أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - القاع














المزيد.....

القاع


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 5502 - 2017 / 4 / 25 - 02:27
المحور: الادب والفن
    


القــــــــاع
عبد الفتاح المطلبي
أقف نافراً أمامه ، أيها السيد أنا غاضب ،ومزاجي سيء جدا ووجودنا في هذا الوضع يشكل خطرا علينا نحن أعني الإثنين أنا وأنت فقط ،ها أنت قد أغاظكَ خطابي ولجأت إلى تصنع الضحك الكاذب ، كلما ادعيتَ أمراً فَنّدَتْهُ الوقائعُ فأنت الذي كنتَ تبحثُ عنّي وما بحثتُ عنك يوما ، جلستَ تخططُ بخبثٍ وتهرفُ ليلَ نهار تذل نفسك لكل متكبر وتستسيغ الصَغارَ من أجلِ أن تعثرَ عليَّ وإنْ تَعَثّرَتْ خُطاك وإنْ ملأَ أنفَكَ الترابُ ويومَ حصلتَ علي ّ ووضعتني في جيبك ، مع الكثير من أمثالي ، أسكتت رائحة جيبك رنيني ورنين الصحب معي ، كنت أشم عفونة شحك حتى استبدلتني مجبرا بحاجتك التي كانت عند مرتزقٍ خفيف الظل نذر أن يرمي أولَ ما تتناوله كفهُ إلى البحرِ اتقاءً لشر بوسيدون وها أنا تتلقفني الموجة وتفقدني البهجة بالخلاص وعيي فأغيب دهرا طويلا أفترضُ أنني قضيتهُ على ظهور أفراس الموج تلعبُ بي لعبتها بين مدٍّ وجزر ثم شملني السكون كما يشمل كل شيء ومضى زمن لا ريب أنه زمنٌ طويل لا أتذكرُ شيئا منه وقد كنتُ فيه راقداً رقودَ أهل الكهف لا أعلم شيئا عن الزمن الماضي لكنني أدركُ أنني قد لبثتُ زمناً طويلاً أسكنُ القاع بين الحصى وأذكرُ تلك اللحظة التي كنتُ فيها هابطاً من لجة الموجِ وصخبِهِ ، رضيتُ بكل ما حصل ، كلما ضاق الصدرُ تذكرتُ أول هبوطي إلى قاعِ البحرِ ، تلك المسافةُ ما بين الرعشةِ الأولى التي سببها ذلك اللقاء غير المتوقع بسطح الماء ، أذكر ذلك النوع من السعادة وأنا أستقبل برداً فريداً ، ليس مثلَ بردِ شتاءٍ في علبة ، حتى استقر بي المآل بين حصى القاع ، ، رضيت بعد ذلك بنظرات تلك المخلوقات التي استهجَنَتْ وجودي بين أشيائِها ، عَدّتْني مُتطفلاً أو بالأقل غريبا ، تُبَحلِقُ فيّ العيونُ ثم تتجاوزني بصمت وهل ثمة ما يقال هناك ، رضيت بطحالب البحر وهي تزحف علي وعلى سرير الحصى الذي أنام عليه مثل أي ملكٍ منفيّ ، كلما ضاق صدري أتذكر تلك الكفوف الحانية التي تقلبت بين أصابعها زمنا طويلا قبل أن أشمّ رائحة شِحِّكَ الخانقةِ ، تلك الشفاهُ التي قبّلتني على الوجه والقفا بينما كنت تدفنني بعيدا عن العيون ، وكنتَ آنذاك تحرصُ عليَّ حرصَك على نفسِك ، أما الآن فقد زحف علي الطحلبُ وأسكتَ بريقي ، وبرغم ذلك كنت قانعا بما لدي من السكينة اعتبرتُ ذلك البساط الطحلبي دثارا يليق بالموقف ويصدُّ نزقَ الأخطارِ المحدقةِ ، أسمعُ أنين الموجِ وهو يبثّ إلى الساحلِ شجونَه، أسمعُ صراخَ الحيتان وهديرَ أسرابِ السمكِ المفزوعِ من صولاتِ عتاةِ البحرِ وسباعِه، أي عذابٍ هذا وأنت تسمع كل هذ الأنين لجثامين الغرقى قبل وليمةِ البحرِ التي أعدها لقبائله المنتصرة ، رضيتُ بكل هذا قبل أن ينتشلنْي هواةُ اللّقى والآن أنا بين أيديهم أتعرض إلى العذاب بين سوائل حامضةٍ ومحكٍّ خشنٍ ، أحبتني الطحالبُ الملتصقة بي فقاوَمَتْ وراوَغَتْ لكن المقاشط والمحكّات أقوى ، ها أنا أدعكُ بقوة ، تفركني الأنامل وتمسحني المماسح وتمطرُ علي مذيبات الكلس، وكلما أزيلت طبقة من غطائي الطحلبي تنتابني موجة رعاش ورهج حتى أجبرتُ على البوحِ بما لدي ،واستقر بي المقام في زجاجة الزجاجةُ كأنها ناووسٌ تشرف من خلاله العيون ولا أشرف عليها ، أستعيد سكوني رويدا رويدا وبالرغم من حصانة المكان وانتفاء احتمالات الأخطار إلا أنني أحن إلى ذاك الشعور البكر حين تخلصت من رائحة الجيوب و التقيت الماء وهبطتُ إلى القعر......
مصادفةً كان هذا الحديث يسمعه واحدٌ من الثلة التي ترتاد المتحف ، بعضهم لم يصل إلى شعوره غير هسيس واهٍ وبعضهم كان أصماً بيد أن الواقف في الأمام الذي سمع كل الحديث راح يبكي متأثرا وظل طوال اليوم ينشج و راحَ الوافدون يلملمون ما تناثر من دمعهِ على بلاط المتحف ، بعضهم أخفى تأثره وراح يتسائل : ماذا أصاب الرجل ؟ مالذي يبكيه أمام قطعة نقدٍ ذهبيةٍ قديمة ؟ -هيه ماذا تقول؟
-أقول أن الأهواءَ شتّى أيها الجليل ولو تسنى لك الطلول على القلوب لعلمت سبب بكائي ، أنت قد اختلط عليك الزمن في هذه الزجاجة ، تظنني ذلك الرجل صاحبك وأنا الذي أنفقت كثيرا من المال لأصل إليك ، أي بؤسٍ أن يتوقف التفكير عند لحظةٍ من الزمن تلك التي لا يستطيع الكائن تجاوزها ، يبقى حصيرها وأسيرها واقفا لاينظر إلى الزمن وهو يمضي تباعا ، بكائي كان إشفاقا علىيك وأنت لا تريد مغادرة لحظتك وأنا الذي ظننتني كالأوابد قد بدأ الزمن يلسعني بسوطه يحث قدمي على عبورك وعند ذاك لن تكونَ إلا من الماضي الذي تنفس لكي يفصح لحاضري عن لحظته الميتة ، لست معنيا بدموعي التي تناثرت ، وحق لهم التقاطها فالدموع هذه الأيام نادرةً مثل االلآلئ.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بلى أيها الليل
- أقدار
- عنقود لثلاثة_ حول الكتابة
- سراب
- الصبي والنهر
- بريقُكَ خلبٌ
- ذكرى القُبَلْ
- فاضل حاتم وفضاؤهُ الشعري
- أيها الليل
- نسر البشارة - نص
- يا مُلهمي
- كوميديا الثابت والمتحرك
- الكرى
- إعاقة - قصة قصيرة
- ضامَكَ الشوقُ
- قلب النار
- الوقوف على بساط القصيدة عند خديجة غربوب
- يا جارةَ الروح
- ليلتي لائلة
- خديجة غربوب تصنع بدلة الإمبراطور غير المرئية


المزيد.....




- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - القاع