أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حاضر عن المتهم














المزيد.....

حاضر عن المتهم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 19:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حاضر عن المتهم
==========

لا أشاهدُ التليفزيون. تمرُّ أيامٌ وأسابيعُ دون مشاهدة هذا الجهاز سارق الأعمار مُفخِّخ العقول. ولم أشعر أبدًا أنني أخسرُ شيئًا ذا بال من عدم تشغيل ذلك الصندوق، المُغلق أبدًا في بيتي. لكنني اكتشفتُ أن عالَمًا ثريًّا ومبهجًا قد فاتني أن أتابعه منذ سنوات. اسمه عالم "أحمد أمين".
تعرّفت عليه الأسبوع الماضي عبر لوحة جرافيكاتير رسمها له صديقي الكاتب والرسّام الساخر "فيليب فكري"، مع كلمة إشادة أثارت فضولي. فأن يكتبَ فنّانٌ ساخر عن فنانٍ ساخر، مُطوِّبًا إياه، بل مانحه لقب "موهوب بدرجة عبقري"، فذلك يعطي للأمر أبعادًا لابد من التوقّف عندها. فقرّرتُ البحث عن هذا الموهوب؛ علّ شيئًا خطيرًا قد فاتني. واكتشفتُ أنني بالفعل قد فاتني شيءٌ خطيرٌ ومحترمٌ.
لن أتكلّم في هذا المقال عن الشقّ الكوميدي، لأنه لا يحتاج إلى تطويبي وقد حصد من الجماهيرية الآن ما حصدَ، عن استحقاق. كوميديان يحتلّ اليوم مكانة متفرّدة في ساحة الكوميديا، عطفًا على أنه عازفٌ موسيقيّ، عطفًا على كونه صحفيًّا وكاتب سيناريو. لكن الأخطر من كل ما سبق هو أنه مثقفٌ "متأمِل". المتأمِلُ هو الشخصُ القادر على "ملاحظة" ما حوله من ظواهرَ مجتمعية وطفراتٍ سلوكية وأنماط بشرية، ثم القدرة على "تأمل" كل ما سبق. ثم فرزه وتحليله وفكّ شفراته وتذويب طلاسمه، ثم تصنيفه وأرشفته. بعد هذا تأتي مرحلة صهر ما سبق من أعراف صلبة وتقاليد راسخة في بوتقة العقل وإخضاعه للنقد. ثم بلورته وتصفيته وتنقيته وإعادة تجميعه. حتى تحين المرحلةُ العسرة: صفّ وجدولة ما سبق وإعادة تعريفه في "كلمات بسيطة”. ثم المرحلة الأخيرة الأصعب، وفيها يتجلّى دور الموهبة التي تميّز الفنّان عن الفيلسوف. كيف تكون تلك "الكلماتُ البسيطة" خفيفةَ الظل، بحيث تبرح خانة الحكمة الفجّة، لتدخل حقل الاسكتش الساخر.
أما سرُّ خطورة ما سبق، فهو أنه يرسم لنا سلوكاتنا التي نكررها كل يوم بعفوية ونمطية دون أن نفكّر فيها، بريشة النقد والنقض الساخرة. فيُجبرنا على أن نقف أمام مرآةٍ، تشبه مرآة ميدوزا، التي نرى فيها عيوبنا، ولكن ليس بأسلوب النصيحة الصادمة، بل بأسلوب المزاح المرح. فنضحك على أنفسنا ونحن نتأمل ما نفعل ونكرر كل يوم. ثم نحاول أن نُهذِّب من أنفسنا ونرتقي، ونُعدّل من طقوس نفعلها منذ طفولتنا كأنها مُسلّماتٍ وفروض مجتمعية لا مجال أبدًا إلى مجرد التفكير فيها، فضلا عن التفكير في إصلاحها.
أما العمل الذي أجبرني على كتابة هذا المقال، فهو ثمان دقائق قدّم خلالها "أحمد أمين" فيلمًا قصيرًا مونو-هيرو، أي فيلم الممثل الواحد. صدر هذا الفيلم وقت حكم الإخوان وتسيّد رموز التيار السلفي بازدواجيتهم وغلاظتهم ما جعل الناس تنفر من كل من يرتدون عباءة الدين. فجاء ذلك الفيلم ليُذكّر الناس بأن الإسلام بريء من أمراض تُجّاره، وليس عدلا أن نضع كل رجال الدين في سلّة واحدة، الصالح منهم والطالح. في تلك الأيام، تكوّنت في أذهان الناس صورة شوهاء عن الدين بسبب ما شهدنا من خطايا الإخوان ورموز التيار السلفي الذين تفنّنوا في رسم صورة مقيتة لرجل الدين المُنفّر، الذي يأمر الناس بالبرّ وينسى نفسه، لا سيّما بعد ضبط برلماني سلفي في وضع مشين مع منتقبة على الطريق الزراعي وغيرها مما فعل الإخوان من أكاذيب وخيانات ساهمت في تشويه صورة رجل الدين في الوعي العام. قدّم أحمد أمين شخصية أزهري مثقف بشوش الوجه يحكي للناس عن سماحة الإسلام واحتوائه كل البشر. وكيف كان الرسول الكريم يمازح زوجاتِه وأصدقاءه ويتسابق مع السيدة عائشة؛ فتسبقه مرّة ويسبقها مرّة. وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن فظًّا ولا غليظ القلب، عكس الكثير من رجال الدين اليوم، للأسف. لاحظ الشيخُ الداعية انصراف الناس عن المساجد وقولهم إنهم لم يعودوا يثقون بذوي اللحى. فكتب لافتة تقول "الإسلام بريء من المُنفّرين" دار بها في الطرقات ليقرأها المارّة والسابلة. يبدأ الفيلم بآذان الفجر يصدح من مآذن القاهرة، والشوارع شبه خالية. يشاهد الشيخ في طريقه للمسجد سيارةً معطلّة، يتدلّى من مرآة صالونها صليبٌ خشبي. يقوم الشيخُ الطيب بدفعها، ثم يُلوّح لسائقها المسيحيّ الذي شكره ومضى. وينتهي الفيلم والشيخُ جالس وحيدًا في المسجد، حتى يدخل عليه طفلٌ صغير يجلس أمامه للتعلّم. وفي هذا إشارة إلى الغد المشرق الذي سيعود فيه الناسُ لسماحة الدين ونبذ العنف والطائفية التي لا تنمّ إلا عن نقص هائل في الإيمان. أما العبقرية فكانت في عنوان الفيلم: “حاضر عن المتهم". كأنما هذا الشيخ السمح، بما يقدمه للناس من محبة وبشاشة وإبراز رحمة الدين ورحابته، هو الحاضر مع المتهم البريء: "الإسلام"، ليقدّم دليلَ براءته، مما ألصقه به الارتزاقيون. تحية احترام لهذا الفنان المثقف.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كنيسةٌ سماوية لكل المصريين
- ألفُ خطيئة في حق العربية!
- طوبَى لصُنّاع السلام
- إبراءُ ذِمّة … وشهادة
- أحلَّ سفكَ دمي في الأشهرِ الحُرمِ!
- حوار مع كائن فضائي: صليبٌ وسيف
- لماذا قبَّلَ البابا أقدامَ المسلمين؟
- ماذا قالت مصرُ للمصريين أبناء الحياة؟
- مّن فجّر الكنيسة قبل أن أجدل السعف؟
- حاضر عن المتّهم
- رسالة مسيحي …. إلى وكلاء السماء
- مصر لم تجدل عيدان السعف!
- دموعي في كف الأبنودي
- سمير فريد … عصفور النقد النبيل
- الطفل الأحمق والطفلة الغبية
- محمد عناني … ذلك العظيم
- حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
- الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
- أمهاتٌ على أوراق الأدباء
- مَن يكره عيدَ الأم؟


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حاضر عن المتهم