أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 17















المزيد.....

دماء على كرسي الخلافة 17


علي مقلد

الحوار المتمدن-العدد: 5506 - 2017 / 4 / 29 - 16:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السلطة عند جموع الإسلاميين لا تقبل القسمة على اثنين ، وتحالفاتهم واصطفافهم - إن حدث - فهو مرحلي ومؤقت ، فتنظيم القاعدة لن يسلم الراية لـ "داعش" ، و"السلفيون" باعوا الإخوان وهربوا من سفينتهم الغارقة ، وعصابات الإسلاميين في سوريا والعراق وليبيا والصومال تتقاتل فيما بينها ، وحليف اليوم هو عدو الغد ، والعكس ، وكل يلاعب خصومه بالطريقة التي يتوهم أنها ستقذف بالسلطة في حجره ، وكل فرقة ترى أنها وحدها الناجية ، وأن السماء معها والأرض لا بد أن يرثها أعضاؤها ، وأنهم المؤيدون وأنهم الغالبون ، لكن هل هذا جديد ، بالطبع لا ، فتاريخ الصراع على السلطة في الإسلام شهد مذابح يندى لها الجبين كان أطرافها أصدقاء سابقين وحلفاء قدامي ، وأبناء عمومه ، ومن يظفر بالآخر يقطع رأسه ، وينصب نفسه أميرا للمؤمنين الملطخة أيديهم بالدماء ، ولعلنا اليوم أمام نموذج صارخ لتحول الصداقة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير إلى صراع دموي مقيت على السلطة .
كنا قد وقفنا في المقال السابق ، عند هزيمة المختار الثقفي أول مؤسس لدولة شيعية وأول متنازع على السلطة من خارج قريش ، لكنه لقي هزيمة مرة أمام مصعب بن الزبير أمير العراقيين وشقيق الخليفة ، ولأن المسلمين كانوا قد أوغلوا في الدماء لدرجة غير مسبوقة ، فقد أمر مصعب بقطع كف المختار ودقها على باب المسجد ، وأمر بذبح رأسه وإرسالها إلى مكة حيث يحكم أخوه الخليفة عبد الله بن الزبير ، ولم يكتف مصعب بذلك بل أمر بقتل نحو سبعة آلاف جندي – على أوسط الروايات- من رجال المختار ، رغم أنهم استسلموا له بعد مقتل قائدهم ، لكن بن الزبير لم يرحمهم وأمر رجاله بإبادتهم ، لدرجة أن عبد الله بن عمر بن الخطاب لقي مصعبا ذات يوم ، فسلم الأخير عليه، فقال ابن عمر وكان قد أضر في بصره : من أنت؟ فقال: أنا ابن أخيك مصعب بن الزبير، فقال له ابن عمر: نعم، أنت قاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة؟ عش ما استطعت ، فقال له مصعب مبررا فعلته النكراء : إنهم كانوا كفرة سحرة ، فقال ابن عمر: والله لو قتلت عدلهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك إسرافا.
بالفعل لم يهنأ مصعب بن الزبير كثيرا بعد قضائه على ثورة المختار الثقفي وإبادة أنصاره ، فبعد أن استعاد ابن الزبير سيطرته على العراق كان من الطبيعي أن يتجدد الصراع مرة أخرى بين القرشيين ، وبالفعل حدث الصدام بين مصعب وبين الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، حيث عزم عبد الملك على السير إلى العراق وانتزاعها من ابن الزبير وكان ذلك سنة 71 هـ، أي بعد أربع سنوات من القضاء على المختار الثقفي، وكذلك بعد أن اطمأن عبد الملك إلى استقرار حكمه ببلاد الشام ، فتوجه لقتال مصعب ونزل عبد الملك في مكان يسمى "مسكن" فيما زحف مصعب نحو مكان يسمى "باجميرا" وعلى مقدمة جيشه إبراهيم بن الأشتر النخعي.
هنا استخدم بن مروان أسلوب بني أمية في مغازلة قادة جيش مصعب وإغداق الأموال عليهم وقطع العهود لهم بأنهم سيكونون أمراء وحكام أقاليم إن خانوا قادهم وانضموا لبني أمية ، حيث أخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم، وقد صرح عبد الملك بن مروان أنه كتب أهل العراق أتته يدعونه إليهم قبل أن يكاتبهم، وفي الوقت الذي كان عبد الملك يكاتب فيه زعماء أهل العراق من قواد مصعب والذين قبلوا التخلي عنه والانضمام إلى عبد الملك .
يقول الرواة إن عبد الملك بن مروان كان حريصًا على ألا يقاتل مصعب للمودة والصداقة القديمة التي كانت بينهما- وهذا قول مردود عليه بأن لوكانت بينهما مثل هذه المودة ما مثل بجثته وقطع رأسه عندما ظفر به- ولكن ربما كانت تلك إحدى حيل بن مروان لزعزعة ثقة مصعب في نفسه وفي جيشه ، وبالفعل أرسل عبد الملك إلى مصعب رسولا ،ذا قربة من ابن الزبير وقال له: «أقرئ ابن أختك السلام، وقل له يدع دعاءه إلى أخيه "الخليفة عبد الله" ، وأدع دعائي إلى نفسي، ويجعل الأمر شورى» وهنا يحاول بن مروان تكرار ما فعله معاوية بن أبي سفيان مع علي بن أبي طالب ،من التحكيم والشورى ، لكن ابن الزبير كان يعلم أكثر من غيره أن تلك إحدى حيل بني أمية فرفض العرض ،وقال للوسيط ،قل لابن مروان « السيف بيننا»، ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى، فأرسل إليه أخاه محمد بن مروان ليقول له: إن ابن عمك يعطيك الأمان، فقال مصعب: إن مثلي لا ينصرف عن مثل هذا الموقف إلا غالبًا أو مغلوبًا".
انتهت الوساطات والرسائل المتبادلة إلى لا شئ ، فكلا الرجلين يرى أنه الأحق وأن جنده هم الغالبون ،ودارت المعركة وسن كل فريق سيوفه وسالت الدماء وتقطعت الرؤوس ، لكن رسائل بن مروان إلى العراقيين كانت قد ءأتت ثمارها ،حيث تخلى أهل العراق عن مصعب وخذلوه حتى لم يبق معه سوى سبعة رجال، ولكنه ظل يقاتل حتى أثخنته الجراح ، لكنه ظل يقاتل وهو ينزف ويقول إن لي في الحسين بن علي قدوة ، لم يترك السيف من يده حتى لقي ربه، وبالمناسبة كان مصعب زوجا لسكينة بنت الحسين ،وكانت من أجمل بنات العرب ، لدرجة أن الخليفة عبد الملك بن مروان طلبها للزواج ،رغم أن بني أمية قتلوا أباها الحسين وهو قتل زوجها مصعب .

في لحظة فارقة انقض رجل يدعى زياد بن ظبيان، على مصعب وحز رأسه وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على قصر دجيل عند دير الجاثليق في جمادى الآخرة سنة 72 هـ ،وأتى القاتل برأس القتيل إلى عبد الملك بن مروان، فسجد على الأرض يشكر الله على النصر ، وأعطى القاتل ألف دينار فأبى القاتل أن يقبلها وقال‏:‏ لم أقتله على طاعتك ولكن بثأر كان لي عنده، وكان قد ولي له عملاً قبل ذلك فعزله عنه وأهانه‏ .
تروي كتب التاريخ أنه لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك ، لقد كان بيني وبين مصعب صحبة قديمة، وكان من أحب الناس إليّ، وكنت لا أصبر على فراقه ساعة من شدة حبي له ، ولكن هذا الملك عقيم‏ ، ولقد كانت المحبة والحرمة بيننا قديمة حتى دخل السيف بيننا، متى تلد النساء مثل مصعب‏؟ ‏ثم أمر بن مروان بمواراة جسد مصعب ودفنه هو وابنه وإبراهيم بن الأشتر في قبور بمسكن بالقرب من الكوفة‏، وكما كان مصعب قد فعل بالمختار الثقفي من قطع رأسه وإرسالها إلى أخيه في مكة ، فعل بن مروان ذلك حيث أرسل رأس مصعب إلى شقيقه عبد الله بن الزبير ،وذلك كان بمشورة الحجاج بن يوسف الثقفي ، الذي سطر ميلاده كقائد عسكري له سطوة وصولة وشهوة للدماء في معركة دير الجاثليق .
لعل رواية أحد الشهود الذين عاصروا حروب الخلافة تكشف لنا مدى بشاعة الموقف ، قال أبو حاتم الرازي : حدثنا يحيى بن مصعب الكلبي ، حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن عبد الملك بن عمير قال : دخلت "قصر الكوفة" يقصد دار الحكم ، فإذا رأس الحسين بن علي على ترس بين يدي عبيد الله بن زياد الأموي ، وعبيد الله على سرير الحكم ، ثم دخلت القصر بعد ذلك بحين فرأيت رأس عبيد الله بن زياد ، على ترس بين يدي المختار ، والمختار على السرير ، ثم دخلت القصر بعد ذلك بحين فرأيت رأس المختار على ترس بين يدي مصعب بن الزبير ، ومصعب على السرير ، ثم دخلت القصر بعد حين فرأيت رأس مصعب بن الزبير على ترس بين يدي عبد الملك ، وعبد الملك على السرير .
بمقتل مصعب ، ومبايعة العراق لابن مروان ، تناقص ملك الخليفة بن الزبير ولم يعد يحكم سوى الحجاز واليمن ، وخرجت من إمرته مصر والشام والعراق وفارس ، في حين تزايد ملك منافسه بن مروان الذي أصر أن يقود جيشه بنفسه ، ليكون في مواجهة تطور الأحداث على الأرض ، وبالفعل لما انتهى بن مروان من مصعب ، أقبل عليه أهل العراق يبايعونه ، وهو ظل يخاطبهم بفصاحة وبلاغة ، كما أعطاهم العطايا والهدايا ليضمن ولاءهم ، وخطب عبد الملك يوماً بالكوفة فقال في خطبته‏:‏إن عبد الله بن الزبير لو كان خليفة كما يزعم لخرج فآسى بنفسه ولم يغرز ذنبه في الحرم‏ ، ثم قال لهم‏:‏ إني قد استخلفت عليكم أخي بشر بن مروان وأمرته بالإحسان إلى أهل الطاعة، وبالشدة على أهل المعصية، فاسمعوا له وأطيعوا‏ .
في المقال القادم يظهر بقوة ، بطل جديد من أبطال سفك الدماء على مشهد الأحداث إنه الحجاج بن يوسف الثقفي الذي سيتوجه إلى مكة لينهى خلافة بن الزبير



#علي_مقلد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء على كرسي الخلافة 16
- دماء على كرسي الخلافة 15
- دماء على كرسي الخلافة 14
- دماء على كرسي الخلافة 13
- دماء على كرسي الخلافة -12-
- دماء على كرسي الخلافة -11-
- دماء على كرسي الخلافة -10-
- دماء على كرسي الخلافة 9
- دماء على كرسي الخلافة 8
- دماء على كرسي الخلافة 7
- دماء على كرسي الخلافة - 6-
- دماء على كرسي الخلافة -5-
- دماء على كرسي الخلافة 4
- دماء على كرسي الخلافة – 3
- دماء على كرسي الخلافة – 2
- دماء علي كرسي الخلافة - 1


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علي مقلد - دماء على كرسي الخلافة 17