معد الخرسان
كاتب وباحث وروائي ومدرب خبير وناشط في حقوق الانسان ومبرمج كومبيوتر
(Maad Hasan Alkhirssan)
الحوار المتمدن-العدد: 5503 - 2017 / 4 / 26 - 00:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بادشاه خان "خان عبدالغفار خان"
ولادته ونشأته:
ولد عام 1890, في تشارسادا قرب بيشاور في القطاع الشمالي الغربي من شبه القارة الهندية التي كانت محتلة من قبل الاحتلال البريطاني , توفي في بيشاور , بولشتان, في باكستان, 20 يناير 1988. وكان من اسرة محمد زاي العريقة البشتونية والتي ينتمي اليها اخر ملوك افغانستان (زهير شاه).
نشأ خان ليصبح رائدا في اللاعنف في منطقة تسودها الحروب . وما زال البشتون يحترمونه ويسمونه "بدشاه خان" أي ملك الزعماء.
زعيم سياسي وروحي عرف بالمقاومة اللاعنفية, التي عارض من خلالها الاحتلال البريطاني للهند خلال السنوات الاخيرة من حكم الامبراطورية في شبه القارة الهندية .
التحق بالمدرسة التابعة للبعثة البريطانية , وهو امر غير اعتيادي في مجتمعه لرفضهم الالتحاق بتلك المدارس , حيث كان من الطلبة المجتهدين والمتميزين في دراسته وساعده مرشده في ذلك وبين له اهمية التعليم في خدمة المجتمع.
عرض عليه مرشده بالجامعة بان يلتحق للدراسة في لندن, ورغم موافقة والده الاّ ان والدته عارضت ذلك, وهكذا راح يعمل في أرض والده محاولا ان يكشف ما يمكنه فعله في حياته, وبعد ان فشل في متابعة تعليمه راح يساعد الاخرين على متابعة تعليمهم.
في العام 1910, عندما بلغ العشرين من العمر, بنى مدرسة بالقرب من اتمانزاي في المنطقة الشمالية الغربية لما يسمى اليوم بباكستان. ثم قام بعد ذلك بتأسيس جمعية الاصلاح الافغانية , ونشر مجلّة "بشتون" بهدف الوصول الى الجماهير تحت الحكم البريطاني . واختتمت هذ الجهود بتشكيل جماهيري اطلق عليه اسم "خدام الله" , (الجيش المسلم اللاعنفي) في عشرينات القرن الماضي. يتكون من عشرات الالوف من البشتون غير المسلحين الذي اقتصر نشاطهم على المقاومة السلمية من خلال العصيان المدني. وكانوا معروفين باسم "القمصان الحمر" , وايمانهم الكامل بالمقاومة اللاعنفية , وقد خاطبهم خان قائلا "سأقدم لكم سلاحا فريدا لا تقدر الشرطة ولا الجيش على الوقوف ضدّه . انه سلاح النبي , لكن لا علم لكم به . هذا السلاح هو الصبر والاستقامة . ولا توجد قوّة على وجه الارض تستطيع الوقوف ضدّه".
الانطباع حول وجود شخصية مثل شخصية عبدالغفار خان
ان وجود شخصية مثل شخصية خان وفلسفته في الاسلام اللاعنفي لم تفقد أي قدر من جاذبيتها ووثاقة صلتها اليوم, ليس فقط في هذه المنطقة التي تمزقها الحروب وانما في كافة ارجاء العالم . فهو حليف لثورة الروح البشرية ورائد في ثقافة السلام وصورة مشرقة للإسلام , كما بشر بادشاه خان , كان يؤمن , كخادم لله, وان الله لم يكن بحاجة للخدمات , وانما خدمة خلقه تشكل خدمة له.
أسس اللاعنف المستخلصة من شخصية عبدالغفار خان
ولدت فكرة "الجيش المسلم اللاعنفي" في فكر خان, الذي كان هدفه الاساسي حينما وصفهم قائلا: (جنود لا عنفيون محترفون يقطعون على انفسهم عهدا بأن يقاتلوا , لا بالبنادق والمدافع . بل بحياتهم.. لم يسبق لذلك مثيل), هو أحد أسس اللاعنف , فالأول كان اختيار الهدف , وهو تشكيل الجيش المسلم اللاعنفي, والاخر كان اختيار اللاعنف , والثالث كان اختيار التنظيم وهي قبائل البشتون الذين عرفوا بطباعهم الحادة وتاريخهم الغارق بالدم, وخاصة عادات الثأر , استبدلها خان بالتواضع والغفران. وهذا نادرا بين البشتون وتعتبر مقاومة تكسر دوّامة العنف وتبني الذات وليس تدمير الخصم .
انّ تأسيس المدارس وانتشارها جعل البريطانيون خائفون " ماذا لو أصبح الفلاحون متعلمين ! " ورجال الدين ايضا " ماذا لو أصبح القرويون مثقفين وامتنعوا عن اعطاء الصدقات!" .
والرابع كان المسرح اللاعنفي أحد أسس اللاعنف في فكر وشخصية خان حينما كان يمثل , هو ومن يتطوع لهذا العمل , مسرحيات لترسيخ مبادئ العمل اللاعنفي وانتشاره بين القرويين . وكان ضمن برنامج بنّاء وهذا ايضا احد أسس اللاعنف في مسيرة خان. الذي جعل من هذا الجيش (الجيش المسلم اللاعنفي) الاول في تاريخ البشرية, وأسماهم "خدّام الله" الذين تعرّضوا لاحقا لما لا يخطر على بال أحدٍ , من قوة التحمل لدى الانسان في مواجهة الموت بشجاعة دون تراجع او خوف. واستمراريتهم وتمسكهم باللاعنف وتعرّضهم للمطاردة في القرى من ترهيب ومداهمات في المنازل, والقتل وجها لوجه, جلد, اذلال, نزع الثياب والتعرّي أمام الناس , وتلقي اقصى الاهانات ومقاومتهم وارادتهم في عدم كسر دوّامة اللاعنف , وبعظهم فضل الانتحار على القبول بالذلّة والاهانة.
كانوا الكتلة الكبيرة التي قاومت الاحتلال البريطاني بعد العام 1920, حيث اتصفوا بمقاومة الشجعان ومقاومة مسؤولة في حصر تبعاتها فيها هي, وكسب الرأي العام, والمقاومة الواقعية التي أبرزت الوجه الظالم للخصم, منتصرة على المستوى الاعلامي, ترجح امكانية المقاضاة القانونية للخصم, وجميعها تعتبر مزايا للعمل اللاعنفي اتبعها خان في مسيرته النضالية.
تجربته
"عندما ترى بطيخة بطيخة أخرى, فإنها تتلون بلونها" مثل قديم ترسخ في ذهن خان, حينما كان يعمل في الحقول ويتذكر مدرسته , لمعت في رأسه الفكرة وحققها وهو مازال في العشرين من عمره , أسس أول مدرسة في قريته وكانت المدرسة الافغانية الاولى عام 1910. وبعد ذلك, انتشرت مدارس خان ولاقت ذات النجاح الكبير, رغم تعرض البعض منها للهدم والاقفال من قبل الاحتلال البريطاني آنذاك . وجرّاء ذلك كان الاعتقال الاول له لثلاث سنوات في السجن بسبب حماسه في نشر التعليم للفقراء والاميين.
لن يتراجع وانطلق سرا في رحلة الى قرية جبلية حدودية لتأسيس احدى مدارسهُ والعمل مع الناس . حتى اختلى بنفسه في غرفة صغيرة ومظلمة مطبقا الصوم التام لأيام عدة , متأملا وسائلا نفسه أسئلة عميقة الى ان خرج من عزلته شخصا آخر تملأ كيانه قوّةً لم يعهدها من قبل .
للفترة (1915- 1918), قد زار 500 قرية في مناطق حدودية, جالسا مع الرجال مبشرا بالعمل والغفران وممازحا الاطفال في الامسيات, فأحبه القرويون وصاروا يلقبونه "ملك الخانات".
اثناء مسيرته النضالية تعرض للاغتيال عدة مرّات ولم تتأثر عزيمته بالتجوال بين القرى والناس . وكان ينشر اللاعنف من خلال العمل المسرحي لترسيخ مبادئه بين القرويين , وكانت اولى المخيمات للتدريب التي ابتدعها خان عام 1937, حيث افتتح مركزا لخدمة القرية , وبنى لنفسه كوخا مسقوفا بالقش جعله مقرا له للعمل. وكان مبدأه الاساسي للتعلم بفرح من خلال المسرح والرقص وعزف الفرق الموسيقية. في هذه المخيمات تدرب الجنود اللاعنفيون "خدّام الله" والذي أطلق عليهم " الجيش المسلم اللاعنفي " الذي أسسه خان وناضل من أجله.
مسيرته مع غاندي
القسم الاخر من مسيرته النضالية مع غاندي الذي أضاف اليه اللاعنف والعمل من اجل التحرر السياسي, اللقاء الاول كان عام 1920, خلال المؤتمر الوطني الهندي الذي أعلن فيه الكفاح اللاعنفي للوصول الى الاستقلال الكامل.
أمضيا اياما في وضع برنامج اصلاحي لمسلمي البنغال, الذي كان السبب في اعتقاله لثمانية اشهر على يد الاحتلال البريطاني .
بعد اللقاء الثاني مع غاندي حينما زارهم بنفسه وتحدث اليهم بصورة مباشرة الى ان جاءت لحظة الوداع مع خان .وبعدها اكملا مسيرة حياتهم النضالية معا , تأريخ شعبين تحت طائلة الاستعمار والاستبداد والظلم ونهب الخيرات وابشع صور العنف التي كان يمارسها بحقهم الاستعمار البريطاني آنذاك, حيث اصبحوا روحا واحدة وخيارات مشتركة وكان اللاعنف بالنسبة لهم سلوكا, نضالا, وقيمة انسانية ثابتة, رفض التعصب الديني والاقتتال الطائفي وتقسيم الهند وانشاء باكستان دولة اسلامية .
ربط تجربة "خان" بالواقع المحيط بنا
تجربة خان كانت الفريدة في التاريخ الذي عرف بأكثر ما يكون خلال تأسيسه " الجيش المسلم اللاعنفي ", كظاهرة نادرة في النضال الوطني اللاعنفي في سائر انحاء العالم.
المجتمع الذي نشأ منه خان والبيئة العنيفة التي كانوا يتمثلون بها, لا تخلو من التشابه والعنف والقتل والتهميش ورفض الاخر من واقعنا ومحيطنا الاجتماعي , ولكن حقيقة الامر لا يمكن نفيها ,خان شخصية نضالية ننتظرها في نفوسنا وذاتنا, ونأملها لأجيالنا القادمة لإنقاذها من البؤس والنهايات المؤلمة التي نعيشها في واقعنا العقيم, شخصية خان تحتاج الى دراسة عميقة وبناء ذاتي للوقوف على أهم جوانبها ومكوناتها الجوهرية للعالم أجمع.
عبارات من الفكر اللاعنفي الحر لـ"خان عبدالغفار خان"...
• وما قيمة الادعاء بالشجاعة اذا لم تتمثل في مواجهة العدو من أجل قضية محقة , من دون سلاح ولا تراجع ولا انتقام؟ ذاك هو لاعنف الاقوياء أعلى مراتب الشرف...
• جنود لاعنفيون محترفون يقطعون على أنفسهم عهدا بأن يقاتلوا , لا بالبنادق والمدافع. بل بحياتهم... لم يسبق لذلك مثيل...
• عندما سأله غاندي عن زوجة أخيه الانكليزية, هل اعتنقت الاسلام؟ أجابه خان "لم تعتنق الاسلام وهي حرّة تماما في البقاء على دينها. لماذا يكون الزواج سببا في التحول الى دين آخر؟" .
• انا مقتنع تمام الاقتناع بأن حركة اللاعنف هي أعظم عطية من الله منَّ بها علينا.
• البريطانيون خائفون "ماذا لو أصبح الفلاحون متعلّمين!" ..و "والملاّت" أيضا:"ماذا لو أصبح القرويّون مثقفين وامتنعوا عن إعطاء الصدقات!"
#معد_الخرسان (هاشتاغ)
Maad_Hasan_Alkhirssan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
