أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - تقريظ الجهل














المزيد.....

تقريظ الجهل


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 5507 - 2017 / 4 / 30 - 10:55
المحور: الادب والفن
    



لم يكن طه يفكر في شيء، كان طه هو التفكير نفسه، لم يكن يتعقل شيئا، بل إنه العقل نفسه، كان في عمر الخامسة، يرتدي جلبابا وفي رجليه نعال ممزقة، بينما شعره كان كثا فاحم السواد، كان يجوس بين الحقول، يطارد الفراشات برهة ويسير خلف القطعان برهة أخرى، كان في عينيه المرح، وفي قلبه الغبطة وفي خياله السرور، ولد طه في الريف، في منزل قروي متواضع يتكون من بيوت حجرية تحت شجرتين عملاقتين يحيط بهما نبات الصبار، وغير بعيد عنه كانت هناك غابات من الدوم، كان طه في أيام الربيع يأخذ فأسا ويهيم في الغابة ويقتلع الدوم ويقضي نهاره هناك مستظلا تحت الأشجار، ولا يعود إلا مع غروب الشمس، بينما في فصل الصيف كان يقضي أيامه على الحصيدات، يرعى الأغنام ويلعب الكرة مع أترابه، كان يجد متعته في أن يجري ويقفز ويضاجع الأرض التي لم يكن يعرف أنها أمه، لم يفكر أبدا، ذلك هو سر سعادته، إن السعادة في تعطيل السؤال، في الفعل في الراهن، لا التفكير في القبل أو البعد، طه لم يسأل من هو ولم يسأل من هؤلاء، طه كان كل هؤلاء دون أن يفكر في الأمر، إنه هو هم دون أن يعرف أنه هو هم، إن المعرفة تعادل الشقاء والجهل يعادل السعادة، لقد كان طه سعيدا مرحا، يلعب الكرة في الصباح ويسبح في الوادي عند الزوال، ويتسلق أغصان التين في المساء وينام بكل أريحية على تربة التيرس تحت القمر، لم يكن ينغصه شيئا، كان سعيدا ومرحا، كان هاجسه أن يعيش، كان شرها في الأكل، يحب تناول الشاي والزبدة، كانت تضع له أمه الزبدة في الخبز ويطيب له أن يذهب رفقة ابنة جارهم ميلودة، كانا يمتطيان الحمار ويسيران جانب الوادي ويخترقان نبات الدفلى ويجلبان الماء من العين، ذات يوم وجدا ثعبانا وسط العين، حمل طه صخرة، قالت له ميلودة : "لا تقتله "، لم يبال بها، رفع الصخرة عاليا، قذفها، فصل الثعبان إلى قسمين، تلوثت العين، صرخت في وجهه ميلودة : " الله، سيعذبك الله " . تركت هذه الكلمة صدى في مخيلته، لم يعد يأكل كما كان، لم يعد يلعب كما كان، "من يكون الله ؟ " سأل طه، ظل هذا السؤال يؤرقه ويعذبه، ما علاقة الله بالثعبان ولماذا صرخت ميلودة ؟ أ يكون لله دخل في ذلك ؟ في الليل الموحش، كان المطر يهطل، تحت البيت القزديري، كان يتقلب في فراشه، لاحت أمامه جنة من عنب، كان يأكل دون يشبع، كان هناك جوع ماحق ينخره، على أعلى الدالية لاحت أفعى تتناول العنب، كانت تضحك بسخرية وتهكم، نظر إليها بذهول والجوع ينخره، وبينما هو ينظر إليها جاءت امرأة و أخذته من يده بقوة، ورغم ذلك ظل يلتفت إلى الأفعى، حتى غابت في الأفق، اكتسحت ذاكرته موجة من الضباب، ما إن مرت لحظات حتى وجد نفسه وسط صحراء يخترقها وادي يتلوى كالثعبان، في عتمة الظلام استيقظ مذعورا صائحا : " أمي ي ي " .

عبد الله عنتار، 29 أبريل 2017/ الدار البيضاء - المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات مدينة كان الخروج كان الخروج منها صعبا (6 )
- مازال هناك حنين
- ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها (5 )
- ظلك
- صراعنا صراع مشاريع
- حوار المغرب والمشرق (1)
- أياد تحلم بالقمر
- بلابل تغني للضياء
- أنشودة الثرى
- تمردي يا غايا 1
- كيف يتواصل الرعاة مع مواشيهم ؟ (ملاحظة انثروبولوجية )
- وتسير القافلة
- الملاح التائه
- لن تغردي على نغمي
- الثورة السورية : جذورها، نتائجها ومآلاتها (مقاربة نظرية)
- ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها (4 )
- ذكريات مدينة كان الصعب الخروج منها
- ذكريات مدينة كان الخروج منها صعبا (2 )
- ذكريات مدينة كان من الصعب الخروج منها!
- على شفا الأمواج


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - تقريظ الجهل