أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن















المزيد.....

انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 5496 - 2017 / 4 / 19 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


هذا هو لقائي الأول بالكاتب النرويجي الشهير هنريك إبسن من خلال مسرحيته الأهم "بيت الدمية". يعتبر البعض هذا العمل من أوائل الأعمال الأدبية النسوية في رسالتها وواجه الكثير من الانتقادات عندما نشر أول مرة عام 1879 وتم عرض المسرحية في كوبنهاغن بالدنمارك. تناقش المسرحية العلاقة الزوجية بين السيد تورفالد وزوجته نورا. قد يبدو العمل بسيطاً وقصيراً لكنه يحمل رسالة مهمة وعميقة في تلك الحقبة تسعى لقلب المفاهيم المرتبطة بالأدوار الجنسية للرجل والمرأة ضمن كيان الأسرة والهوية الاقتصادية لكلٍ منهما.

يبدو السيد تورفالد مثالاً لشخص يعطي الأوامر على الدوام، ويعتبر قرارته صائبة، ويبدو طهرياً للغاية فيما يتعلق بمبادئه، وعلى الرغم من معاملته اللطيفة لزوجته، إلا أن لطفه المبالغ فيه يفقدها كيانها كإنسان واعي مساوٍ له، فهو يخاطبها بلطف بالغ وكأنها طفل أو دمية، وهو الأمر الذي ستثور عليه نورا في نهاية المطاف، بعد أن تكتشف حاجتها لأن تعامل كإنسانة عاقلة مساوية له يشركها في كل الأمور الجادة ويحترم رأيها ولا يعتبر آراءه أوامر يجب على الآخرين الإلتزام بها.

تبدو نورا، زوجة تورفالد، في البداية كشخص طفولي ساذج وغير معتمد على ذاته. كما أنها تصور بصفة الشخصية الثرثارة والعفوية والمبذرة، لكنها تحب أطفالها أيضاً. خلف هذه الشخصية، تقف نورا أخرى، واعية تتخذ قرارات مصيرية وتقوم بما تراه صائباً في سبيل إنقاذ زوجها وأسرتها. حيث تضطر للإقتراض وتزوير توقيع والدها، لأنه لا يحق للمرأة الاقتراض وفقاً للقوانين الأبوية الظالمة، وتستخدم المال الذي تقول لزوجها بأنها ورثته عن والدها، للذهاب في رحلة إلى إيطاليا لإنقاذ زوجها الذي أشرف على الموت في النرويج بعد أن علمت عن حاجته للعيش في مكانٍ دافئ كما أخبرها الأطباء. تخاطر نورا بكل شيء سراً لإنقاذ زوجها واسرتها، وتقوم بالدفع سراً، لكن كل ذلك لن يقابل إلا بوصفه عار وجريمة تهز أركان أسرتهم عندما يكتشف تورفالد ذلك. في تلك اللحظات تثور نورا على القانون الذي يمنع امرأة من انقاذ حياة والدها المحتضر أو زوجها المريض وتعلن عدم إيمانها به، كما ترفض الإيمان بالأعراف والتقاليد، أو ما نجده في الكتب، من دون تحكيم للعقل. وتعلن نورا عن رفضها للمعاملة الطفولية التي تتلقاها من زوجها، وتعلن له بأنها إنسان ذو قرار وقادر على التعلم والعمل وحل المشاكل الجدية. يفزع الزوج من هذا ويسألها إن كانت تعرف شيئاً عن الدين، فتخبره بأن كل ما تعرفه كان ذلك الذي قاله رجل الدين في طفولتها، وأنها عندما ابتعدت عن تلك الأجواء بدأت بالتفكير بحرية لتجد ما يخدمها ويبدو منطقياً وما عداه ليس صحيحاً بالتأكيد. قد يرى البعض تغيراً مفاجئاً في موقف وسلوك نورا في الفصل الثالث والأخير، حين تقرر ترك المنزل لتبحث عن ذاتها، لأن القرار يكون صارماً ومفاجئاً، كأنه صحوة مفاجئة للنساء ضد الظلم والاضطهاد. واجهت المسرحية بسبب ذلك هجوماً كبيراً ورفضت بعض الممثلات تمثيل دور نورا اذا ما بقيت النهاية على تلك الصورة. لكن نورا غادرت المنزل لتعلن نهاية عصر من التسلط والاستبداد الأبوي على المرأة في كل تفاصيل الحياة، حيث تقول بأن والدها قد عاملها مثل دمية يلعب بها وأنه لقنها كل افكارها وكان عليها السكوت اذا لم توافق على آرائه، ولم يتغير شيء عند زواجها، حيث أصبحت بعد ذلك دمية الزوج ليستمر مسلسل الاستعباد. قد ينتقد البعض تركها للأطفال من دون أي اكتراث بهم، لكنها تناقش في البداية مع الخادمة كيف أنها ربتها بدل والدتها وأن تلك المربية تترك أطفالها ليربيهم الآخرون وهكذا.

السيدة لينده، الأرملة وصديقة الطفولة، والتي تزور نورا قبيل أعياد الميلاد، تمثل نوعاً آخر من النساء اللاتي لم تمنحهن الحياة فرصة عادلة وسعيدة. لكن المسرحية ربما تشير إلى غيرتها من نورا بصورة غير مباشرة بسبب كلام الأخيرة عن سعادة أسرتها وكشفها للكثير من الأسرار أمامها على الرغم من معرفتها بأنها لم تحظ بحياة سعيدة. ربما يكون ذلك السبب في عدم مساعدة نورا في منع اكتشاف امر تزوير التوقيع، عندما فكر المدين كورجشتاد في استعادة الرسالة التي أرسلها لزوج نورا والتي تكشف كل شيء. ساعدت نورا صديقة طفولتها في العثور على عمل عند زوجها الذي سيصبح مديراً للبنك، لكن السيدة لينده بررت رفضها للمساعدة بأن هناك أمور يجب أن تكشف لأن منزل نورا يطفو على الكثير من الأكاذيب وسوء الفهم. قد يكون السبب تبريراً طيباً لكن الدوافع النفسية والغيرة من حياة نورا قد تلعب دوراً في ذلك.

السيد كورجشتاد، الذي اقرض المال لنورا والذي جاء ليستغلها بعد أن شك في إمكانية طرده من البنك مع تولي زوجها لمنصب الادارة، يعبر عن شخصية تبتز الآخرين وله سمعة سيئة يحاول التخلص منها. بالنسبة له، القانون لا يفكر بالدوافع، إن كانت نبيلة أو لا، وسواء أكان أحمقاً أو لا، فإنه ما يخضع له الناس. في النهاية تتكشف علاقته السابقة بالسيدة لينده ويقرران الارتباط ومساعدة بعضهما البعض، لكن الأخيرة ترفض مساعدته لنورا. مع ذلك، يتخلى كورجشتاد عن دافع الانتقام، ويعيد الأوراق التي في حوزته لأسرة نورا، وهذا ما يسعد الزوج، وينسيه مطالبته السابقة لنورا بعدم التدخل في تربية أبنائه، ويكشف عن أنانيته فتتخلى عنه زوجته.

الدكتور رانك، صديق الأسرة، يعبر عن شخص مليء بالأمراض رغم علاجه لمرضاه، وكيف أن صداقته للأسرة لم تكن نقية، عندما يكشف عن حبه لنورا، فتنهار صورته في مخيلتها، ولا يعود صديقاً بعدها. الدكتور يوشك على الموت لكنه يعبر عن التمسك بالحياة رغم الألم، ويشعر بالغيرة لأن آخرين سيحلون محله كأصدقاء للاسرة – من دون أن يعلم بأن الاسرة ستنتهي هي الأخرى – ويحزن لأن الناس سرعان ما ينسون من يرحل عن عالمهم.

تناقش المسرحية موضوعات عميقة على الرغم من بساطة العرض وقصر العمل. واجه العمل انتقادات كبيرة لأنه يهدم أفكار القرن التاسع عشر عن الزواج ودور الزوجين. من المحزن أن نرى قانوناً يمنع المرأة من حقها الطبيعي في الأهلية القانونية والمالية، مع أن النساء في العصر البابلي كن يقترضن المال ويتاجرن. ربما تكون المسرحية تعبيراً عن النصر الذي يتحقق بالمطالبة والاصرار على نيل الحقوق. فلنا أن نتخيل أن أوروبا بالكامل قد استشاطت غضباً بسبب مسرحية تبدو بسيطة وفقاً لمعايير اليوم، لكنها جوبهت بهجمة شديدة في حينها. كل شيء يتغير وهذه المسرحية جيدة لأن تعرض في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تشهد حقوق النساء تراجعاً عن كل ما تم تحقيقه في القرن الماضي وكأن عجلة الزمن تدور بالاتجاه المعاكس في هذا الجزء من العالم.

ختاماً، إنها مسرحية جميلة وعميقة وسريعة القراءة ومسلية، أنصحكم بقراءتها وعلنا نغلق أبواب التخلف مع اغلاق باب منزل نورا في الفصل الأخير، عندما غادرت بيت الدمية، لتكون امرأة حرة ومستقلة.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الأمس واليوم - قراءة في كتاب -محاورات برتراند راسل-
- قصص لا تستحق النشر – تجربة لدعم شباب الكتاب العراقيين
- متى نموت؟ - قصيدة
- تمجيد الابداع والوفاء للأرض - قراءة في الكتاب الأول من -هكذا ...
- الأحلام وعلم النفس - قراءة في كتاب -تفسير الأحلام- لسيغموند ...
- بلاد النهرين ومصر القديمة: سمات الإستقرار والإبداع في حضارتي ...
- لمحات عن العراق في القرن السابع عشر – قراءة في رحلة تافرنييه ...
- أحوال أديرة المشرق - قراءة في كتاب -الديارات- لأبي الفرج الأ ...
- العراق عام 1797 في عيون الرحالة البريطاني جاكسون - قراءة في ...
- آراء في وقت الفراغ والديمقراطية والتكاثر السكاني – قراءة في ...
- عشق في ظروف غير مواتية – قراءة في رواية -ملك أفغانستان لم يز ...
- تساؤلات في الوجود، الحب، والإنتماء – قراءة في رواية -فالس ال ...
- شتات يأبى التشتت – قراءة في رواية -شتات نينوى- للروائية العر ...
- ثنائية الموت والرعب - قراءة في المجموعة القصصة -معرض الجثث- ...
- نبوءة عرّاف كلخو - قصة قصيرة
- غموض ذاتٍ عدمية - قراءة في رواية -الغريب- للكاتب الفرنسي ألب ...
- مجتمعاتنا العمياء - قراءة في رواية العمى للكاتب البرتغالي جو ...
- صراعات الذات واللاهوت – قراءة في رواية عزازيل للكاتب المصري ...
- وداع نينوى – الأمّة والتاريخ – وسط صمت العالم
- صراعات مقنّعة بالجمال – قراءة في رواية -عن الجمال- للكاتبة ا ...


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كلكامش نبيل - انتهاء عصر المراة الدمية - قراءة في مسرحية بيت الدمية لهنريك إبسن