أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - دولةٌ عابرةٌ للقارات















المزيد.....

دولةٌ عابرةٌ للقارات


سامي عبد العال

الحوار المتمدن-العدد: 5486 - 2017 / 4 / 9 - 01:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلُّ اختزال لصورة العالم في إطار قُوةٍ عظمي لا يُولد إلاَّ مزيداً من العنف. وهو ما يوقعها في تناقضات تسمح بانفلات الأحداث السياسية. وتغدو عن قصدٍ مشاركةً في الآثار المترقبة على نحو لا إنساني. الأمر الذي يعكس تقليص التنوع الدولي المفترض واحتكاره في قطب أحادي الأهداف والمصالح. وتصبح مناطق الصراع بُؤراً ليلية لعربدته كأساطير تجتاح البشر.

مؤخراً ظهر دونالد ترامب في سياق الوظيفة القارية لدولته الأمريكية. كان يتحدث عن أطفال سوريا جراء الإصابة بالغازات السامة كأنَّه مربية أطفال في روضة لاهوتية. يستعمل ألفاظ الإله مراراً وتكراراً ( الأطفال أحباب الله). وقد نسي كم الأطفال الذين تيتموا وتشردوا وتهجَّروا بفضل سياسات أمريكا في العراق وليبيا وفلسطين وافغانستان.

لا يوجد طفل في مناطق الصراع لم يحمل وشما أمريكياً لذاكرة دموية كانت هي الأعمق. ومن وجهة نظر ترامب- الذي لعق وعوده بإنهاء معاناة السوريين وسواهم- يجب على الإله الأمريكي التدخل لإصلاح حال البشر. حتى وإن استطاع في هذه الظروف منع القنابل والصواريخ عن مجرد أطفال عُزَّل.

لكنه لم يفطن إلى أنَّ كلامه يحمل أمراً بالقتل ذاته. كأنَّ ترامب يقول: ليقتل بشار الأسد جميع الأطفال شريطة أن يكون القتل بأية وسائل أخرى. وليذبح ما يشاء على أن يكون الذبح كما نقبله ونقرره. أما لو اقترب من الاسلحة الكيماوية فهذا ممنوع بتاتاً. وذكر في غبار تصريحاته أن كبح جماح الأسد عمل من أعمال السيادة لأمريكا. لأنَّه يشكل عند هذه المرحلة خطراً على الأمن القومي الأمريكي.

أمريكا الأخرى ( وهي أخرى عادةً ) ليست دولةً حتى نضعها بخانة سياسية تقليدية. إنَّها تقع في مرحلة ما بعد السياسة، ما بعد السيادة، ما بعد العقل، خارج الأطر الحاكمة للأفعال وردود الأفعال الدولية. كم العنف الذي يحكم تكوينها تجاه الآخرين يضعها على أهبة التجاوز. ولا يفوتنا المسؤولية الميتافيزيقية(التي تلصقها بكيانها) عما يحدث في العالم. حتى باتت مرجعاً حاضراً / غائباً يُرجع إليه بمناسبةٍ وبلا مناسبةٍ. فمع التحولات يردد البعض (ضرورة) معرفة موقفها، وتوجهاتها وماذا هي فاعلة بخلاف الواقع. في كل أزمات الدول شرقاً وغرباً تجد أمريكا تطل برأسها الثعباني المترقب لصراع القوى. كيف نفهم هذا الوضع غير المألوف؟ هل سيغير ذلك الوضع أيضاً دلالة القوة إلى فعل خارج نطاقها؟!

تاريخياً منذ أنْ جاءت الدولة تتويجاً حداثياً للمجال العام أخذت بتحديد اقليمها الجيو سياسي والقانوني. لأنَّها تحقق سلطة الوعي الجمعي في إدارة شؤونه على السطح. ذلك لكي يبدو جهازاً سياسياً يقف على مسافة ما من كافة الأطراف. وبصرف النظر عن نجاح الفكرة أم لا فلم يكن متخيلاً أنْ تتخطى الدولة - بشكل فيزيائي- جغرافيا المكان. بل لم يكن كذلك بالنسية لجغرافياً السيادة والحركة الفائضة خارج سلطتها القائمة.

أما الزمان فهو مجموعة الأحداث الوقتية المشروطة التي تصب في مؤسسات الدولة. وتبقى أعمالُ السياسة تدعيما لإطار تاريخي يحكم تطور نظامها وقدراتها الاقتصادية. وبالتالي فالاقتصاد نوعان: اقتصاد مكاني حيث الموقع وثرواته السياسية. لأنَّ دلالته الرمزية تغنيه عما يتطاول إليه ويصبح موقعاً حيوياً على خريطة العالم. وهناك اقتصاد سيادي مفرط يتجاوز حدوده. نستطيع القول بأنه تراكم القوة نتيجة التأثير في الأحداث الجارية. واستناداً إلى امتداد القوة إلى مناطق مجهولة. لكنها تأتي بأكبر العوائد والفوائد للدولة.

تكاد تكون أمريكا تجسيداً مابعد حداثياً لتلك الخلفية. إنها دولة موت الواقع حتى النهاية. واحالته إلى مجرد قرارٍ ملفوف في خرقة باليةٍ تحت بصر المنظمات والهيئات الدولية. فهي دولة استثناء، استثناء عنف وقمع لسواها من الدول اعتماداً على الأرصدة الافتراضية لقوة الرأسمالية. وكذلك من مرحلة إلى أخرى تحول قوتها إلى سلع عسكرية وتجارية وعلاقات وألاعيب. إن النوعين السابقين من الاقتصاد يترجمان إلى فعل كوكبي إزاء العالم والتدخل في التحالفات و تحريك الحروب وترسيم النفوذ.
تهتم ما بعد الحداثة post modernism بسياسات بالتشظي. لا تعترف بالكيانات الشمولية. بل ترى أهمية احداث سيولة على صعيد الوحدات الجزئية ودون الجزئية. فالأولوية تنصرف للعناصر الصغرى إلى حدِ التلاشي. من هنا تعد الدولة -باصطلاح توماس هوبز- بمثابة التنين الأكبر لكنه القابل للانفجار، التحلل. وليس انفجاراً يتم عن مصادفة بل بفعل فاعل. التفكيك والانتثار والبذر، التفريد، التمفصل... هي الأشياء الغالبة على مشهده العام. وكأن ذات المشهد سيستدعي الآتي من قارة العالم الجديد ليرى ماذا يحدث في العالم القديم!

لقد أضحت صورة العالم- على الأقل منطقة الشرق الأوسط- أشبه بقطع البزل. تترامي هنا وهناك وتخضع لعمليات من التركيب وإعادة الهيكلة. والشواش، الفوضى لهما دوماً في السياسة وظيفة أخرى. فهناك ينتظر المتربصون الدوليون إعادة ترتيب العناصر وبعثرة المتماسك وتجميع المختلف وقص ولصق المترامي والبارز. هكذا لا توجد أمريكا اعتباطاً، إنها الأصابع التي تمسك بالخيوط من وراء البحار.

الافتراض وراء ذلك أهمية أنْ يوجد الإله الخفيhidden god في التفاصيل كما أشار ترامب. أو يسري ما يوازيه من جهة القوة والسيطرة مثلما مارس سلفه باراك أوباما. إله يأخذ شكل الهيمنة السياسية على مقدرات الآخرين. ويستعيد وجوده عن بعد راسماً الخطط والمؤامرات دونما أدنى ظهور في المشهد. وهذه استراتيجية القوى الكبرى سياسياً، إنها تستنسخ التجربة الإلهية في الفعل غير المباشر. وهنا لا نغفل دور أمريكا في مسارات الحراك العربي. قيل حينذاك إنها تترقب الأحداث بلا تدخل خشن بينما هي تساعد جماعات الإرهاب الديني على تحطيم الدولة. وكانت حاضرة كحضور المقدس/ المدنس ضمن التفاصيل المتناثرة.

كانت بعض القبائل في جنوب شرق آسيا ترتدي قناعاً مخيفاً للتدليل على قوتها المتوحشة. وهي تفعل ذلك لإرهاب الاعداء ومطاردتهم. فيكون الوجه بخلفية الرأس متوارياً بحيث يصبح للإنسان وجهان متلازمان. أحدهما الوجه الطبيعي بينما يتأخر الثاني بالخلف. و لكن عندما يواجه الفرد عدوه يضع الوجه المخيف بالمقدمة ليغيب شكله الفعلي. وكما لو أنَّ التوحش يحتاج تثبيتاً لنمط من القناع الذي يهيئ القيام بكل الأفعال العدوانية.

هكذا تظهر امريكا دولة عابرة للقارات، محطمة كافة الحدود السيادية. هي تختبئ كالأشباح في التفاصيل المملة. وتقف في ظلال الصراع الدائر بين الطوائف والمذاهب والجماعات والأقاليم. بل تعلن تخطي أوتار السياسة مخترقة حاجز الصوت عبر هذا المضمار. أمريكا تصنع السياسات، تغربلها وتفتتها عن بكرة أبيها. لديها خرائط تفصيلية باحتمالات المستقبل في ظلام التغيرات والتطورات العاصفة.

و"العابرة للقارات" ليست صفة انتقال بل تقنية وجود وتأثير وصياغة. إنها لا تعترف بسيادة الدول الأخرى مهما تكن. وتنظر إلى الأزمنة الخاصة بها على أنها الحضور الممكن تطويعه لصالحها. فحيث تقف قوة أمريكا هنالك عند أقصى نقطة ترسم نطاق سيادتها. لعل قوانين جاستا والقوانين الأخرى التي تخرج عن الكونجرس الأمريكي تترجم هذه اللاحدود. لم تكن لتعنيها خصوصية القضايا المطروحة مهما تكن القارة التي توجد فيها، بل يهمها بالمقام الأول: كيف تستفيد أمريكا من الظروف القائمة؟ وكيف تخترق الحالة السياسية للتلاعب بالقدرات والإمكانيات المتاحة؟!
من ثم ليست المفاجأة فيما قد تعلنه أمريكا عن مسؤوليتها حول أحداث بعينها، مثل ضرباتها الجوية لمعاقبة نظام الأسد على استعماله الغازات الممنوعة أو عندما ضربت إقامة الرئيس الليبي في باب العزيزية أو ما بينهما من احتلال العراق وتدميره، إنما اللافت للنظر: حين تعطي نفسها الحق للقيام بهذا العمل بلا شروط. لدرجة إثارة الأسئلة الدائمة دون اجابات بعينها: أين توجد أمريكا بالضبط على خريطة العالم؟ هل هناك "روح غامض" يسكن سياساتها في أي زمان ومكان؟ وفوق ذلك: لماذا تتضخم دوله ذات نطاق إقليمي لتمتد خارج آفاق الكوكب؟!

إن الحدود هي ما تقف بنا لدى النهايات القصوى لمفهوم الدولة بملء الكلمة. غير أن ما تفعله أمريكا يشير إلى اختلاف أبعد. تلك الوجوه الافتراضية لدولة لا ترى نفسها على أنها كذلك. باستمرار توجد حيث التوسع بعنف بمنأى عن المفاهيم المعهودة للسياسة والعلاقات الدولية. لأنها ببساطة ليست دولة في تلك الوضعية الإقليمية. إنها الوجه القبيح للقوة الزائدة، الهيمنة، انتهاك الحدود، تجاوز الامكان. حيث تمارس الأنظمة الأمريكية المتعاقبة السياسات العسكرية والاستراتيجية تدميراً لجميع القوى الكوكبية المغايرة.



#سامي_عبد_العال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبيٌّ يبحثُ عن أتباعٍ
- خرابُ الإنسان
- ربيع الدماء: عن حفاري القبور!!
- لعنة الثورات: خطيئةٌ بلا غفران
- غسيل الاستبداد: كيف يتطهر الحكام!!
- لا نظرية حول المرأة
- سياسات البط
- وسواس المخدّة: المرأة والشيطان
- التكفير كحادثةِ قتلٍّ
- ربيع القُرود: المثقفون فوق الأشجار
- صوت المقدس
- مشكلة الدين والحقيقة
- نظرية الشر: هل ستموت داعش؟
- أسطورة ترامب ملكاً: هجرة التاريخ
- جرائم شرف
- القُدَّاس السياسي: تنصيب الإله المنتخَب
- السياسة والجنس
- الدين، العولمة، الهوية: انسان بلا جذور
- مجتمع ما بعد الرضاعة
- إرضاع الكبير: كيف تصبح الثقافة ثدياً؟


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سامي عبد العال - دولةٌ عابرةٌ للقارات