الحضارات على مختلف الصنايع والفنون وطورتها بان اضافت جديداً اليها كانت في حاجة اليه ، وداءماً تتوقف حضارات المجتمعات الزراعية عند اعتاب إضافاتها الجديدة : التي لم تكن تتجاوز إطار التحسينات التي تجريها على ما هو معمول به ومستخدم منذ آلاف السنوات من آلات الحراثة والحصاد والات الصناعات الحرفية التي يكفي إنتاجها لسد وإشباع حاجة البيروقراطية العسكرية التي تقودها وحاجة ما يدور في فلكها من مدارس ومعلمين يضفون الشرعية على سلامة النظام السياسي القاءم من حيث تساوقه مع نظام الكون وتجسيده لارادة الخالق ولشريعته السماوية . لم تنفصل مجمل الحضارات الزراعية عن الطبيعة وهي تعيد انتاج نفسها ، وظلت التربة والمناخ والفيضانات وكمية المياه والأمطار تمارس تأثيرها الحاسم على عملية تجديد الذات الحضارية ، ومن هنا محدودية إشعاع هذه الحضارات ومحدودية تأثيرها الذي ظل محصوراً في أقاليم لم تستطع تجاوزها الى نطاق عالمي ، وهذا ما يميزها عن الحضارة الصناعية التي كان لمخترعاتها من الاَلات الجديدة تأثيراً عالمي الأبعاد ، وكانت ثوراتها التكنولوجية المستمرة تُخلْق لدى الناس في كافة أنحاء المعمورة حاجات لم تكن موجودة قبلاً ، وهذا ما يفسر الطلب المستمر عليها ، وقد استعملت الحضارة الصناعية القوة أيضاً في إيجاد منافذ لمنتجاتها ، ونقلت الى مراكزها كدح الناس وإتعابهم في مختلف القارات ، خاصة في المرحلة الاستعمارية ، وما زالت شركاتها العالمية تنقل الأرباح الضخمة وتهاجر بأموالها من قارة الى اخرى ، الا ان منتوجاتها أوقعت العالم بأسر من نوع خاص : تبدت فيه جميع امّم الارض عاجزة عن تنظيم شانها العام تنظيماً ناجحاً وفيه الكثير من العدالة من غير استعارة طرق ومناهج هذه الحضارة الصناعية الجديدة في انتاج ما يسد حاجات شعوبها المادية وحاجتها الى العدالة . ومن نظرة سريعة ( ممكن إجراءها في عصر ثورة الاتصالات ) على خارطة العالم السياسية نكتشف وَيَا للهلع ان البلدان التي تشددت في قبول المفاهيم السياسية والاقتصادية التي جاءت بها الحضارة الصناعية : مفاهيم دولة الموءسسات واستقلال القضاء ، والتداول السلمي للسلطة عبر دورية الانتخابات ، ومفهومي المواطنة وحقوق الانسان وتحديث مجتمعاتها ، هي البلدان التي يسودها العنف او هي - نتيجةمناهجها الدراسية - تنتج العنف وتصدره . البلدان التي يسودها العنف الان هي البلدان التي تربع على قمة عروشها يوماً زعماء العسكر العرب : مصر وسوريا وليبيا والعراق واليمن والسودان ، والبلدان التي تنتج العنف وتصدره : السعودية ودوّل الخليج وتركيا وإيران . حدث ذلك بسبب غموض موقف زعماء العسكر العرب من مسالة الأخذ الجاد بطرق ومناهج الحضارة الصناعية في التحديث والحداثة ، في سد حاجات شعوبها او في إدارة الشأن العام .
-
- خطورة توظيف الدين سياسياً
-
- لم يدرك زعماء العسكر العرب خطورة استخدام مفهوم الجهاد كتكتيك تعبوي في اعلامهم ، في فترة بناء الأسس والقواعد لدولتهم القومية المزعومة كما ادعوا ، وذلك ما دلل بالملموس على ضحالة وعيهم القومي وسذاجته ، اذ الجهاد عنف مركز استخدمه المسلمون من العرب في التبشير بدينهم وسط عرب الجزيرة وبواديها أولاً ، قبل ان يخرجوا به الى قتال الإمبراطوريتين الفارسية والبيزنطية في العراق والشام : كاستراتيجية وليس كتكتيك عابر ، واستخدامه منذ بدء التمهيد لبناء أسس دولة الوحدة ، يكون بمثابة اعلان الحرب على العالم الخارجي . تلك هي نقطة الضعف القاتلة في وعي زعامات العسكر العربية : استخدام الديني في مهام غير دينية ، خاصة وان هذا الاستخدام ترافق مع نكسات كبرى تعرضت لها جيوشهم .
- مما عجل في فقدان ثقة الأغلبية بالشعار المركزي الذي رفعته كل زعامات العسكر العربية كإطار عمل لما هم مقدمون على ممارسته في عملية بناء دولة الوحدة وإقامة المجتمع القومي .
-
- شعار : تركيب الاصالة على المعاصرة ،
-
- كان الانتصار في الحروب الخارجية هو القابلة التي أججت الشعور القومي لدى الأوربيين ، بعد ان كانوا قد يخوضون الحروب باسم الدين وباسم صحيح الدين ( حرب الثلاثين عاماً 1618 - 1648 بين الكاثوليك والبروتستانت ) ، وصار الموت من اجل الوطن لا يقل قدسية عن الاستشهاد من اجل المذهب . لكن الشعار الذي جاءت به الزعامات العسكرية شعار : تركيب الاصالة على المعاصرة ، اتسم بالغموض الشديد في معناه وفِي ابعاده ومراميه ، وقد لونه زعماء العسكر بلون المناسبة فافرغوه عملياً من اي مضمون او مفهوم ثابت . فالاصالة لدى هوءلاء الزعماء تعني في مناسبة كل شيء أنتجه الماضي من فقه وفلسفة وعلوم وآداب وفلكلور ، وفِي مناسبة اخرى لا تعني اي شيء من ذلك ، مما عمق من بلبلة قواعدهم الاجتماعية ، وأمعن في زعزعة يقينهم بزعامة العسكر الجديدة ، وإنطفا إيمانهم بامتلاكها لمفاتيح مستقبل واعد . فاصبح عدم الوضوح هو السمة المميزة لشعار الزعامات المركزي : شعار تركيب الاصالة على المعاصرة . وأصبح من غير الواضح بالنسبة للاغلبية : ما الذي تنتخبه من التراث ليكون القاعدة ، وما الذي تصطفيه من المعاصرة ويكون ملاءماً لقاعدة الاصالة . وحين لم تستطع زعامات العسكر تمرير هذا الشعار لعقول قواعدهم الاجتماعية ، وفشلوا في إحلاله محل الشعور الديني في تحريك الكتل الجماهيرية الضخمة تهاوت التجربة القومية ، ترافق ذلك مع النكسات الكبرى التي تعرضت لها جيوشهم . كل شعور قومي لدى اي أمة ارتبط بنجاح شعاراتها في الحروب الخارجية الذي ترافق مع نجاحات اقتصادية شملت تأسيس إمبراطوريته وممالك لا تغيب عنها الشمس . العزة والكرامة والشعور بالتفوق العسكري والاقتصادي والعلمي ارتبط بالنجاح ولم يرتبط بالفشل ، وهو نجاح شامل عمقته التجربة السياسية التي تجذرت فيها الديمقراطية ودخول المفاهيم الحديثة عن كفالة الحريات ومفهوم المواطنة الذي لا يفرق بين المواطنين على أساس دينهم او لون جلودهم او جنسهم ، وهو مفهوم جديد لم بسبق للبشرية العمل به ، ترقى لاحقاً الى مفهوم عالمي تجسد في مفهوم حقوق الانسان . لا يمكن إيجاد شعور اخر يحل محل الشعور الديني من غير ان يتواكب الشعور الجديد : القومي مع انتصارات وانجازات مترابطة على مستويات الحروب والاجتماع والاقتصاد والثقافة والسياسة ، وحين لم تحقق زعامات العسكر نجاحاً يذكر في اي ميدان انقلبت على شعاراتها القومية ، وعادت تتمسح وتتبرك بعباءة الفقيه ، وأصبح شعار تطبيق الشريعة هو تكتيكهم المفضل ، بدءاً من جعفر النميري الى صدام حسين مروراً بالسادات
-
- العسكر زعامة دينية بلباس خاكي
-
- لم تستقل زعامات العسكر التي طرحت نفسها بديلاً تاريخياً عن زعامة الفقيه ، بمنظومة فكرية متماسكة عما أنتجته الحضارة العربية الاسلامية ، حضارة الفقه الدينية . كانوا امتداداً لها في كل شيء ولَم يقووا على الفطام منها وظلوا عالة عليها ، وبهذا كانوا ممثلين فاشلين لها على خشبة مسرح الحاضر . ولهذا لم يستطع العسكر ان يحلوا محل الفقيه ، بالعكس كان فشلهم مدعاة لخروجه اكثر فتوة مما كان قبل انقلاباتهم ، لقد كانت محاولاتهم الباءسة في دفعه الى الظل بالية ، لأنهم لم ينازلوه على ارضية جديدة بل على أرضيته نفسها ، فنازعوه على قيادة الناس بالقوة المخابراتية والأمنية لا بقوة منهج وروءية جديدة للحكم للاقتصاد للثقافة تقوي من أمل الناس بقوة الحياة التي جاءوا بها . استدعوا من اجل هذه الإزاحة والإخفاء كل مفاهيم العصر من وطن وشعب وسيادة ، وكل ما أنتجته الدول الاخرى من آلات تعذيب واساليب وحشية في التحقيق . لكن الفشل في إقناع الناس باي مفهوم جديد كان نصيبهم ، وكلما ازداد فشلهم ازدادوا امعاناً في استخدام العسف والقوة ، مما جعل الناس تنفر من كل جديد وتعود مجددا ، ادراجها الى قواقعهاالقديمة : الطاءفية والعشائرية ، وتضرب بعرض الحائط مفاهيم الزعامات العسكرية كالوطن والشعب والسيادة واحترام القانون التي ارتبطت في وعيهم بالقمع والفقر وفقدان الأمل . هل ثمة اكبر من هذا الدور يمكن لفءة ان تلعبه في تهيءة الارض والمناخ الملاءم لجعل شعور الناس مجدداً وطناً مفتوحاً على سعته لاستعادة كل مفهوم قديم ؟ وهل ثمة من مفاهيم سياسية سوى تلك التي قننها الفقيه موجودة في الماضي ؟ هكذا سلم الجميع بضرورة عودة الفقيه ، وصعد باسمه هذه المرة الى الواجهة : الاسلاميون .
-
- فترة الإسلاميين
-
- نعم انها فترة محددة بسنوات لا اكثر ، لا يمكن الجزم بمقدارها لان الإسلاميين لم يستنفدوا طاقتهم بعد فما زالوا ، وقد تمرسوا بلعبة التخويف الطاءفي ، الأقرب الى ذاكرة الناس والأكثر قبولاً ، والأكثر وضوحاً من رطانة زعماء العسكر وشروحات منظريهم المملة . الإسلاميون الذين لا يقبلون باقل من الاستيلاء على السلطة السياسية والتفرد بها ، لا يختلفون من هذه الناحية عن العسكر ، فكلا القطبين يضمر عداء شديدا للديمقراطية ، اذ الديمقراطية التي تعتمد النسبية في نظرتها الى الظواهر والاحداث في الحياة تتناقض تناقضاً عداءياً لا صلح فيه مع الشمولية والإيمان الأعمى للطرفين بامتلاكها للحقيقة المطلقة . وحين تنتهي فترة الإسلاميين ولا بد من ذلك ، بعد ان اخفقوا في الامتحان الاخلاقي وامتحان الإنجاز ، لا يمكن التكهن بمستقبل الفقيه ، فربما ستكون فتوى الفقيه ضدهم صاعقة .
-
- جريمة الزعامات العسكرية
-
- اقترفت الزعامات العسكريةً جريمة بحق الفعالية العربية في التاريخ ، اذ باستعارتهم لمفهوم الجهاد يكونون قد شطروا الذاكرة العربية وعزلوا الديني فيها عن الدنيوي ، فافرغوا كل حضور للعرب في التاريخ وسلبوا منهم هويتهم : اي فعاليتهم الحضارية برمتها ، فالعرب لم يخرجوا مجاهدين من شبه الجزيرة للتبشير بمعلقاتهم الشعرية او بخطبهم وما يروونه من قصص وحكم وأمثال ، إنما خرجوا للتبشير بديانة رابطين بقوة بين هذا التبشير وبين ترقي شروط معيشتهم كمقاتلين ذوي رواتب واعطيات ثابتة . ومن يسترجع في ذاكرته خطب زعماء العسكر العرب ، فسيرى الحضور الكثيف لمفردة الجهاد في خطاباتهم كمفهوم في النظر الى الحياة والى العلاقات الدولية : من خطب الزعيم ناصر بعد العدوان الثلاثي الى خطابات صدام في حروبه الخارجية ، مروراً بخطب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي زاد على ذلك باستخدام مفردة مرابطين . لم يكن الزعماء العرب منسجمين مع مع ما ادعوه من حملهم لرسالة قومية ، ومن يظن غير ذلك يكون خاطءاً ، ذلك ان الزعامات العربية طرحت نفسهاممثلة لأوطان وليس لديانات ، وكان عليها ان تنتج قاموسها اللغوي الخاص بروءيتها القومية المشحون بمضمون الهدف الذي تسعى الفعالية القومية لتحقيقه والتي يمكن إيجازها بالقول : حيازة القوة عن طريق تحقيق وحدة دولة العرب . لقد اوحت هذه الزعامات القادمة من المعسكرات لقاعدتهم الاجتماعية بأنهم ممثلو مرحلة شبيهة بالمرحلة القومية في التاريخ الأوربي : مرحلة توحيد الامم ، ولكنهم لم يخبروا هذه القاعدة بأنهم قرأوا تلك المرحلة الأوربية بعيون مصابة بداء الحنين الى ماضي اسلافهم الذين انجزوا وحدة جماعتهم بغفلة عن قوى وقتهم العظمى ( البيزنطية والفارسية ) . تمت الوحدة الألمانية بعد الحرب مع فرنسا عام 1871 ، وهي المعركة الثالثة والاخيرة التي حسم بها بسمارك مسالة وحدة الأمة الألمانية ، وكان لعقليته المناوراتية دور كبير في انتصاراته العسكرية المتلاحقة ، فهو يستغل الوقت المناسب الذي يضمن فيه تحييد القوى الأوربية المجاورة ويضرب ضربته . فهل خدمت معركة صدام مع ايران قضية الوحدة العربية ، ومن هي الدول العظمى التي استطاع تحييدها في غزوه للكويت ؟ والحرب مع ايران مثال نموذجي في هذا الباب من حيث تسميتها والصفة التي أطلقت عليها ( القادسية ) ، فكانت بحق اجتراراً لماضي الفتوحات التي لم تكن قومية أبداً ، اذ جرت تحت الصيحة المميزة للإسلام صيحة : الله اكبر ، واستخدام هذا التعبير المركز يتناقض تناقضاً صارخاً مع التبشير بدولة الوحدة القومية القادمة ( اما ماذا فعلوا لتحقيق هذا الهدف ، فهذه قصة اخرى )
-
- التبشير القومي
-
- التبشير القومي شيء اخر غير التبشير الديني من حيث أساليبه وأدواته وغاياته النهائية ، انه بحد ذاته روءية وزاوية نظر جديدة الى الحياة ، والى دور ووظيفة الانسان فيها . مستقلة عن الروءية الدينية ، ولهذا لا يصح - من زاوية الوعي القومي وليس القومجي - ان تخاض معارك الوحدة والتحرير القومي بهتاف ديني :الله أكبر ، او استخدام مفهوم الجهاد في التعبئة والتحشيد والتثقيف ، اذ الجهاد تاريخياً لم يتوقف عند حدود الناطقين بلغة الضاد بل مارسته طوعاً امّم ذات لغات وثقافات مختلفة ، خاصة في الطور الذي ضعفت فيه الخلافة العباسية وتحولت الى رمز ليس الا ، دور المواطن في الروءية القومية محصور بالدنيوي وليس بالروحي الذي هو هدف الروءية الدينية . إنهما وظيفتان مختلفتان : وظيفة القومي ودوره هو تحقيق الوحدة وتحرير الاراضي المغتصبة وضمها الى دولة الوحدة ، وبناء دولة الموءسسات والتعاقد على دستور يتكفل بالحريات ، واقرار مبدأ التداول السلمي للسلطة والحكم في ذلك هو صندوق الاقتراع وليس السيف . وهذا ما تم في التجربتين الألمانية والايطالية ، مع ملاحظة ان الألمان خاضوا معارك الوحدة باقتصاد متطور وصناعة سلاح متقدمة وبخطط تعبوية جديدة على العلوم العسكرية ، وهذا ما لم تستطع بناءه أنظمة زعامات العسكر العربية . لقد سقطت زعامات العسكر العربية في امتحان الحداثة والتحديث : فعلى مستوى الحداثة لم تستطع صناعة المناخ الملاءم لمزاولة الإبداع والابتكار الذي لا يكون على مثال سابق ، وهذا هو جوهر الحداثة ، وجبنت من ان تجعل من العقلانية منهجاً ثابتاً لها في اتخاذ قراراتها وتسييد العقل في العمل الخاص والعام ، ولم تأخذ باي حداثة سياسية على مستوى بناء دولة الموءسسات ، ولم تكن روءيتها في تحديث مجتمعاتها بافضل من ذلك . لقد كانت هذه الأنظمة عالة على ما أنتجته الحضارة العربية الاسلامية ، اذ لم تبذل جهداً ملحوظاً لتجعل من القومية ، التي هي جزء من منظومة الحداثة ، ذات دور فاعل في تحقيق انفصال العربي عن وعيه السياسي الموروث الذي لم بشعر يوماً بانفصاله عنه ، فكانت الحصيلة شد العربي شداً قوياً الى ماضيه ودعوته الى التماهي به . دور الانسان الديني لا يتطابق مع دور الانسان القومي ، فلكل منهما جنسيته وهويته ، والهوية عندي ترتبط بنوع النشاط الذي كرس الانسان حياته من اجله ، وبنوع الوعي الراشح عن هذا النشاط ، فنحن في عصر اخر : عصر العلم الذي لا تقبل منتجاته التكنولوجية تركيبها على الخطا ، ولا نملك بعد الان وقتاً يفرط به من لا يعي أهمية الزمن ، لا بد من وضع الأسماء الصحيحة وعدم المناورة باللعب على الكلمات . القومي قومي ، والإسلامي إسلامي ولا خلط بين المفاهيم ، والديمقراطي يجب ان يكون له قاموسه من المفردات والمصطلحات والمفاهيم التي تحده وتشير اليه كهوية ، ومثله الليبرالي والشيوعي .. لا سياسة تلك التي لا تبني نشاطها على وضوح الأهداف والمقاصد ، ويتجاور على سطحها الصيف والشتاء .. هذا الخلط وهذا الغموض هو الذي مهد الارض لانبعاث مارد الأحزاب الدينية الذي يحاورك اعضاوءه نفاقاً ، وهم يتحينون الفرصة لتكفيرك وحز رقبتك ككافر في الوقت المناسب ...
- يتبع / الجزء الثالث



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هاذا الكتاب.. في السيرة النبويه لهشام جعيط
- في ذكرى الاحتلال والسقوط
- قسوة الجمهوري : ترمب و( قسوة ) عامر بدر حسون
- عبد الباري عطوان وفضيحة ادانة السلوك الفردي
- تآكل هيبة الخضراء كسلطة
- تسليع (النضال)
- الفلوجة .... الى -عامر بدر حسون
- احتجاجات في بغداد ترجمة اسماعيل شاكر الرفاعي
- بين الثورة والأصلاح
- جورج طرابيشي
- عن السيرة الذاتية للدكتور صلاح نيازي
- ليس رثاء / الى محسن الخفاجي
- المالكي والتحدي الطائفي
- المالكي وحكم التاريخ / 1
- مدن عراقية أم سناجق عثمانية
- تحت قبة البرلمان العراقي
- عن المعارضة
- لغط جديد وتشرذم جديد
- عن الخلق والدهشة في رواية - فرانكشتاين في بغداد -
- الدعاية الانتخابية / 6 ... العبور من الديني الى الدنيوي


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - الجزء الثاني من ذكرى الاحتلال والسقوط