أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سمير فريد … عصفور النقد النبيل














المزيد.....

سمير فريد … عصفور النقد النبيل


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5483 - 2017 / 4 / 6 - 15:51
المحور: الادب والفن
    


لكِ يا مصرُ أن تحزني، فقد سقطت ورقةٌ خضراءُ يانعةٌ عن شجرتك الوارفة بالأمس. رحل عنكِ يا مصر قلمٌ شريف لم يعرف يومًا إلا مساندة الجمال ومحاربة القبح والوقوف بجوار الحق مهما كلّفة ذلك من سهامٍ تناطحُ هامتَه من هنا أو من هناك، ولا تطال عُلوَّه. رحل تاركًا وراءه كنزًا وفيرًا من الكلمات النيّرات التي أضاءت دروب الفن السابع، والشأن المصري العام. رحل تاركًا وراءه خمسين كتابًا ورفوفًا وأدراجًا وحوائطَ ملأى بالأوسمة والدروع وشهادات التكريم من مصر ومن العالم. رحل وقلمُه لا يزالُ عالقًا بين أصابعه يكتبُ حتى اللحظة الأخيرة مقاله اليومي في "المصري اليوم"، لم يبخل يومًا بمداد نبيل ينثره فوق صفحات عيوننا لنتعلّم ونتثقّف ونتعرّف على أفلام العالم ونجوم الدراما في شتى أنحاء الأرض.
بشوكة وجع مغروسة في حنايا القلب، أرثي هذا القلم الفنيّ والإنساني الرفيع، الذي حمله الناقد الفني والمؤرخ السينمائي الكبير "سمير فريد"، وظل ينزف مداده النبيل حتى اللحظة الأخيرة انتصارًا للجمال ومناهضةً للقبح.
لم يصمت العصفور، لأن صدح العصافير يظلُّ يرنُّ صداه في الأفق حتى بعدما يتوقف القلبُ عن الخفقان. فالعصافير لا تموت لأن تاريخها باق. ليس العصفورُ الذي يغّردُ وحسب. ثمة عصفورٌ أخطر يقف على شجرة قريبة، يحلّل لنا التغريدَ، ويفكّ شفرات حزنه وفرحه وصَدَحاته. لولا ذاك العصفور "الناقد"، لظلّت تغريداتُ البلابل محضَ نغماتٍ مُبهمات وطلاسمَ؛ يزولُ أثرُها بمجرد صمت البلبل.
هو الناقد الكبير "سمير فريد"، الذي قدّمتُ له التحية ذات صباح طيب في مقالي بالمصري اليوم، ليس لفوزه يومها بالجائزة التقديرية للنقد السينمائي في الهند، كأول عربيّ يحصد تلك الجائزة، ضمن العديد مما نال من جوائز وميداليات ذهبية كسفير مصرَ في أكبر مهرجانات العالم الفنية، بل لاستحقاقه التحية يومها واليوم ودائمًا، كأحد أكبر رموزنا الفكرية المعاصره الذين حققوا معادلة جرامشي العسِرة: "المثقف العضوي". فهو، كصاحب مشروع ثقافي وتنويريّ، لم يقبع في مربعه الضيّق، على رحابته، وهو النقد السينمائي، بل دائمًا ما كان ينطلق من مربّعه الفنيّ ذاك، ليصبَّ بثقافته الموسوعية، في الرقعة الفكرية والوطنية الأوسع: الإصلاح الفكريّ والأخلاقي للمجتمع المصري.
يمتلك عصفورُنا مفاتيح اللغة السينمائية الخبيئة. فإن قرأتَ مقالاً تحليليًا لسمير فريد حول فيلم، تجد أن شفراتٍ وألغازًا، وتعاويذَ فنيّةً قد انفتحت سراديبُها. فينسابُ مجددًا أمام عينيك، شلالُ المَشَاهِد، بروئ جديدة لم تكن قد تبلورت لديك في المُشاهدة الأولى، قبل قراءة مقاله النقدي. حدث هذا معي في رائعة شادي عبد السلام: "المومياء". بعد قراءتي تحليل سمير فريد للفيلم؛ انفتحت أمامي فجأة خبايا الضوء والظلال والمكان وتحوّلات الزمان ودورة الشمس وحركة الكاميرا والموسيقى التصويرية ولغة الشخوص وتعبيرات الوجوه وتعاويذ المومياوات، لأجدني أقفُ ليس وحسب أمام دراما رفيعة لمخرج عظيم، بل أمام مغارة ثرية من الفكر لا تتحقق بقراءة ألف كتاب في الفلسفة والفنون.
يعرف "عميد النقاد السينمائيين" كيف يُبسِّط للقارئ لغة السينما المعقدة، بعدما يسلّمه مفاتيح الحصن. فبعد قراءتك كتبه الخمسين، في النقد والتأريخ السينمائي، أو بعضها، ومقالاته بالمصري اليوم وغيرها، لن تعود تشاهد السينما كما اعتدت أن تشاهدها بوصفها سردًا لحكاية لها بداية وذروةٌ وخاتمة، بل ستضطلعُ مع المخرج في عمله، فتروق لك زوايةُ الضوء في هذا المشهد، وترفض عدم انسيابية حركة الكاميرا في مشهد آخر، كما ستشارك السيناريست عمله؛ فتجد هذه العبارة ناتئة عن النص، وتصفّق للحظتيْ الصعود لذروة العقدة الدرامية، والهبوط منها. أنت الآن تبرح مقعد "المتفرّج" لتتخذ مكان "العين الفاحصة" للدراما.
أما دوره التنويري فأهوَلُ من أن يحمله غُصني النحيلُ هذا. في مقال حديث له قدّم روشتة علاج ممتازة للشباب الغارق في تشويش الظلام وفقدان الهوية: عليهم قراءة عشرة كتب عن مصرَ كحضارة من أرقى الحضارات، ثم افخروا بهويتكم التي لا تعرفونها.
أيها النبيل الراقي الناقد الفني والمؤرخ السينمائي سمير فريد، لك أياد بيضاء حانية عليّ، وعلى آلاف غيري. فنم ملء جفونك عن شواردها، وسلامٌ عليك يا أستاذي الجميل. ولِيُحسن اللهُ عزاءنا فيك، وعزاء مصر.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطفل الأحمق والطفلة الغبية
- محمد عناني … ذلك العظيم
- حاكموا: فقر خيال نجيب محفوظ!
- الأرنبُ الصغير … يا وزير التعليم!
- أمهاتٌ على أوراق الأدباء
- مَن يكره عيدَ الأم؟
- مصحفٌ من يد دميانة
- محمد عبد الوهاب طاووس الشرق
- تحية احترام للبابا تواضروس
- عزيزي ربنا …. ممكن أعرف عنوانك؟
- أطرقُ باب بيتٍ لا يعرفُ الحَزَن
- المعاصي سرُّ الغلاء .... يقول الإمام
- إنهم يصنعون المستقبل في الإمارات
- المرأةُ العفريت … المرأةُ الصقر
- المعاصي سرُّ الغلاء
- لستُ متسامحة دينيًّا
- رسالة إلى شيخ الأزهر من مصري مسيحي (5)
- الأقباط ليسوا بحاجة إلى بيوتنا بل إلى بلادهم
- فيس بوك من دون زجاج
- امنعوا بناتكم من التعلّم!


المزيد.....




- الفنانة يسرا: فرحانة إني عملت -شقو- ودوري مليان شر (فيديو)
- حوار قديم مع الراحل صلاح السعدني يكشف عن حبه لرئيس مصري ساب ...
- تجربة الروائي الراحل إلياس فركوح.. السرد والسيرة والانعتاق م ...
- قصة علم النَّحو.. نشأته وأعلامه ومدارسه وتطوّره
- قريبه يكشف.. كيف دخل صلاح السعدني عالم التمثيل؟
- بالأرقام.. 4 أفلام مصرية تنافس من حيث الإيرادات في موسم عيد ...
- الموسيقى الحزينة قد تفيد صحتك.. ألبوم تايلور سويفت الجديد مث ...
- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - سمير فريد … عصفور النقد النبيل