أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالكريم العبيدي - أسردُ وطنا حتى لا أموت















المزيد.....

أسردُ وطنا حتى لا أموت


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5512 - 2017 / 5 / 5 - 00:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلما خضتُّ في محنة الثقافةِ والمثقفين في وطني، أتذكر نظّارة اينشتاين التي لم يجدها لحظةِ وصولِ عامل المطعم، فاضطر العالمُ الكبير الى الطلبِ من العامل قراءة قائمة الطعام عوضا عنه ليختار طعامِه، لكنَّ العامل اعتذر قائلا: إنني آسف يا سيدي، فأنا أميٌّ جاهلٌ مثلك لا أقرأ ولا أكتب!
دعوني أصف النداء الذي أطلقه المؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي بنداء ثقافي خصَّ به المثقفين العراقيين من علماء وأدباء وكتّاب وفنانين وصحفيين وأكاديميين. وهذا اللجوء الثقافي يعني تسليم الأَزَمَة الثقافية الى أهلها، كسلطةٍ لها ما لها وعليها ما عليها، داخل نُظُم الدولة المدنية العامة.
تطلَّع النداءُ الى إقامةِ مشروعٍ ثقافيٍ وطني، وصفه بإنساني النزعة، وديمقراطي المحتوى، ليكون حاضنة لكلِ التياراتِ الداعيةِ الى بلورةِ هويةٍ وطنيةٍ منفتحةٍ ومتجددة، تحترم التعددية الثقافية والفكرية.
الملاحظ أن النداءَ صِيغ كمدخلٍ الى الورقة التي تسعى هذه الجَلَسَة الى قراءتها ونقدها، واغناءِ مسعى خطابِها، ما يعني أننا ازاء تفاعل جمعي مع فحوى الورقة أولاً، ومع مِنحةٍ حرةٍ تفاعليةٍ من خارج متن الورقة، ستستند على ما دعت اليه الورقة ذاتِها ووصفته بضمانِ حريةِ التعبيرْ، وهو داعم أساسي استقلالي لا مهرب منه.
نبحثُ اليومَ في أخطر مِنطقةٍ تنويريةٍ بنائيةٍ فاعلةْ، يُراد لها أن تغدو عجينةً رخوة، غير قادرة على صياغةِ أسئلتِها وتفعيلِ مُؤثراتِها في تخليقِ الحياةِ العامة، باعتبارِها معرفةٍ وتبصرٍ ومنهجٍ سلوكي واستمراريةٍ وتراكم وتأهيل، نا هيك عن كونها مركب عام يشتمل على الآداب ﻭﺍﻟﻔﻨﻮﻥ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﺍﻟﻘوانين، ولا يمكن فصل نهضتها بمعزلٍ عن النهضةِ الأخلاقيةِ والاجتماعيةِ والعسكريةِ والتنميةِ البشريّة.
نحن ازاء مفهوم محوري معقد اذن، له ما يقرب من مئتي تعريف، وقد تحرر من التداول الفردي، إلى البُعد الجماعي، في سعيه الى تحقيق التكيف والتفاعل، وتحقيق التجانس والوحدة الثقافية والتهذيب المجتمعي، من خلال تهيئة الفرد وتكييفه مع أنساق ونُظُم المجتمع القيمية والجمالية والأخلاقية والسلوكية والرؤيوية.
من هنا تأتي اجتماعية الثقافة وعموميتها، وتغدو بحق، مَهَمَّةً وطنيةً وأخلاقيةً، باحثة وصانعة ومؤثرة.
نتحاور اليوم حول ورقة جُنَّست بعنونة الاصلاح الثقافي، وترى في جوهره، اتخاذ اجراءات للتغيير نحو الأفضل. رغم أن الاصلاح كما تراه الورقة يختلف عن التغيير الجذري وهو، في جانبٍ منه، مفهومٌ فكري، مرتبط بطائفة من الاجراءات ضد التخلف والفساد والظلم. ثم يعود خطاب الورقة ويبرر الاصلاح، بوصفه قضية مجتمعية في ظلِ وجودِ قوى اجتماعية تسعى الى تغيير، أكرر تغيير الوضع القائم بصورة سلمية، في سياق برنامج شامل وخارطة طريق وآليات عملية.
من الأنسب أن نتفق، بعيداً عن الخلط، حول سعي الورقة أولاً، هل ترمي الى الاصلاح أم الى التغيير؟ فالإصلاح، كما هو معروف يرمي الى الرضا والتوافق بوجود الأطراف جميعا بما فيها رؤية النظام المستخفة بالثقافة والمثقفين أصلا، أي أنه يحفظ للكل خطاباته بما فيها الخطاب غير الراغب بالإصلاح، بينما التغيير يقفز في مستوياته التفاعلية الى طور الاكراه والإجبار، وهو ما لا ترتضيه السلطة حرصا منها على الاحتفاظ بموقعها ومكاسبها، بعيداً عن العقل الثقافي، وخطورة خطابه المعارض والمشاكس لظلامية خطابها.
هنا تبدو جملة "اتخاذ اجراءات للتغيير نحو الأفضل"، من داخل غطاء الاصلاح واهنة، لا يشفع لها تعريف الاصلاح كقضية مجتمعية تتبناها قوى اجتماعية تسعى الى تغيير الوضع القائم بصورة سلمية، بل أن هذا الخلط الواضح لا يواري نية التغيير الذي عمد خطابُ الورقة الى تخفيفه فوقع في اشكالية ينبغي دراستها وتفاديها، ذلك لأن الاصلاح حتى بوصفه إصلاح ثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي يقتضي الإقرار بمبادئ وتشريعات تشرعن لمؤثرات فاعلة متحررة من ممارسة القسر والإقصاء والعنف، وهو ما لن نجده في خطاب السلطة والأحزاب المتنفذة، بل هو خارج ثوابتها وسعيها الى الاحتفاظ بمواقعها ونفوذها بغياب العقل الثقافي.
اننا ازاء مَهَمة وطنية ضرورية، أحدُ أهم شروط تحقيق نهضتها هو السعي الى تجديد النظر إلى مسألة التراث وفصل الدين عن الدولة وبناء دولة مدنية مؤسساتية علمانية تُقاس بحجمِ ثقافتها ومثقفيها، وبقانون الحركة في العَلاقة بين الثقافةِ والمجتمع، وتقويمِ ودعمِ الحياةِ الاجتماعيّةِ والاقتصاديةِ، وصنع الفرد الملائم للتطور داخل مجتمعٍ مهيَّئٍ له، بوجود برامج ثقافية وتربوية وأخلاقية وعلمية ومنهجية واجتماعية وسلوكية، في مُمْكنات الحراك المجتمعي المتعددة، فهل سنجدُ رائحةً من كلِ هذا في عقلِ السُلطةِ وفي أعطاب طروحاتها؟
ان أيَّ محاولةٍ للتغييرِ الثقافي، وردم سكونية مشاريع التنمية الثقافية، بعيدا عن اشراك السلطة أو من يمثِلُها في الحوار، وعدم تبني وسائل ضاغطة لتنفيذ خُلاصة ما نتوصل اليه ستغدو غير مجدية ولا تمثل طموحَنا، نحن المثقفين المهمشين المحاربين الموصوفين بشتى النعوتِ المرعوبةِ منّا ومن تطلعاتِنا وأقلامِنا ومنجزِنا، ومن فاعليةِ عقولِنا المتنورةِ المتحررةِ الحداثويةِ والمشاكسةْ.
في التاسع من نيسان عام 2003 حصل مشروع غزوٍ خارجي معني بمصالح الدولة الغازية وشركائها، ومن المحال أن يُدرج خارج هذا السياق، بل هو مؤثر تخريب وهدم، أكمل بسخاء صفحة الدكتاتورية البغيضة، المكتظة بكل صنوف الخراب والهدم والضياع، واذا كان المثقف المبدع في الفترة المظلمة الأولى، قد تمت تصفيته أو قُذف به في أقبية الأمن أو انتهى به الحال في المقابر الجماعية أو شُرد أو أضطهد أو هاجر أو رُمي في محارق الحروب أو جُرِّد من حريته أو تحول الى بوقٍ للنظام، فان ما حصل له في ظل المشروع الأمريكي الاجرامي الفاسد وما تلاه من صعود الأحزاب الدينية المتنفذة وميليشياتها قد فاق صفحات الرعب الأولى، وبات المثقف الحلقةَ الأضعفْ والأكثرَ بؤسا وتهميشا بين أطلال بِنيةٍ تحتيةٍ مهدَّمةٍ، وخطابٍ اسلاموي مناهض وعدائي، جرَّده من أبسطِ حقوقه الثقافيةِ والابداعيةِ، وتركه في مهب الريح، مع شرائح عديدة، توهمت بحلم التغيير، فأمست تحت خط البؤس والضياع، بينما وصل المشروع الثقافي الذي ما زلنا نحلم به، ونتمسك بتلابيبه الى أخطرَ طورٍ سكونيٍ ارتداديٍ مُخيف.
الأحرى بنا أن نجاهرَ بضرورة تحرر عقل النخب السياسية الحاكمة الجمعي من رواسبه التراثية الماضوية الجامدة، واجبار الدولة على المساهمة الفاعلة في انعاش القطاع الثقافي، وتفعيل دورها في اعادة الاعتبار الى الثقافة والمثقفين ودورهم الحيوي، وإعادة إعمار البنى التحتية لفضائهم، وتأمين شروط نهوض ثقافي فاعل، وضمان حرية التعبير، وتخصيص الأموال اللازمة لعملية النهوض الثقافي بكل اشتراطاتها وأدواتها، وادماج الثقافة كعنصر استراتيجي في السياسات الانمائية، والسعي الى تغيير المناهج الدراسية والجامعية وتفعيل القطاع التربوي، ومنح الأولوية للمثقف المبدع باعتباره عملة وطنية نادرة تتباها بها الشعوب والأمم المتحضرة.
ان تأهيل عقل الدولة للقيام بهذه المهام يتطلب اعادة النظر في وزارة الثقافة باعتبارها الحاضنة الشرعية للثقافة والمثقفين ومشروعهم، وأرى أن فصل هذه الوزارة عن نظام المحاصصة والتوافق هو الخطوة الأولى، في طريق بناء تجربة ثقافية مميزة تتبنى اخضاع ترشيح وزيرها وانتخابه من داخل مؤسساتها، ومن داخل الاتحادات والنقابات والمنتديات والتجمعات وكل المنابر والشرائح الثقافية ذات العَلاقة، ومنحها التخصيصات المالية المجزية للنهوض بمشروعٍ ثقافيٍ وطنيٍ مميز، فاذا تعذر ذلك، أجد من الأحرى والأصوب الغاء الوزارة وتأسيس هيئة عليا لرعاية الثقافة والآداب والفنون عوضا عنها، وتشريع قانون داخلي جديد لعملها ولصلاحياتها ولعمل الاتحادات المنضوية تحتها، وتنظيم صيغ الترشيح والانتخابات الخاصة بها وبالمؤسسات التابعة لها، بما يضمن عدم حصول السبات والكسل والترهل، واعادة ذات الوجوه، وذات الفساد والمحاصصة الخفية والاخوانيات والشِلل، داخل الاتحادات الممثلة لها، حتى يحصل المثقفُ العراقي على مرجعيةٍ ثقافيةٍ وطنيةٍ حقيقيةٍ راعية وله، تتكفل بحمايته واعانته والاهتمام الجاد بأدوات مشروعه، ودعمه بكل ما يَلْزَمْ.

* قراءتي المقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها الحزب الشيوعي العراقي لمناقشة ورقة الاصلاح الثقافي على قاعة جمعية الثقافة للجميع ببغداد يوم 4 مايو الجاري.



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الآذار الشيوعي العراقي
- بيوت شيوعية مشبوهة
- نكتة سياسية
- لهذا.. أنا بصراوي للأبد!
- مسيرة بغداد
- المترجم -چِكَّه-
- الحلم السردي.. سياحة من الغرائبي إلى الواقعي
- عيد كوليرا
- خريج يبحث عن وظيفة
- خمس قصص باكية جدا
- في لحظات رحيله.. في بدء الفراق -عادل قاسم-.. صورة عراقية لمس ...
- البصرة.. أم السرد
- -31- آذار.. نبض -الآخر- الجميل
- الشيوعي بلوى!
- الشيوعيون -كَفَرَة-
- سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الش ...
- الرفيقة (أم امتاني)
- بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة
- العراقيون يتكيفون مع الحر ويحولون معاناتهم إلى نكات!
- شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالكريم العبيدي - أسردُ وطنا حتى لا أموت