أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة















المزيد.....

عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5483 - 2017 / 4 / 6 - 03:44
المحور: الادب والفن
    


تتمحور رواية "عذراء سنجار" للقاص والروائي العراقي وارد بدر السالم على احتلال قضاء سنجار من قبل عصابات "داعش" في ظروف غامضة حيث انسحبت قوات البيشمركَة من دون قتال تاركة الإيزيديين البسطاء يواجهون مصائرهم المفجعة بين القتل والأسر والسبي والتشريد. ومع أنّ المآسي واحدة لا تتجزأ فإن سبيّ أكثر من ثلاثة آلاف امرأة إيزيدية من مدينة سنجار والقرى التابعة لها واغتصابهنّ ثم بيعهنّ في أسواق النخاسة هو حدث مأساوي كبير لا تلمّ به الفنتازيا، ولا يحيط به الخيال الجامح فهل يستطيع عمل أدبي أن يرقى إلى هذه الكارثة التي ألمّت بكل الإيزيديين الذين وقعوا في الأسر ولم يستطعيوا الفرار إلى الجبل الشاهق المُطل على المدينة المنكوبة؟
لابد من الإشارة إلى أنّ وارد بدر السالم روائي بصْري مقيم ببغداد حاليًا ولم يرَ سنجار حتى هذه اللحظة وكل عُدّته البَصَرية تكمن في زيارته لمخيمي إيسيان وباعذرا ومعبد لالش النوراني ولقائه ببعض الناجيات من الأسر الداعشي البغيض فكيف تمكن من كتابة هذا النص الروائي الناجح شكلاً ومضمونًا من دون أن يرى سنجار أو يتعرف على أيٍ من الشخصيات الروائية الرئيسة أو الثانوية على حدٍ سواء؟
يكشف متن الرواية وهوامشها أن كاتبها قد قرأ عشرات الكتب عن الديانة الإيزيدية وعلى رأسها "كتاب الجلوة" و "مصحف رش"، كما أفاد من بعض الأدباء والكُتّاب الإيزيديين الذين أمدّوه بمعلومات تاريخية واجتماعية وثقافية ودينية عن هذه الطائفة الكريمة التي يعود تاريخها في تلك المضارب إلى سبعة آلاف سنة في أقل تقدير. وأكثر من ذلك فإن مَنْ يعرف وارد بدر السالم من كثب يُدرك جيدًا أنّ مخيلته المتقدة التي أبدعت وتألقت في "ذلك البكاء الجميل"، "أصابع الصفصاف"، "جذوع في العراء" و "عجائب بغداد" لا يجد صعوبة في أن يشحذ خياله إلى أقصى مداه لينجز عملاً أدبيًا يتسيّد فيه الخيال على الواقع المكتظ بالأساطير والخرافات التي نسجتها الذاكرة الجمعية للإيزيديين العراقيين على وجه التحديد.
يمكن تشبيه بنية هذه الرواية وحبكتها الداخلية بجديلة طويلة مضفورة من ثلاث خُصُل وهي الخيال الفنتازي، والواقع المرير، والأساطير المُجنّحة بالإضافة المفاجآت المدهشة التي تخفِّف من قسوة الأحداث الدموية المرعبة التي تحتدم على مدار 74 فصلاً تحيلنا من دون شك إلى الغزوات الأربع والسبعين التي تعرّض لها الإيزيديون على مرّ التاريخ من دون أن يتبرأوا من ديانتهم التوحيدية أو يتخلوا عن قناعاتهم الشخصية.

الشخصية المُنشطرة
بسبب الاحتلال الداعشي لمدينة سنجار وقراها والتبديل القسري لديانتهم تنشطر شخصيات الأسرى السنجاريين، وتتبدل أسماءهم أيضًا فيصبح سَرْبَسْت "آزاد"، ويُسمّى دلشاد "عبد الحافظ"، ويتحول سالار إلى "عبدالله"، ونارِين إلى "عائشة" ومنْ يصرّ على التشبث بديانته الإيزيدية فعقابه الموت ذبحًا، أو شنقًا، أو حرقًا، أو رميًا بالرصاص، أو دفعًا من منارة شاهقة. لا يمكن الإحاطة بجميع الشخصيات الواردة في النص الروائي لكننا نستطيع أن نقسِّمها ببساطة إلى جلادين وضحايا وشخصيات رمزية حيث ينتمي إلى القسم الأول حجي خان الأفغاني، وأبي عائشة، وصهيب، وخورشيد الكردي وغيرهم بينما ينتمي إلى فئة الضحايا غالبية السنجاريين أمثال سربست، نيشتيمان، المرأة الحامل، العجوز، شيرين، دلشاد، سالار، عفدال، عيدو، نالين والفتى العربي وسواهم من الشخصيات المُضطَهَدة التي لم تغادر المدينة، أما الشخصيات الرمزية التي "أنْسَنَها" المؤلف فهي الحمامة، والصقر، والغراب، والفراشة، والنجمة، والكلب وأضفى عليها أبعادًا عجائبية فبعضها يحب، وبعضها الآخر يتكلم، والثالث يستوعب ما يدور حوله!
لا يشتمل الخيال الفنتازي على الشخصيات الرمزية المُشار إليها توًا وإنما يمتد إلى بعض الأحداث العجائبية مثل غوص "عفدال" في الأرضية الكونكريتية للطارمة بعد أن ألقوه من سطح المنزل أو إنقاذ "عيدو" المجنون من قبل صقر هبط بشكل شاقولي ليحطم القفص الحديدي وينتشله من النار التي شبّت في قدميه ولم تصل إلى بدلته البرتقالية بعد.
تكتظ الرواية بالأفكار المُهيمنة التي تتردد على ألسنة الضحايا إلى الدرجة التي يصعب فيها على الناقد المتخصص تحديد الثيمة المركزية التي تشعّ على مدار النص الروائي الطويل. وعلى الرغم من أهمية الصرخة المُلتاعة التي تطلقها نيشتيمان، ابنة سربست المُستباحة: "تو تكي دري بابو؟"(أينكَ يا بابا؟) إلاّ أن الثيمة الرئيسة تكمن في عجز البطل سربست، وتتجلى في ضعفه البشري في مواجهة هذه المحنة الجماعية التي شلّت المدينة برمتها، ولعل نبوءة "الكوجك" أو العرّاف تحمل قدرًا كبيرًا من ثيمة الوهن الإنساني حينما يخاطبه قائلاً:". . إنك يافتى ستعيش حياة كدِرة مثل السمكة التي تسبح في الماء الخابط. . . وسيقتلكَ ماءٌ من ظهرك"(267). يلعب الروائي على هذه الثيمة الكونية بمقاربة تشويقية تقطِّع الأنفاس بحيث يشعر القارئ بين فصل وآخر بأن الأب سيعثر ابنته المخطوفة والأسيرة نيشتيمان آخذين بنظر الاعتبار أن هذا الاسم يعني "وطن" فتتضاعف المحمولات الدلالية لتصبح العملية بحثًا عن وطن مخطوف ومستباح بكامله وليس مجرد ابنة واحدة فُقِدت في خضم الاجتياح ولن يجدها لأنها تحولت إلى كوّة أمل يُطل من خلالها على المستقبل القريب الخالي من المحن والكوارث في أقل تقدير.

المنحى الأسطوري
لم تسقط الرواية في فخّ المباشرة والتقريرية على الرغم من احتشادها بالمَشاهد الواقعية الصادمة التي وثقّت بطريقة فنية ما قامت به عصابات داعش على مدى عام وبضعة أشهر، فلنتخيل ردود فعل المتلقي وهو يقرأ عشرين مشهدًا لجلد الصبايا والشباب "المُخالفين لتعاليم شريعة داعش"، وبتر الأكف اليمنى لأيدي السرّاق بالسواطير، أو شنق النساء اللواتي لم يطاوعنَ أزواجهنَّ، أو إعدام الرجال والنساء الإيزيديين خنقًا لأنهم لم يغيّروا ديانتهم، أو إخصاء الأطفال كي لا ينجبوا "كُفارًا" في المستقبل، أو خِتان النساء المتزوجات كي لا يرتكبن المعصية، أو إلقاء السُكارى مكتوفي الأيدي من الجسر الحديدي كي يموتوا غرقًا وسواها من المّشاهد المروّعة التي تقشعر لها الأبدان.
وبغية تخفيف هذه القسوة التي تغطي مساحة واسعة من هذه الرواية لجأ الروائي إلى الفانتازيا تارة وإلى الأساطير المجنحة تارة أخرى، فالقارئ يعرف سلفًا أن الطيور لا تتكلم لكنه يتقبّل هذه الظاهرة الأسطورية حينما ترد ضمن سياقها العجائبي الذي يجعل من الصقر عاشقًا للمرأة الحامل، أو من الغراب كناقلٍ للأخبار أو أن الحمل يمكن أن يمتد لثلاثة عشر شهرًا ثم نكتشف في خاتمة المطاف الحيلة الغريبة للمرأة التي تذرعت بالحمل الزائف بينما كانت تشدّ على بطنها وسادة بمجموعة من الخرق! وأكثر من ذلك فإن المؤلف جعلنا نصدّق فعلاً بأن "عفدال" الذي رموه من السطح قد غاص فعلاً في أرضية الطارمة الكونكريتية وقد نبتت مكانة شجرة تين أخذت تكبر يومًا بعد يوم وسوف تتحول إلى مزار يحجّ إليه الإيزيديون من كل حدب وصوب.
لا شك في أن الأصوات المتعددة للرواة بما فيها صوت المؤلف نفسه تدين المواقف الغامضة لحكومتي المركز والإقليم اللتين لم تُحركا ساكنًا لتضعا حدًا لهذه الجريمة النكراء أو تُقللا من خسائرها الجسيمة وإنما تركتا الحبل على الغارب وأتاحتا للإرهابيين أن ينفردوا بالإيزيديين كما تنفرد الذئاب الجائعة بآلاف الفرائس الواهنة العزلاء.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التربية الجمالية في الفكر المعاصر
- سينما المؤلف
- ضوء القمر ولغته البصرية المرهفة
- رواية -التوأم-. . نص أدبي مُدوّن بعينٍ سينمائية
- لا أحد يعود. . . نصوص متماسكة ترتدي حُللاً جديدة
- عام السرطان: سيرة روائية لمقارعة المرض العُضال
- رولان بارت الكاتب الذي أماتَ المؤلف، وأحيا القارئ
- فيلم Elle سردية بصرية تخالف توقعات المُشاهدين
- فيديل كاسترو: عدوّ أميركا اللدود
- النكهة المحليّة في قصص فاتحة مرشيد
- مانشستر على البحر: قوّة التقمّص وبراعة الأداء
- نساء في الظل يقوّضنَ جدران الفصل العنصري
- عفوية السرد وسلاسته في معارك الصحراء
- الحداثة: مقدمة قصيرة جدًا
- المصداقية والإبهار في فيلم مواقع مقدسة: البتراء
- الأدب الإنجليزي ومراحل تطوره عبر ستة عصور
- جيرنيكا: أيقونة الألم البشري
- جاذبية اللغة البصرية في فيلم يوم الملِك
- مُذكّرات صيّاد لتورغينيف: قرأها القيصر فألغى نظام القنانة في ...
- أنثولوجيا شعرية تدور في فلَك الأم


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - عذراء سنجار: وطن مخطوف وطائفة مُستباحة