أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علاء الدين عبد المولى - نايات في عرس الدم البابلي















المزيد.....

نايات في عرس الدم البابلي


محمد علاء الدين عبد المولى

الحوار المتمدن-العدد: 1439 - 2006 / 1 / 23 - 09:14
المحور: الادب والفن
    


ناي عراقيّ...
فراتٌ من شقوق النايِ يجري ظامئاً
ووراءه الأطفال في مهد النخيلِ
وفوقهم طارت حماماتٌ يعدن مع الغروبِ
إلى احتمالات الحروبِ
نايٌ...
تقاسيمُ الحجازِ تضيء إكليلاً لبابلَ
عندما تمضي إلى عرسِ الأيائلْ
أعدو على أشلائها
وتدقّ في لوح الوصايا
مسمارَ صرختها الأخيرَ وتختفي بين الضحايا...
اتركي أحداقهنَ مشرّعاتٍ للهواءِ
دعي المساء بقيّةً من لقمةٍ سوداءَ
بابلُ: سحركِ العلويُّ عُلّقَ من حدائقه
التي تجري وراء كواكبٍ تهوي
كأنهارِ السنابلْ
وتغيبُ في أرضِ القلوبِ...
نايٌ...
صَبا صبٌّ شآميٌّ
تنفَّس من مقامِ الياسمين صباحه المغلوب
كان النّايُ في شفتينِ بغداديَّتينْ
قمراً نحيلاً مستهاماً بالشجى
يبكي على رأس الحسينْ
نايٌ عراقيّ بلا شفةٍ ينوحُ
مستغرقاً في وحشةٍ عربيّةٍ
ريحٌ تحيطُ فضاءه وتحلّ في رؤياه ريحُ
نايٌ: دليلُ فناءِ عاشقةٍ
تذيبُ روايةَ التفاحِ في سردٍ بدائيٍّ... تصيحُ:
كلّ الذين كتبتُهم في معجم الأسحارِ
دقّوا للرّدى مهباجَ قهوتهم
وشقّوا مخملَ الأحلامِ
ما أعلى ظلالَهُمُ الهزيلةَ
ما أشفّ جلودهم
يقتاتُ من أعضائهم نملٌ جريحُ
نايٌ بلا لغةٍ, فصيحُ
نايٌ يعيد صدى العويلِ إلى مغني الكارثةْ
ليقولَ ما في الفجرِ من إرثٍ
ستحرقه البلادُ الوارثةْ
*
ليلاً / يشيّع مسرحٌ جمهوره
ليمرّ وقتٌ للخرابْ
من بابِ هولاكو...ووقتٌ مضمرٌ للنايِ...
نايٌ فوق ليل النارِ
ماذا يفعل النايُ الضئيلُ
أمام ألغاز الذبائحِ؟
أيّ سورياليّةٍ عبثيّةٍ / كونيّةٍ / عربيّةٍ
تعطي المسمّى اسمه
وتضيء للمعنى فضاءً لا يقولْ؟
من نام حتى توقظوه؟
ومن صحا ويداه غادرتاه يسقط فيهما المجهولُ
هل لعب الصغارُ مع الرغيف قبيل موتهمُ؟
لماذا تفقد الجثث الكلامْ؟
النايُ قاموسٌ يجادلُ أبجدياتِ الفراتْ
وتطير من حجرٍ إلى حجرٍ كأسراب الحمامْ
ولها مكانٌ في الزمانِ, لها زمانٌ في المكانِ
لها الحديثُ لها القديمْ
النايُ أضعفُ من يدِ اللبن اليتيمْ
النايُ إيقاع الضياعْ
النايُ خيمةُ أمةٍ فقدت أمومتها
وأربى في بيادرها الهشيمْ
*
في الليلِ يصحو الموتُ في الشرفاتِ
ذاهبةً إلى وادي الجماجم والمعادنْ
أمّ ترمّم دارها بغبارها
لتقول: من يأتي إليها فهو آمن
والذّعر أحداقٌ مجوّفةٌ
وأرجلُ لحظةٍ مقطوعةٍ
وعمارةٌ حملَ الرضيع جدارها الباقي
وغطى جدّه بوريده المقطوعِ
...قهقهةُ الجحيمِ
...خرائبُ الجنّاتِ تجري تحتها
أنهارُ فجرٍ زخرفته ـ رغم نوم الرّبّ ـ
جمهرة المآذنْ
قيل افتحي يا أرض مقبرةً وضيعي
فاليوم أُغلقتِ البحارُ على السفائنْ
واليومَ أنهى المنشدُ البحّارُ
رقصته على ظهر السفينةِ
ثم حزّ لسانه ليسيل بين دمائه طابور قتلى
من نينوى يمتدّ حتى فجرِ جمهوريّةٍ
تهوي على جسرٍ هوى.
طابورُ قتلى
سرقوا شواهد قبرهم ليزيّنوا تمثالَ حريّاتهم
ليصير أعلى...
*
نايٌ شهدتُ ثقوبَه اتّسعتْ
لتعبرَ كلَّ حينٍ جثةٌ...
ما أكثر الشهداءَ
يبتكرون جنّتهم على مهَلٍ
دعوهم نائمينْ
لا توقظوهم بعد نصف الليلِ
فالأمطارُ نازفةٌ
وهذا القصف لم يهدأ
فقد يستشهدونَ هناك ثانيةً,
دعوهم نائمينْ
يمضون في عتباتِ حلمٍ لا يجوعُ
ولا تضيعُ على مداخله صلاة العاشقينْ
*
نايٌ بآلاف الثّقوبِ
نايٌ على شفة اللهيبِ
يدعو النخيل إلى مضاعفة التمورِ
ليأخذ الأموات حصّتهم
ويغتسلوا مع الأمواتِ في جرن الغروبِ
ممّا ترسّب فوق جلدهم المجعّد من حروبِ...
نايٌ يسافرُ في مخيّلةٍ تودّع نفسها
إن لم تجد أفقاً,
توزّع حنطةً وحليبَ موسيقا
على بيتٍ يشيل الوالدانِ رماده
ويقسّمان هواءه بين العصافير الصغيرةْ
نايٌ...وتشهق بالدخان رئاتُ مملكةٍ
تنام وتنحني أشباحها
في حضرة التاجِ المرصّع بالضّحايا, ينتشي سفّاحها
بمشاهدِ الأطفالِ ينفرُ جلدهم من عظمهم
وبجمّعون رفاقهم كي يدخلوا سرّاً توابيتاً فقيرةْ
نايٌ عراقيّ رمى سجادةً
للواقفين بسجدة الموتِ الأخيرةْ
*
هل هرّب السيّابُ أشجارَ النخيلِ وراء أسوار الفراتْ ؟
أم أشعل النَّوَّابُ كفّيه ليبصر ما تبقّى
من أصابع حلمه المستوحشاتْ؟
وجواهريُّ الحزنِ زركش موته بخيوط منفاه
وغطّى جثّةَ الرؤيا بنهر الشامِ
شدّ على الضلوع سلالةً أخرى
تبشّر في المدى
بطفولةٍ سُرقت وما عثرت عليه السّاحراتْ
والأرضُ تخرجُ ضدّ طين الأرضِ
والأشجارُ ضدّ الريحِ
والأطفالُ ضدّ الحلمِ
والتاريخُ ضدّ العرشِ
والأمواتُ ضدّ النعشِ
بابلُ ضدّ خمرتها
مسارحُ ضدّ جمهورٍ يطهّر إثمَه
بملاعب القتلى
ترابٌ ضدّ نسيانٍ
وماضٍ ضدّ حاضره
ويخرجُ من جواربه زمان منتنٌ
ويلفّ قاماتِ الثواني بالرمادِ
يهبّ من كلّ الجهاتْ
من أيّ مهزومٍ أتى فتحٌ مبينٌ؟
كلّما انكسر العبادُ
أقام قوسَ النصرِ سادتنا الطّغاةْ؟
ياربّ لا... لا ترتفع أعلى, فثمّةَ نجمةٌ ملغومةٌ
والغيم ملغومٌ, وملغومٌ خيالُ المنشدينْ
يا حقّ أبطلتَ الحصادَ
فقأتَ باصرة الجنينْ
ومزجتَ في مهدٍ عجيبٍ
لحمَ ذاكرةٍ بأكياسِ الطّحينْ
ونسيتَ سربَ النحلِ يعوي في سراب الذكرياتْ
وتركتَ غاباتِ الأغاني
لثعالب الصحراء ينقضّون كالأشباحِ
ينتشرون في ليلِ الكرومِ
يردّدون دعاءنا
ويزيّنون فطورنا بغزالةٍ قدسيّة الأحزانِ
تبحثُ عن غزالٍ بابليٍّ ماتَ وهو ينزّ مسكا
الأرضُ تخرجُ ضدّ طينِ الأرض هلكى
والروح جاحظةَ العيونِ طوت عباءتها
وهزّت نخلةً عجفاءَ
لا رطباً ولا ولداً لآلهة العواصفِ
والخرابُ نبوءة العرّافِ
والأعرابُ يزدادون إفكا
نتنٌ يصوغ وجودهم
مذ فضّ داودُ الخيام
فزيّنوا بنجومِه خلخالَ جدّتهم
وتاهت في الرمالِ
وكلّما عثروا عليها علّقوا في ثديها
جرساً لحاخامٍ يدلّ على سلالتهم
ليتّخذوه نسكا
فاطردهم اللهمّ خلف سياجنا
نظّف ترابَ الأرض من خطواتهم
واكسرْ قناديلاً أضاءت مرّةً ظلماتهم
فلقد رفعنا من أصابعنا تلالاً من دموعٍ, وانتهينا
في معبدٍ هرِمٍ, وحُجِّرنا لشدّة ما انحنينا
*
نايٌ ينقّي لي القصيدةَ من حثالاتِ المكانِ
ويذيبُ روحَ الياسمين على كياني
ويضيئني بنحيبه الأبديّ:
منذ حلول سومرَ في الطبيعة
منذ جدّ الأرضِ تموزَ الخصيبِ
إلى نواحٍ كربلائيٍّ
وحتى انشطارِ الأبجديّةْ
والنايُ رقصتنا بوجه البربريّةْ
*
نايٌ لحنجرةِ السوادْ
لرغيفِ جائعةٍ تؤجّلُ نصفه لنهارها الماضي
لمنسيّين تحت ركام شمعتهم
لمرفوعين كالرّاياتِ في غبشِ الحدادْ
نايٌ, ونايٌ للذبيحةِ فوق مذبح كاهنٍ
نوويّة صلواتهُ
ويداه عامودان من لهبٍ, وكيميائيّةٌ زفراتهُ
نايٌ لفجرِ قيامةٍ ما قامَ
نايٌ للعناقْ
في عرس جلجامشْ
نايٌ لعشبِ خلوده الطائشْ
أنثاه لم تعثر على إكليلها
وثيابها احترقت بكبريتِ الرفاقْ
نايٌ لأصداءِ القصيدةِ, للخيالِ وللمجازِ
ولعبة المعنى المفكّكْ
نايٌ لعاشقةٍ تعودُ مع المساءِ بجرّةٍ جوفاء
تبكي ثم تبكي ثم تضحكْ
وتقول للمصلوبِ فوق جدارها
إني أحاول أن أحبّكْ
لا وقت لي / لا وقت لكْ
فارحل معي كي أقتلكْ
وأمدّ فوقي جثتي وأموتُ قربكْ
*
نايٌ إذاً للعائدين
الساكنين بيوتَ فكرتهم سدى
صوتٌ يشتّتهم ليجمعهم صدى
نزلوا إلى الوديانِ
أو صعدوا من الوديانِ في رعبِ المدى
دفنوا ضحاياهم وهو ساهون عن قصدِ الردى
رفعوا على الأكتافِ مقبرةً, أضافوا للندى
حجراً بدائيّاً... وعادوا في الصباحِ إلى العملْ
وأنا نجوتُ
لعلّني أختارُ موتي دون أن
أحتاجَ حمْل الصّخرةِ السّوداء
من أعلى الجبلْ
ولعلّني أنهارُ أكثر
عندما أختارُ
فلسفة الأملْ...

28 – 12 – 1998
12 – 1 – 1999



#محمد_علاء_الدين_عبد_المولى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوميات نسبية لكائن ليس مطلقاً
- القصيدة في الطريق إليكم
- عويل في جنازة شرقية
- ختامها يوسف
- مقدمة في نقد الحداثة- بين البدعة والاختلاف
- تشكيلات في مديح ريحانة الأُنس
- أغزو العالم بأحذية جنوني
- محاولة قراءة جديدة في تجربة نزار قباني الحلقة الخامسة
- قصيدة وداع الامبراطور الأخير
- محاولة قراءة جديدة في تجربة نزار قباني الحلقة الرابعة
- محاولة قراءة جديدة في تجربة نزار قباني الحلقة الثالثة
- محاولة قراءة جديدة في شعر نزار قباني الحلقة الثانية *
- قصائد قصيرة
- حلقة أولى من سلسلة دراسات نقدية عن تجربة نزار قباني
- صحوُ القصيدة
- حِوَارٌ مع المفكّر السّوري د. برهان غليون


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد علاء الدين عبد المولى - نايات في عرس الدم البابلي