أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صيقع سيف الإسلام - الزنزانة















المزيد.....

الزنزانة


صيقع سيف الإسلام

الحوار المتمدن-العدد: 5497 - 2017 / 4 / 20 - 23:14
المحور: الادب والفن
    


كانت في غيبوبة ، لم تستفق منها إلا الحين
تنظر بام حولها رائية نفسها ضمن زنزانة صغيرة ، قد استعمر الصدأ بابها الحديدي المغلق ، و اتسخت أرضيتها بالعفن ، و جدرانها القاتمة الميتة ، تبث الرعب والخوف في نفس من يبصرها ...
لم يكن على جسد بام الا قطعة قماش صغيرة تغطيها ، مع برد يتسلل الى داخل الزنزانة ، مهددا الفتاة الصغيرة ، حيث تنتصب باحثة عن مصدره ، فتجد نافذة صغيرة صالحة للنظر منها ، على ماهو موجود في الخارج ... تتقدم نحوها ، لكي تجد ورقة صغيرة مكتوبا عليها :
" ابحثي عن الحقيقة ... فاذا وجدتيها انطقي بها ، سوف تفتح الزنزانة لوحدها وتصيرين حرة ..."
... تستغرب الفتاة بام من هذه الورقة الصغيرة ، متسائلة : " أي حقيقة أنطق بها يا ترى ... ؟ "
... لقد كانت الزنزانة مظلمة ، ولا نور فيها ، الا شيء من اشعة في وسطها ، مر من خلال تقاطيع النافذة الصغيرة ... و كان في زوايا الزنزانة ثلاثة كتب مبعثرة بغير ترتيب :
الكتاب الأول كان أخضر اللون ، وهو يتحدث عن الروح الإنسانية المجردة
الكتاب الثاني كان رمادي اللون، يتحدث عن المادة الميتة
الكتاب الثالث كان متلونا بين الأحمر و الأخضر و البني ، يتحدث عن جسد الانسان وروحه
( لقد كانت هناك أكوان متعددة ، وفي كل كون معين ، كانت توجد بام خاصة بذلك الكون في نفس الزنزانة بنفس الاحوال ... )
بام في الكون الأول :
بعد أن قرأت الفتاة الصغيرة تلك العبارة على الورقة ، شرعت في تشكيل جمل كثيرة ومتنوعة ، عسى الزنزانة تفتح من اجلها ... كانت بام تلوح بعبارت مثل : " أنا موجودة ..." ، " افتحي ايتها الزنزانة ..." ، " بحق السماء اسالك ان تفتحي ... " ...تمضي المسكينة هكذا ولم تحرك ساكنا من مكانها تتلو العبارات تلو العبارات ... من غير جدوى تجديها على مر وكر السنين ، فكانت بين عبارة ترميها وبين أمل في أن يجدها أحد في زنزانتها المعزولة و القاتمة ... إلا انه كان الامل في المستحيل ان يتحقق ، حتى ماتت على تلك الحال ...
لقد كانت بام الكون الاول ، نموذج للانسان الذي لم يعرف ذاته ، و لم يعرف محيطه ، فماتت وهي حية في الزنزانة ، وماتت وهي ميتة في الزنزانة ...
بام في الكون الثاني :
ابتدأت فتاة الكون الثاني باطلاق العبارات على الزنزانة عساها تفتح بضربة حظ أو صدفة عجيبة ... لكن ذلك لم يفلح ، حيث يئست المسكينة ، فبدأت تدور في الزنزانة ، مفتشة في ذلك الظلام المهيمن ، عن شيء يؤنس وحشتها ، ويزيل غمها ... تصطدم رجلها بالكتاب الاول ، كتاب الروح الانسانية المجردة
غافلة عن بقية الكتابين الباقيين ، فتقوم بحمله متجهة نحو بقعة النور الضئيلة ، القادمة من النافذة الضيقة و تبدأ في دراسته مباشرة ... حيث دامت رحلتها معه وقتا واسعا ، ولما كانت بام صافية العقل ، وخالية الفكر ... راحت تقتنع تماما بالاراء الساكنة في تلك الصفحات القديمة ، الرثة ...
تستخلص عصارة ذلك الكتاب ، مقتنعة به تماما ... حيث بدأت ترى نفسها ملاكا يستطيع العبور وراء زنزانتها من غير أن تخرج جثتها ... ترى نفسها روحا بجناحين ، من غير قيود محسوسة تسيطر على وجدانها ... وجدان كان يبلغ بدره حينما يسقط الليل ستاره ، فتتمتع بام الروحية برؤية النجوم و الاقمار المضيئة و النيرة ... لكنها في الحقيقة ، امتازت بروحنة فقيرة و ضحلة ... روحنة في صلبها ومبادئها أتت فقط من زنزانة قاتمة ... ولو كانت في وسط اجمل لامتازت بروح اجمل ...
هكذا عاشت بام ... توقفت ما إن اصطدمت بكتابها الاول ... ووافقت عليه وجعلته لها مقدسا ...استمرت على حالها هذا الى ان ماتت غير واجدة العزاء الذي يشفي ... ماتت من غير ان تفتح الزنزانة ...لكنها عاشت شيئا ليس كبيرا كفاية ، لكنه غير كافي ...
لقد كانت بام الكون الثاني ، نموذج الانسان الذي بدأ بدراسة محيطه ،لكنه توقف مع اول اصطدامة تحمل بداية المعرفة ، التي جعلها بمثابة كل المعرفة ... الامر الذي جعل حياتها تضيع و الزنزانة لم تفتح
بام في الكون الثالث :
كانت فتاة الكون الثالث مثل الأولتين ، شرعت في تنويع العبارات لعل الزنزانة تفتح ، وبعد أمد ليس بيسير توقفت يائسة ... بدأت دموع الفتاة تنهار وتتساءل :
" كيف وصلت إلى هذه الزنزانة ؟ " ، " كيف سأعيش في هذه الزنزانة ؟ " ... والسؤال الاخير :
" كيف ساخرج من الزنزانة ؟ " . . . . هذه كانت اسئلة بام الصغيرة الذكية ، و في سبيل البحث عن الاجوبة ، قررت التفتيش في ظلام الزنزانة ، علها تهتدي سبيلا ، و في خضام بحثها العشوائي ، تلتقي يدها بالكتاب الثاني ، كتاب المادة الميتة ...حيث اعتبرته كنزا مدفونا ، ساقها اليه الحظ الاعمى ، و التفتيش المظلم ليس الا ... و رغم أنها فكرت للحظة : " قد توجد كتب اخرى يجب ان ابحث عنها ، ربما تكون مفتاح الاجابة عن حقيقة الورقة " ، لكن جعلت ذلك مستحيلا في ذهنها ، معبرة : " كيف لزنزانة مظلمة فارغة و باردة ان تحوي غير هذا الكتاب الرث و الهش ... مستحيل ،ومستحيل ... "
هكذا اعتقدت الفتاة المسكينة ، وانكبت تدرس الكتاب بكل تركيز و عمق في الاستقراء ... حتى ارتوت من صحائفه حفظا وترديدا ، وسط ظلمة المكان ، المشعرة بالعجز ، و الضعف ، والهوان ...
اقتنعت بام بأنها لاشيء غير مادة جامدة ميتة ، كأي شيء آخر وسط هذه الزنزانة ، حيث خاطبت نفسها قائلة : " لا وجود للاسئلة الثلاث التي طرحتها اصلا ، لا وجود الا للظلام ، و عدم وجودي داخل الزنزانة يساوي وجودي نفسه داخلها من غير فرق يذكر ... "
و لما اعتبرت نفسها مادة ميتة كالكتاب الرث الذي كانت تدرسه ، راحت تفسر شأن الورقة المكتوب عليها : " ابحثي عن الحقيقة ... فاذا وجدتيها انطقي بها ، سوف تفتح الزنزانة لوحدها وتصيرين حرة ..."
حيث آمنت بفكرتها القائلة : " أن الورقة هذه كانت ضمن كتاب آخر ملتصقة به ، في حين تآاكل الكتاب في هذه الزنزانة ، ولم يبق منه إلا هذه القصيصة التي لا مغزى منها ، و ما كان من فكرتي الاولى عنها أنها تعكس وجودا خارجيا وضعها ، إنما لسياقها المعطي ذلك الاحساس الكاذب ليس الا .. . "
نظرت بام الى نفسها على أنها جزء من الزنزانة ، و أعدمت تفكيرها الفطري الاول ، الذي يحكي انها كائن ليس في بيئته ، ولا منزله ...بل كائن وجوده الحقيقي يبدأ خلف الزنزانة ...
... كتاب المادة الميتة كان نظرة مشبعة لـــ بام ، التي ما بارحت الانتهاء منه ، ومن قتل احاسيسها المنادية بترك الزنزانة ... فأصبحت شيئا متحدا مع أرض الزنزانة ، وحديدها ، و جدرانها ... حيث في الاخير قامت بالانتحار نتيجة فلسفة : أن وجودها مساوي لعدم وجودها ...
كانت بام الكون الثالث نموذجا للانسان الذي بدأ في دراسة محيطه البداية الموفقة في طرح الاسئلة لكنه شابه انسان الكون الثاني ، حينما جعل اول شيء اصطدم به هو الحل ، حينما جعل بداية المعرفة هي المعرفة ... معرفة في الاخير قامت بقتل روحها ، ثم بقتل جسدها ... كانت معرفة ناقصة كنقص معرفة الانسان الروحي ... إلا انها ناقصة وقاتلة خلافا للثانية ... الامر الذي جعل حياتها تضيع والزنزانة لم تفتح ...
بام في الكون الرابع :
من غير اطلاق عبارة واحدة ... جلست الفتاة تفكر فيما حولها ، و تفكر في نفسها بمجرد انتهاء قراءتها للقصيصة التي تامرها بايجاد الحقيقة ، حيث بذلك اعتبرت أن وجودها يجب ان يكون خارج الزنزانة ، وانها غريبة في هذا العالم المظلم ، و جعلت من البديهة أن الورقة الصغيرة الداعية للبحث ، شيء اتى من خارج الزنزانة لا من داخلها . . . هكذا جعلت بام مسلمات لنفسها تنطلق منها في بناء الحـــل ...
. . .
البديهيات التي وضعتها جعلتها تطرح نفس الاسئلة : " كيف وصلت إلى الزنزانة ؟ " ...
" كيف ساعيش في الزنزانة " ، " كيف ساخرج من الزنزانة ؟ " . . . لتبتدئ مشوارها في كشف الظلام المهيمن بلمسات يدها ، علها تصيب الهدى بذلك ، و علها تكشف جوابا لما يخالج صدرها الصغير ...
بدأت مشوار التلمس وسط الظلام الدامس ، تطلب خيطا من الهدى ، أو شعلة نور تقضي على ظلمتها الموحشة ، ظلمة صدرها ، وظلمة زنزانتها ، هدى ونور ، يزيل قلقها ، و يثلج صدرها
لتتاخم يدها الطرية ، والصغيرة كتابا ، كتاب جسد الانسان و روحه ، فأيما سعادة امتلكتها ، و خالطت لحمها ودمها ،شارعة في دراسة الكتاب ، بشغف و إقبال لا يوصفان . . .
تنتهي بام من الكتاب ، ممتلئة بنظرة توافقية بين الروحانية ، والاخرى المادية . . .
لقد فهمت أن وجودها يجب ان يكون خارج هذه الزنزانة ، و زادت يقينا أن القصيصة تحمل معنى مجعول من شيء خارج الزنزانة ، شيء تستطيع اللحاق به ، شيء لها القدرة على الالتقاء معه ...
جعل هذا الكتاب الملون ، الذي كان عاتم اللون بالنسبة لــ بام ، يتحدث عن الحقيقتين المكونتين لــ بام ، به أدركت انها شيء يشبه الزنزانة هو جسدها ، وشيء فوق كل ذلك ، لا ينتمي لعالم الزنزانة ، هو وعيها . . .
في لحظة ادراكها لذلك . . . توسعت النافذة التي يدخل معها النور . . . وصارت حزمة النور المشع اكبر داخل الزنزانة ، حيث انقشعت الظلمة في مركز الزنزانة كلها ، وصارت واضحة ، الا ان ذلك النور لم يشمل كامل الزنزانة . . . فلم تبصر الفتاة باقي الكتابين المتوافرين . . .
استطاعت الفتاة ان تبصر النجوم في الليل بشكل افضل ، و احسن ، و تمتعت بنسيم هواء انعش لها من نافذتها التي صارت أوسع ، مع نور اكبر . . . نور شكل لها اجمل الالوان المبهجة حين التقائه مع قطرات الماء التي كانت في مركز الزنزانة ... الذي جعل بام تشعر بسعادة كبيرة ، وتتعبد في محراب تلك الالوان ، مستمتعة ببهاء النجوم والاقمار ، لكنها رضيت بذلك الحد ، وبه كانت قانعة قناعة شبه كافية ...
اعتبرت ذلك نصيبها . . . وأنها وقفت على السر . . . سر الورقة و كاتبها الذي ظنت أنه اراد لها ما ظفرت به فقط ، من غير زيادة ، وجعلت ما حدث لها ، جوابا للسؤال الثاني . . .
اما باقي السؤالين ، قالت لنفسها : " انهما غير مهمين ، ما دمت املك هذا النعيم الذي حصلت عليه . . "
الا انها لم تعلم ، امكانية توسيع ذلك النور ، و تكثير ذلك النعيم ، فقد فهمت الروح و المادة ، لكنه الفهم القاصر و غير الكاف لتهديم النافذة باكملها ، حتى يعم النور ساحة الزنزانة بكليتها . . .
هكذا عاشت بام الكون الرابع حياتها ، ضمن تلك الزنزانة ، تلعب مع الانوار ، وتتسامر مع الليل ، حالمة بنجومه ، عاشقة في اقماره . . . سعيدة بروحها التي ايقنت وجودها ، راضية بجسدها المبصرة لوجدانه ، وتفاصيل كيانه . . .
كانت بام الكون الرابع نموذجا للانسان الذي ظفر شطرا كبيرا من فهم ذاته ، وفهم محيطه ، فعاش حياة سعيدة ، عاش فصل الربيع الذي يشتهيه ، منذ راح مصارعا الظلام ، له مقاتلا . . .
استطاعت بام الكون الرابع ان تجيب على السؤال الثاني ، وان تنال بالمعرفة الزائدة التي حازتها خلافا لفتاتي الكونين السابقين . . . معرفة زائدة ، جلبت لها حــلا مرضيا ، مكنها من ايجاد سعادة ...السعادة التي صاحبتها حتى النهاية ...و مع كل ذلك الانتصار الا ان الزنزانة لم تفتح . . . بقيت موصدة . . .
بام الكون الخامس :
انتهت فتاة الكون الخامس من قراءة القصيصة ، مطلقة أبصارها تحوم في ظلام الزنزانة ، متسائلة :
" يا ترى ، ماذا يحمل هذا الظلام ؟ ، أي خبايا تكمن في زواياه ؟ ، أي اسرار مدفونة في ثنااياه ؟ "
لقد فهمت كفتاة الكون الرابع انها تحس بالعمق ، احساس : انها لا تنتمي لعالم الزنزانة
احساس : ان صاحب القصيصة الموضوعة ، وجود ثان يشابهها في نوع مشابهة ، التي بها استطاعت الادراك لمغزاه ومراده ، في ان تبحث لكي تخرج من هذا المكان ، عائدة لعالمها الاصلي الذي جاءت منه
هي نفس الاسئلة المطروحة ، تكررها فتاة الكون الخامس بإلحاح ، طالبة الجواب . . .
محدثة نفسها : " يبدو أن المفتاح لهذه الزنزانة . . . أنا بالذات وما حولي ، لا غير ذلك ، فكلها اشياء مسدودة ، تغلق نفسها دوني ، لا أنا على علم بها في خاطري ، و شعوري اصلا . . . "
تهوي الفتاة تتلمس ، بيديها ورجليها، ارضية الزنزانة ، حاملة بين ضلوعها ، شعور التيه والضياع ..
لا مؤنس لها ، الا نجمة تسطع عبر النافذة الضيقة ، و لا مدفئ لبردتها ، الا قطعة قماش تستر بها جسمانها ، تريد ان تبكي ، كونها لم تختر وجودها في هذا المكان ، لكنها تتحامل على نفسها بأمل العثور على ، طريق الهدى ، و سبيل النجاة . . .
تدغدغ يدها المزينة بخاتمها الفضي ، صفحات كتاب جسد الانسان وروحه ، بذلك يستنير وجهها ، ويتهلل بابتسامة الامان . . . تحمله في عجل الى وسط الزنزانة على نور النافذة الضيقة . . .
سارعة في التهام صحائفه الرثة البالية ، منقبة عن مرساة النجاة ، ساعية في نزع اللثام عن حقيقة هذا اللغز الذي تعيشه ، و تعيش فيه . . .
باكمال الكتاب ، تحقق شيء من البديهيات التي وضعتها لنفسها . . . تحقق كونها مالكة لجسدها كشيء مشابه لحوايا الزنزانة ، مخالفة لكل ذلك ، بروح الوعي ، الذي جعلها تفهم الاتصال مع القصيصة ...
ادركت انها ليست بنتا للزنزانة ، ولا الزنزانة أم لها ، ولا هي التي ابدعتها داخلها ، ادركت انها ثنائية التكوين ، كينونة المادة الميتة ، وكينونة الوعي ، والروح السامية . . . لتتوسع النافذة بادراكها لتلك المعاني . .. و يدخل النور راسما الالوان مع صديقاته القطرات ، صاحبا البهجة والسرور على قلب الفتاة البريئة ، مبرزا النجوم اللماعة ، مقدما الاقمار في حلية الزينة العظمى . . .
اكتست الزنزانة بلباس عروس في مركزها ، لائحة في الافق الآمال والأماني ، التي اثلجت صدر الفتاة البريئة ، جاعلة اياها ترقص على انغام الليل البهيج ، مسيلة دموعها المعبرة عن فرحتها بذهاب الوحشة و الظلمة المخيفة . . .
ادركت بام انها نالت الاجابة عن السؤال الثاني : " كيف ستعيش داخل الزنزانة ؟ " ، انها ستعيش بصحبة النور ، وبالسعادة التي دخلت قلبها . . .
الا انها فطنت ان في باقي الاجزاء المظلمة ، التي لم يباركها النور، يكمن جواب باقي السؤالين ربما ...
حيث أكملت مشوار بحثها ، و خطة سعيها ، بحماس اكبر ، وبحب اعمق ، حب جعلها تشكر صاحب القصيصة لانه لم يتركها في ضياع الظلمة الحالكة ، و العزلة القاتلة . . .
بالنور في قلبها ، لامست الكتابين الباقيين ، قبل مساس اليد الصغيرة التي لها ، أو الرجل التي تحبوا بها . . . . ظافرة بكتاب الروح الانسانية المجردة اولا ، يتبعه كتاب المادة الميتة ثانيا . . .
انهمكت بام في الدراسة و استخراج المعاني ، كاشفة المبهم ، مستنتجة الخفي المستخبئ . . .
انتهاء الدراسة ، كان قد رفع بام الى مقام اعلى ، ومنزلة اسمى ، حيث زاد فهمها للوعي الذي تتمتع به زيادة عظيمة عن السابق ، وزاد فقه كنه المادة الميتة عندها زيادة مميزة عن السابق أيما ميزة و امتياز
. . .
فقد أدركت الاجابة على و عن السؤالين ، ان صاحب القصيصة هو الذي وضعها في تلك الزنزانة حتى تفهم ذاتها الفهم الحقيقي الذي به ستبلغ ذروة العيش السعيد المبهج . . . ادركت ان لها وجودا سابقا على الزنزانة ، كان وجودا متدنيا ، لا ادراك فيه لما تملكه من ملكات ، فرفعها صاحب القصيصة الى الزنزانة وترك لها الورقة الصغيرة ، محفزا لها في الشروع عن التعمق لادراك ذاتها ، و فهم المحيط الذي من حولها . . . هذا كان جواب السؤال الاول : " كيف جئت إلى الزنزانة ؟ "
. . .
اما اجابة السؤال الثاني : " كيف ساخرج من الزنزانة ؟ " فقد غيرته الى سؤال أصح : " إلى اين ساذهب بعد فتح الزنزانة ؟ " ، حيث علمت أن سؤالها قبل التصحيح كان فرعا ليس الا عن سؤال : " كيف ساعيش في هذه الزنزانة ؟ " . . . لتقول : " اعلم الآن ، اين ساذهب بعد فتح الزنزانة ؟ " :
ساذهب لالتقي مع صاحب القصاصة الذي وضعني هنا لافهم ذاتي ، و ابقى لي رسالته ، حتى اعلم بوجوده ، بغير اتصال حقيقي معه ، لاصل الى العالم الذي هو مناسب لي حتى اعيش فيه معه . . .
حينما ادركت بام هذه المعاني كلها ، وبلغت مبلغا واسعا في فهم ذاتها وفي فهم المادة التي حولها ، و اخيرا في الفهم عن صاحب القصاصة . . . صارت الزنزانة تفتح رويدا رويدا من تلقاءها . . .
علمت أن المعنى الحقيقي لما حملته تلك الورقة الصغيرة : " ابحثي عن الحقيقة ... فاذا وجدتيها انطقي بها ، سوف تفتح الزنزانة لوحدها وتصيرين حرة ..." . . . . . انما هو الادراك فقط ، لا حاجة لأي عبارة مسطورة تقال بحذافيرها ، حتى تخرج من الزنزانة . . . بل فقط الفهم اللازم لذلك . . . كما كان . . .
خرجت بام تخطو خطواتها الاولى ، الى عالمها المثالي مع صاحب القصاصة ، الى عالم النور الذي لا ظلمة فيه ولا وحشة . . .
كانت بام الكون الخامس نموذجا للانسان المثالي الذي فهم ذاته فهما حقيقيا ، وفهم المحيط الذي يعيش فيه فهما حقيقيا ، فصار يعيش في سعادة لا تضارعها سعادة ، و حب و ووجدان صوفي تأملي يملأه الشعور بالرضا والهناء . . . . كانت بام الكون الخامس الانسان حقا بما هو انسان . . .



#صيقع_سيف_الإسلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنزل السعيد
- ولادة إنسان


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صيقع سيف الإسلام - الزنزانة